روسيا

نقاط “الالتقاء والتباعد” في العلاقات الروسية الإسرائيلية

في زيارته لموسكو والتي استغرقت يومًا واحدًا فقط، ناقش وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لبيد” مع نظيره الروسي “سيرغي لافروف”، عددًا من الملفات والقضايا الثنائية والإقليمية والدولية. جاءت زيارة ” لبيد” بعد تقارير تشير لتوترات في العلاقات الروسية الإسرائيلية بشأن سياسات كل منهما فيما يتعلق بالوضع السوري.

يذكر أن هذه الزيارة هي الأولى له بعد تشكيل الحكومة الجديدة في يونيو 2021. كما تأتي قبل وقت قليل من الاحتفال بذكرى مرور ثلاثين عامًا على العلاقات الدبلوماسية الروسية الإسرائيلية. 

أثبتت العقود الثلاثة ان العلاقات الروسية الاسرائيلية تطورت لصالح الطرفين، وتوقع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف”، أن تكون تلك الزيارة خطوة جديدة نحو تطوير هذه العلاقات ومناقشة الوضع الإقليمي والدولي وكذلك العلاقات الثنائية.

شهدت الزيارة ؛ مباحثات مفصلة حول القضايا الثنائية والدولية كما اتفقتا على مواصلة التعاون في مختلف المجالات المشتركة وغيرها من المشاريع التي تم التفاوض عليها من قبل بين الجانبين. 

العلاقات الروسية الإسرائيلية المُشتركة

على مدار ثلاثين عامًا؛ أصبحت روسيا أحد أهم شركاء إسرائيل، فإسرائيل وروسيا تربطهما علاقات قوية وعميقة في الاقتصاد والثقافة والسياحة والطاقة والعلوم. وأكد “لابيد” أن اجتماعه مع لافروف لم يركز فقط على “التهديدات والصراعات”، مشيرا إلى أن هناك أكثر من مليون متحدث روسي يعيشون في إسرائيل، كما أشاد “لبيد” بجنود الجيش الأحمر الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية، موضحًا أن إسرائيل تقدر دور الاتحاد السوفيتي في هزيمة ألمانيا النازية ودور الجيش الأحمر في تحرير “معسكرات الموت”. كما أشار إلى أن والده، الذي كان مسجونًا في حي بودابست اليهودي أثناء الهولوكوست، قد تم تحريره من قبل القوات الروسية في نهاية الحرب. 

كما ثمن على دور الجيش الروسي في انقاذ العالم من الاستبداد والعنصرية، وكانت روسيا قد أيدت إقامة دولة إسرائيل في عام 1948، بعد ثلاث سنوات من انشائها. موضحًا ان اسرائيل تدين لروسيا بذلك، كما أوضح أن الشعب الاسرائيلي شعب ذو ذاكرة طويلة. 

Russian Foreign Minister Sergei Lavrov (L) meets with his Israeli counterpart Yair Lapid in Moscow on September 9, 2021.

فالعلاقات الروسية الإسرائيلية تتجاوز التهديدات والحروب، وتشمل الاقتصاد والثقافة والسياحة والطاقة والعلوم أيضًا. ومع تفشي وباء “كوفيد-19” يبحث الطرفان عن طرق جديدة للقيام بأعمال تجارية وتطوير العلاقات الثقافية والتجارية. 

وجهات نظر متباينة للقضايا المشتركة

أخذ الحديث عن المشكلات والقضايا الإقليمية حيزًا كبيرًا في مباحثات “لافروف-لبيد” ومن بين تلك القضايا: العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، الوضع في سوريا، القلق الإسرائيلي من إيران. وكان هناك توافق روسي اسرائيلي في بعض القضايا وتباين في وجهات النظر بينهم في قضايا أخرى. وفي السطور التالية نستعرض لما دار بين الجانبين خلال زيارة “لبيد” لموسكو، والموقف الروسي بشأن هذه القضايا. 

  • العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية

رحبت روسيا بتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية، وأكدت على استمرار دعمها لعملية الحوار السلمي المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينين عبر القنوات الثنائية، وأيضًا عبر استئناف الاجتماعات من خلال الرباعية الدولية والتي تضم (روسيا – الولايات المتحدة الأمريكية – الاتحاد الأوروبي – الأمم المتحدة) إذ ترى روسيا أن ذلك يعمل على سهولة التوصل إلى تسوية شاملة وإحلال السلام في الشرق الأوسط. من جانبها لم تمانع اسرائيل في عقد اجتماع قادم للجنة الرباعية، لكنًّ “لبيد” أوضح أنه وحتى الوقت الحالي لا يوجد شيء من هذا القبيل على الطاولة. 

رأت روسيا أنه من المفيد استغلال أي فرصة لإحياء عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، خاصة وان الإسرائيليون يعطون الأولوية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية. وتساهم روسيا في هذه الجهود، وهذا ضروري للسماح لسكان السلطة الوطنية الفلسطينية بالشعور بمزيد من الثقة.

أما الجوانب السياسية لهذه التسوية، فقد تم تجميدها في الوقت الحالي، وبالتالي ترى روسيا ضرورة استئناف المحادثات، على ان يتم ذلك من خلال أحد طريقتين إما – حوار مباشر بين إسرائيل وفلسطين – برعاية روسية. أو من خلال الرباعية الدولية من خلال قيام المجتمع الدولي بتهيئة الظروف للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وفلسطين لأنهما بمفردهما لا يستطيعان الاتفاق مع بعضهما البعض على حل لجميع الخِلافات بينهما.

  • القلق الإسرائيلي من إيران

ترى اسرائيل ان امتلاك إيران لسلاح نووي لا يمثل مشكلة لإسرائيل فحسب، بل مشكلة للعالم بأسره، إذ تعتقد بأنًّ تملك إسرائيل لسلاح نووي سيترتب عليه سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وطالب “لبيد” العالم بمنع إيران من الحصول على قدرة نووية، مهما كان الثمن، وإذا لم يفعل العالم ذلك، فإن إسرائيل ستحتفظ بالحق في التصرف، كما ترى إسرائيل أن إيران أحد أهم عوامل عدم الاستقرار في الشرق الاوسط، وأنها المصدر الأول للإرهاب في العالم. 

تتهم إسرائيل طهران بأنها تقوم ببناء قواعد إرهابية على الحدود الشمالية لإسرائيل، فضلاً عن اتهامها بتزويد المنظمات الإرهابية بأسلحة متطورة، وهذا يُهدد أمن إسرائيل. لكن تل أبيب أعلنت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاستفزازات الإيرانية. في السياق ذاته قامت اسرائيل بقصف بعدد من المنشآت المرتبطة بإيران وقوافل أسلحة كانت متجهة إلى حزب الله اللبناني. 

في سياق أخر، عارضت روسيا اصدار اي قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدانة “إيران” مؤكدة على لسان سفيرها في فيينا “ميخائيل أوليانوف” أنه لا حاجة لاتخاذ أي إجراء من قبل مجلس المحافظين، كما انتقدت روسيا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الإيراني لعام 2015 وما تبعه من عقوبات لاحقة، وأكدت على ضرورة المضي قدمًا في العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة.

وكان الممثل الأمريكي الخاص لإيران وكبير المفاوضين الأمريكيين في المحادثات غير المباشرة مع إيران للعودة إلى اتفاق 2015 “روب مالي”، في موسكو في ذات اليوم الذي تواجد فيه وزير الخارجية الاسرائيلي في روسيا. وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية أن “مال”ي ونائب وزير الخارجية الروسي يواصلان تلك المفاوضات التي ترفض إيران العودة إليها منذ يونيو 2021 بعد انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي رئيسًا جديدًا لإيران. كما شددوا على “المساهمة الكبيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في عملية تحقيق الاستقرار واستئناف “خطة العمل الشاملة المشتركة”. فواشنطن لا تزال تعتقد أن الاتفاق النووي الإيراني هو “أكثر الوسائل فعالية لضمان منع إيران مرة أخرى بشكل دائم وقابل للتحقق من الحصول على سلاح نووي. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس” ان “الولايات المتحدة تود رؤية استئناف للمفاوضات غير المباشرة في فيينا في أقرب وقت ممكن.

  • الوضع في سوريا.. تضارب المصالح
Israeli Foreign Minister Yair Lapid in a meeting with Russian Foreign Minister Sergey Lavrov (photo credit: Kobi Amsalem/GPO)

جاءت أيضًا زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي على خلفية أنباء عن استياء الروس من الهجمات الإسرائيلية في سوريا. حيث أفاد الجيش الروسي، الذي يوفر أنظمة دفاع جوي لسوريا، أن سوريا اعترضت أكثر من 20 صاروخًا زُعم أنها أطلقتها طائرات إسرائيلية. اعترضت أنظمة الدفاع الجوي في سوريا 22 صاروخًا في هجوم منسوب لإسرائيل.

من جانبه أكد لافروف أن روسيا تعارض أن تصبح سوريا “ساحة مواجهات مع أطراف ثالثة”، وذلك في اشارة حول الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا. كما أن روسيا لا تريد استخدام الأراضي السورية ضد إسرائيل أو ضد أي طرف آخر، مشيرًا إلى التنسيق المستمر بين القدس وموسكو حول الأنشطة في المنطقة.

وعلى الرغم من إدراك إسرائيل لمصالح موسكو في سوريا، إلا أن ًّ وزير خارجيتها أعلن أن بلاد ورغم اعترافها بتلك المصالح، إلا أنها ستحافظ على الدفاع عن نفسها في مواجهة أي تهديدات سواء من أيران أو سوريا أو اي مكان أخر.

وكان قد تم تقييد حرية إسرائيل في العمل في سوريا بشكل كبير بعد أن قدمت روسيا بطاريات دفاع جوي متطورة من طراز S-300 لقوات الرئيس بشار الأسد في أعقاب حادثة 2018 التي استهدف فيها الجيش السوري الطائرات الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل كل 15 شخصًا على متنها. فضلاً عن المساعدات الروسية لسوريا في تحديث ترساناتها العسكرية وتدريب أفرادها. 

كما نفذت إسرائيل مئات الضربات الجوية داخل سوريا في سياق الحرب الأهلية في البلاد، مستهدفة ما تقول إنها شحنات أسلحة يشتبه في أنها متجهة إلى جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران، والتي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية السورية.

من جانبه أكد “لافروف” أن روسيا تؤمن بوحدة أراضي سوريا، وأن لسوريا الحق في تحديد مستقبل أمتها، وشدد على أهمية المساعدات الإنسانية للسوريين، مُلقيًا باللوم على العقوبات الغربية أحادية الجانب، موضحًا أن ذلك يُمثل انتهاك للقرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في يوليو 2021. في منع تلك المساعدات، ومؤكدًا أن روسيا ملزمة بمساعدة سوريا في حماية سيادتها.

كما ناقش الوزيران آفاق التطورات العسكرية والسياسية في الجمهورية العربية السورية. وأكدت روسيا على الحاجة إلى الامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يعيد التأكيد على دعم سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها والحق القانوني للسوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم. والتأكيد على أهمية منح السوريين مساعدات إنسانية عاجلة في ترميم البنى التحتية التي دمرتها الحرب الأهلية. 

أكد لافروف أن أمن إسرائيل مهم بالنسبة لروسيا، لكنه انتقد الاحتلال غير الشرعي لجزء كبير من الأراضي السورية من قبل الولايات المتحدة، واستغلال الموارد الطبيعية التي تخص الشعب السوري بما في ذلك الهيدروكربونات والحبوب والمياه، وكذلك الدعم الأمريكي للأكراد، وهو ما يُقلق الجانب التركي، في إشارة لتشابك العديد من المصالح لعدد من الدول. 

وعلى الرغم من تضارب المصالح بين الجانبين على الساحة السورية إلا أن كليهما حريص على عدم استعداء الأخر.

في الأخير، بدا أن لابيد ولافروف يركزان كلاً منهما على أجندة بلاده. إذ لم يذكر لبيد الفلسطينيين في تصريحاته الأولية لكنه سلط الضوء على الملف الإيراني. ولم يذكر لافروف إيران، لكنه قال إن روسيا ستواصل دعم تنظيم حوار سلمي مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بما في ذلك من خلال اللجنة الرباعية للشرق الأوسط.  كما اتفق الوزيران على ترتيب لقاء قريب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى