أفريقيا

التفاقم المستمر … إثيوبيا بين طائرات الشحن والمعارك الميدانية

شارفت إثيوبيا على دخول عامها الأول من المعارك الميدانية المستمرة في إقليمي “أمهرا” و”أورمو”، ومن قبلهما إقليم “تيجراي”، بجانب مواجهات متفرقة تشمل معظم الأقاليم الإثيوبية مثل إقليم “أرض الصومال” و”عفر” و”بني شنقول”. لعل التطور الأبرز خلال الأسابيع الأخيرة، وتحديدًا منذ اواخر الشهر الماضي، كان بدء تباطؤ التقدم الميداني للوحدات التابعة لقوة دفاع تيجراي، وتحول هذا التقدم في بعض المحاور خلال الأسابيع الأخيرة، إلى تراجع محدود أمام وحدات الجيش الإثيوبي المدعومة بالوحدات المحلية التابعة لإقليم أمهرا.

في المقابل، نجد أن وحدات جبهة تحرير أورومو، التي تقاتل حاليًا في معظم مقاطعات إقليم أورومو الذي يضم العاصمة أديس أبابا، تمكنت خلال الأسابيع الأخيرة من زيادة زخمها الهجومي، مستفيدة من تركيز قوات الجيش الإثيوبي على تعزيز وحداته في إقليمي “عفر” و”أمهرا”، وأصبحت تقاتل بشكل فعلي على التخوم الشمالية والغربية للعاصمة، وامتدت سيطرتها لتشمل مناطق كاملة في القطاعين الغربي والشمالي لإقليم أمهرا.

تقدم متشعب لوحدات جبهة تحرير أورومو

تزايدت خلال الأسابيع الماضية رقعة عمليات وحدات جبهة تحرير أورومو، فباتت تشمل نحو 90% من مقاطعات الإقليم. ميدانيًا باتت عمليات الجبهة منقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول تحاول فيه قوات الجبهة تأمين تمركزها في مناطق سيطرتها شمال غرب وشمال الإقليم، وتحديدًا مناطق نفوذها الأساسي في مقاطعات “كيليم ويليجا”، و”ووليجا الغربية”، و”ووليجا الشرقية”، بجانب مد قوس عملياتها ليشمل مقاطعتي “جيما” و”إلوبابور” وسط الإقليم.

وقد نفذت وحدات الجبهة خلال الأيام الأخيرة عدة كمائن ضد وحدات الشرطة المحلية ومواقع القوات الإثيوبية والإريترية، وتمكنت من السيطرة على واحد من أكبر مصانع السكر في إثيوبيا، والواقع في منطقة “فينيشا” بمقاطعة “هورو جودورو” المتاخمة للحدود مع إقليم أمهرا، وباتت قوات الجبهة على تماس مع مدينتي “فينيشيا” وعاصمة المقاطعة “شامبو”. يضاف إلى ذلك توسيع آخر لرقعة سيطرة الجبهة على مدن إقليم “شيوا الشرقية” وآخرها مدينة “ساسيجا”.

القسم الثاني هو نطاق شمال وغرب العاصمة أديس أبابا، وفيه تستكمل وحدات جبهة تحرير أورومو تحركاتها التي بدأت منتصف الشهر الماضي، حين تحركت تلك الوحدات بشكل سريع في مقاطعة “شيوا الشمالية”، وسيطرت على مدن عديدة بها مثل “بورينا – دوجدا – دورو – أبوتي”. الجديد في هذا الصدد كان تمكن وحدات الجبهة عبر سلسلة من العمليات الخاطفة، من السيطرة الكاملة على معظم المدن الرئيسية في مقاطعة “شيوا الغربية” المحاذية للحدود الغربية للعاصمة أديس أبابا، خاصة المدن الشمالية مثل “جيبري جوراشا – تولو ميلكي – جوهاتسيون”، بجانب مدينة “أدي بيرجي” التي تعد المنطلق الحالي لهجمات الجبهة على الأجزاء المتبقية في جنوب هذه المقاطعة، وكذا الأجزاء الشمالية من مقاطعة “شيوا الجنوبية الغربية”.

بهذا تكون العاصمة مهددة من اتجاه مقاطعتين من المقاطعات الأربع المحيطة بها، خاصة أن العمليات في مقاطعة “شيوا الشمالية” تزايدت حدتها مؤخرًا، وباتت تضم المدن الواقعة شمالي العاصمة، مثل “جوفرو” و”سولوتا” التي تعد مدينة حدودية بين المقاطعة والعاصمة، وهو الوضع الذي دفع القوات الحكومية الإثيوبية إلى شن هجوم كبير خلال الأسبوع الماضي على الوحدات الجبهة في جنوب مقاطعة “شيوا الشمالية”، بهدف تقليل حدة هذا التهديد.

القسم الثالث من عمليات جبهة تحرير أورومو، تم عبر عمليات خاطفة نفذتها عناصر خاصة تابعة للجبهة، بدأت في الانتشار في المقاطعات الجنوبية، ضمن عملية عسكرية تم إطلاقها أواخر يوليو الماضي تحت اسم “Elemogilxu”، وكانت تستهدف في البداية بشكل أساسي مقاطعة “جوجي” المتاخمة لإقليم “سيداما”، بهدف تحجيم قدرة هذا الإقليم على إمداد وحدات الجيش الإثيوبي بالمقاتلين المحليين التابعين له، خاصة أن سلطات هذا الإقليم شرعت مؤخرًا في تنفيذ حملات تجنيد إجبارية.

تمكنت قوات الجبهة من إيجاد موطئ لها داخل مقاطعة جوجي، خاصة في مدينة “ميلكا جوبا”، بجانب عاصمة المقاطعة “بولي هورا”. ومؤخرًا تمكنت من توسيع عملياتها لتشمل مقاطعات “بورينا” و”بالي”، وشمالًا نحو مقاطعة “أرسي الغربية” و”هراجي الغربية”.

من أهم أسباب تزايد الزخم الهجومي لجبهة تحرير أورومو مؤخرًا، استغلال الجبهة لانهماك معظم القوة العسكرية الأساسية الإثيوبية، خاصة وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، في محاولة إيقاف تقدم وحدات قوة دفاع تيجراي في إقليم أمهرا، فعكفت على محاولة إدامة تحركاتها الهجومية في معظم مناطق إقليم “أورومو” مركزة على المعسكرات الرئيسة للجيش الإثيوبي؛ “بهدف الحصول على أكبر قدر من الأسلحة والذخائر”.

وفي نفس الوقت اهتمت قيادة الجبهة بتدريب مئات المقاتلين الجدد التابعين لقومية الأورومو، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية من الإقليم، حيث تم تخريج ما بين 2000 و3000 مقاتل، على دفعتين خلال الأسبوعين الماضيين، بعد تدريبهم على حرب العصابات والعمليات الخاصة، وهي سمة من سمات عمل مقاتلي الأورومو، الذين دومًا ما يفضلون هذه الطريقة في القتال لتعويض ندرة وسائط النقل والقتال.

عقبات متزايدة أمام قوة دفاع تيجراي في إقليم أمهرا

تبدو الظروف الميدانية الحالية لقوة دفاع تيجراي في جبهة قتالها الرئيسة شمال شرق إقليم أمهرا، وتحديدًا ولاية “وولو الشمالية”، مختلفة عن أوضاع هذه الجبهة منتصف الشهر الماضي؛ فبحلول يوم 20 أغسطس الماضي كانت وحدات قوة دفاع تيجراي منفتحة على طول طريق “بي-22” المتجه غربًا، بهدف أساسي وهو قطع التواصل البري بين عاصمة إقليم أمهرا “بحر دار”، وبين مدينة “جوندار” التي تعد نقطة الدعم الأساسية لوحدات الإريترية والأمهرية المتواجدة في غرب إقليم تيجراي. وصلت قوة دفاع تيجراي إلى مناطق “جونا” و”كيمير دينجاي” و”جاساي”، وباتت بحلول أواخر الشهر الماضي تسيطر ناريًا على مدينة “ديبري تابور”. (يرجى مطالعة المادة المعنونة “تحالف الضرورة … توحيد الجبهات بين الشمال والغرب الإثيوبي“).

لكن توقف تقدم وحدات قوة دفاع تيجراي إلى هذا الحد، وبدأت وحدات الجيش الإثيوبي المدعومة بالوحدات الأمهرية الخاصة، في عكس هذا التقدم، وسيطرت حتى الآن على “جونا” و”نيفاس موشيا” و”ديبري زابيت” و”فيلاكيت”، وأصبحت على تماس مع وحدات قوة دفاع تيجراي في مدينة “جاشينا”. يضاف إلى ذلك تباطؤ وتيرة تقدم قوة دفاع تيجراي على الاتجاه الثاني في هذه الجبهة، وهو الاتجاه الجنوبي، فبعد أن كانت قد وصلت إلى بحيرة “حايك” التي تقع شمال مدينة “ديسي” الاستراتيجية، تراجعت القوة إلى جنوبي مدينة “ميرسا” بعد سلسلة من الهجمات التي شنتها القوات الخاصة الأمهرية.

هذا كله يضاف إلى حقيقة أن قوة دفاع تيجراي قد فقدت -خلال الشهر الماضي- على معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها في الجزء الشمالي الغربي والجنوبي الغربي من إقليم “عفر” المجاور لإقليم تيجراي، خاصة مدن “هرار جيباي” و”كيلوان” المتاخمتين لنقطة الانطلاق الأساسية لقوة دفاع تيجراي في عملياتها بإقليم أمهرا، وهي مدينة “وولديا”. 

الواضح أن الجيش الإثيوبي بات يعتمد مع الوحدات الأمهرية المتحالفة معه، على تكتيك يضغط فيه بقوة على خطوط إمداد قوة دفاع تيجراي، لوحداتها العاملة في إقليم أمهرا، إذ حاول مهاجمة مدن “لاليبيلا” و”كوبو” و”سيكوتا” لقطع الإمداد عن مدينة “وولديا”، وفي نفس الوقت أطلقت الوحدات الأمهرية هجومًا على الجبهة الشمالية الغربية في إقليم أمهرا -وهي جبهة كانت قد هدأت بشكل شبه تام أواخر يوليو الماضي- وسيطرت على مدينة “زاريما”، لتقترب مرة أخرى من حدود الإقليم مع إقليم تيجراي.

من الأسباب التي يمكن أن نضعها في الحسبان لتحليل أسباب تباطؤ التقدم الميداني لقوة دفاع تيجراي في إقليم أمهرا، حقيقة أن الوحدات الإثيوبية المشاركة في قوة “يونيميد” العاملة في منطقة “ابيي” السودانية، قد أتمت انسحابها من هناك ووصلت إلى الأراضي الإثيوبية، وتم الدفع بها في اتجاه إقليم أمهرا. يضاف إلى ذلك تمكن الحكومة المحلية في إقليم أمهرا من حشد مئات المقاتلين بعد تدريبهم لمدد تصل إلى 20 يوم، في معسكرات تدريب بمدن قريبة من جبهات القتال، مثل مدينة “ديربي ماركوس”.

يضاف إلى ما سبق، رصد دخول وحدات النخبة الإثيوبية والإريترية بشكل أكبر في العمليات على كلا الجبهتين “جبهة أمهرا – جبهة أورومو”، وهذا يظهر من خلال بعض أنواع الأسلحة التي صادرتها قوة دفاع تيجراي وجيش تحرير أورومو خلال الفترة الماضية، حيث تضمنت الدبابات المصادرة مزيد من دبابات “تي-72 بي1” في حالة فنية جيدة، بجانب دبابات تظهر للمرة الأولى في المعارك الإثيوبية، وهي دبابات “تي-71 يو أيه 1″، وهي نسخة مطورة في أوكرانيا من دبابات تي -72، وكانت الوحدات المدرعة التابعة للحرس الجمهوري الإثيوبي تتسلح حصرًا بها. هذه الوحدات تتسلح أيضًا ببندقية القنص التركية الصنع “كاركال – سي أس أف 338″، وقد صادر جيش تحرير أورومو عدة نماذج من هذه البندقية مؤخرًا، بجانب أعداد من البندقية الهجومية البلجيكية “إف أن- بي 90″، التي تتسلح بها القوات الخاصة الإريترية.

بحث أديس أبابا عن الدعم الخارجي والداخلي

من التطورات اللافتة التي طرأت على الميدان الإثيوبي خلال الأسابيع الأخيرة، كان الحركة المتزايدة لطائرات الشحن المدنية من عدة بقاع نحو المطارات الإثيوبية، وتحديدًا منذ الثالث والعشرين من يوليو الماضي. المواضع التي أتت منها هذه الطائرات – وهي (إيران – أذربيجان – تركيا – الصين – قطر)، كان لكل منها أهمية ودلالة خاصة، يمكن على أساسها وعلى أساس مؤشرات ميدانية اخرى ظهرت خلال نفس الفترة، أن نستخلص أن الجيش الإثيوبي يحاول بشتى الطرق استجلاب أسلحة نوعية من الخارج، بهدف عكس التراجع الميداني الذي عانى منه منذ أوائل العام الجاري وحتى الآن.

السمة الأساسية في هذه الرحلات كانت أنها جميعًا لطائرات شحن مدنية، حيث تم تسجيل ثماني عشرة رحلة شحن -على الأقل- بين المطارات الإثيوبية ومطارات الدول السالف ذكرها. وهي رحلات كانت في مجملها مفاجئة؛ إذ لم تكن هناك أية رحلات منتظمة لهذه الطائرات إلى المطارات الإثيوبية. 

البداية هي مع طائرة الشحن العملاقة “انتونوف-124″، التابعة لشركة “انتونوف” الأوكرانية، التي تقوم عادة بتأجيرها لمن يرغب في نقل حمولات ثقيلة عالية القيمة، خاصة الحمولات العسكرية. تم حتى الآن تسجيل رحلة واحدة لهذه الطائرة من مطار “شينجدو” الصيني، مرورًا بالأجواء الباكستانية، لتصل في السابع عشر من الشهر الحالي إلى قاعدة “هرار ميدا” الجوية، الإثيوبية، التي تعد القاعدة الجوية الأساسية لسلاح الجو الإثيوبي.

الطائرة الثانية في هذا السياق هي طائرة شحن من نوع “بوينج 747″، تابعة لشركة “سيلك واي ويست” الأذربيجانية، حيث نفذت هذه الطائرة ما مجموعه سبع رحلات من مطار مدينة باكو الآذرية إلى مطار أديس أبابا الدولي، في الفترة بين الثاني من أغسطس الماضي والسابع والعشرين من سبتمبر الحالي.

الطائرتان الثالثة والرابعة في هذا الجسر الجوي كانتا تابعتين لشركتين إيرانيتين، الأولى هي شركة “بويا إير”، التي تمتلك طائرة نقل من نوع “إليوشن – 76″، ونفذت خلال الفترة بين الثالث والعشرين من يوليو الماضي والثامن والعشرين من سبتمبر الحالي، أربع رحلات بين مطار طهران الدولي وقاعدة هرار ميدا الجوية الإثيوبية. الشركة الثانية هي شركة “قشم فارس”، التي تشغل طائرات شحن من نوع “بوينج – 747″، وزارت طائراتها مطار أديس أبابا الدولي ثلاث مرات ما بين السادس عشر من أغسطس الماضي والثالث والعشرين من سبتمبر الجاري.

يضاف إلى ما سبق، رحلات قامت بها طائرات الشحن التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية من نوع “بوينج 737″، إلى مطار مدينة “تيكيرداغ” التركية، بمعدل رحلتين تمتا في 20 و24 من أغسطس الماضي، ورحلتين مماثلتين قامت بها طائرتا شحن تابعتان لنفس الشركة من نوع “إيرباص-إيه 350” إلى قاعدة “العديد” الجوية في قطر خلال الشهر الماضي

إذا ما وضعنا البيانات السالف ذكرها، جنبًا إلى جنب مع بعض المؤشرات الأخرى، منها صور الطائرات دون طيار td في قاعدة “سيميرا” الجوية في إقليم عفر شمال شرق إثيوبيا أوائل أغسطس الماضي، والتي أكدتها الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية للقاعدة، وكذا ظهور مجسم لطائرة قتالية دون طيار من نوع “سي أتش-4” صينية الصنع أمام قائد سلاح الجو الإثيوبي أثناء إدلائه بتصريح صحفي، بجانب الظهور السابق في إقليم تيجراي لبقايا يعتقد أنها خاصة بصاروخ “قائم-1” الذي تتزود به النسخة القتالية من طائرات “مهاجر-6” الإيرانية دون طيار، هذا بجانب إعلان أنقرة أنها صدّرت إلى إثيوبيا ما قيمته 52 مليون دولار من المعدات العسكرية خلال شهر أغسطس الماضي فقط؛ نستطيع أن نصل إلى خلاصة مفادها أن إثيوبيا قد حصلت مؤخرًا على طائرات هجومية دون طيار، وأنها قد تكون استخدمتها سابقًا، أو أنها في طريقها لاستخدامها ميدانيًا خلال الفترة المقبلة. (يرجى مطالعة المادة المعنونة “الدرونز الإثيوبية بين التأويلات والواقع الميداني“)

لهذا يبدو أن قوة دفاع تيجراي باتت تنظر إلى هذه المعطيات بنظرة جدية، فقامت بالعمل بشكل مستمر على إعادة تأهيل قواعد الدفاع الجوي الثلاث الموجودة في إقليم تيجراي، خاصة موقع صواريخ “سام-3” قرب مدينة “إكسوم”. كذلك قامت خلال عملياتها المستمرة حاليًا في إقليم أمهرا باستعادة المعدات والصواريخ التي كانت القوات الإثيوبية قد أزالتها من مواقع الدفاع الجوي في تيجراي خلال فترة وجودها هناك أواخر العام الماضي، وهو ما وفر لقوة دفاع تيجراي كميات معتبرة من صواريخ الدفاع الجوي “سام-2” و”سام3″، علمًا بأن للقوة سابقة في استخدام هذه الصواريخ في إسقاط مقاتلتين إثيوبيتين خلال الهجوم الأول للجيش الإثيوبي على إقليم تيجراي في نوفمبر الماضي.

محاولات أديس أبابا استجلاب الدعم العسكري من الخارج، تترافق مع محاولات لتوفير الأموال اللازمة لإدارة العمليات العسكرية في الداخل؛ إذ طلبت الحكومة الفيدرالية أواخر أغسطس الماضي من المصارف والمؤسسات المالية الخاصة في البلاد تقديم هبة مالية تقترب قيمتها من نصف مليار بر إثيوبي، كمساهمة من جانبها في النفقات العسكرية للجيش الإثيوبي. 

هذا الطلب مازال يواجه مصاعب في تلبيته من جانب جمعية المصارف الإثيوبية، التي طلبت تحديد الحساب البنكي الذي سيتم تحويل الأموال إليه، علمًا بأن جمعية المصارف قامت خلال الأشهر الأولى من المعارك في إقليم تيجراي بتقديم نحو 200 مليون بر إثيوبي إلى الحكومة الفيدرالية كمساهمة في العمليات العسكرية وعمليات استضافة النازحين.

هذا الطلب الجديد من جانب أديس أبابا، مضافًا إليه حملات بعض إدارات المقاطعات والنواحي الإدارية في العاصمة ومحيطها، لجمع التبرعات من المصارف ومالكي الفنادق، يأتي كدليل آخر على تفاقم التضخم الذي يعاني منه اقتصاد البلاد، وتزايد الضغوط على الميزانية الحكومية الحالية، خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يوليو الماضي أن حكومته أنفقت نحو مائة مليار بر إثيوبي على الحملة على إقليم تيجراي. وقد طال هذا الوضع حتى الميزانية المخصصة للجيش الإثيوبي، حيث كان مقررًا أن يكون حجمها لهذا العام سبعة عشر مليار بر إثيوبي، لكن تمت زيادتها أوائل العام الجاري بنحو ستة مليارات بر إضافية، وهي ميزانية قياسية بالنظر إلى السنوات الماضية.

المأساة الإنسانية في تيجراي مستمرة

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في استشعار مخاطر استمرار الوضع الإنساني الحالي في إقليم تيجراي، خاصة بعد زيارة مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى الإقليم مؤخرًا، حيث بات واضحًا أن الغالبية الساحقة من سكان الإقليم البالغ تعدادهم نحو ستة ملايين شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة، من بينهم على الأقل مليون شخص يعيشون في شبه مجاعة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 150 من قاطني الإقليم قد توفوا خلال شهر أغسطس الماضي بسبب الجوع. 

ووفقًا لتقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، كان من المفترض أن يصل إلى إقليم تيجراي خلال الشهر الماضي 270 ألف طن من المساعدات الإنسانية، لكن لم يصل خلال هذه الفترة إلى الإقليم سوى عشرة بالمائة فقط من هذه الكمية، ما أدى إلى نفاد المخازن الخاصة بالأمم المتحدة داخل الإقليم، وعدم إكمال المرحلة الثانية من عمليات توزيع المساعدات الإنسانية، علمًا بأنه كان من المخطط له أن تبدأ وتنتهي الجولة الثالثة من هذه العمليات خلال الشهر الماضي.

أضافت هذه التقارير أن هذا النقص شمل أيضًا إمدادات الوقود الخاصة بعمليات الإغاثة، حيث تحتاج الشاحنات والمولدات التابعة للأمم المتحدة لنحو 200 ألف لتر من الوقود أسبوعيًا، لكن لم يصل إلى إقليم تيجراي منذ مطلع يوليو الماضي إلا 282 ألف لتر فقط، وتوقف وصول شاحنات الوقود بحلول منتصف أغسطس الماضي. 

المخصصات المالية الخاصة بعمليات الإغاثة طالتها أيضًا عمليات التعطيل من جانب الحكومة الإثيوبية التي تمنع حتى الآن التحويلات المالية إلى بنوك إقليم تيجراي، ما قلص كثيرًا من إمكانية ارسال الرواتب للأطباء والممرضات والعاملين بالجهد الإغاثي. وفي المجمل لم يصل إلى الإقليم إلا نحو 3% من التحويلات المالية اللازمة لإدامة الأعمال الإنسانية. 

الأكيد أن الإقليم مقبل على أشهر صعبة، خاصة وأن إجمالي المساحة التي تمكن سكانه من زراعتها في موسم هذا العام -حسب أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية- نحو 320 ألف هكتار فقط، من اجمالي 1.3 مليون هكتار من أراضي الإقليم الزراعية.

وقد ألقت هذه التقارير بشكل مباشر باللوم على الحكومة الإثيوبية، بسبب تعطيلها لحرية الحركة البرية والجوية إلى إقليم تيجراي، حيث يندر عبور شاحنات الإغاثة من إقليم عفر المجاور في اتجاه الإقليم -وهو المعبر الوحيد المتاح- حيث يحتاج الإقليم إلى عبور مائة شاحنة محملة بالمساعدات يوميًا على الأقل، لكن ما يمر هو أقل بكثير من هذا العدد، وفي الغالب يتم نهب محتويات هذه الشاحنات قبل وصولها إلى حدود الإقليم. وهنا لابد من ذكر أن الرحلة الإنسانية الأولى التي تصل إلى عاصمة إقليم تيجراي “ميكيلي” منذ أشهر كانت طائرة تابعة للاتحاد الأوروبي، وصلت إلى العاصمة في الحادي عشر من سبتمبر، ولكن اتضح أن جزءًا من حمولتها تمت إزالته منها أثناء توقفها في العاصمة أديس أبابا، قبل وصولها إلى إقليم تيجراي.

هذا الوضع دفع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، الشهر الجاري إلى توقيع أمر تنفيذي ينص على نظام عقوبات جديد سيسمح لواشنطن باستهداف المسؤولين عن إطالة أمد النزاع في إثيوبيا أو المتواطئين معه أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو منع وقف إطلاق النار، وكذا يمنح وزارة الخزانة السلطة اللازمة لمحاسبتهم. هذا الأجراء ينتظر التفعيل الفعلي خلال المدى المنظور، وترافق مع إعلان مديرية ضوابط التجارة الدفاعية (DDTC) التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، عن تنفيذها الفعلي لسياسة رفض تصدير المواد والخدمات الدفاعية إلى القوات المسلحة أو الشرطة أو المخابرات أو قوى الأمن الداخلي في إثيوبيا وإريتريا، وإرسالها إشعار للشركات الدفاعية الأمريكية لتطبيق تلك السياسة.

هذه الإجراءات لم تكن الوحيدة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في هذا الصدد، فقد فرضت واشنطن في مارس الماضي قيودًا واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا، وكذلك قيدت منح تأشيرات الدخول إلى أي مسؤول أمني أو حكومي حالي أو سابق، في الحكومتين الإثيوبية والإريترية، ثبت ضلوعه في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيجراي، وفرضت في أغسطس الماضي عقوبات على رئيس الأركان الإريتري على خلفية الوضع في إقليم تيجراي.

مصادر

1- https://2u.pw/jYCKy

2- https://2u.pw/LLacY

3- https://2u.pw/XAIxU

4- https://2u.pw/uv7sa

5- https://2u.pw/4ttGr6- https://2u.pw/roooE

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى