العراق

ما دلالات انعقاد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة؟

تستضيف دولة العراق “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” غدا السبت 28 أغسطس 2021 وقد تمت توجيه الدعوة إلى عدد من الدول الإقليمية والدولية.
ويمثل انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت ؛ وعزم عدد من القوى الإقليمية والدولية على الحضور ؛ مؤشرا داعما وقويا لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ولجهوده في تعزيز الدور العراقي واستعادة مكانته مرة أخرى.
ويبعث المؤتمر عددا من الرسائل داخلياً وخارجياً، لذا سيتم قراءتها في الآتي من حيث دلالات الانعقاد والقضايا التي تمثل عاملا مشتركا بين الدول الحاضرة في هذا المؤتمر.

دلالات المؤتمر

انعقاد المؤتمر يبعث بعدد من الرسائل المهمة نحو استقرار واستعادة العراق لمكانته، ويبعث صورة سلام واستقرار وتنمية لما يطمح إليه العراق وللجهات الراغبة في تعزيز الشراكة الاقتصادية مع العراق الفترة القادمة، كما أن القمة دليل على الدعم والتأييد الذي يحظى به الكاظمي من مختلف القوى الإقليمية والدولية لاسيما أن مدة عمل حكومته قربت على الانتهاء، ويتبقى مدة قليلة حوالى شهر ونصف على انعقاد الانتخابات التشريعية في العراق في أكتوبر 2021، مما يمثل ذلك عنصر دعم قوي له في هذه الانتخابات نتيجة جهوده على مختلف الأصعدة.
تستضيف القمة ؛ كلا من مصر ؛ الأردن ؛ الكويت ؛ الإمارات ؛ السعودية ؛ قطر ؛ ايران ؛تركيا وفرنسا بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون، والولايات المتحدة، وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وتمثل القمة فرصة للعراق للخروج من حالة الهيمنة الإيرانية، ولتعزيز العلاقات مع مختلف الدول، وبدلا من أن يكون العراق ساحة للصراع والتنافس ربما يشهد تحولا ليكون بيئة للاستقرار الإقليمي والتعاون الدولي. كما أن الدول الحاضرة في المؤتمر تنقسم ما بين دول تتسم بينها وبين العراق بعلاقات تعاونية وعلى رأسها مصر والأردن ودول تتصارع مصالحها في العراق مثل إيران والسعودية وتركيا والولايات المتحدة، لذا يعد المؤتمر فرصة للحوار.
يمثل المؤتمر رمزا للتحول الذي تشهده العراق في سياساته الخارجية، بعد زيادة معدل الزيارات الخارجية التي قامت بها العراق الفترة الماضية من حيث زيارة وزير التخطيط خالد نجم للكويت، وكذلك الكاظمي ووزير الخارجية فؤاد حسين إلى تركيا والسعودية وإيران، ووزير المالية على علاوى إلى الأردن، ووزير الدفاع جمعة عناد إلى مصر، وكذلك استضافة عدد من القمم السابقة في إطار التعاون وعلى رأسها القمة التي جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، في 27 يونيو 2021 حيث تنتهج العراق سياسة الانفتاح والتوزان في علاقاتها الخارجية.
العراق رقم مهم في معادلة الأمن الإقليمي وتعول عليه كثير من القوى من حيث لعب العراق دور الوسيط في القضايا الإقليمية محل الخلاف وعلى رأسها الصراع الإيراني- السعودي والأزمة في سوريا واليمن وملف مكافحة الإرهاب.
ما يسفر عنه المؤتمر من نتائج سيمثل عنصرا داعما لترتيبات العراق الداخلية من حيث إعادة الإعمار وحظوظ الكاظمي في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021، ومشروع الربط الكهربائي الذى يمثل نقطة انطلاق عالمية لربط الشبكات الكهربائية عن طريق تبادل المنفعة بين الدول وجعلها ممراً لنقل الطاقة وامكانية شمولها لجميع الدول العربية فهو ليس مشروعاً استهلاكياً، بل فيه فائدة اقتصادية للعراق الذي سيكون ممرا للطاقة المصدرة من الخليج الى دول شرق اوروبا وغربي اسيا.
يعول العراق على معالجة أزماته الداخلية وبناء شراكات اقتصادية في هذا الصدد من خلال جذب الاستثمارات ومعالجة البنية التحتية، حيث تراجعت معدلات النمو بسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط، والتزام العراق بخفض الإنتاج بموجب اتفاقية أوبك. وشهد النشاط الاقتصادي غير النفطي في العراق انكماشاً بنسبة 9%، كما تعانى السياحة الدينية وقطاعات الخدمات جراء الإغلاقات الناجمة عن جائحة كورونا.

ملفات متشابكة

يتميز هذا المؤتمر باستضافة مختلف الدول الإقليمية والدولية مما يضفى عليه طابعا دوليا، ويعد دافعاً وعاملاً هاماً في مناقشة عدد من القضايا المشتركة والمتشابكة بين هذه الدول والتي تمس الأمن الإقليمي والدولي، ويسعى العراق من خلال المؤتمر إلى ترتيب القضايا والملفات التي تمس العراق بشكل خاص وأمن المنطقة بشكل عام ويأتي على رأسها:
مكافحة الإرهاب: منذ نشوء تنظيم داعش في العراق والشام، نشأ التحالف الدولي لمواجهة هذا التنظيم بقيادة الولايات المتحدة في 2014 بمشاركة 83 تشملها الدول الحاضرة في مؤتمر بغداد وقد شاركت به كل من فرنسا ومصر والسعودية والكويت والأردن والأمارات والعراق وتركيا وقطر، لذا قد يتم التطرق في ذلك المؤتمر إلى وضع القوات المشاركة في هذا التحالف، واستراتيجية المواجهة في المرحلة القادمة.
الصراع الإيراني- السعودي: يمثل مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة فرصة لعقد حوار بين إيران والسعودية لاسيما بعد وجود إدارة أمريكية ترغب في رفع يدها عن ملفات المنطقة بما يمثل تخوف لدى الدول الخليجية وإدارة جديدة في إيران برئاسة إبراهيم رئيسي بما يمثل فرصة لتقريب وجهات النظر بشأن القضايا محل الصراع بين إيران والسعودية، والتي تتعدد من حيث عدم توافق الرؤى بشأن الأزمة في سوريا ودعم إيران للنظام في سوريا، والدعم السعودي للمعارضة السورية، والهلال الشيعي الذى يمثل الطموح الإيراني من العراق إلى لبنان، كذلك الأزمة في اليمن كأحد ساحات الصراع بين السعودية وإيران حيث دعم إيران للحوثيين والدعم السعودي للحكومة، وقد زادت الأزمة في اليمن من حدة الصراع بين الدولتين وزاد الهجوم المتكرر على المنشآت النفطية السعودية، لذا قطعت السعودية العلاقات مع إيران منذ 2016.
قضية المياه
: يعتمد العراق على نهري دجلة والفرات في الحصول على كل مياهه تقريبًا، لكن إيران تقوم ببناء سدود لإعادة تحويل بعض تلك المياه ، مما يسبب القلق ويحدث نقصًا كبيرًا في المياه في العراق، و من المتوقع أن تنخفض تدفقات نهري دجلة والفرات بنسبة 50٪ بحلول عام 2030 جراء مشاريع السدود الإيرانية وتحويلات المياه التي تؤدى إلى كارثة كبيرة في السنوات المقبلة وتعجل بالهجرة الجماعية.
إضافة إلى الأضرار بالأراضي الزراعية والحياة البرية، وقد يتعرض حوالي 750 فدانًا من الأراضي الزراعية و 400 مشروع صيد للدمار. حيث انخفض تدفق النهر من إيران إلى نهر سيروان في أواخر2020 إلى 7 أمتار مكعب، وانخفض تدفق نهر الزاب الصغير إلى 2 متر مكعب في الثانية ، وقطعت إيران تدفقات مياه سد دوكان الذى يتصل بالزاب الصغير ويعتمد عليه 100 ألف شخص.
الصراع في سوريا: خلف الصراع في سوريا منطقة المشرق خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة منذ عام 2011 إلى الآن وانخفضت معدلات النمو السنوية لإجمالي الناتج المحلي في المتوسط بمقدار 1.2 نقطة مئوية في العراق، و1.6 نقطة في الأردن، و1.7 نقطة في لبنان. وتعادل هذه التراجعات، على أساس تراكمي 11.3% من إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول الثلاثة مجتمعة.
ومع تراجع حركة التجارة العابرة التي تمر من خلال سوريا، وتعطل صادرات الخدمات مثل السياحة، وصلت الآثار الحدية للصدمة التجارية على إجمالي الناتج المحلي إلى -3.1 نقاط مئوية في الأردن و-2.9 نقاط في لبنان. وبالمقارنة، وأدى تأثير الصراع على إجمالي الناتج المحلي إلى ارتفاع معدلات الفقر بمقدار 4 نقاط مئوية في الأردن، و7.1 نقاط في لبنان، وأسهم مع النزوح الداخلي، في زيادة معدل الفقر 6 نقاط مئوية في العراق.


مخيم الهول: هناك عدد من المشكلات المتعلقة بالمخيم من حيث استمرار هجمات تنظيم داعش حول هذ المخيمات، كما أن الأسر التي تعيش في هذه المخيمات عانت من ويلات الحرب وتركت آثار نفسية عليهم، الأمر الذى يتطلب تنسيق دولي لمعالجة هذه المشكلة والعمل على عودة العائلات العائدة من مخيم الهول في سوريا الذين نزحوا نتيجة الصراع مع داعش إلى مجتمعاتهم وإدماجهم بها، فهناك نحو 94 أسرة يتم العمل على نقلها من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى بالعراق.
ختاما؛ يمكن القول إن فاعلية الدور الإقليمي للعراق مرهون بسياساته ومدى قدرته على تحقيق الاستقرار في ظل العديد من الملفات الإقليمية المتشابكة.
ويمثل مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة خطوة نحو استعادة هذا الدور، كما أن نجاح المؤتمر يتوقف على مخرجاته والقدرة على تنفيذها الفترة القادمة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى