روسيا

هل تصبح روسيا الوسيط المرحب به على الساحة الأفغانية؟

تسود الأوساط الروسية ؛ حالة من القلق، نتيجة عدم توصل حركة “طالبان” لتشكيل حكومة انتقالية في أفغانستان، على الرغم من سيطرتها على العاصمة “كابول”.
القلق من عدم تشكيل حكومة إنتقالية؛ لم يسد الأوساط الروسية فحسب، بل أمتد لدول أخرى إذ أعربت دول أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، عن مخاوفهم بشأن مستقبل أفغانستان في ظل سيطرة حركة طالبان على البلاد.
في السياق ذاته، أعرب “ستانيسلاف زاس” الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي عن قلقه من أن “وعود ممثلي حركة طالبان بالسعي نحو تشكيل حكومة ائتلافية تعكس تطلعات ومصالح الشعب الأفغاني بجميع طوائفه لم تدخل بعد مرحلة التنفيذ”. هذا وتربط حركة طالبان تشكيلها للحكومة الإنتقالية بجلاء القوات الأمريكية بشكل نهائي من أفغانستان.
في هذا الصدد، خرجت تصريحات روسية سواء على لسان وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، أو المبعوث الخاص للرئيس الروسي لأفغانستان “زامير كابولوف” تدعو إلى ضرورة إيجاد حل للأوضاع في أفغانستان، وفي هذا الإطار تم طرح عدد من الرؤى والأفكار الروسية فيما يتعلق بتسوية الأوضاع وتشكيل حكومة انتقالية تؤسس لانتقال سلس للسلطة وإجراء انتخابات بما يضمن الأمن والاستقرار لأفغانستات والدول المحيطة بها.
وسنعرض في السطور التالية، بداية للموقف الروسي من سيطرة حركة طالبان على البلاد، والدعوات الروسية لتشكيل حكومة انتقالية من خلال تضافر الجهود الدولية.

تقارب روسي حذر مع حركة طالبان

ردت موسكو على عودة طالبان إلى السلطة بسياسة واقعية اتسمت بقدر كبير من الهدوء والعقلانية، حيث أوضح المبعوث الروسي إلى أفغانستان “زامير كابولوف” إن استيلاء طالبان على السلطة، لم يكن انتقالا للسلطة وفق اتفاقات معينة، بل نتيجة فشل واشنطن في هذه الدولة.
وذكر أن بلاده ومنذ فترة طويلة ترى أن طالبان أكثر قدرة على التوصل إلى اتفاقات من الحكومة العملية في كابول، كما أبدت موسكو استعدادها للعمل مع حركة طالبان، على الرغم من إدراج روسيا لحركة طالبان على قائمة الحركات المحظورة.
وبدا أن هناك ترتيبات مُسبقة شهدتها كواليس وأروقة السياسة في موسكو مع قادة من حركة طالبان عشية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو ما تجلى في إعلان السفارة الروسية في كابول عدم نيتها إخلاء السفارة وإجلاء موظفيها من العاصمة الأفغانية، موضحة أنه على الرغم من توتر الأحداث هناك إلا أنه لا يوجد ما يهدد أمن البعثة الدبلوماسية، كما لا توجد أعمال قتالية في المدينة، رغم الأجواء المتوترة.
يُمكن تفسير تغير الموقف الروسي تجاه حركة طالبان للأسباب التالية
الأول: تسعى روسيا لإحداث تقارب مع حركة طالبان وفتح صفحة جديدة مع جماعة تُدرجها ضمن الجماعات والكيانات الإرهابية، رغبة منها في لعب دور الوسيط المرحب به في مجريات الأوضاع القادمة على الساحة الأفغانية، كما أن الأعتراف الروسي بطالبان يُعد بمثابة جائزة كبرى للحركة.
الثاني: تسعى روسيا لإحداث تقارب مع طالبان لمنع المسلحين من شن أي هجمات ضد حلفائها في اّسيا الوسطى مثل أوزباكستان وطاجيكستان.
الثالث: الانتقادات الروسية الدائمة للوجود الأمريكي في أفغانستان، وبالتالي تسعى موسكو لأن تكون أحد أهم الفاعلين في أفغانستان، عقب الانسحاب الأمريكي وذلك بإقامتها لعلاقات طيبة مع الحركة الأهم والأقوى في أفغانستان، فروسيا تعمل على مد أواصر التعاون مع حركة طالبان، التي وصف وزير الخارجية سيرجي لافروف رجالها بـ “الأشخاص العقلاء”.

كما أعلنت الخارجية الروسية أن موسكو تسعى للتعاون مع طالبان لبناء السلام والاستقرار في البلاد. ومنذ ذلك الحين، حاولت الإدارة الروسية تعزيز مهمتها الدبلوماسية مع طالبان من خلال استبدال كلمة “إرهابي” بكلمة “راديكالية” في تقاريرها، والحفاظ على الاتصال المباشر مع الجماعة من خلال سفير موسكو في كابول.
كما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قادة طالبان يمكن أن يكونو قادة أكثر أمانًا لأفغانستان من الغرب. علاوة على ذلك، وفي لقاء مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارتها الأخيرة لموسكو، انتقد بوتين فشل الولايات المتحدة في إحلال السلام في أفغانستان من خلال فرض أفكارها الخارجية عن الديمقراطية “بالإجبار” على الأمة الأفغانية، ومؤكدًا أن سيطرة طالبان على أفغانستان باتت”أمرًا واقعًا” ويجب التعامل معه.
لكن وعلى جانب أخر، فإن أكثر ما تخشاه روسيا هو سيادة حالة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة أوراسيا، كما تشخى روسيا من تغلغل الفوضى إلى دول الاتحاد السوفيتي السابق المجاورة في آسيا الوسطى، حيث يوجد لدى روسيا عدد من القواعد العسكرية.
مصدر قلق كبير آخر هو الاتجار بالمخدرات، فأفغانستان كانت منذ فترة طويلة أكبر منتج للأفيون والهيروين في العالم، حيث تساعد أرباح التجارة غير المشروعة في تمويل حركة طالبان”. مع وضع هذا في الاعتبار، فإن روسيا تهدف إلى حماية حدود حلفائها في آسيا الوسطى من تلك التجارة.

الترويكا المُوسعة..نحو حلحلة الأوضاع في أفغانستان

عملت موسكو خلال السنوات الأخيرة على إيجاد حل للقضية الأفغانية في إطار ما يُسمى بـ “الترويكا” الموسعة والتي تضم (روسيا، الولايات المتحدة الامريكية، الصين، وباكستان)، وكذلك ضمن “صيغة موسكو”، والتي رأت فيهما الاّليات الأكثر فاعلية لتعزيز الدعم الخارجي للتسوية الأفغانية.
يذكر ان روسيا تقدم المساعدات للجانب الأفغاني والساسة الأفغان منذ أعوام كثيرة، وتمت الدعوة إلى “صيغة موسكو” في روسيا بمشاركة البلدان الخمسة لآسيا الوسطى، الصين وباكستان والهند وإيران، وروسيا، إضافة للولايات المتحدة وروسيا، وبالطبع بمشاركة الحكومة السابقة وحركة طالبان. وتم إنشاء صيغة مصغرة، تُسمى “ترويكا” بمشاركة روسيا والصين والولايات المتحد، ومن ثم “الترويكا” الموسعة بإضافة دولة باكستان.
ترى روسيا أن حل الصراعات في أفغانستان يتطلب جهودًا مشتركة، كما دعت إلى إطلاق الحوار الأفغاني /الأفغاني الشامل، بهدف تشكيل حكومة ائتلافية، تضمن الاستقرار وسيادة القانون في هذا البلد، مع التأكيد الروسي بضرورة الامتناع عن فرض أي شكل من أشكال الحكومة من الخارج على أفغانستان.
وفي خضم هذه الجهود المتواصلة من قِبل الروس، أجرت الخارجية الروسية اتصالات مع وزراء خارجية الولايات المتحدة، والصين، وباكستان، وممن لديه مصلحة في مواصلة هذا العمل، وذلك لخلق تعاون بناء وظروف مواتية للأفغان للتوصل إلى اتفاق فيما بينهم بحثًا عن السلام والاستقرار على الأراض الافغانية، تجنبًا للتهديدات المتمثلة في الإرهاب، وخطر الإتجار غير المشروع بالمخدرات، والتي قد تهدد أمن لمنطقة بأثره.

دعم روسي لحوار أفغاني وطني

تواصل موسكو دعم فكرة الحوار الوطني لجميع القوى السياسية في أفغانستان”، بالتأكيد على أن نتيجة الحوار الوطني يجب أن تقود البلاد إلى تشكيل حكومة تتولى معالجة مسائل التسوية النهائية للأوضاع في البلاد.
وتؤكد روسيا أن الحوار يجب أن يتم على مستوى البلاد وأن يشترك فيه كافة القوى السياسية، بما في ذلك جبهات المعارضة، وكافة الجماعات العرقية والطائفية في أفغانستان.
وفي وقت سابق كان المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى أفغانستان “زامير كابولوف” قد أوضح إن المحادثات بشأن تشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة في أفغانستان ستستغرق وقتا طويلا، ولا يتوقع أنه بمجرد تشكيل الحكومة أن يعم السلام والهدوء على الفور في أفغانستان ، ولكن هذه ستكون بداية الطريق نحو السلام والتنمية.
ورأى المبعوث الروسي أن مثل هذه الحكومة الائتلافية المؤقتة يجب أن يكون لها إطار زمني محدد، سنتان أو ثلاث سنوات على سبيل المثال، كما يجب أن يكون القرار المُتخذ بيد الشعب الأفغاني فقط وليس بإملاءات خارجية، وأن تسعى هذه الحكومة لتهيئة الظروف لاستعادة أفغانستان كدولة طبيعية بمؤسسات ديمقراطية تعمل وفق النموذج الأفغاني، على أن تقوم هذه الحكومة بإجراء انتخابات لتشكيل سلطات جديدة.
ووفقًا “لكابولوف” فإن كل هذه الأمور ستحتاج لوقت طويل، لكن يجب اتخاذ الخطوات الأولى في هذا الصدد. وفي هذا السياق تحث موسكو أعضاء الترويكا (الولايات المتحدة وباكستان والصين) بالسعى إلى استخدام نفوذهم لتشجيع أطراف النزاع على البدء في حوار وطني بنًّاء وفعًّال.
وفي الأخير، يُمكن القول إن روسيا وأن كانت قد قدمت مؤشرات إيجابية في طريق التقارب مع حركة طالبان؛ والتي لا تزال موسكو تُدرجها ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، لكن على الجانب الأخر، يتبدى أن هناك تخوفا روسيا من تصرفات طالبان، وربما قد تحتاج إلى بعض الضمانات لبناء ثقة متبادلة مع الحركة، أولاً قد تحتاج روسيا من حركة طالبان القيام بإصدار إعلانات سياسية واضحة بقطع عِلاقاتها مع المتطرفين والإرهابيين. وثانيًا، أن ترتقي أفعالهم إلى مستوى أقوالهم؛ بدون ذلك ربما يكون من الصعب بناء الثقة روسية في حركة طالبان، وقد يدفع ذلك روسيا للإستمرار في إجراء المزيد من التدريبات العسكرية تحسبًا لأي تطورات قد تقلق حدودها في الأيام القادمة، خاصة وأن روسيا قد أجرت الشهر الماضي تدريبات عسكرية مع أوزبكستان وطاجيكستان، بالإضافة إلى تدريبات منفصلة مع الصين، كانت تهدف إلى “إظهار تصميم وقدرة روسيا والصين على محاربة الإرهاب” ولم يكن التوقيت – في ظل ما تشهده الساحة الأفغانية من تطورات – من قبيل الصدفة.
كما ستستمر روسيا في مساعيها الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأوضاع المتأزمة في أفغانستان، وذلك إما بطرح مبادرات أكثر تفصيلاً نحو تشكيل حكومة انتقالية، أو من خلال التشاور والتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية ودول أسيا الوسطى، من أجل توحيد الجهود لدعم الشعب الأفغاني وذلك لضمان الاستقرار والسلام في البلاد والحفاظ على النظام والقانون، إلى جانب التأكيد على أولوية مهام محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى