مقالات رأي

اللواء محمد إبراهيم يكتب : ماذا في جعبة الأيام القادمة ؟ رؤية لأهم تطورات الأحداث الحالية بالمنطقة

تتلاحق الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتتسارع التطورات في المشاكل المثارة وهو أمر جدير بالمتابعة بالرغم من أننا لم نجد حتى الآن أن هناك مشكلة من تلك المشكلات وجدت طريقها إلى الحل النهائي ، وإنما لازالت هناك محاولات تبذل وجهود تتواصل وأطرافاً تتحرك وتحاول كل دولة في خضم هذه المشكلات البحث عن مصالحها أو على الأقل تجنب أية تأثيرات سلبية من جراء هذه الأحداث على وضعيتها .
ومن ثم يبدو من الضروري أن نلقى الضوء على أهم الأحداث التى تمر بها المنطقة خلال المرحلة الراهنة ، وتوضيح آخر تطوراتها ، ومدى تأثيراتها المستقبلية ، مع التركيز على النقطة الأهم وهى كيف تتعامل الدولة المصرية مع هذه الأحداث .

أولاً : الانتخابات الإسرائيلية


يشير الواقع على الساحة الإسرائيلية الداخلية أن انتخابات الكنيست الرابع والعشرين التى أجريت يوم 23 مارس الحالي لم تحمل متغيرات جديدة في جوهرها حيث يظل الصراع قائماً بين اليمين المتطرف واليمين وتتواصل المحاولات سواء من جانب نتانياهو لتشكيل حكومة يمينية ضيقة أو من جانب بعض الأحزاب الأخرى من أجل التكتل في مواجهة ناتنياهو ومحاولة إزاحته عن منصب رئيس الوزراء الذى يحاول بكل الوسائل أن يتولاه للمرة السادسة فى حياته .
وفى الحقيقة فإن كافة الدلائل تشير إلى أن إسرائيل سواء نجحت في تشكيل حكومة جديدة استنادا على نتائج هذه الانتخابات التى تجرى للمرة الرابعة خلال عامين أو اتجهت إلى انتخابات خامسة وهو احتمال يظل قائماً ولو بعد حين ، فإن النتائج المتوقعة لن تختلف كثيراً وسيظل اليمين الإسرائيلي هو السلطة الحاكمة وصاحب الكلمة العليا الذى يمتلك فى النهاية القدرة على إتخاذ القرار أو على الأقل التأثير فيه حتى وإن كان في المعارضة .
ومن المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية القادمة سوف تحرص على استمرار رؤيتها بالنسبة لتسوية القضية الفلسطينية والتأكيد على أن أية تسوية سياسية لابد أن تأخذ في اعتبارها حدود الموقف الإسرائيلي إزاء قضايا الأمن والحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات وبما يعنى على أرض الواقع تفريغ أى حل سياسي يمكن أن يقبله الفلسطينيون والعرب من مضمونه ، وبالتالي تتواصل القضية الفلسطينية دون حل بينما يستمر قطار الضم والتهويد الإسرائيلي بدون توقف ، وسوف ينتظر الجميع ماذا في جعبة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه مسألة حل الدولتين وهل ستتحرك لتنفيذ هذه الرؤية ومتى سيبدأ تحركها .
لا توجد لدى مصر أية مشكلة في التعامل مع أية حكومة إسرائيلية قادمة حيث أن علاقات مصر بإسرائيل بعد مرور 42 عاماً على معاهدة السلام لم ولن تمنعها مطلقاً من إعلان رفضها أية إجراءات أحادية الجانب تقوم بها إسرائيل من شأنها تعقيد المشكلة بصورة أكبر ، وتتبنى مصر بشكل قوى مع بعض الأطراف المعنية وخاصة الأردن وفرنسا وألمانيا فكرة ضرورة استئناف المفاوضات السياسية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني التى يجب أن تؤدى فى النهاية إلى

تطبيق مبدأ حل الدولتين وتنفيذ مقررات الشرعية الدولية. .

ثانياً : الانتخابات الفلسطينية


من المؤكد أن القرار الذى اتخذه الرئيس الفلسطيني أبو مازن في 15 يناير الماضي بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على التوالي خلال الأشهر القليلة المقبلة يعد متغيراً شديد الأهمية على الساحة الفلسطينية الداخلية خاصة وأن هذه الانتخابات لم يتم إجراؤها منذ سنوات طويلة .
ولاشك أن أحد أهم الجوانب الإيجابية لهذه الانتخابات تتمثل في أنها سوف تؤدى إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس ثابتة تساعد على تحصين الموقف الفلسطيني ودعم قدراته على تحمل مسئوليات المرحلة القادمة بما فى ذلك إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ، بالإضافة إلى الاستعداد لمرحلة استئناف المفاوضات السياسية خاصة وأن هناك بعض التحركات النشطة من جانب بعض الدول من بينها الصين وروسيا للدفع في طريق إعادة العملية التفاوضية فى مرحلة لاحقة .
ولاشك أن الجهود المصرية المكثفة المبذولة في الملف الفلسطيني تهدف إلى وضع أطر سليمة لإجراء الانتخابات في مناخ ديمقراطي وآمن بتوافق الجميع ، وهو الأمر الذى دفع مصر إلى استضافة جولتين من حوار الفصائل والتنظيمات الفلسطينية خلال شهري فبراير ومارس تم فى نهايتهما الاتفاق على كافة جوانب العملية الانتخابية والتي أرى أن أهم نقطة تم التوصل إليها هى التزام الجميع بقبول بنتائج الانتخابات .
وتأمل مصر أن تسفر هذه الانتخابات عن عودة الوحدة واللحمة الفلسطينية وإنهاء الانقسام اللعين ، وأن يشعر الشارع الفلسطيني بإيجابيات هذه المرحلة الجديدة ، وفى نفس الوقت فإن مصر تأمل ألا تكون هذه الانتخابات مدعاة للتمزق أو الفرقة أو الصراع السياسي الذى لا ينجم عنه سوى مزيد من الخلافات التى تنهش فى الجسد الفلسطيني ، ومن ثم سوف تحرص مصر على الانخراط الإيجابي في كل ما يتعلق بدعم الموقف الفلسطيني على المستويين الداخلي والخارجي .

ثالثاً : قضية سد الإثيوبي


في مجال استعراض قضية السد الإثيوبي أجد أنه من الضروري أن أبدأ بكلمة السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس البوروندى السيد إيفاريست ندايشيمى حيث أكد سيادته أنها قضية وجودية تؤثر على حياة الملايين من المصريين ، مع ضرورة السعي للتوصل في أقرب وقت ممكن إلى إتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملئ وتشغيل السد بعيداً عن أي منهج أحادي يسعى إلى فرض الأمر الواقع وتجاهل الحقوق الأساسية للشعوب .
وفي نفس الوقت تواصل إثيوبيا انتهاج نفس مواقفها المتشددة إزاء قضية السد مع تأكيد قياداتها كل فترة على أنها سوف تتجه إلى الملء الثاني مع قدوم موسم الأمطار الغزيرة ( أي ابتداء من شهر يوليو ) حتى بدون إتفاق مع كل من مصر والسودان ، الأمر الذى يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المائي لدولتي المصب بل يهدد الاستقرار الإقليمي كله .
ولاشك أن هذا الموقف الإثيوبي واجه هذه المرة رفضاً شديد اللهجة من جانب مصر والسودان الذين أكدا أنهما لن يقبلا مطلقاً سياسة الأمر الواقع الذى تحاول إثيوبيا فرضه ، وأصدرت الدولتان أكثر من تحذير بشأن ألا يتم الملئ الثانى للسد دون إتفاق بين الأطراف الثلاثة .
لا توجد مشكلة أمام كل من مصر والسودان في استمرار العملية التفاوضية رغم مرور كل هذه السنوات من التفاوض دون نتيجة ، بل على العكس فهناك قبولاً بالوساطة الإفريقية أو الدولية أو الأمريكية أو العربية حيث أن ما يهم مصر ففي المقام الأول سواء كان التفاوض ثلاثياً أو بمشاركة أية أطراف أخرى أن نصل إلى إتفاق عادل وشامل وملزم يحقق مصالح الأطراف الثلاثة.
ولازلت مصر تأمل بكل صدق ألا تتطور الأمور إلى الأسوأ وتتجه إثيوبيا إلى الملء الأول دون إتفاق فهذا أمر لن يقبله أحد ، ولعلى أقولها بشكل شخصي أنه واهم ومخطئ كل من يعتقد أن مسألة فرض إثيوبيا الأمر الواقع يمكن أن تمر مرور الكرام وتقبلها كل من مصر والسودان .


رابعاً : الأزمة الليبية


تتحرك الأزمة الليبية إلى الأفضل بصورة تدريجية طبقاً لمخرجات المسار السياسي حيث تم تشكيل مجلس رئاسي جديد يترأسه السيد محمد المنفى ثم تشكيل حكومة جديدة برئاسة السيد محمود الدبيبة نجحت في أن تحوز على ثقة البرلمان الليبي ، وهو ما يؤكد قدرة الليبيين على أن يكون الحل السياسي لأزمتهم حلاً ليبياً خالصاً ، وأن أى دعم تقدمه أى من الأطراف يجب أن يكون عاملاً مساعداً لحل الأزمة وليس لتعقيدها .
لم يكن تحريك الأزمة اللبيبة بعيدا عن الجهود الصادقة من جانب مصر التى تدخلت فى الأزمة ليس فقط من منطلق كونها قضية أمن قومي مصري ولكن من أجل صالح الشعب الليبي وأن تعود ليبيا دولة قوية موحدة ، ومن هنا كان إعلان القاهرة فى يونيو 2020 ثم الزيارات المتتالية المتبادلة بين الجانبين ودعم مصر كافة الجهود الليبية من أجل الوصول إلى الانتخابات المقررة فى الرابع والعشرين من ديسمبر من العام الحالي .
ولاشك أن زيارة رئيس الوزراء الجديد عبد الحميد الدبيبة يوم 18 فبراير الماضي كأول زيارة له خارج ليبيا ، ثم زيارة السيد محمد المنفى ونائبه إلى مصر يوم 25 مارس الحالي كأول زيارة رسمية له على المستوى الإقليمي واستقبال السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسي له تحمل العديد من الدلالات التى تؤكد ثقة القيادة والشعب الليبي فى مصداقية موقف مصر وأهمية الدور الذى تقوم به حالياً ومستقبلاً .
ولاشك أن هذا التطور الإيجابي فى العلاقات يؤكد أن مصر ستظل منخرطة فى الملف الليبي بكل جدية مؤكدة على أهمية توحيد المؤسسات الليبية وضرورة خروج جميع الميلشيات والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية حتى تعود ليبيا دولة وطنية موحدة تنعم بالأمن والاستقرار ، وسوف تكون مصر مستعدة تماماً لمساعدة ليبيا فى كافة المجالات التى تحتاجها سياسياً واقتصاديا وأمنياً .

خامساً : التحركات المصرية مع كل من الأردن والعراق


لاشك أن التطور الواضح فى العلاقات المصرية مع كل من الأردن والعراق والزيارات المتبادلة بين قيادات ومسئولي الدول الثلاث على أعلى مستوى يعد ترجمة فعلية لقناعة هذه الدول بأن التعاون الوثيق والتنسيق الدائم بينهم يمثل المدخل الصحيح لتحقيق مصالح الأطراف الثلاثة فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية وأية مجالات أخرى يمكن أن تكون ضرورية ومطلوبة .
ومن المؤكد أن مثل هذه العلاقات التى يمكن أن نطلق عليها مسمى التحالفات الاستراتيجية هى علاقات قائمة على أسس مدروسة تأخذ فى اعتبارها مدى التكامل الذى يمكن أن يحققه مثل هذ التعاون الثلاثي على غرار منتدى غاز شرق المتوسط ، ولابد أن أشير هنا إلى أن هذه التحالفات ليست موجهة ضد أية أطراف إقليمية وإنما هى موجهة أساساً لخدمة مصالح وشعوب هذه الدول الثلاث وهو ما سوف يساعد بدوره على تحقيق الازدهار والاستقرار الإقليمي .


سادساً : المبادرة السعودية لحل الأزمة اليمنية


طرحت السعودية يوم 22 مارس الحالي مبادرة هامة لحل الأزمة اليمنية ترتكز على مجموعة من الأسس أهمها وقف شامل لإطلاق النار تحت مراقبة الامم المتحدة وفتح مطار صنعاء لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية مع بدء المشاورات بين الاطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسى للازمة برعاية الامم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الامن رقم 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطنى اليمنى الشامل .
ولاشك أن هذه المبادرة جاءت فى وقت ملائم نظراً لحرص السعودية على دعوة الحوثيين ليكونوا شركاء فى تحقيق السلام والتوقف عن تهديد الأمن القومى السعودى مع تأكيد السعودية أنها سوف تتخذ كل الإجراءات للدفاع عن أمنها القومى فى مواجهة الهجمات التى لازالت تشنها الميلشيات الحوثية على المنشآت السعودية الإقتصادية والمدنية .
وقد سارعت مصر بالترحيب بهذه المبادرة والتأكيد على أهمية دعم المجتمع الدولى لها والضغط على الحوثيين الذين أعلنوا رفضهم لها الأمر الذى من شأنه أن يهدد الإستقرار الإقليمى ، ومن المتوقع أن تشهد الفترة القريبة القادمة إنعكاساً لمدى ما يمكن أن تحدثه هذه المبادرة من حراك إيجابى أو العودة مرة أخرى إلى التوتر الذى يمكن أن يفجر الموقف كله خاصة مع مواصلة الحوثيين هجماتهم ضد السعودية .

سابعا العلاقات المصرية مع تركيا وقطر

لا يمكن أن نفصل العلاقات المصرية مع كل من تركيا وقطر عن المبادئ التى تحكم السياسة الخارجية المصرية بصفة عامة ، حيث أن سياسة مصر المتوازنة تقوم على إحترام كافة دول العالم وعدم التدخل فى شئونها الداخلية ، وفى المقابل تطلب مصر من جميع الدول أن تتعامل معها بنفس المبدأ ولاسيما عدم التدخل فى شئون مصر الداخلية .
*وفى الوقت الذى وقعت فيه مصر على إتفاق العلا فى القمة الخليجية 41 فى الخامس من يناير الماضى لتحقيق المصالحة الخليجية والعربية ، ثم صدرت بعض التصريحات التركية التى من شأنها خفض حجم التوتر بين كل من مصر وتركيا ، فإن المرحلة المقبلة ستكون هى الفيصل فى الحكم على أية متغيرات أو مواقف إيجابية خاصة فى إطار أن مصر لاتزال تضرب المثل فى حرصها على أن تكون علاقاتها مع كل دول العالم قائمة على الإحترام والثقة المتبادلة دعماً للاستقرار الإقليمى فى المنطقة .

الخلاصة


لاشك أن التطورات التى تشهدها هذه الأحداث والأزمات التى تمر بها المنطقة لا زالت تحمل فى طياتها عوامل التوتر وعدم الإستقرار ، إلا أنه فى الجانب المقابل نجد أن مصر بحكم دورها التاريخى وثقلها الإستراتيجى تقود توجهات إيجابية وبناءة فى إطار مشروع الإستقرار والسلام والتنمية الذى تتبنتاه بكل واقعية ومصداقية وتحرص على تقديم كل المساعدة الممكنة ليس فقط لحل المشكلات المثارة بل والتحرك من أجل ترجمة هذه التحركات إلى واقع عملى على الأرض .
ولاشك أن تحويل منتدى غاز المتوسط إلى منظمة دولية حكومية وكذا الدور المصرى الإيجابى فى الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية خير دليل على سلامة وصدق هذا التوجه المصرى ، وهو الأمر الذى يفرض على كافة الأطراف الأخرى أن تكون على نفس مستوى إيجابية هذا التحرك المصرى الذى لا ينشد سوى الإستقرار وحل كافة القضايا بالوسائل السلمية وخاصة قضية السد الإثيوبى ، مع التأكيد على أن مصر لن تتهاون مع أية قضية يمكن أن تؤثر سلباً على أمنها القومى .


نقلا عن مجلة “المصور”

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى