
تضييق الخناق.. لا ملاذات آمنة للإخوان في أوروبا بعد قرارات ألمانيا والنمسا
منذ أيام قليلة أصدرت ألمانيا قرارًا يقضي بحظر استخدام الرموز والشعارات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وعدد من التنظيمات الإرهابية الأخرى مع توقيع عقوبة مشددة تجاه المخالفين، تبع هذا القرار موافقة البرلمان النمساوي على قرارًا يقضي بحظر الجماعة للمرة الأولى في أوروبا، وجاءت هذه القرارات في إطار الاستراتيجيات المستحدثة التي تنفذها ألمانيا والنمسا وعدد من الدول الأوروبية لمواجهة خطر جماعات الإسلام السياسي والتيارات المتشددة وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية.
حظر شعار الإخوان في ألمانيا
أصدر المجلس الوطني الألماني قرارًا بحظر استخدام الرموز الخاصة بالتنظيمات التالية: (جماعة الإخوان المسلمين – تنظيم داعش – تنظيم القاعدة – تجمع الذئاب الرمادية – حزب العمال الكردستاني – حركة حماس – حزب الله – الجماعات المصنفة إرهابيًا في تشريعات الاتحاد الأوروبي – جماعة الاساتشة).
ونص القانون على حظر حمل أو توزيع أو عرض الرموز الخاصة بالتنظيمات والجماعات المذكورة في الأماكن العامة بما فيها وسائل الاتصال الالكترونية مع اعتبار الشارات والشعارات والإيماءات رموزًا، وأقر القانون كذلك توقيع عقوبة تصل إلى 4.000 يورو أو السجن لمدة شهر واحد لكل شخص انتهك قرار حظر الرموز، وفي حال تكرار المخالفة ترتفع الغرامة لتصل إلى 10.000 يورور والسجن لمدة تصل إلى 6 أسابيع.
ضربات استباقية وتحركات سياسية
لم يكن القرار الأخير المواجهة الأولى بين السلطات الألمانية وجماعة الإخوان والمنظمات التابعة لها، وإنما استكمالا لما بدأته ألمانيا من خطوات خلال السنوات الماضية إداركًا منها بخطر هذه الجماعة الإرهابية، ففي مايو الماضي أعلنت ألمانيا عن حظر جماعة “أنصار الدولية” والتي كانت بمثابة حلقة الوصل بين جماعة الإخوان والمتطرفين، فقد مولت الجماعة تنظيمات جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام في سوريا وحركة الشباب في الصومال بجانب حركة حماس التابعة لجماعة الإخوان بعشرات الملايين من اليوروهات خلال السنوات الماضية، ونفذت عناصر الشرطة مداهمات في 10 ولايات ألمانية لإغلاق مكاتب ومقرات المنظمة التي أتخذت من مدينة دوسلدورف مقرًا لها.
وأكدت التقارير الألمانية أن الأجهزة الأمنية رصدت تحالفًا بين جماعتي “أنصار الدولية” و”الإخوان المسلمين” بهدف استفادة كل منهما من الآخر، فمنظمة “أنصار الدولية” ترغب في تعلم تجربة الإخوان في التمويه على طرق جمع التبرعات لتفادي حظر الدولة لها، بينما يريد الإخوان تعلم وسائل جديدة لتجنيد المزيد من الشباب المسلم والأطفال داخل المجتمع الألماني وغرس أيديولوجيتها في وجدانهم، وهو ما رأت المخابرات الألمانية أنه سيؤدي لزيادة المتطرفين بشكل كبير في البلاد وسيشكلان خطرًا أكبر مما هو حاصل الآن.
وفي إبريل الماضي قدم الاتحاد المسيحي الحاكم في ألمانيا ورقة للبرلمان بعنوان “مكافحة الإسلام السياسي”، ونصت على أن “الإسلام السياسي الذي يتصرف ظاهريًا بطريقة غير عنيفة، يثير الكراهية والتحريض والعنف ويسعى إلى نظام لا توجد فيه حقوق متساوية، ولا حرية للرأي والدين، ولا فصل بين الدين والدولة، ما ظهر آثاره في أجزاء كبيرة من مجتمعنا”.
وطالب الاتحاد في الورقة بإنهاء تعاون الحكومة الألمانية مع تلك المنظمات بما فيها الأندية والجمعيات الإسلامية التي تخضع لمراقبة المكاتب الفيدرالية وفروع هيئة حماية الدستور “المخابرات الداخلية في الولايات الألمانية الـ16، وشدد الاتحاد على ضرورة فحص ووقف جمع التبرعات والمنح المالية بما فيها الإعفاءات الضريبية والقانونية لتلك المنظمات والتي يعمل أغلبها في حقل العمل الخيري.
وفي 11 فبراير 2020 قدم حزب البديل لأجل ألمانيا وهو حزب المعارضة الرئيسي في ألمانيا مشروع قرار يطالب الحكومة بفرض رقابة قوية على جماعة الإخوان وفروعها وشبكاتها وأنشطتها في ألمانيا، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد منظمة المجتمع الإسلامي التي تعد ستارًا كبيرًا للجماعة، بالإضافة لمراقبة ومتابعة اتحاد ديتيب التركي وشبكات الإخوان بشكل شامل لرصد الأهداف والتحركات غير الدستورية لمنع أي تهديد للنظام الديمقراطي الحر.
وتم إحالة مشروع القرار إلى لجنة الأمن الداخلي ولكن لم يرى النور وظل حبيس الأدراج لسببين أساسيين، الأول انتشار جائحة كورونا وما فرضته من أوضاع استثنائية في البرلمان الألماني وجدول أعماله وإعطاء أولوية لمناقشة أوضاع ومتطلبات مواجهة الجائحة مقارنة بأي أمور أخرى، والثاني، يمكن في أن الحزب المتقدم بمشروع القرار يحسب انتماءه لليمين المتطرف وهو ما يؤدي لرفض الكتل البرلمانية داخل البرلمان التعاون معه في مشاريع القوانين، ولكن كان هذا المشروع دافعًا أساسيًا لتقديم الاتحاد المسيحي مقترحه الخاص السابق الإشارة إليه.
تحذيرات استخباراتية
في 15 يوليو الجاري صدر التقريرالسنوى للاستخبارات الداخلية بولاية شمال الراين ويستفاليا والتي تعد أكبر ولايات ألمانيا، وأكد أن منظمة المجتمع الإسلامي تعد أهم ممثلي جماعة الإخوان في ألمانيا وأحد مؤسسي اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والذي يعد مظلة منظمات الإخوان في القارة العجوز، ويمكن رؤية تأثير الجماعة في ولاية شمال الراين ويستفاليا في الجمعية الثقافية الإسلامية بمدينة بوخوم وفرع منظمة المجتمع الإسلامي على سبيل المثال.
وأضاف التقرير أن هدف جماعة الإخوان هو تطبيق نظام حكم قائم على تفسيرها الضيق للشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية، وأنه في أحسن الأحوال يقبل الإخوان النظام الدستوري الديمقراطي العلماني كوسيلة للوصول إلى هدفها وتطبيق نظامها الخاص، وتحقيقّا لهذه الغاية تتبع الجماعة استراتيجية الأسلمة من الأسفل والتي تبدأ من الفرد، موضحًا أن عدد عناصر الجماعة ارتفع من 250 إلى 300 فرد خلال عام 2020.
وكشفت الاستخبارات الداخلية في تقريرها عن طرق تمويل الجماعة لأنشطتها في ولاية شمال الراين ويستفاليا والتي تمثلت في جمع التبرعات وإدارة أنشطة اقتصادية متشعبة، وأنها تتبع استراتيجية ناعمة تقوم على الود ومحاولة بناء علاقات تعاون مع السلطات المحلية الألمانية، وأكدت أن جماعة الإخوان تستطيع التكيف من حيث المظهر واختيار الكلمات مع النظام العام في أوروبا، لكنها تعمل سرًا وفق أيديولوجية تعد نقيضًا للقيم الأوروبية وتتعارض مع الديمقراطية وسيادة الشعب والدستور الألماني.
وفي فبراير الماضي صدر تقرير عن الاستخبارات الداخلية في ولاية بادن فورتمبيرج، أكد أن عناصر الإخوان يديرون مشروع يحمل اسم “سيرة” يستهدف التأثير على الأطفال والمراهقين في كل أنحاء ألمانيا، من خلال برامج تدريبية ونماذج محاكاة تعمل على نشر التطرف وأفكار حسن البنا بين الأجيال الجديدة للسيطرة عليهم مستقبلاً، وأشار التقرير إلى أن هذا المشروع هو الضلع الثالث في تنظيم محكم يضم منظمتي الشباب المسلم في ألمانيا ومؤتمر الشباب المسلم لزرع الأفكار المتطرفة بين المراهقين.
وأكدت الاستخبارات الداخلية أن المشروع يحظى برعاية مباشرة من جمعية مجلس الآئمة والعلماء في ألمانيا وهي مقربة من جماعة الإخوان وتخضع لرقابة مباشرة من الاستخبارات الداخلية من عام 2010، ويقوم كل من أحمد خليفة مدير المركز الإسلامي في ميونخ التابع للإخوان وإبراهيم الزيات أحد قيادات الإخوان في أوروبا بالتدريس في ندوات وفعاليات المشروع.
وحذر التقرير من خطورة تأسيس علاقات وثيقة وطويلة الأمد بين المجتمعات الإسلامية والإخوان على النظام الديمقراطي الألماني، لأنها ستفتح المزيد من أبواب التأثير الاجتماعي على مصراعيها أمام عناصر الجماعة، ولهذا تسعى الجماعة للتأثير بقوة على الأطفال والمراهقين.
أجراس القلق تدق
لم يكن دق أجراس القلق الألمانية وليد اللحظة، وإنما تدق منذ سنوات عدة للتحذير من خطر الجماعة المستشري في الدولة الحديدية، ففي 4 فبراير 2017 حذر تقرير صادر عن الاستخبارات الداخلية في ولاية ساكسونيا من توسع جماعة الإخوان في الولاية وزيادة عدد أعضائها ومحاولتها استغلال أوضاع اللاجئين لاستقطاب المزيد منهم، وأضاف التقرير أن الإخوان تستغل نقص عدد المساجد لكي تتمدد وتنشر أفكارها.
وصرح حينها “جورديان ماير بلات” رئيس الاستخبارات الداخلية في ولاية ساكسونيا، أن الجماعة تقوم بشراء أعداد كبيرة من المباني والمقرات والأراضي لفتح مساجد وتأسيس مراكز للتجمع واللقاءات بهدف نشر فكرها عن الإسلام السياسي وفرض قانون الشريعة داخل ألمانيا.
وفي 12 ديسمبر 2018 حذرت الاستخبارات الألمانية من أن تنظيم الإخوان المسلمين يمثل خطرًا على البلاد والديمقراطية يتجاوز خطر تنظيمي داعش والقاعدة على المدى المتوسط، بسبب تأثير الجماعة على الجالية المسلمة في ألمانيا من خلال المساجد والمنظمات المقربة والتابعة لها وتحديدًا في ولاية شمال الراين مما أدى إلى زيادة الإقبال عليها بشكل واضح، وهو ما يستدعي تحركًا سريعًا لمواجهة هذا التهديد.
وفي 9 يناير 2019 قال وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية “يواخيم هيرمان” في تصريحات لصحيفة “أوجسبرجر ألجامينه” المحلية، أن جماعة الإخوان تتبنى مواقف لا يمكن التوفيق بينها وبين مقتضيات الدستور الألماني، وبناء على ذلك يجب على الدولة وسلطاتها اليقظة بهذا الشأن، وفي 2 مايو 2020 صرح شتيفان كرامر رئيس هيئة الاستخبارات الداخلية بولاية تورنجن لصحيفة تاجس شبيجل الألمانية أنه بعد حظر أنشطة حزب الله في ألمانيا حان الوقت لاتخاذ خطوات مماثلة ضد الإخوان لاستغلالها الأراضي الألمانية في ممارسة أنشطتها المعادية للدستور والقانون، والجدير بالذكر أنه في بداية عام 2020 صدرت تحذيرات أمنية المانية من زيادة عدد عناصر الإخوان على نحو كبير، إذ كان عددهم عام 2018 نحو 1040 شخصًا إلى 1350 عام 2019 ثم 1450 عام 2020،
النمسا توجه ضربة موجعة للجماعة
لم يكن القرار الألماني هو الوحيد على الساحة الأوروبية خلال الأيام الماضية ضد الجماعة الإرهابية، ففي خطوة هي الأولى من نوعها في أوروبا وافق البرلمان النمساوي يوم الثلاثاء الماضي رسميًا على حظر جماعة الإخوان المسلمين ومنعها من الانخراط في أي عمل سياسي على أراضيها وذلك ضمن قانون مكافحة الإرهاب.
وقد أصدر المجلس الوطني في النمسا قانونًا جديدًا لمكافحة الإرهاب والتطرف لتعزيز الجهود النمساوية لحظر نشاطات الجماعات الإرهابية وملاحقة مموليها، وقال وزير الداخلية “كارل نيهمر” أن التشريعات الجديدة تتضمن تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين وتسهل عملية مراقبتهم، وكذلك مراقبة خطاب الكراهية والتشدد الديني واستغلال شبكة الانترنت في هذه الأغراض.
كما وافق البرلمان على إلزام المدانين بالإرهاب المفرج عنهم بوضع السوار الإلكتروني في الكاحل بالإضافة إلى الاعتراف بالجريمة الجنائية ذات الدوافع الدينية، ويأتي هذا القرار بعد نحو عامين من إضافة شعار جماعة الإخوان إلى قائمة الشعارات المحظورة في النمسا، ودعوات عدد من البرلمانيون النمساويون إلى وقف التعاون مع المنظمات التابعة لجماعة الإخوان في النمسا.
جدير بالذكر أن النمسا تقود حركة إجراءات شاملة ضد جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين لأنها تمثل مظلة لعدد من التنظيمات الإرهابية، عقب هجوم فيينا مطلع نوفمبر 2020 الذي أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 20 آخرين، وتمكنت عناصر الأمن النمساوي من قتل المنفذ الذي كان معروفًا للأجهزة الأمنية إذ أراد السفر إلى سوريا للالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي.
وبعد أيام من الهجوم الدامي نفذ ضباط الشرطة وأجهزة المخابرات النمساوية حملة مداهمات في أربع ولايات اتحادية ضد 60 شقة ومنزلاً ومقرًا تجاريًا وناديًا تابعين للإخوان، بالإضافة إلى إلقاء القبض على 30 شخصًا عرضوا للاستجواب الفوري بحسب ما أعلنه المدعي العام في صحيفة دير ستاندرد النمساوية، كما أعلنت السلطات القانونية لاحقًا عن استحداث جريمة “الإسلام السياسي”.
إجمالاً، تعد القرارات الألمانية والنمساوية الأخيرة خطوة جيدة في ملف محاصرة جماعة الإخوان الإرهابية في أوروبا التي شرعت في تنفيذ الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب التي أقرها الاتحاد الأوروبي العام الماضي وقد تشجع تلك الخطوات دول أوروبية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة ضد الإخوان، ولكن هناك إشكاليتين أمام تحقيق الاستفادة المثلى من تلك الخطوات،
الأولي، عدم قيام الحكومات الأوروبية بإدراج جماعة الإخوان حتى اللحظة على قائمة المنظمات الإرهابية على غرار تنظيمي داعش والقاعدة بالرغم من صدور تقارير استخباراتية تحذر من خطورة الجماعة بل وأنها تمثل خطرًا أكبر من التنظيمين،
والثانية، ضرورة المواجهة الحاسمة للخطاب المتطرف ضد المسلمين في أوروبا نظرًا لأن تلك الخطابات تخلق حالة انعزالية وانفصالية بين المسلمين والمجتمعات الحاضنة لهم، وهو ما يخلق بيئة مثالية لجماعة الإخوان لممارسة نشاطها واستقطاب أعضاء جدد لصفوفها.
باحث أول بالمرصد المصري