مصر

“أنفاق سيناء الجديدة”.. آفاق للتنمية الاقتصادية وتعزيز الوجود الأمني

في إطار خطة الدولة لتنمية محور قناة السويس -التي تربط قارة إفريقيا وآسيا وأوروبا-  والتي بدأت بإنشاء قناة السويس الجديدة ومرورًا بحفر خمس أنفاق جديدة أسفل القناة، إلى جانب نفق الشهيد أحمد حمدي ١ الذي تم افتتاحه في عام ١٩٨١، علينا أن نعرف الجدوى الاقتصادية والأمنية والتنموية لهذه المشاريع العملاقة. 

ما هي أنفاق قناة السويس الجديدة؟ 

تقدمت هيئة قناة السويس منذ سنوات قليلة وتحديدًا في عام ٢٠١٤ بخطة لتطوير محور قناة السويس والتي اشتملت على بناء قناة جديدة موازية لقناة السويس القديمة لتسهيل حركة الملاحة في القناة، وحفر عدد من الأنفاق أسفل القناة، وإنشاء وادي للتكنولوجيا الذي يرتبط بالإسماعلية وقنطرة شرق وقنطرة غرب، وإنشاء عدد من الكباري العائمة بهدف زيادة دخل البلاد من العملة الصعبة، وزيادة الطلب على القناة كممر ملاحي عالمي من خلال زيادة قدرتها الاستيعابية لتصل إلى ٩٧ سفينة بحلول عام ٢٠٢٣ وتقليل تكلفة الرحلة الملاحية، فضلاً عن جعل مصر مركز تجاري ولوجيستي عالمي. وقدرت تكلفتها بـ٦٠ مليار جنية مصري أي ما يعادل بـ٨,٢ مليار دولار.   

فقد تم حفر أنفاق قناة السويس أو التي تُعرف أيضًا بأنفاق سيناء الجديدة والبالغ عددها خمس أنفاق على مرحلتين. فقد تم افتتاح المرحلة الأولى منها في مايو ٢٠١٩ عقب الانتهاء من حفر أنفاق تحيا مصر بالإسماعلية وأنفاق ٣ يوليو ببورسعيد خلال ثلاث سنوات بدءً من يوليو ٢٠١٦ حتى مايو ٢٠١٩. بينما تم افتتاح المرحلة الثانية بانتهاء نفق الشهيد أحمد حمدي ٢ بالسويس. والتي استغرق تنفيذه ٢٨ شهرًا والذي يستوعب ٢٠٠٠ سيارة كل ساعة أي بمعدل ٤٠ ألف سيارة كل يوم.  

وتجدر الإشارة إلى أن تلك الأنفاق (نفقا الإسماعلية ونفقا بورسعيد) تتكون من اتجاهين بحيث تسمح للعبور ذهابًا وإيابًا. ويوجد بكل نفق حارتين للسيارات بعرض ٣.٧ أمتار لكل حارة. كما أن تلك الأنفاق مزودة بكاميرات مراقبة ورادارات لمتابعة السرعة وأنظمة حريق، ناهيك عن وجود غرف طوارئ ونقاط تفتيش. كما أنه تم ربط نفقي قناة السويس بعدد من الممرات العرضية المتكررة بطول ٥٠٠ متر لكل ممر.     

وبلغت التكلفة الإجمالية للمرحلة الأولى من الأنفاق – التي يصل عمقها لـ٧٠ مترًا تحت سطح الأرض و٥٣ مترًا أسفل سطح قناة السويس – ١٢ مليار جنيهًا. فقد تم حفر أنفاق بالإسماعلية وعددها ٢ نفق لتصل إلى وسط سيناء ذهابًا وإيابًا في غضون ١٥ أو ٢٠ دقيقة. كما أنه تم حفر نفقي بورسعيد اللذين يربط غرب وشرق القناة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تسهيل حركة التجارة داخل وخارج البلاد. 

وعلاوة على ذلك، تم إنشاء خمس كباري عائمة، ومنها كوبري الشهيد أحمد منسي بالإسماعلية والشهيد أبانوب جرجس بالقنطرة وطه زكي بالسرابيوم وكوبري الشهيد عمر الشبراوي بالشط بالسويس والنصر ببورسعيد. 

الأنفاق أسفل قناة السويس.. حلم انتظره أبناء الوادي وسيناء طويلا وتحقق في  عهد الرئيس السيسي | صور - بوابة الأهرام

الجدوى الاقتصادية والتنموية والأمنية والاستراتيجية والاجتماعية للأنفاق الجديدة:

مما لا شك فيه، أن هناك جدوى اقتصادية وأمنية واستراتيجية وتنموية من هذا المشروع العملاق الذي أشار إليه البعض بكونه أهم ثاني مشروع بعد السد العالي. وتتجسد جدوى المشروع من الناحية الجغرافية بأنها ربطت شبه جزيرة سيناء بدلتا النيل وباقي محافظات مصر من خلال ٢٠ نقطة اتصال بعد أن كان نفق الشهيد أحمد حمدي ١ وكوبري السلام بالإسماعلية، إلى جانب عدد من المعديات هم نقاط الاتصال والربط بين شبه جزيرة سيناء ودلتا النيل. ولهذا، الربط الجغرافي مميزات عديدة، ومنها على سبيل المثال، اجتماعية واقتصادية وأمنية.   

فمن الناحية الاجتماعية، فإنها تسهل حركة المرور الأفراد، لاسيما أبناء سيناء، وحركة المركبات والسيارات، فضلاً عن أنها تقلل من التكدس والزحام في ضوء تزايد معدلات الحركة والملاحة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تقلل من مدة التنقل بعد أن كانت قد تستغرق أيام؛ حيثُ كانت تنظر السيارات، في بعض الأحيان، إلى ما يصل إلى خمس كيلو مترات وكانت تنظر الشاحنات الناقلة للبضائع لمدة خمس أيام في وقت الذروة قبل حفر تلك الأنفاق. فحسبما قال الفريق أسامة ربيع في أثناء افتتاح نفق الشهيد أحمد حمدي ٢، مرت ما يزيد عن ٥ ملايين مركبة في الأنفاق خلال الفترة من يناير ٢٠٢١ لأغسطس ٢٠٢١. وكذلك، عبرت ٦ ملايين و٦٩٥ مركبة فوق الكباري العائمة والمعديات. 

كما أن سهولة التنقل في أجراء الجمهورية، لاسيما في شبه جزيرة سيناء التي عانت من التهميش لعقود طويلة، يخلق حالة من الترابط بين أبناء الوطن ويعزز الشعور بالملكية والمواطنة لدي أبناء سيناء نتيجة لاهتمام الدولة بهم أسوة بباقي المواطنين. وتتمثل أهمية كوبري الشهيد أحمد منسي العائم بالمنطقة رقم ٦ بالإسماعلية، على سبيل المثال، في تحقيق تكامل مع عدد من المعديات والأنفاق الموجودة أسفل القناة، وهو ما يضمن سهولة الحركة للمواطنين بين شرق وغرب القناة.   

وعلاوة على ذلك، فإنها تعزز مفهوم الأمن الغذائي في ظل توجه الدولة لإقامة مشاريع الاستزراع السمكي في أحواض الترسيب شرق قناة السويس والتي تودي بدورها لتعزيز العديد من الصناعات الأخرى التي ستوفر فرص عمل لأبناء الوطن، ومنها تصنيع اللحوم والأسماك وإنتاج الأعلاف.

تعرف على أنفاق قناة السويس الأربعة الجديدة للوصول إلى المدن السياحية في  سيناء - ترافل يلا

ونتيجة للتداخل الشديد بين البعد الاجتماعي والتنموي والبعد الاقتصادي، فإن هناك جدوى كبيرة من الناحية الاقتصادية كبيرة لهذه الأنفاق والتي تتمثل في خلق فرص عمل للمصريين، لاسيما أبناء شبه جزيرة سيناء ومدن القناة نتيجة للتوسع العمراني ونتيجة لحرص الدولة على جذب المزيد من الاستثمارات من خلال إقامة شبكة طرق تربط محافظات الجمهورية ببعضها البعض في ضوء المشروعات القومية الأخرى؛ حيثُ تسهل تلك الأنفاق والكباري العائمة حركة التجارة من خلال توفير إمداد المواد الخام للمنشآت الصناعية على نحو مستمر، وتساعد على إنشاء مجمعات صناعية جديدة، لاسيما مع وجود مدن جديدة كمدينة الإسماعلية الجديدة، هو ما يدفع عجلة التنمية للتقدم. كما أنها تسهل حركة التجارة نتيجة لسهولة نقل البضائع.

كما تكمن أهمية المشروع في أنها تعزز من فرص نجاح مشروع تنمية محور قناة السويس الذي يهدف لجعل مصر كمركز لوجيستي وملاحي ونقل عالمي من خلال الربط بين مينائي شرق وغرب بورسعيد وميناء العريش ومدينة الأديبة وميناء السخنة ووادي التكنولوجيا بشرق الإسماعلية والمنطقة الصناعية بشمال غرب خليج السويس. وعلاوة على ذلك، تساهم تلك الإنفاق في زيادة معدلات الصادرات من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وكذلك، تساهم في تنمية وتعزيز الاستثمارات بمنطقة قناة السويس التي يوجد بها ست موائي و٤ مناطق صناعية؛ حيثُ إن الأنفاق تبعد عن المنطقة الصناعية لشرق بورسعيد بخمس كيلو مترات فقط، إضافة إلى قربها من المنطقة الصناعية الروسية ومينائي بورسعيد وشرق التفريعة على البحر المتوسط، وهو ما يسهل حركة التجارة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تساعد على مد النشاط التجاري للشركات التابعة لهيئة قناة السويس في محور القناة، وهو ما يدفع عجلة النمو الاقتصادي. 

كما أنها تعزز من عوائد السياحة التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري بشكل كبير؛ حيثُ إنها تسهل حركة السياح لكونها تسهل الوصول للمدن السياحية الهامة مثل شرم الشيخ وطابا ونويبع وشرم الشيخ ودهب وسانت كاترين. ويمكن القول أن الربط بين شبه جزيرة سيناء وباقي محافظات الجمهورية سيعظم العوائد السياحية المختلفة، في إطار خطة الدولة لتطوير السياحة من خلال فتح أفاق جديدة كسياحة اليخوت والسياحة العلاجية وتطوير المواقع الأثرية وإحياء التراث الثقافي وبناء متاحف بالمعايير العالمية، حيثُ أنها مقاصد سياحية.  

أول صور لأنفاق قناة السويس بعد افتتاحها رسميا - اليوم السابع

ويوجد جدوى استراتيجية وأمنية وعسكرية لهذه الأنفاق وتتمثل في تعزيز العمق الاستراتيجي لمصر. فنجد أنفاق شرق بورسعيد التي تصل إلى شمال سيناء تربط رفح شرقًا بالسلوم غربًا عبر الطريق الدلي الساحلي، وهو ما يضمن الربط بين المحافظات والموانئ والمطارات المصرية مثل منفذ السلوم البري وميناء جرجوب، ومطاري العلمين وبرج العرب، ومينائي العريش وشرق بورسعيد البحريين، ومزرعة غليون ومدينة الأثاث بدمياط. أما عن أنفاق الإسماعلية التي تصل لوسط سيناء، فإنها تربط مدينتي السلوم وجرجوب الحدوديتين بالعوجة من خلال محور الضبعة والطريق الدائري الإقليمي وطريق طريق الإسماعلية. أما عن نفق الشهيد أحمد حمدي ٢، فإنه يربط الحدود الغربية والقاهرة والمدن السياحية مثل شرم الشيخ، ومنها إلى الأردن والسعودية. وبناء على ذلك، إن هذا الربط الجغرافي بباقي الجمهورية وخلق شبكة من الطرق والمحاور التي تربط محور القناة بالمشروعات الجديدة الأخرى لا يساعد على تعظيم الاستفادة الاقتصادية نتيجة لنقل الأفراد والبضائع فحسب، بل إنه يساعد على تعزيز التواجد الأمني نتيجة للتوسع العمراني، وهو ما يؤدي بدوره إلى مد موجة التنمية لشبه جزيرة سيناء بجذب الاستثمارات بما فيها الاستثمار الأجنبي المباشر وإقامة المشروعات الاقتصادية في الضفة الشرقية لمصر. وبالتالي، تجفيف منابع الإرهاب والقضاء على أي أطماع في سيناء وكذلك، القضاء على أي مشاريع ترمي لنشر الفوضى وتفتيت البلاد. كما أنه سيؤدي بدوره إلى رفع نصيب سيناء من الدخل القومي، وذلك في ظل توجه مصر لإحياء وإقامة كيانات اقتصادية وإقليمية مثل المحور الثلاثي المصري والأردني والعراقي وكذلك، سيعزز التجارة في منطقة حوض المتوسط.

وختامًا، إن هذه الأنفاق لا تقتصر على كونها مشروعًا لربط طرق فحسب، بل إنها نموذج لمشروع تنموي متكامل يراعي الجوانب الاقتصادية التي تؤثر بدورها على الجانب الاجتماعي والأمني. كما أنها تعد نموذجًا لتطبيق المفهوم الشامل للأمن الذي يشتمل على البعد الإنساني والأمني والاقتصادي والغذائي. كما أنها ستجعل مصر مركزًا سياحيًا ولوجستيا وتجاريًا عالميًا ومركزًا إقليميًا للطاقة نتيجة للموقع الجغرافي والاستراتيجي الفريد الذي يربط بين القارات الثلاثة، وهو ما يعظم الدخل القومي من العملة الصعبة في ضوء سعى مصر للتوسع في الأنشطة الصناعية بمحور قناة السويس كصناعة تجميع السيارات والإلكترونيات والصناعات المعدنية الخفيفة، وتموين السفن وصيانتها، تصنيع وصيانة الحاويات وإلخ. كما أن كل هذا سيساهم في تقليل الاستيراد وتوطين الصناعات الاستراتيجية المختلفة.  

المصادر:

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى