
آسيا
اجتماع “كواد”.. ترسيخ لخطط مواجهة الصين في منطقة المحيطين “الهندي” و “الهادئ”
شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن اجتماع دول الحوار الأمني الرباعي “QUAD” –الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا- يوم 24 سبتمبر الجاري، وهي القمة الشخصية الأولى لدول الحوار بعدما كان مقتصرًا على وزراء الخارجية منذ بداية عرض الفكرة على يد رئيس الوزراء الياباني السابق “شينزو آبي” في عام 2007.
مخرجات الاجتماع
- لم تُذكر الصين بشكل مباشر في بيان الاجتماع وبنود الأعمال الخاصة به، سواء من حيث مطالباتها الإقليمية في المياه أو توسيعها للتجارة. فعلى الجانب العسكري والأمني، كان هناك إدراك بأن الصين باتت أكثر حزمًا عسكريًا، والاستناد إلى ما يقوم به جيش التحرير الشعبي بالاستعراض تجاه الهند عبر إجراء مناوشات حدودية مع الهند بجانب التحرك لبناء موانئ في المحيط الهندي بقرب الهند. أكد القدرة أيضًا على الالتزام بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية بشكل كامل ودعوتها للدخول في حوار حقيقي.
- من الموضوعات غير العسكرية التي تمت الإشارة لها في القمة، كان التوزيع العالمي للقاحات الخاصة بفيروس كورونا، حيث تمت الإشارة إلى ما حققوه بشأن هدف – تم إقراره في اجتماع سابق- توفير نحو مليار جرعة من لقاحات الفيروس في جميع أنحاء المنطقة بحلول عام 2022 والاستثمار في الهند لمساعدتها في إنتاج اللقاحات. بجانب التعاون في مسألة أمن سلاسل التوريد لأشباه الموصلات والدفع لنشر شبكات الجيل الخامس 5G بشكل آمن وشفاف ومفتوح. بالإضافة لتوفير بنية تحتية شفافة وعالية المعايير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ قد تصبح بديلا لمبادرة الحزام والطريق، والعزم على بدء التعاون الفضائي من أجل مشاركة بيانات الأقمار الصناعية للأغراض السلمية مثل مراقبة تغيير المناخ والاستجابة للكوارث.
ظروف محيطة بالاجتماع
- يأتي الاجتماع على خلفية تنازع الإرادات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وازدياد الأمر بعد توقيع اتفاقية “أوكوس” الثلاثية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة في 15 سبتمبر 2021 لتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية. فقد تم اعتبار الاتفاقية كمحاولة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة عن طريق تحالف استراتيجي للتنسيق في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لردع النفوذ الصيني مثلما استهدف الناتو الاتحاد السوفيتي.
- كما أنه من اللافت للنظر الطلب الذي تقدمت به الصين للانضمام لاتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) بعد يوم واحد من اتفاقية “أوكوس”. دشنت الولايات المتحدة تلك الاتفاقية كوسيلة لاستبعاد الصين وترسيخ الهيمنة الأمريكية في المنطقة على اعتبار أن الولايات المتحدة التي يجب أن تكتب القواعد الإقليمية للتجارة وليس الصين. تعد الصين بذلك ثاني دولة تطلب الانضمام بعد المملكة المتحدة التي تقدمت بالطلب في أوائل عام 2021. لكن يظل السؤال حول ما إذا كان سيتم قبول طلب بكين أم لا، فقد أعلنت اليابان –المسؤولة حاليًا عن الاتفاقية بعد انسحاب “دونالد ترامب”- أنه سيتم دراسة استعداد الصين للوفاء بمتطلبات الانضمام للاتفاقية عبر التشاور مع باقي الأعضاء والحصول على موافقة بالإجماع. إذا حصلت الصين على تلك الموافقة، قد يساهم ذلك في توسيع نفوذها الاقتصادي، ومن ثم التأثير على التجارة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
- بالإضافة إلى ذلك، كان هناك لقاء ثنائي جمع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” على خلفية اجتماع “كواد” لتجديد علاقة الدولتين وتعزيز الشراكة، والتأكيد على العمل المشترك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في إطار التجمعات الإقليمية. ناهيك عن مناقشة مكافحة جائحة كورونا وحشد الجهود العالمية لمواجهة التهديدات المناخية وتعزيز القيم الديمقراطية ومكافحة الإرهاب الدولي. يمكن هنا الإشارة إلى أنه برغم التحفظ الهندي على الدخول في النزاع الأمريكي الصيني، سعت الولايات المتحدة لإدخال نيودلهي في سياسة إعادة التوازن التي تركز على غرب المحيط الهادئ. وبناءً عليه، تم التوقيع –في أواخر إدارة “ترامب”- على الاتفاقيات التأسيسية الأربع التي تقيمها الولايات المتحدة مع شركائها الدفاعيين. تشمل هذه الاتفاقيات تأمين الاتصالات العسكرية وتبادل البيانات الجغرافية وتوفير الوصول المتبادل للمرافق العسكرية.
ملاحظات ختامية
- بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أثيرت تساؤلات عما إذا كان ذلك يعني تراجع الولايات المتحدة عن اهتمامها بآسيا، لكن يتضح من اجتماع “كواد” واتفاقية “أوكوس” أن الولايات المتحدة مستمرة في خططها للتواجد بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ ومواجهة الصين، ولا صحة لافتراض أنها ستترك الصين كي تستغل الفراغ الذي خلّفه الانسحاب دون وجود خطط أمريكية أخرى.
- يتضح أيضًا تطور القضايا التي تركز عليها اجتماعات “كواد”، ففي عام 2017 كان التركيز على سبل الحفاظ على النظام القائم على القواعد في الإقليم فيما يخص الأمن البحري، حيث القلق المشترك بشأن عسكرة الصين للجزر الاصطناعية التي بنتها في بحر الصين الجنوبي، واحتمال أن تحاول بكين السيطرة على الحركة الجوية والبحرية في تلك المنطقة. بالإضافة لكيفية التعامل مع مبادرة الحزام والطريق. بعد ذلك تطورت القضايا لتشمل الشق السيبراني للأمن والبحث عن التعاون مع المنظمات الإقليمية مثل الآسيان. وفي عام 2020، سيطرت جائحة كورونا على التفكير، بجانب أمن سلاسل التوريد وتغيير المناخ.
- تفرض التطورات التي تشهدها منطقة المحيطين الهندي والهادئ تأكيد مسألة المرونة التي بدأ بها الحوار الأمني الرباعي كي ينضم له الدول المعنية بالتحالف والحشد العسكري لمواجهة الصين التي ترى أن تحديثها العسكري على أنه رد على الهيمنة العسكرية الأمريكية في المنطقة، لهذا إذا بدأ سباق تسلح إقليمي في المنطقة لن يكون من السهل تحديد صاحب شرارة بدايته.
- بناءً عليه، ظهرت محاولات تنسيقية في الحوار الأمني الرباعي بحاجة إلى تنسيق مع دول أخرى لتقوية أركانه خاصةً تلك الدول الحليفة لأعضاء الحوار تحت ما يسمى “كواد بلس”، مثل دراسة ضم دول الآسيان، ودخول المملكة المتحدة في اتفاق “أوكوس”، أو تعاون دول مثل كندا وهولندا ونيوزلندا في إطار تدريبات “مالابار” العسكرية التي تستضيفها الهند منذ عام 1992.
- لكن يمكن القول إن هناك عددًا من التحديات التي تواجه تلك المبادرات، مثل سيطرة بكين على المواد الخام اللازمة لإنتاج اللقاحات، بالإضافة لعلاقاتها التجارية القوية التي تربطها بالشركات الخاصة لدول الحوار الأمني الرباعي. كما أن الحوار الأمني الرباعي مجرد منتدى دبلوماسي للأعضاء لتبادل مخاوفهم بشأن القضايا الإقليمية ومناقشة سبل التعاون فيما بينهم أو مع دول أخرى، حيث لا تدعمه معاهدة تتعلق بالأمن الجماعي أو ما أُطلق عليه “ناتو آسيوي” بسبب عدم وجود هيكل مؤسسي رسمي. بالإضافة إلى الاختلافات البينية سياسيًا وعسكريًا بشأن الأولويات في الإقليم، وكيف ستتعامل دول الإقليم –خاصةً دول جنوب شرق آسيا- مع التأثير السلبي المحتمل على الاستقرار الإقليمي.
- رغم محورية الدور الهندي في الحوار الأمني الرباعي، إلا أن هناك عددا من القضايا الأساسية التي لا تزال دون حل بالنسبة للهند في إطار عمل الحوار، حيث التحديات التي تواجهها نيودلهي في المحيط الهندي ونزاعاتها الحدودية مع الصين التي تسعى من جانب آخر بدء نفوذ جديد في أفغانستان مما يثير مخاوف هندية أخرى.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية