السد الإثيوبي

“التعنت الإثيوبي” .. الخطوات العمياء أمام التحركات الاستراتيجية

على مدار عقد كامل، كان التعنت الإثيوبي العنوان الأبرز في مبادرات وجولات التفاوض لحل قضية سد النهضة، وعليه جاءت الاستجابة المصرية لتراعي حجم التحديات القائمة في الإقليم والتحولات الأمنية الحادة. إذ انخرطت القاهرة في المسار السياسي وأعلت من شأنه وشجعت كافة الأطراف المعنية ببذل الجهود الرامية لحلحلة الأزمة وفق مقاربة ترتكز مبدأ عدم الإضرار بمصالح الآخرين والحفاظ على الحقوق المائية للأمة المصرية.

إلا أن التعنت الإثيوبي الذي هدف للترويج لسردية أن السد هو طوق النجاة لإثيوبيا الفقيرة والمتعطشة للطاقة الكهربائية والتنمية الشاملة؛ قد سقطت تباعاً في محطتين رئيسيتين:

الأولى: اتفاق إعلان المبادئ مارس 2015

فقد اتفقت كل من مصر والسودان وإثيوبيا على 10 مبادئ حاكمة ومنظمة لعمليات التفاوض، وكان من أبرز هذه المبادئ، مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن. ومبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، حيث تضمنت ديباجة هذا المبدأ، الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد.

الثانية: غياب إثيوبيا عن الاجتماع الأخير بشأن مسودة اتفاق نهائي وملزم في نهاية فبراير  2020 في العاصمة واشنطن. إذ أعربت الإدارة الأمريكية وقتها عن خيبة أملها وقامت بتجميد بعض المساعدات المقدمة لأديس أبابا في سبتمبر من ذات العام.

من هاتين المحطتين، تكشفت للمجتمع الدولي زيف ادعاءات إثيوبيا بالمرونة في مسارات التفاوض والالتزام ببنود إعلان المبادئ فضلاً عن حتمية الاستمرار في تشغيل وإدارة السد بشكل أحادي لضمان تحقيق أهداف التنمية، ولاسيما بعدما عرضت القاهرة تقديم المساعدة ونقل تجربتها في تطوير قطاع الكهرباء.

التحرك المصري السوداني

تعاطت مصر والسودان مع التعنت الإثيوبي، بتدعيم أواصر التعاون الاستراتيجي، والتنسيق المشترك في العديد من ملفات الإقليم الساخنة، والتكامل الاقتصادي.

ولعل التنسيق المصري السوداني في ملف سد النهضة قد دفع بإثيوبيا لاتخاذ خطوات أحادية قصيرة الأجل، منها:

  • البدء في الملء الأول للسد من دون الالتزام بتطبيق ما تم التوقيع عليه في اتفاق إعلان المبادئ من ضرورة إخطار وإشراك مصر والسودان.
  • تصدير سردية أن السد يخضع فقط للسيادة الإثيوبية متجاهلة كونه يقع على نهر دولي.
  • تحريك الميليشيات الإثيوبية في منطقة الفشقة والاشتباك المباشر مع الجيش السوداني في محاولة لوضع مقاربة جديدة أمام السودان، إما تخفيض سقف التعاون مع مصر أم رفع احتمالات المواجهات والاشتباكات العسكرية.

وعليه، جاءت السودان بمقاربة جديدة لإدخال إثيوبيا في عملية تفاوضية تعمل على تخليق مخرجات “ملزمة وقانونية” لملء وتشغيل السد، بعد فشل وساطة الولايات المتحدة في فبراير العام الماضي. وتمحورت هذه المقاربة حول “الرباعية الدولية”.

وهي مقترح سوداني لتطوير آلية مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وذلك عبر تشكيل لجنة رباعية دولية تشمل بجانب الاتحاد الأفريقي كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

ورحبت الإدارة المصرية بالمقترح السوداني، حيث أعلنت وزارة الخارجية المصرية فبراير الماضي، أن الوزير سامح شكري بحث مع ألفونس نتومبا، منسق خلية العمل المعنية برئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية الحالية للاتحاد الأفريقي، المقترح السوداني الذي تؤيده مصر، لتطوير آلية مفاوضات سد النهضة. كما أكد وزير المائية والري المصري محمد عبد العاطي، تأييد المقترح الذي تقدم به السودان سابقاً بتطوير آلية مفاوضات سد النهضة من خلال تكوين رباعية دولية تشمل بجانب الاتحاد الإفريقي كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتوسط في المفاوضات تحت رعاية وإشراف رئيس دولة الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي باعتباره رئيس الاتحاد الإفريقي الحالي، وذلك لدفع المسار التفاوضي قدماً ولمعاونة الدول الثلاث في التوصل للاتفاق المنشود في أقرب فرصة ممكنة. 

واقترحت اللجنة العليا لسد “النهضة”، تحويل آلية المفاوضات الحالية لمسار رباعي يمثل فيه الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وذلك مع اقتراب إثيوبيا من الملء الثاني.

وشددت اللجنة السودانية العليا، على ضرورة “رفض اتجاه إثيوبيا لتنفيذ الملء الثاني لبحيرة السد قبل التوصل لآلية تنسيق مشتركة بين البلدين”، وأمنت اللجنة على مقترح فريق التفاوض بالمضي قدما في التواصل مع الأطراف الدولية الأربعة لشرح فكرة الوساطة الدولية الرباعية حول سد النهضة، حسب وكالة الأنباء السودانية “سونا”..

وبعد أيام من تقديم السودان لمقترحها، كشفت الخارجية الاثيوبية أخيراً عن موقفها من المقترح اليوم، الأربعاء. وقالت الخارجية الإثيوبية في تعليقها الأول على المباحثات التي تمت بين الطرفين: “نتوقع استئنافا قريبا لمفاوضات سد النهضة ومستعدون للتفاوض بحسن نية مع السودان ومصر”.

وتابعت في مؤتمر صحفي، صباح الأربعاء: “نتوقع وصول وفد الكونغو بشأن سد النهضة، موقفنا ثابت بشأن الوساطة الإفريقية، متمسكون بها ونأمل نجاح مهمتها في التوصل لاتفاق”.

وتابع المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي في المؤتمر الصحفي قائلا: «موقفنا هو مواصلة وساطة الاتحاد الأفريقي».

يأتي ذلك في ضوء وصول التنسيق المصري السوداني لمراحل متقدمة، كانت آخرها زيارة  مريم الصادق المهدي، وزيرة خارجية جمهورية السودان، للقاهرة، أمس الثلاثاء. وتلي ذلك الإعلان عن زيارة الرئيس السيسي للخرطوم خلال أيام، وكذلك زيارة رئيس الوزراء السوداني للقاهرة. فضلاً عن زيارة رئيس الأركان المصري الفريق محمد فريد حجازي للسودان، بنفس توقيت زيارة وزير الخارجية للقاهرة، أمس الثلاثاء. إذ ترأس الفريق محمد فريد،  وفد رفيع المستوى من قادة القوات المسلحة في الاجتماع السابع للجنة العسكرية المشتركة المصرية السودانية، حيث أجريت له مراسم استقبال رسمية بالعاصمة السودانية الخرطوم.

من الدعم المصري للسودان في نزاعه الحدودي مع إثيوبيا وصولاً لتنسيق وجهات النظر وتطابق الرؤي بشأن تسوية النزاع في ملف سد النهضة، لم تجد إثيوبيا هامش حركة لها تعمل من خلاله على فك الارتباط الاستراتيجي بين القاهرة والخرطوم، وتبين لها صلابة الشراكة الاستراتيجية، ” وهو ما قد يضعها أمام محطة فارقة في الترويج لسرديتها لملف سد النهضة وربطه بالقضاء على الفقر والبطالة، وكذلك يضع تعنتها أمام محطة كاشفة للعديد من الأطراف الدولية دفعة واحدة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى