
من ترامب إلى بايدن.. الطريق نحو الأمن القومي الأمريكي
عرض: محمد منصور – مروة عبد الحليم – محمد حسن
مع تولي الرئيس الأمريكي “جو بايدن” منصبه في 20 يناير 2021، صدر تقرير أمريكي بعنوان “من ترامب إلى بايدن.. الطريق نحو الأمن القومي الأمريكي”، تعاون في إعداده مركز القوة العسكرية والسياسية (CMPP)، ومركز القوة الاقتصادية والمالي (CEEP)، ومركز الابتكار السيبراني والتكنولوجيا (CCTI) وتولت نشره “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في أمريكا، بمساهمة 35 باحثًا سياسيًا حول العالم.
يتضمن التقرير توصيات مستندة إلى معالجة للمسائل السياسية والعلاقات مع الولايات المتحدة في 15 دولة، هي (أفغانستان، الصين، أوروبا، الهند، إيران، العراق، إسرائيل، أمريكا اللاتينية، لبنان، كوريا الشمالية، روسيا، السعودية، سوريا، تركيا، اليمن). ونشر التقرير تقييمًا لممارسات الولايات المتحدة المرتبطة بالحد من انتشار السلاح، والأمن السيبراني، والدفاع، والطاقة، وتهديد حزب الله عالميًا، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والمنظمات الدولية واقتصاد الأمن القومي، و”الجهاد السني”.
مقدمة
اقتحمت مجموعة من مثيري الشغب في 6 يناير 2021، مبنى الكابيتول، في محاولة منهم لقلب نتائج الانتخابات الديمقراطية بالقوة وذلك بتحريض مباشر من الرئيس دونالد ترامب. أسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل ضابط شرطة، وأربعة من مثيري الشغب. كانت الواقعة بمثابة وصمة عار للديمقراطية الأمريكية، وهدية لأعداء الولايات المتحدة الذين يريدون رؤية القوة والقيادة الأمريكية تنهار، وتمزقها الانقسامات الداخلية والفوضى.
لم تكن فترة رئاسة ترامب بالسهلة، ستظل تلاحقها أحداث الكابيتول المؤسفة، وسيميزها أسلوب إدارته في الحكم واتخاذ القرار، التي أزعجت الحلفاء والأعداء على حد سواء، وأزعجت أيضًا مؤسسات الفكر والرأي حول العالم. ولكن هذا لا يعني طي فترة رئاسة ترامب وجعلها من الماضي، لقد حقق نجاحات ملموسة على مستوى السياسة الخارجية يمكن البناء عليها، أبرزها: تحدي الحزب الشيوعي الصيني بعد سنوات من التكيف والانصياع من قبل الإدارات الأمريكية السابقة، وممارسة أقصى قدر من الضغط على النظام الإيراني، وقدرته على إقامة اتفاقات سلام تاريخية بين إسرائيل وأربع دول عربية.
وكما كان لفترة ترامب نجاحات ملموسة، كانت له إخفاقات، تمثلت في: إهانة حلفاء الناتو، والإطراء على الديكتاتوريين مثل كيم جونغ أون وشي جين بينغ وفلاديمير بوتين، والضغط على أوكرانيا من أجل التحقيق بشأن جو بايدن، وعدم التعامل بحزم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومساعدته على تجنب تحقيقات كانت تجريها وزارة العدل الأمريكية حول بنك تركي له صلة بأردوغان وكان يشتبه بخرقه العقوبات الأمريكية على إيران. بالإضافة إلى عقده صفقة “سلام” سيئة مع طالبان، والانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من سوريا.
لقد وجه ترامب الإهانات لحلفاء أمريكا التقليديين، وتملق الطغاة، وشكك في الالتزامات والمعاهدات الدولية. وعملية صنع القرار كان يشوبها الارتباك والتهور، فضلًا عن التناقضات العميقة التي ظهرت بين ترامب وكبار مستشاريه. واستفحل ذلك في الأشهر الأخيرة من رئاسته، عندما رفض الاعتراف بشكل غير مسبوق بنتائج الانتخابات الأمريكية 2020 وفوز منافسه جو بايدن. وسعيه الدائم لقلب نتائج الانتخابات لصالحه، والمشهد الصادم لحشد مؤيديه، واقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي أثناء اجتماع الكونجرس للمصادقة على نتائج الانتخابات.
يجب أن تتعلم أمريكا من السنوات الأربع الماضية. وبالنظر إلى المناخ السياسي والأيديولوجيات السامة والانقسامات التي ستستمر حتى بعد رحيل ترامب، لن يكون ذلك سهلًا. لكن “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” تظل ملتزمة بلعب دور في مناقشات السياسة الخارجية والأمن القومي. ويحدونا الأمل في أن تظل تلك المناقشات موضوعية ومحترمة وأن تعمل في نهاية المطاف على الدفاع عن الديمقراطية الأمريكية.
لا شك أن هناك اتجاه قوي داخل إدارة بايدن القادمة للابتعاد عن كل ما يرتبط بالرئيس الخامس والأربعين، بما في ذلك مجمل سياسته الخارجية. لكن سيكون ذلك خطأ فادحًا. في الفصول التالية من التقرير، يقدم خبراء “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” تحليلًا منهجيًا لفترة ولاية ترامب، وتناول القضايا ذات الأهمية الكبرى للأمن القومي الأمريكي. والهدف هنا ليس توجيه النقد لفشل ترامب في بعض القضايا، ولكن يرى الخبراء أن هناك العديد من القضايا التي استطاع ترامب أن يحدث فيها فارقًا، من حيث تعزيز المصالح الأمريكية المهمة وتستحق الحفاظ أو البناء عليها من قبل إدارة بايدن.
ويقع المجلد الذي بين أيدينا الآن في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول، وصف واقعي لسياسة إدارة ترامب في منطقة معينة. الجزء الثاني، تقييم النجاحات وأوجه القصور في تلك السياسة. الجزء الثالث، سلسلة من التوصيات للإدارة الجديدة والكونجرس.
إليكم ما جاء في الملف:
أولًا: استراتيجية أمريكا أولًا
رسخ دونالد ترامب خلال فترة حكمه لمبدأ “أمريكا أولًا” والذي كان في مجمله مزيجًا من الشعبوية، والقومية، والمذهب التجاري، والانعزالية، والأحادية. وقد ساعد هذا المبدأ في تفسير وجهة نظره التبادلية للتحالفات، وعدم الاهتمام بحقوق الإنسان، والتشكيك في صفقات التجارة الحرة والالتزامات العسكرية الأجنبية.
ووسط توبيخ ترامب العلني للحفاء، واصل أعضاء الناتو زيادة استثماراتهم في الدفاع الجماعي ومحاولة بناء “جيش الدفاع الأوروبي”. لكن الازدراء الذي أظهره ترامب لنظرائه الأوروبيين زاد أيضًا من صعوبة حشد بعض الديمقراطيات الأكثر نفوذًا في العالم لمواجهة التهديدات المشتركة، لا سيما من الصين.
على جانب آخر، ساعدت جهود ترامب لإقامة علاقة شخصية قوية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كسب دعم المملكة لاتفاقات التطبيع التاريخية التي أبرمتها إسرائيل مع العديد من جيرانها العرب. لكن استعداد ترامب –حسب الدراسة- لتبرير أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها ولي العهد السعودي أدت إلى رد فعل في الكونجرس هدد الشراكة الأمريكية السعودية.
ساعد ترامب الجيش الأمريكي في تسريع القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لكن اندفاعه في سحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق وأفغانستان يخاطر بإعطاء تنظيم الدولة الإسلامية فرصة جديدة للعودة مرة أخرى، وعودة مجموعة أخرى من الأعداء الآخرين معه، بما في ذلك إيران وطالبان والقاعدة.
في بعض الحالات، غذت تصرفات ترامب الشكوك في أن “أمريكا أولًا” قد أفسحت الطريق للسعي وراء مصالحه الشخصية “أولًا”. مهما كانت التداعيات الدستورية. غالبًا ما أربك أسلوب صنع القرار الفريد لترامب الجهود المبذولة لتطوير وتنفيذ استراتيجية وطنية متماسكة لجعل “أمريكا أولًا”. كانت سياساته وقراراته تتم عبر “تويتر”، قراراته السياسية وتعيينات وإقالة المسؤولين في إدارته كان يتم معرفتها من خلال تغريداته على “تويتر”، ولم يبد اهتمامًا بتقديرات الخبراء. ومع ذلك كانت هناك العديد من الإنجازات المهمة التي تستحق التأكيد على أن فريق الأمن القومي القادم سيكون من الحكمة الاعتراف بها والبناء عليها.
مكتسبات يجب الحفاظ عليها
على إدارة بايدن دراسة الوثيقتين التأسيسيتين لإدارة ترامب المتعلقة بشؤون الأمن القومي -استراتيجية الأمن القومي، التي نُشرت في ديسمبر 2017، واستراتيجية الدفاع الوطني- والاستفادة منهم جيدًا، حيث توفر هذه الوثائق تقييمًا للتحديات الأساسية التي تواجه الولايات المتحدة -ولا سيما عودة المنافسة بين القوى العظمى- والسياسات المطلوبة لتأمين رفاهية أمريكا. ومن الأفضل لإدارة بايدن أن تأخذ على محمل الجد العديد من مفاهيمها الأساسية، حتى عندما تعمل على وضع طابعها الفريد على السياسة الخاصة بها.
أهم ما ميز هاتين الاستراتيجيتين هو منهجها النموذجي في فهم الصين، فبعد جيل من الجهود المضللة من قبل رؤساء الولايات المتحدة من كلا الحزبين لاستيعاب القوة الصاعدة للصين ودمجها في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقائم على القواعد، حدد فريق ترامب بشكل واضح بكين على أنها أقوى منافسي أمريكا، وأن طموح الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق الأسبقية العالمية هو أكبر تهديد دولي نواجهه. يُحسب لإدارة ترامب أنها استطاعت الوقوف في وجه الصين على عكس الإدارات السابقة، ونجحت في تقييد القوة الصينية في مختلف المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والسيبرانية والأيديولوجية والتكنولوجية.
مهما كانت التعديلات التي يرى بايدن أنها قد تكون ضرورية لمواجهة المد الصيني والتي تشمل، العمل مع الحلفاء، ورفع مستوى حقوق الإنسان، وزيادة الاستثمارات في المصادر المحلية للقوة الأمريكية، وتطوير مسار دبلوماسي أكثر استدامة مع بكين لتجنب سوء التقدير. سيكون التحدي الأول للسياسة الخارجية الأمريكية خلال العقود القادمة هو الفوز في المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دون تفجير أو إفقار العالم.
يجب على بايدن أيضًا أن يتبنى نجاح ترامب الدبلوماسي المتمثل في توقيع اتفاقيات السلام التاريخية بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. فقد تحدى ترامب الحكمة التقليدية القديمة التي جعلت مثل هذه الصفقات مستحيلة في ظل غياب حل نهائي للصراع الفلسطيني.
وبينما كانت العلاقات تزداد تقاربًا بين إسرائيل والعديد من جيرانها لسنوات، استطاعت إدارة ترامب اغتنام هذه الفرصة وتفاوضت في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2020 على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. وهناك مؤشرات بتوقيع اتفاق مماثل في المستقبل القريب مع المملكة العربية السعودية -الدولة الأكثر نفوذًا في العالم الإسلامي- لكن تحقيق ذلك سيتطلب دعمًا وتركيزًا مستمرًا من الولايات المتحدة. وتتوفر لبايدن الآن فرصة لإعادة هيكلة الخريطة الجيوستراتيجية للشرق الأوسط بطرق مفيدة للغاية لمصالح الولايات المتحدة.
إن إنجاز ترامب الذي قد يصعب على بايدن قبوله هو النفوذ الاستثنائي الذي تتمتع به الولايات المتحدة الآن في مواجهة إيران، والذي أصبح ممكنًا بفضل قرار ترامب المثير للجدل بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران. لقد لعب بايدن والعديد من كبار مستشاريه أدوارًا داعمة رئيسية في التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة، واعتبروها واحدة من أهم نجاحات الرئيس الأسبق باراك أوباما، وانتقدوا بشدة قرار ترامب بالانسحاب.
بينما يقر بايدن الآن بأن اتفاقًا جديدًا سيكون ضروريًا لتصحيح أوجه القصور في خطة العمل الشاملة المشتركة، فقد قال أيضًا إنه مستعد لإعادة أمريكا بسرعة إلى الامتثال كخطوة أولى نحو تلك الصفقة الجديدة، وهي خطوة تتطلب رفع أشد عقوبات ترامب صرامة. وتبديد الكثير من النفوذ المتاح الآن للضغط على إيران للحد من سلوكياتها الخبيثة. إذا كان بايدن يستطيع تنحية انتقاداته السابقة لسياسة ترامب واستغلال اليد القوية التي ورثها للتفاوض على صفقة أفضل سيكون اختبارًا مبكرًا مهمًا لسياسته الخارجية.
داخليًا، يواجه بايدن مجموعة هائلة من التحديات والتهديدات الدولية، والتي تفاقمت بشكل كبير بسبب الدمار الذي أحدثته جائحة فيروس كورونا المستجد، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب الداخلي غير المسبوقة في البلاد، لقد شهدت السنوات الأربع الماضية اضطرابات وانقسامات بلغت ذروتها في تحريض الرئيس السابق أنصاره على التمرد ضد الديمقراطية أمام الكابيتول لتغيير نتائج الانتخابات.
المطلوب من بايدن في هذه اللحظة تقييم واضح لسجل ترامب، بطريقة موضوعية قدر الإمكان، لتحديد الأخطاء التي يجب على بايدن السعي وراءها لتصحيحها وكذلك النجاحات التي تستحق البناء عليها. وإعادة تأسيس قدر ضئيل من الشراكة بين الحزبين في نهج أمريكا تجاه العالم، واستعادة قدر من الوحدة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية.
ثانيًا: السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان
تأرجحت سياسة إدارة ترامب تجاه أفغانستان بشكل غير منتظم بين قراره في عام 2017 بزيادة عدد القوات الأمريكية وشن الحرب بضراوة، ثم جهوده في الفترة الأخيرة من رئاسته لانسحاب القوات من هناك. عكس هذا التوجه رغبة ترامب المتزايدة “لإنهاء الحروب التي لا نهاية لها” ليس فقط في أفغانستان ولكن أيضًا في العراق وسوريا والصومال ودول أخرى حيث اشتبكت الولايات المتحدة مع الجهاديين منذ هجوم القاعدة في 11 سبتمبر.
في أغسطس 2017، أعلن ترامب أنه على الرغم من “غريزته الأصلية للانسحاب” فإن انسحاب القوات الأمريكية السريع من أفغانستان سيترك فراغًا للإرهابيين يستغلونه. وأشار إلى أنه كان يريد في الأصل سحب القوات من هناك، لكنه قرر البقاء و”القتال من أجل الفوز” متحاشيا الأخطاء التي ارتكبت في العراق. وقال إنه يريد أن يغير النهج المعتمد على تحديد وقت للبقاء في أفغانستان إلى نهج آخر يعتمد على الظروف على الأرض، وأرسل 4000 جندي إلى 8500 موجودين بالفعل في أفغانستان. للقضاء على داعش، وسحق القاعدة ومنع طالبان من السيطرة على البلاد.
وقال ترامب إن الولايات المتحدة ستضغط على باكستان لوقف دعمها لطالبان. وفي عام 2018، علقت الإدارة حوالي إلى 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية المقدمة لباكستان ردًا على فشلها في قمع الجماعات الإرهابية. ولإظهار أن الولايات المتحدة كانت جادة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، أعطى ترامب الأمر بإسقاط “أم القنابل” الأمريكية على مجمع كهوف بإقليم ننغرهار.
وبعد أن عين ترامب “زلماي خليل زاد” مستشارًا خاصًا للولايات المتحدة بشأن أفغانستان، بدأت الولايات المتحدة وطالبان المفاوضات في قطر في أواخر عام 2018. وبعد عدة فترات توقف، تم توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة وطالبان في 29 فبراير 2020. وأشادت إدارة ترامب بالوثيقة المكونة من أربع صفحات بصفتها اتفاقية سلام من شأنها أن تنهي الحرب المستمرة منذ عقود في أفغانستان. وقال ترامب، “أعتقد حقًا أن طالبان تريد أن تفعل شيئًا لإظهار أننا لا نضيع الوقت جميعًا.” أن طالبان “ستقتل الإرهابيين”، بما في ذلك القاعدة، على الرغم من حقيقة أن الجماعة كانت تاريخيًا حليفًا ثابتًا لطالبان. وبالمثل، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن طالبان “وافقت على قطع تلك العلاقة وأنهم سيعملون جنبًا إلى جنب معنا لتدمير القاعدة وحرمانها من الموارد وإخراج القاعدة من ذلك المكان”.
تقييم سياسة ترامب في أفغانستان
بعد عام واحد فقط من إعلان الرئيس ترامب الذي طال انتظاره عن سياسته في أفغانستان في عام 2017، تراجع عن موقفه. وفتحت الإدارة مفاوضات مع طالبان قبل تحقيق أي مكاسب ملموسة في ساحة المعركة. لقد سمحت الحملة العسكرية الطاحنة لطالبان للسيطرة على نسبة كبيرة من المقاطعات الأفغانية في جميع أنحاء البلاد. وباكستان، التي كان يُنظر إليها على أنها مساهم رئيسي في المشاكل في أفغانستان، تم وصفها فجأة بأنها شريك في السلام. وقطر، التي استضافت سفارة طالبان وآوت بعض مقاتليها على مر السنين، تم اعتبارها دولة محايدة، تستضيف محادثات السلام.
بحلول سبتمبر 2019، كانت الولايات المتحدة وطالبان على وشك توقيع صفقة. لكن تراجع ترامب في اللحظة الأخيرة عندما قتلت طالبان جنديًا أمريكيًا. وبعد خمسة أشهر وقع الطرفان على الاتفاقية. وعلى الرغم من أن الصفقة وصفت على أنها “اتفاقية سلام”، إلا إن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فليس هناك ما يشير إلى إن الولايات المتحدة وطالبان، أو الحكومة الأفغانية وطالبان، قد أنهوا الأعمال العدائية. كما أن وقف إطلاق النار بين الحكومة الأفغانية وطالبان ليس مطلبًا. بل هو بند ستتم مناقشته في وقتًا لاحق.
وتضمنت الصفقة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في مقابل تأكيدات طالبان الغامضة بأنها لن تسمح للجماعات الإرهابية بمهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها. بعبارة أخرى، الاتفاقية هي صفقة انسحاب وليست صفقة سلام. وحتى الآن لم تندد طالبان بالقاعدة ولم تلاحق أو تسلم أي زعيم أو ناشط في القاعدة، ودأبت طالبان على إنكار وجود لتنظيم القاعدة في أفغانستان.
ولنجاح هذه الاتفاقية كان يجب على الولايات المتحدة أن تطلب أولًا من طالبان نبذ القاعدة ومطاردة أو طرد ما تبقى من عناصر القاعدة في البلاد. ولكن رغبة الولايات المتحدة في عقد صفقة مع طالبان جعلها تستبعد الحكومة الأفغانية من المحادثات، بسبب رفض طالبان الاعتراف بها واعتبارها حكومة غير شرعية و”دمية” في يد الولايات المتحدة والغرب. وعلى الرغم من أن الحكومة الأفغانية لم تكن طرفًا في الاتفاقية إلا إن الولايات المتحدة ألزمتها بالإفراج عن 5000 سجين من طالبان، ومن المفارقات أن هذا عزز وجهة نظر طالبان بأن الحكومة الأفغانية هي دمية في يد الولايات المتحدة.
إجمالًا، أضفت صفقة ترامب الشرعية على حركة طالبان، ونزعت الشرعية عن الحكومة الأفغانية، وزودت طالبان بمزيد من الحوافز لمهاجمة الحكومة الأفغانية، وتصاعدت هجمات طالبان ضد الحكومة الأفغانية. إذ ترى حركة طالبان نفسها منتصرة في الحرب تعهدت مرارًا وتكرارًا بعدم تقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية.
توصيات لإدارة بايدن
إن الإرادة السياسية لضمان عدم استعادة طالبان للسلطة وعدم احتفاظ تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى بملاذات آمنة في أفغانستان تظل غائبة عبر الطيف السياسي الأمريكي. ولا تزال العلاقات بين طالبان والقاعدة قوية كما كانت دائمًا. وطالبان اليوم أقوى من أي وقت مضى منذ 11 سبتمبر، ولا تزال القاعدة تشكل تهديدًا قويًا للولايات المتحدة.
لذلك، فإن للولايات المتحدة مصالح أمنية قومية ملزمة في منع طالبان من استعادة السيطرة على أفغانستان والحد من التهديد الإرهابي النابع من جنوب آسيا. ويجب على إدارة بايدن تنفيذ العديد من السياسات لتحقيق هذه الغاية من خلال:
1- وضع حد فوري لاتفاق الانسحاب مع طالبان: الصفقة الحالية في صالح طالبان فقط، ولا تضمن انفصال طالبان عن القاعدة، وهي كذلك تنزع الشرعية عن الحكومة الأفغانية، وترفع مكانة طالبان في المجتمع الدولي. إذا كانت إدارة بايدن مصممة على الانسحاب من أفغانستان على الرغم من حقيقة أن هناك مصالح أمنية قومية أمريكية ملزمة في البقاء، فلا يلزم أي اتفاق القيام بذلك.
2- تعطيل مشروع بناء دولة طالبان: فالهدف النهائي لطالبان هو العودة إلى السلطة، واستعادة إمارة أفغانستان الإسلامية (الاسم الرسمي لحكومتهم من عام 1996 إلى عام 2001)، وفرض شريعتهم القاسية على الشعب الأفغاني. إذا كانت إدارة بايدن على استعداد للاحتفاظ بوجودها في البلاد، فيمكن للقوات الأمريكية أن تواصل تدريب ودعم القوات الأفغانية التي تقاتل طالبان. وتظل القوة الجوية الأمريكية بمثابة أداة رقابة فعالة على طالبان، ففي منتصف أكتوبر 2020، ساعد الدعم الجوي الأمريكي الحكومة الأفغانية على منع عاصمة إقليم هلمند من السقوط في أيدي طالبان.
3- الحفاظ على الخيارات العسكرية مفتوحة: إذا كانت الولايات المتحدة لا ترغب في الاحتفاظ بقواتها في أفغانستان، فلا يزال لديها الوسائل للمساعدة في إبطاء عودة طالبان إلى السلطة وعودة ظهور القاعدة. يمكن لواشنطن أن تستمر في تقديم المساعدة العسكرية والدعم الاقتصادي والدبلوماسي للحكومة الأفغانية وقواتها. يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تشجع الدول الإقليمية التي لديها مصالح في رؤية فشل طالبان، مثل الهند، أن تدعم الحكومة الأفغانية.
4- عزل طالبان دبلوماسيًا: يجب على الولايات المتحدة أن تتراجع عن جهودها لإضفاء الشرعية على طالبان كجهة فاعلة مسؤولة في أفغانستان وفي المجتمع الدولي. يجب إغلاق المكتب السياسي لطالبان في الدوحة على الفور. حيث تستخدم طالبان هذا المنصب للترويج لنفسها على أنها الحكومة الحقيقية لأفغانستان وكذلك لجمع الأموال وتطوير الاتصالات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. يجب أن ينتهي كل الحديث عن شطب قادة طالبان من نظام عقوبات الأمم المتحدة. يجب إضافة قادة ونشطاء طالبان السياسيين والعسكريين إلى قائمة عقوبات الأمم المتحدة.
5- اعتماد طالبان على باكستان كملاذ آمن: حيث تدير طالبان مكاتب التجنيد ومعسكرات التدريب والمدارس الدينية ومستودعات تخزين الأسلحة والذخيرة والمستشفيات والبيوت الآمنة في باكستان. وتعيش عائلات كبار قادة طالبان وذوي المستوى المتوسط في باكستان بموافقة الحكومة. ويوفر الجيش الباكستاني ومديرية المخابرات الداخلية التابعة له الأسلحة والذخائر والمشورة لجيش طالبان. لذا يجب على الولايات المتحدة أن تمارس ضغطًا حقيقيًا على باكستان لحملها على إنهاء هذا الدعم. يجب تطبيق نظام عقوبات مشابه للنظام الذي يستهدف إيران للضغط على الحكومة الباكستانية لوقف دعمها لطالبان.
ثالثًا: السياسة الأمريكية تجاه الصين
أعلنت استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب لعام 2017 أن “الصين وروسيا تريدان تشكيل عالم يتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية”. وهو ما يعد تناقضًا واضحًا مع الإدارة السابقة التي أكدت في عام 2015 أن “نطاق التعاون الأمريكي مع الصين غير مسبوق”.
في النصف الأول من إدارة ترامب، دخلت الولايات المتحدة والصين في مواجهة بشأن قضايا التجارة، مما دفع الإدارة إلى فرض رسوم جمركية قيمتها 250 مليار دولار من الواردات الصينية السنوية. وفي يناير 2020، توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري “للمرحلة الأولى”، رفعت فيه بعض الرسوم الجمركية وأثارت الحديث عن هدوء جديد في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.
ولكن ظهور فيروس كورونا المستجد قضى على هذه الهدنة تمامًا، ففي البداية أثنى ترامب على تعامل الصين مع الفيروس، ولكن سرعان ما غير لهجته وأطلق على كوفيد-19 اسم “الفيروس الصيني” واتهم بكين بالتواطؤ مع منظمة الصحة العالمية لإخفاء سوء سلوك الصين الخبيث. وفي أبريل 2020، قامت إدارة ترامب بتنشيط قانون الإنتاج الدفاعي ردًا على شراء الصين المسبق لمعدات الحماية الشخصية والمستلزمات الطبية. ثم أعلنت الإدارة في يوليو أنها ستنسحب من منظمة الصحة العالمية.
أدت التوترات التي نتجت عن الوباء إلى تحركات عدوانية لإدارة ترامب في قضايا أخرى، مثل التكنولوجيا وحقوق الإنسان والشؤون العسكرية. وأصدرت الإدارة سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى دعم سلاسل التوريد الصناعية بالإضافة إلى نقاط الضعف المعلوماتية. ووضعت قيودًا على المنتجات من شركات التكنولوجيا الصينية، منها شركة Huawei في مجال الاتصالات و DJI في المركبات الجوية.
في مايو 2020، أصدرت إدارة ترامب أمرًا تنفيذيًا يمنع الباحثين الصينيين المرتبطين بالأجهزة الأمنية من دخول الولايات المتحدة. وبعد أسبوع واحد من الانتخابات الأمريكية 2020، أصدر ترامب أمرًا آخر بحظر الأمريكيين من الاستثمار في الشركات المرتبطة بالجيش الصيني.
عكست جميع الإجراءات السالف ذكرها قلقًا متزايدًا بشأن برنامج الاندماج العسكري-المدني الصيني واستراتيجية بكين وجهازها المؤسسي الذي يمتلك المواقع والموارد التجارية والمدنية الصينية، في الداخل والخارج، لتحقيق غايات قسرية. وفي يونيو 2020، أصدرت وزارة الدفاع قائمة تضم 31 شركة مرتبطة بالجيش الصيني تعمل في الولايات المتحدة.
وأصدرت إدارة ترامب عقوبات ردًا على انتهاكات بكين لحقوق الإنسان في الداخل والموقف العدواني في الخارج. في يوليو 2020، عاقبت وزارة الخزانة فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء لصلاته بالاعتقال الجماعي والعمل الجبري في شينجيانغ. وفي أغسطس، فرضت وزارتا الخارجية والتجارة عقوبات ضد شركة تشييد الاتصالات الصينية لدورها الاستفزازي في جنوب الصين.
لقد بذلت الإدارة الأمريكية جهودًا متضافرة للتعبير عن سياستها تجاه الصين للجمهور المحلي والعالمي. في يونيو ويوليو 2019، ألقى مستشار الأمن القومي ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزير الخارجية والمدعي العام سلسلة من الخطابات وصفوا فيها التهديد الذي يشكله الحزب الشيوعي الصيني. قال وزير الخارجية بومبيو: “إذا لم نتحرك الآن، فإن الحزب الشيوعي الصيني في نهاية المطاف سوف يقوض حرياتنا ويخرب النظام القائم على القواعد الذي عملت مجتمعاتنا بجد لبنائه”.
تقييم سياسة ترامب تجاه الصين
كان اعتراف إدارة ترامب بتهديد الحزب الشيوعي الصيني ضروريًا وقد طال انتظاره. لكن النهج الذي اتبعه كان رد فعل دفاعي أحادي الجانب في كثير من الأحيان. تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية فعالة للوقوف في وجه نفوذ بكين في جميع المجالات التنافسية. وأن تأخذ هذه الاستراتيجية في الحسبان استراتيجية الاندماج العسكري- المدني للصين، وأن تكون الاستراتيجية متعددة الأطراف، وتضم الحلفاء والشركاء بالإضافة إلى القطاع الخاص.
يُحسب لإدارة ترامب أنها أدركت أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين صراع على المعايير السياسية العالمية وعلى القيادة. إن بكين متورطة في جرائم حقوق الإنسان داخليًا، وتسعى إلى نشر نموذجها الاستبدادي على مستوى العالم. وهو ما يؤكده فرض الحزب الشيوعي الصيني لقانون الأمن القومي في هونج كونج والإبادة الجماعية المستمرة لأقلية الإيجور في شينجيانغ.
وقد اعتمدت إدارة ترامب في سياساتها تجاه الصين على العقوبات والتضييق وهذا لا يكفي، إن استبدال معدات الاتصالات الصينية الصنع أو فرض رسوم جمركية على بكين لسياساتها المناهضة للسوق له تأثير ضئيل في المنافسة على التفوق العالمي. يجب على الولايات المتحدة توفير بدائل إيجابية للمعايير الصينية والبنى التحتية وسلاسل التوريد الحيوية.
لقد فشلت إدارة ترامب في تنظيم جهد منسق مع الحلفاء والشركاء والقطاع الخاص لمواجهة بكين. أدركت واشنطن مؤخرًا أن الصين عازمة على السيطرة على المؤسسات العالمية لخدمة مصالحها الضيقة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية التي انسحبت الولايات المتحدة منها والهيئات المختلفة الأخرى. لا يكفي حظر هواوي أوتيك توك، يتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا رائدًا في إصلاح المنظمات القائمة، وأن تفعل ذلك بالتعاون مع الحلفاء. ويجب أن تدمج القطاع الخاص في صنع القرار لتشكيل عالم يتضاءل فيه تأثير الصين العالمي.
توصيات لإدارة بايدن
لمواجهة المد الصيني، يجب أن تُبنى سياسة الولايات المتحدة على إجماع من الحزبين على أن نظام بكين القمعي ينشر الاستبداد في الخارج، ويهدف إلى تقويض القيادة الأمريكية، ويسعى إلى تشكيل القواعد والمعايير الدولية وسلاسل التوريد والمؤسسات لخدمة مصالحها. يجب ألا تغفل الولايات المتحدة عن منافسة القوى العظمى اليوم. يجب على واشنطن صياغة استراتيجية تنافسية مصممة لمواجهة نهج بكين تقوم على الآتي:
1- المنافسة لتحديد المعايير التقنية الناشئة: خاصة في مجالات المعلومات الرئيسية مثل الخدمات اللوجستية الحديثة وتنظيم تدفق البيانات عبر الحدود. على الولايات المتحدة أن تقوم بجهود متعددة الأطراف في الهيئات المرتبطة بالأمم المتحدة مثل المنظمة الدولية للمعايير والاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية وفي الجمعيات الصناعية مثل معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات. يجب أن يتحول تمويل البحث والتطوير (R&D) من الحكومة الأمريكية إلى جهود التكنولوجيا التطبيقية في المرحلة اللاحقة. يجب تجنيد تمويل البحث والتطوير ومعاهد البحوث الحكومية، مثل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة والمؤسسة الوطنية للعلوم، في السباق لتحديد المعايير التقنية على مستوى العالم.
2- الدفاع عن المنظمات الدولية المعرضة لخطر احتوائها من قبل بكين: تعد بكين عضوًا فاعلًا في مجموعة واسعة من المنظمات الدولية، يجب تحليل التحديات التي تشكلها هذه المنظمات وتحديد أولوياتها. على سبيل المثال، يجب أن يكون إصلاح منظمة التجارة العالمية أولوية. فقد مكّن انضمام بكين عام 2001 إلى الهيئة من شن هجومها على النظام العالمي. لذا يجب على الولايات المتحدة العمل مع الحلفاء والشركاء الموثوق بهم بالإضافة إلى القطاع الخاص، ليس فقط لإعادة تأكيد نظام التجارة العالمي القائم على القواعد ولكن أيضًا للمساعدة في إنشاء نظام تحدده الشركات متعددة الجنسيات.
3- تمويل سلاسل التوريد الموثوقة مع الحلفاء والشركاء: إن استراتيجية الاندماج العسكري-المدني لبكين تستولي على النقاط الحاسمة داخل سلاسل التوريد العالمية. وهو ما يوفر لها عوائد اقتصادية مباشرة والوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة في أوقات الأزمات، وهو ما كشفته أزمة كوفيد-19، لذا يجب على واشنطن الاستثمار في البنية التحتية المادية والإنتاج للحماية من نفوذ بكين التصنيعي. يجب على واشنطن إعطاء الأولوية لأنظمة البنية التحتية الجديدة وسلاسل التوريد ذات الصلة مثل محطات 5G، ومراكز البيانات، والمواد الخام الهامة.
4- تسليط الضوء على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان والرد عليها: يقوم الحزب الشيوعي الصيني بإبادة جماعية في شينجيانغ. وجرد الحزب الشيوعي هونج كونج من ديمقراطيتها واستقلاليتها. يجب على البيت الأبيض والكونجرس الرد على هذه الانتهاكات ليس فقط ببيانات واضحة عن المبادئ أو بالتهديد بفرض عقوبات، ولكن أيضًا بإجراءات تفرض تكلفة أكبر على النظام، يجب على الولايات المتحدة العمل بشكل منسق مع الحلفاء في جميع أنحاء العالم.
5- على الولايات المتحدة تفعيل القضايا ذات الحساسية للصين: مثل الاعتراف بتايوان والرد على انتهاكات حقوق الإنسان في هونج كونج، وعلى البنتاجون أن يطور من مفاهيمه العملياتية ويعمل على إعادة التموضع العسكري، لإعطاء إشارة للصين بأن يدركوا تكلفة أفعالهم وأن يستوعبوا عمق الثبات الأمريكي.
رابعًا: السياسة الأمريكية تجاه أوروبا
شكّل اهتمام الرئيس ترامب الضئيل بالمؤسسات الدولية متعددة الأطراف التي ضمنت أمن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ضغطًا هائلًا على العلاقة عبر الأطلسي. لقد واجه حلف شمال الأطلسي، والردع ضد روسيا، والعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وحتى حرية التنقل بين الولايات المتحدة وأوروبا، تحديات غير مسبوقة في عهد ترامب.
دأب ترامب خلال فترة حكمه على انتقاد نظرائه الأوروبيين، وإثارة قضايا معقدة جعلت النقاش المنطقي بين الحلفاء أمرًا صعبًا. واتهام نظرائه الأوروبيين بعدم سداد مستحقات حلف الناتو، وأن الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في الحلف. حتى أن ترامب وصف خطته لخفض عدد القوات الأمريكية في ألمانيا من 40 ألفًا إلى 25 ألفًا بالعقوبة لعدم مساهمة ألمانيا بشكل جيد في حلف الناتو.
وفي ظل غياب القيادة الأمريكية العالمية، أصبحت ليبيا أيضًا مصدر توتر كبير لأوروبا، حيث دعمت فرنسا وتركيا وروسيا أطرافًا متنازعة في الصراع. كما فرضت إدارة ترامب عقوبات متأخرة على تركيا لشرائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي الروسي S-400.
واستخف ترامب بعضوية الجبل الأسود في حلف شمال الأطلسي، وفشل في تقديم خطاب داعم لجورجيا على الرغم من الدعم الروسي المكثف للمناطق الانفصالية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وفي بيلاروسيا، التزم ترامب الصمت، عندما احتج المتظاهرون على إعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكو، والذي طلب مساعدة روسيا لإنهاء الاحتجاجات الشعبية ضده.
قدم ترامب دعمًا صريحًا لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تتعثر في انسحابها الرسمي من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020، لم يخجل ترامب من تشجيعها على الانسحاب. وعلى الرغم من أن ترامب ألمح إلى دعم واشنطن السياسي والاقتصادي للمملكة المتحدة في أعقاب انسحابها، إلا أنه لم يباشر أي خطة ملموسة لاتفاقية تجارة حرة وتوثيق العلاقات مع المملكة المتحدة بعد الانسحاب.
في مقابل ذلك كان النزاع بين صربيا وكوسوفو أحد المجالات التي كانت دبلوماسية ترامب الأوروبية أكثر نشاطًا فيها، حيث نجح في توقيع اتفاق تطبيع اقتصادي بين صربيا وكوسوفو، وكذلك تم الإعلان عن إقامة علاقات وروابط دبلوماسية بين كوسوفو وإسرائيل، واتفقت كوسوفو وصربيا مع إسرائيل على إقامة علاقات وروابط دبلوماسية من خلال نقل سفارتيهما إلى القدس بحلول يوليو 2021، وهو ما دفع بترامب لاعتباره اتفاقًا تاريخيًا.
وفيما يتعلق بقطاع الطاقة في أوروبا، حاولت الإدارة الأمريكية، بدعم واسع من الكونجرس، ثني ألمانيا والاتحاد الأوروبي عن تنفيذ خط أنابيب نورد ستريم 2. وهدد وزير الخارجية بومبيو بفرض عقوبات على المشروع، بما في ذلك الشركات الأوروبية المشاركة في المشروع.
وأضافت جائحة كوفيد -19 تحديات كبيرة أمام العلاقات الأمريكية الأوروبية، في 13 مارس 2020، أعلن ترامب حظر السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة. وهو ما ردت عليه أوروبا بالمثل. ومع انخفاض حالات الإصابة بفيروس كورونا في الاتحاد الأوروبي خلال الصيف، استمر تزايد الإصابات في الولايات المتحدة، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لإعادة فتح حدوده مرة أخرى، ولكن ليس مع الولايات المتحدة.
تقييم سياسة ترامب
كان أحد مصادر التوتر المستمرة بين الولايات المتحدة وأوروبا هو إصرار ترامب على عودة روسيا إلى مجموعة السبع الصناعية، والتي تم طردها منها بعد الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم في عام 2014. على الرغم من تصميم القادة الأوروبيين على عدم عودة روسيا إلى المجموعة ظل ترامب يثير القضية مرارًا وتكرارًا، ولم ينجح في إعادة روسيا مرة أخرى.
على جانب آخر، حث ترامب أعضاء حلف الناتو على إنفاق المزيد على الدفاع، وحقق بعض النتائج الملموسة في ذلك حيث أنفق 23 عضوًا من أصل 29 عضوًا في الناتو بمساهمات أكثر في عام 2019 مقارنة بعام 2014.
وكان من بين مواطن الاختلاف الأخرى بين ترامب والأوروبيين، هو انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 على عكس رغبة الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران. وقبل انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران بموجب بنود خطة العمل المشتركة، رفعت الولايات المتحدة العقوبات بشكل غير مسبوق، مما خلق نقطة توتر أخرى في العلاقات عبر الأطلسي والتأكيد على الصعوبة المستمرة التي تواجهها الإدارة في الحصول على التوازن الصحيح بين عزل الجمهورية الإسلامية مع الحفاظ على علاقات جيدة مع أوروبا.
مع زيادة النفوذ الاقتصادي للصين، يجب على واشنطن تعزيز علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي. ولكن ما قام به ترامب هو رفع الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى الرد بالمثل على ما عده نزاعًا تجاريًا غير مسبوق وغير مبرر. من ناحية أخرى، حققت الإدارة الأمريكية بعض النجاح في تحريك أوروبا نحو الإجماع على المخاطر التي تشكلها شركة هواواي لشبكات الجيل الخامس على أوروبا. ولكي تستطيع الولايات المتحدة مواجهة التحديات التي تفرضها الصين وروسيا بطريقة أكثر فعالية، عليها أولًا تعزيز التعاون مع أوروبا.
توصيات لإدارة بايدن
1- إظهار إدارة بايدن تقديرها لحلف الناتو: على الإدارة الجديدة أن تستغل موقع أمريكا كقائد لحلف الناتو لتوجيه المنظمة حول العديد من الأزمات المحتملة. وفي ليبيا، يجب على الإدارة تعزيز حل تفاوضي للحرب الأهلية. وطمأنة أعضاء الناتو من أوروبا الشرقية إلى أنهم لا يقلون أهمية عن نظرائهم الغربيين، وأنه لا يوجد مواطنون من الدرجة الثانية في الناتو، وأن التزامات الدفاع الجماعي المنصوص عليها في المادة الخامسة غير قابلة للتفاوض. في الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى التعامل مع الركود الديمقراطي بين بعض حلفاء الناتو لضمان بقاء التحالف قائمًا على القيم الديمقراطية.
2- تطوير استراتيجية مشتركة مع أوروبا لاحتواء الصين: يدرك الحلفاء الأوروبيون جيدًا أن صعود الصين يتطلب تعاونًا وتنسيقًا أكبر عبر الأطلسي، وفي سبيل تحقيق ذلك ستواجهنا بعض التحديات منها كيفية التحكم في التوغل الاقتصادي لبكين، والآثار الجيوسياسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وحملات التأثير السياسي الخبيثة للحزب الشيوعي الصيني، والحفاظ على التفوق التكنولوجي النوعي للغرب. لذا يجب على الإدارة الجديدة صياغة استراتيجية عبر الأطلسي لمواجهة هذه التحديات.
3- حل النزاعات التجارية وديا: واستعادة حرية الحركة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وحل الأزمة غير المسبوقة التي طرحها كوفيد-19، والتي عطلت حرية الحركة بينهما. كما أن أوروبا هي الشريك التجاري الأقوى لأمريكا، ويجب معاملتها على هذا النحو، لا سيما في مواجهة السياسات الاقتصادية الصينية الخبيثة.
4- التفاوض مع المملكة المتحدة: وإبرام اتفاقية تجارية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث يمثل الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي فرصة هائلة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لإقامة علاقات أوثق ليست اقتصادية فقط، ولكن سياسية أيضًا.
5- على إدارة بايدن استخدام نفوذها لحل النزاعات في شرق المتوسط: قبل أن تضع الجهات الخارجية نفسها كمحكمين في مثل هذه الخلافات. ويشمل هذا ليبيا وكذلك النزاع الإقليمي بين تركيا وقبرص واليونان.
6- السعي لتوافق أوروبي حول خطة العمل المشتركة: إن قدرة إدارة بايدن على مواجهة طموحات إيران النووية تتطلب مساعدة الحلفاء الأوروبيين. سيكون تجاوز الخلاف الحالي حول العقوبات ورسم مسار ذي مصداقية لمعالجة ليس فقط نقاط ضعف خطة العمل الشاملة المشتركة ولكن أيضًا نطاق الأنشطة الخبيثة غير النووية لإيران هدفًا ضروريًا.
7- دعم الحركات الديمقراطية في أوروبا الشرقية: ومساعدة جيران روسيا على مواجهة تدخلها في شؤونها. يجب أن تتلقى روسيا البيضاء وأوكرانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى الواقعة على أطراف روسيا دعم واشنطن في سعيها لتحسين أطرها الديمقراطية وتقليل نفوذ روسيا المهدّد للاستقرار.
خامسًا: السياسة الأمريكية تجاه الهند
لعقود طويلة ركزت السياسة الأمريكية على الهند في إطار علاقاتها بالدول الأخرى، وليس على الهند بحد ذاتها. وغالبًا ما كانت الهند “موصولة” كجزء من النزاع الهندي الباكستاني أو النزاع الحدودي بينها وبين الصين. وفي ظل إدارة ترامب، تم الاعتراف بالهند ككيان منفصل قائم بذاته، لدورها الراسخ في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، المحيطين الهندي والهادئ. وتم الاعتراف بالهند كشريك مهم في مواجهة صعود الصين وسط المنافسة الجديدة بين القوى العظمى التي تتصاعد حاليًا بين واشنطن وبكين.
في نوفمبر 2017، ألقى الرئيس ترامب خطابًا في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ APEC في فيتنام، وصف رؤيته لمنطقة المحيطين قائلًا “ليكن اختيارنا الثروة والحرية على الفقر والعبودية. ليكن اختيارنا منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة المنفتحة”. في مايو 2018، غيرت وزارة الدفاع اسم القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ إلى القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، وفي نوفمبر 2019، نشرت وزارة الخارجية تقريرًا جديدًا بعنوان “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمنفتحة: تقديم رؤية مشتركة”.
وسعت الإدارة الأمريكية إلى رفع مكانة الهند كشريك استراتيجي للولايات المتحدة. وهو ما ظهر في استراتيجية الأمن القومي في ديسمبر 2017، عندما صرحت الإدارة قائلة “سنوسع تعاوننا الدفاعي والأمني مع الهند، الشريك الدفاعي الرئيسي للولايات المتحدة، وندعم علاقات الهند المتنامية في جميع أنحاء المنطقة”. وفي سبتمبر 2018، أقامت واشنطن ونيودلهي الحوار الوزاري الأمريكي الهندي 2 + 2 لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية والدفاع.
ووقعت الحكومتان العديد من الاتفاقيات المهمة، أبرزها اتفاقية الاتصالات والتوافق والأمن في عام 2018، وتسمح الاتفاقية بالتبادل الأمني والدفاعي بشكل أعمق ومشاركة المعلومات بشكل أسرع. في عام 2020، وقع البلدان على اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية، التي تسمح بتبادل بيانات الأقمار الصناعية. ووقعت الولايات المتحدة والهند على اتفاقيات الدفاع التأسيسية الأربع اللازمة لتحقيق التكامل.
وسيسمح اتفاق التبادل والتعاون الأساسي بشأن التعاون الجغرافي المكاني للهند بالوصول إلى البيانات الطبوغرافية والبحرية والمتعلقة بالطيران والفضاء الجوي من أجل زيادة دقة أسلحة مثل الصواريخ والطائرات المسيرة. واتفقت الولايات المتحدة والهند على تبادل الاستخبارات العسكرية وتعزيز التعاون ضد التهديدات المشتركة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
على جانب آخر، عملت إدارة ترامب على بناء علاقة بين الولايات المتحدة والهند واليابان، من خلال التدريبات البحرية الثلاثية السنوية التي تستضيفها الهند، بالإضافة إلى عقد أول اجتماع ثلاثي لقادة الولايات المتحدة والهند واليابان في نوفمبر 2018 في مجموعة العشرين.
شجعت إدارة ترامب أيضًا على إحياء الحوار الأمني الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا ويعقد على مستوى وزراء الخارجية، وعقد الاجتماع لأول مرة في سبتمبر 2019 والاجتماع، الثاني في طوكيو في أكتوبر 2020.
وكان التقارب الأكثر وضوحًا، في قيام الرئيس ترامب بزيارة إلى الهند في فبراير 2020، وألقى ترامب كلمة أمام حشد من 110 آلاف شخص، وبعد ذلك أعلن ترامب ومودي عن شراكة استراتيجية عالمية شاملة بين الولايات المتحدة والهند.
على صعيد التجارة، كان هناك تقدم ضئيل نحو إبرام اتفاق مع الهند على الرغم من الاهتمام الواضح من الجانبين. ومع ذلك، كانت العلاقات التجارية قوية، ففي عامي 2019 و2020، كانت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للهند، حيث بلغت قيمة الواردات 58 مليار دولار من السلع الهندية في 2019 ووصلت قيمة الصادرات 34 مليار دولار.
تقييم سياسة ترامب
على الرغم من إحراز تقدم كبير في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، لا تزال الشراكة ضعيفة في بعض القطاعات، وهناك عدد من الدول الفاعلة مع الهند بشكل أكبر مقارنة بالولايات المتحدة مثل الصين وروسيا اللتين تسعيان لتقويض التعاون والتقدم.
ونجحت إدارة ترامب في تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية. في يوليو، قال وزير الخارجية بومبيو: “لم تكن الولايات المتحدة أكثر دعمًا من أي وقت مضى لأمن الهند”. وأضاف أن الولايات المتحدة ترغب في “عصر جديد من الطموح في علاقتنا” مع الهند، وأن “الهند هي واحدة من عدد قليل من الدول الموثوقة والمتشابهة في التفكير والتي أتواصل مع قادتها بشكل منتظم للحصول على المشورة والتعاون بشأن القضايا المختلفة. وقبل أسبوع من الانتخابات الأمريكية في نوفمبر2020، قام كل من بومبيو ووزير الدفاع بزيارة الهند لإجراء الاجتماع السنوي الثاني لحوار 2+2 الوزاري.
على جانب آخر تسعى الصين وروسيا لإفشال هذا التعاون، ففي حين أسكت النزاع الحدودي بين الهند والصين جماعات الضغط المؤيدة لبكين في الهند، استمر اللوبي المؤيد لموسكو (والذي يعمل غالبًا جنبًا إلى جنب مع بكين) في التمتع بنفوذ كبير. ولعل أبرز مثال على ذلك هو تصميم الهند المستمر على شراء نظام صواريخ أرض-جو الروسي المتقدم S-400، وفي حال تشغيله، فإنه سيُدمج المستشارين الروس في ساحة الدفاع الهندية لعقود. وقد يؤدي هذا إلى فرض عقوبات بموجب القانون الأمريكي (قانون مكافحة أعداء أمريكا) وكذلك يمنع الهند من الوصول إلى بعض المعدات الأمريكية عالية التقنية، بما في ذلك مقاتلات F-35. هذا من شأنه أن يسعد موسكو وبكين.
وفيما يتعلق بالتجارة، كانت العقبات الرئيسة أمام عقد اتفاقية ثنائية تتمحور حول الوصول إلى المنتجات الزراعية والمعدات الطبية والأدوية ولوائح توطين البيانات في الهند، على سبيل المثال، كان هناك أيضًا ارتباك يحيط بالموقف المتغير لإدارة ترامب بشأن تأشيرات العمل للمهن المتخصصة H1-B، على الرغم من أن إغلاق الحدود بسبب كوفيد-19.
بشكل عام، في حين تم إحراز تقدم كبير في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، لا تزال الشراكة ضعيفة في بعض القطاعات، وهناك مجموعة من الجهات الفاعلة، على وجه التحديد الصين وروسيا، يسعون بنشاط لتقويض هذا التقدم.
توصيات لإدارة بايدن
أدت تصريحات الرئيس جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس قبل الانتخابات إلى قلق نيودلهي من أن يتدخل البيت الأبيض في قضايا تعتبرها الهند ذات شأن داخلي، مثل قضية كشمير. وخلال أول مكالمة هاتفية لبايدن مع مودي بعد الانتخابات، أعرب الرئيس المنتخب عن رغبته في “تعزيز وتوسيع الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند” مع الحفاظ على “منطقة المحيطين الهندي والهادئ آمنة ومزدهرة.” وهي فرصة سانحة لتعميق وتسريع وتقوية العلاقات. لذلك نوصي بعدد من الإجراءات هي:
1- الحفاظ على اتفاقيات الدفاع والتعاون: لزيادة قدرة الهند على الدفاع عن نفسها والعمل كشريك فعال في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يجب على إدارة بايدن زيادة مبيعات الأسلحة إلى الهند وتحديد فائض المعدات العسكرية الأمريكية والمنصات التي يمكن أن تحصل عليها نيودلهي بتكلفة منخفضة أو حتى مجانًا. كما حدث مع يو إس إس ترينتون في عام 2006، وهو ما سيعطي انطباعًا أن العلاقة بين الولايات المتحدة والهند هي أكثر من مجرد معاملات تجارية.
2- فرض عقوبات على شراء الأسلحة العسكرية الروسية المحظورة: لقد ترددت إدارة ترامب في فرض عقوبات على تركيا لشرائها S-400 لكنها فعلت ذلك في نهاية المطاف في ديسمبر 2020. يجب أن تكون الولايات المتحدة حازمة بنفس القدر مع الآخرين، مثل قطر والمملكة العربية السعودية، كما تفكر الهند الآن في شراء S-400، يجب أن يكون الحظر والعواقب واضحين للهند.
3- إضفاء الطابع الرسمي على مجموعة “الحوار الأمني الرباعي”: وتوسيعها بشكل مثالي لتشمل المكونات الاقتصادية والتجارية.
4- الاستمرار في سياسة الدعم العلني للهند ضد العدوان الإرهابي والصيني: يجب أن تتحلى الإدارة القادمة بضبط النفس في التعليق على القضايا التي تعتبرها الهند محلية، إلا إذا كانت تتضمن حالات محددة لا جدال فيها لانتهاكات حقوق الإنسان.
5- تعميق التعاون الحالي في مكافحة الإرهاب: وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع نظرائهم الهنود بشأن القضايا التي يمكن أن تؤثر على صنع القرار الاستراتيجي. على سبيل المثال، يجب أن تتعاون الولايات المتحدة والهند لمكافحة الفساد العابر للحدود، مثل التلاعب بالسوق الذي يقوض الاقتصاد الهندي، وعمليات التأثير الأجنبي التي تستهدف قادة الهند.
6- تسهيل السياسات التجارية: التي تسمح للهند بأن تصبح سلسلة إمداد بديلة للصين في القطاعات التي لا يكون فيها التوريد إلى الولايات المتحدة متاحًا. وهذا يشمل عدم إعاقة المشاركة الاقتصادية الهندية مع دول ثالثة، والتي غالبًا ما تتمتع بميزة الاستغناء عن بكين. على سبيل المثال، يجب ألا تضغط واشنطن من أجل الحواجز التجارية التي تمنع الأدوية الهندية منخفضة التكلفة من الأسواق في آسيا وأفريقيا.
7- دعم قيادة الهند في المبادرات الدبلوماسية ذات المنفعة المتبادلة: على سبيل المثال، يقترح البعض في المجتمع الاستراتيجي الهندي ميثاق الهند والمحيط الهادئ -وهو نسخة من الميثاق الأطلسي لعام 1941 يتضمن اهتمامات القرن الحادي والعشرين- من شأنه أن يوفر إطارًا للتعاون والتنسيق للبلدان ذات التفكير المماثل بشأن قضايا مثل إدارة الفضاء والبيانات وحماية الديمقراطيات.
سادسًا: السياسة الأمريكية تجاه إيران
على مدار العامين الماضيين، استمرت حملة “الضغط الأقصى” التي شنتها إدارة دونالد ترامب، تستنزف الموارد المالية للحرس الثوري الإيراني (IRGC) وتضغط على قادة إيران للاختيار بين بقاء النظام وبين المفاوضات.
ووضع ترامب سياسة أمريكية لدفع عائدات النفط الإيراني إلى الصفر، وفرض 65 عقوبة على الصناعات المعدنية الإيرانية، وصنف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، وأعلنت وزارة الخزانة أن القطاع المالي الإيراني هو اختصاص رئيسي في مجال غسل الأموال.
وفرض ترامب عقوبات على قطاعات البناء والتصنيع والتعدين والمنسوجات في إيران، وسمح لوزير الخزانة بفرض عقوبات على أي قطاع آخر من الاقتصاد الإيراني. ثم استخدم هذه السلطة لاحقًا لإدراج القطاع المالي الإيراني في القائمة السوداء، ومن ضمنه 18 مصرفًا.
واستخدمت الإدارة العقوبات كأداة للحرب السياسية، ففرض ترامب عقوبات على إمبراطورية أعمال المرشد الأعلى، وعلى وزير الخارجية جواد ظريف ونددت بسجل وزارة الخارجية في التنسيق مع الحرس الثوري.
بشكل منفصل، استفادت إدارة ترامب من سرقة إسرائيل لأرشيف نووي إيراني سري للتأكيد على انتهاكها الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف رسميًا باسم خطة العمل المشتركة (JCPOA). وفرضت وزارة الخزانة عقوبات على علماء الأسلحة النووية الإيرانيين الذين يعملون في منظمة سرية.
أدى الضغط الأمريكي ضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إصدار قرار يطالب إيران بالإجابة على أسئلة حول احتمال إخفاء مواد وأنشطة نووية، وأنهت الخارجية جميع الإعفاءات من العقوبات لمشاريع التعاون النووي في خطة العمل المشتركة الشاملة.
تطورت سياسة ترامب فيما يتعلق بالردع العسكري في العامين الأخيرين. لم ترد الولايات المتحدة عسكريًا على إسقاط إيران لطائرة أمريكية من دون طيار، وهجوم بصواريخ كروز على المملكة العربية السعودية، وزيادة إطلاق الصواريخ التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق. تغير ذلك في ديسمبر عندما قصفت الولايات المتحدة منشآت تابعة لميليشيات إيرانية في العراق. وبعد أيام، أمر ترامب بضربة قتلت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وزعيم الميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس.
أخيرًا، أدى إطلاق آلية snapback لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 المتعلق بإنهاء حظر الأسلحة عن إيران، إلى نزاع في المجلس، فهدد ترامب بفرض عقوبات إذا حاولت روسيا أو الصين نقل أسلحة تقليدية إلى إيران.
تقييم سياسة ترامب
نجحت حملة الضغط الأقصى في الحد من الموارد المتاحة لأنشطة النظام الخبيثة. واضطرت إيران إلى خفض ميزانيتها الدفاعية بأكثر من 24%، بينما يواصل وكلاء الإرهاب مثل حزب الله، الإبلاغ عن ضغوط مالية بسبب فقدان الدعم من طهران. تقدر معلومات صندوق النقد الدولي أن إيران تمتلك أقل من 9 مليارات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي.
عانى النظام من خسارة فادحة في عائدات النفط، مع تقدير بلغ 144 ألف برميل يوميًا في الصادرات النفطية بحلول مارس 2020، وانخفض سعر صرف الريال مقابل الدولار إلى أدنى مستوى على الإطلاق بحلول أواخر 2020.
ومع وصول الاقتصاد إلى الانهيار، تكررت الاحتجاجات ضد النظام. وفي أواخر 2019، اندلعت احتجاجات على مستوى البلاد بسبب خفض الدعم عن البنزين، فرد قادة إيران بإغلاق الإنترنت لأيام وقتل 1500 شخص.
أدت الضربات الأمريكية والإسرائيلية على البنية التحتية العسكرية لإيران، بما في ذلك مقتل سليماني، ومحسن فخري زاده مهندس البرنامج النووي الإيراني، إلى إضعاف النظام. وكذلك، كان هناك أثر كبير للتكاليف المالية والنفسية لعمليات التخريب الظاهرة ضد برامج إيران النووية والصاروخية.
على الرغم من هذه النجاحات، يستحيل وصف حملة الضغط الأقصى بأنها “الحد الأقصى” حقَا. أعيد فرض العقوبات المتعلقة بخطة العمل المشتركة الشاملة في أواخر 2018 فقط، وأفلت الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأمريكية، وأفلت منها القطاع المالي الإيراني المتمثل بـ18 مصرفًا، حتى أواخر 2020. بدأت الإدارة مؤخرًا فقط في استخدام قدراتها البحرية لاعتراض الشحنات غير المشروعة الآتية من إيران، اعتراض قد تقلل بشكل كبير تجاوز الصين وفنزويلا وسوريا العقوبات الأمريكية.
في غضون ذلك، عانت الحرب السياسية الأمريكية ضد إيران من تناقضات متأصلة بين التعبير عن دعم للشعب الإيراني والادعاء بالسعي وراء الهدف النهائي المتمثل في صفقة مع جلاديهم الذين ينتهكون حقوق الإنسان. وأثيرت مخاوف بين الحلفاء من أن قتل سليماني كان الاستثناء الذي أثبت القاعدة حول استعداد ترامب لمحاسبة طهران على العدوان والإرهاب.
حملة الضغط الأقصى الأمريكية أنتجت حملة إيرانية للضغط المضاد: تكديس المزيد من اليورانيوم المنخفض التخصيب، واختبار أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وإنتاج وبيع كميات زائدة من الماء الثقيل. كما خفضت إيران الجدول الزمني للانفجار النووي من عام واحد إلى بضعة أشهر.
كان يمكن لسياسة الولايات المتحدة أن تكون أكثر فاعلية مع تركيز أقوى على حقوق الإنسان، وزيادة عمليات الردع العسكري، والتطبيق المستمر للضغط الاقتصادي “الأقصى”.
توصيات لإدارة بايدن
1- تجنب الأخطاء السابقة المتمثلة في تقديم تخفيف العقوبات على إيران قبل تنفيذ اتفاق شامل يعالج النطاق الكامل لأنشطة إيران الخبيثة، بما في ذلك تفكيك لا رجعة فيه للقدرات النووية والصاروخية الرئيسية.
2- مطالبة إيران بتقديم معلومات كاملة عن أنشطتها النووية السابقة والحالية غير المعلنة. وفي حال الرفض، الضغط على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولي لخرقها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
3- فرض عقوبات قائمة وجديدة على الكيانات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وأنشطة أخرى المرتبطة بالإرهاب.
4- فرض عقوبات قطاعية على القطاع المالي الإيراني لمعالجة المخاوف الدولية المتعلقة بغسيل الأموال.
5- التأكيد على أن العقوبات المفروضة بموجب الأمر التنفيذي 13224 على البنك المركزي الإيراني وقطاع الطاقة الإيراني، تشكل عقوبات إرهابية، وأنه لا يوجد “تخفيف” للعقوبات التي تفيد بشكل مباشر أو غير مباشر الكيانات الخاضعة لعقوبات الإرهاب.
6- توسيع الجهود لمنع رحلات Mahan Air التي حددتها الولايات المتحدة، إلى أوروبا والخليج. يجب أن تستخدم إدارة بايدن عقوبات ثانوية لاستهداف وكلاء التذاكر ومشغلي الخدمات الأرضية والبنوك التي تسهل مدفوعات شركة الطيران مقابل خدمات المطار.
7- الحفاظ على رقابة صارمة للقناة الإنسانية التي تتخذ من سويسرا مقرًا لها لتمكين بيع المواد الغذائية والأدوية لإيران، في ظل منع النظام وصول البضائع الإنسانية إلى الشعب الإيراني.
8- مواصلة الجهود لاعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية إلى العراق واليمن وسوريا.
9- فرض عقوبات قائمة وجديدة على الكيانات المرتبطة ببرامج الصواريخ الإيرانية.
10- فرض العقوبات الحالية لمنع نقل الأسلحة من قبل روسيا أو الصين إلى إيران.
11- تقديم أقصى قدر من الدعم للديمقراطية وتطلعاتها في إيران، ورفع حظر السفر الأمريكي عن الإيرانيين، وجعل حقوق الإنسان أحد مطالب التفاوض على اتفاقية شاملة.
12- إرساء خطة عسكرية لمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية، واستراتيجية عسكرية ذات مصداقية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. يجب على الولايات المتحدة أن تقدم للحلفاء مثل إسرائيل كل الدعم اللازم لمقاومة العدوان الإيراني.
13- البناء على الاتفاقيات الإبراهيمية لمواصلة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية الرئيسية، بما في ذلك السعودية، وتعزيز هذه التحالفات ضد الأنشطة الإيرانية الخبيثة في المنطقة.
توصيات للكونجرس
إذا قدمت إدارة بايدن تخفيفًا للعقوبات على إيران أو رفضت التأكيد على أن عقوبات الطاقة والمصارف والعقوبات الرئيسية الأخرى مرتبطة بأنشطة إيران المتعلقة بالإرهاب أو الصواريخ أو بالمرشد الأعلى أو مكتبه، يجب على الكونجرس اتباع الآتي:
1- عقد جلسات إحاطة سرية ربع سنوية من قبل كبار مسؤولي الإدارة لمراجعة سياسة إيران بشكل دوري.
2- طلب شهادة دورية من قبل شبكة مكافحة الجرائم المالية لتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في القطاع المالي الإيراني.
3- إرسال رسائل إلى المؤسسات والشركات المالية الأجنبية، والتي تمتلك أصولًا مملوكة للبنك المركزي الإيراني، وشركة النفط الوطنية الإيرانية، وشركة الناقلات الوطنية الإيرانية، والكيانات الأخرى، لتحذيرهم من مخاطر المعاملة أو الانخراط في أي صفقة.
4- تقديم قرار يعارض عودة إدارة بايدن إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع جميع العقوبات دون معالجة العيوب النووية لخطة العمل الشاملة المشتركة وكذلك تطوير إيران للصواريخ البالستية ودعمها الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الأنشطة المزعزعة للاستقرار والخبيثة.
5- تقنين الأمر التنفيذي 13949، الذي يمنع نقل الأسلحة إلى إيران.
سابعًا: السياسة الأمريكية تجاه العراق
هيمن على ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب تحديان بارزان: محاربة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) وتقييد إيران. وفي حين اتخذت الحرب ضد داعش أسبقية واضحة من 2017 إلى 2018، تحولت الأولوية الأمريكية لاحقًا بشكل حاسم نحو إحباط التهديد الإيراني.
بعدما فقد داعش آخر معاقله في العراق أواخر عام 2017، احتفظت الإدارة بحوالي 5000 جندي في العراق، وزودت القوات الأمريكية نظراءها العراقيين بالتدريب، والقوة الجوية، والاستخبارات، واللوجستيات، لمنع عودة التنظيم.
قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات وضع الشرق الأوسط في مسار تصادم جديد، بما ذلك في العراق. بعدما حظرت الولايات المتحدة جميع صادرات النفط الإيرانية، بدأت طهران حملة واسعة من الهجمات العنيفة ضد المصالح الأمريكية. تجلى الهجوم في تصعيد الهجمات الصاروخية التي تستهدف أفرادًا أمريكيين بتوقيع ميليشيات موالية لإيران وتابعة لقوات الحشد الشعبي.
تصاعدت الهجمات بشكل كبير في أعقاب حركة احتجاجية حاشدة مناهضة للحكومة اندلعت في أكتوبر 2019 في بغداد وجنوب العراق. لم تركز التظاهرات على فساد الحكومة وفشلها في تقديم الخدمات والوظائف الأساسية فحسب، بل ركزت أيضًا على إخضاع سيادة العراق لإيران. وتواطأت حكومة عادل عبد المهدي مع إيران والميليشيات التابعة لها، لفرض قمع وحشي للتظاهرات، ثم أجبر عبد المهدي على الاستقالة.
تبع ذلك سلسلة أحداث دفعت العلاقات الأمريكية – العراقية إلى مستوى متدنٍ جديد.
أولًا، هاجمت قوات الحشد الشعبي بعنف السفارة الأمريكية.
ثانيًا، قتلت غارة أمريكية قاسم سليماني، أهم جنرال إيراني، وأبو مهدي المهندس، القائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي.
ثالثًا، أصدرت العناصر الموالية لإيران في البرلمان العراقي قرارًا غير ملزم يطالب بطرد القوات الأمريكية.
رابعًا، شنّت إيران هجومًا صاروخيًا باليستيًا على قاعدتين تستضيفان القوات الأمريكية وحصدت 100 إصابة.
ظلت التوترات تتصاعد طوال العام 2020، وتجسدت بالضربة الأمريكية الثانية الانتقامية ضد كتائب حزب الله، بعد قتل سليماني والمهندس، والعقوبات الأمريكية، وأزمة كورونا، وكلها عوامل أضعفت بشكل واضح يد إيران في العراق.
في مايو الماضي، أذعنت طهران لتعيين رئيس وزراء جديد، مصطفى الكاظمي، رئيس المخابرات العراقية الذي تربطه علاقات طويلة الأمد مع واشنطن.
بدأت الولايات المتحدة حوارًا استراتيجيًا مع حكومة الكاظمي على أمل تنشيط الشراكة الثنائية، واستضافت الكاظمي في البيت الأبيض. ثم أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخفض عدد القوات في العراق من 5200 إلى 3000. الأمر الأكثر إثارة للدهشة، في خطوة فاجأت الكاظمي، أن الإدارة هددت بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد وشن ضربات جوية مكثفة ضد وكلاء إيران إذا لم ينه الكاظمي هجمات الميليشيات. أثار التحذير موجة من النشاط السياسي العراقي، دفع بالميليشيات للإعلان عن وقف مؤقت لإطلاق النار. بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أعلنت الإدارة أنها ستسحب 500 جندي إضافي، ما يترك 2500 جندي عشية تنصيب بايدن.
تقييم سياسة ترامب
جسدت هزيمة خلافة داعش أهم إنجازات ولاية ترامب. قراره اللاحق بالإبقاء على القوات في العراق لمنع عودة ظهور داعش، وتقوية المؤسسات الأمنية العراقية ضد النفوذ الإيراني، تناقض بشكل صارخ مع سعيه إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا. كما تناقض بشكل صارخ مع قرارات سلفه، باراك أوباما، الذي أدى انسحابه المتسرع من العراق إلى صعود داعش ومكن إيران من زيادة نفوذها.
أدى الظهور الكامل لسياسة الضغط الأقصى التي انتهجها ترامب ضد إيران إلى تعقيدات أمام السياسة الأمريكية في العراق. فبعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، أجبرت الهجمات الصاروخية التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران الولايات المتحدة على سحب دبلوماسييها من البصرة، عاصمة منطقة النفط المحاذية لإيران.
بعد القرار الأمريكي بخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، أدى تصاعد الهجمات الصاروخية إلى إبراز عجز الحكومة العراقية. ووصلت العلاقة الأمريكية – العراقية إلى أدنى مستوياتها، حين ضغط عبد المهدي لانسحاب الولايات المتحدة وهدد ترامب بفرض عقوبات ساحقة إذا أصر العراق على طرد عدائي للقوات الأمريكية.
وأدى الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على القوات الأمريكية في يناير إلى تقييد قدرة أمريكا على تنفيذ مهماتها ضد داعش. من شبه المؤكد أن هذا الهجوم عجل القرار الأمريكي في 2020 بالانسحاب من ثماني قواعد على الأقل وتعزيز الوجود الأمريكي في موقعين أو ثلاثة.
على الرغم من الخطورة الشديدة، إلا أن مقتل سليماني والمهندس حرم إيران من أهم عناصرها في العراق ما أدى بلا شك إلى إضعاف موقف إيران سياسيًا، وخلق مساحة لظهور غير متوقع للكاظمي كرئيس للوزراء، وعرض إمكانية تجديد الشراكة بين أمريكا والعراق.
سعت إدارة ترامب بحكمة لاختبار هذا الاقتراح من خلال بدء الحوار الاستراتيجي، ورحبت بالكاظمي في البيت الأبيض وسط حملة انتخابية رئاسية ووباء عالمي.
كان تهديد الإدارة المفاجئ بإغلاق السفارة مناورة محفوفة بالمخاطر. إذا تم تنفيذها، ستتضرر المصالح الأمريكية بشدة بسبب زعزعة استقرار العراق. من جهة أخرى، دفع هذا التهديد الحكومة العراقية إلى بذل جهد سياسي غير مسبوق في الداخل ومع إيران، ما جعل الميليشيات تعلن وقف إطلاق النار، فخففت من هجماتها على المصالح الأمريكية.
توصيات لإدارة بايدن
1- إبرام تفاهم ثنائي جديد للحفاظ على وجود عسكري أمريكي صغير في العراق: ينبغي لإدارة بايدن أن تستفيد من مصلحة الكاظمي في إحياء العلاقة الاستراتيجية، من خلال التوصل لتفاهم أمني جديد يعيد صياغة دور الولايات المتحدة في دعم أمن واستقلال العراق، وإرساء جهد تعاوني لتقييد النفوذ الخبيث لإيران ووكلائها. الأهم من ذلك، أن الوجود الأمريكي في العراق يشكل أيضًا عامل تمكين حاسم للجهود الأمريكية المستمرة لمواجهة داعش وإيران في شرق سوريا.
2- إعطاء الأولوية للمبادرات التي تعزز اقتصاد العراق وتقوض النفوذ الإيراني: العديد منها الآن على جدول الأعمال، نذكر منها صفقات للشركات الأمريكية لتوسيع قطاعي الكهرباء والغاز الطبيعي في العراق، وبالتالي إنهاء اعتمادها الشديد على إيران. وعلى الولايات المتحدة أن تشجع الخليج على الاستثمار في البنية التحتية للطاقة والغاز مع التحرك بسرعة لربط العراق بشبكات الكهرباء الخليجية. في المجال المالي، يجب دعم صفقة مع صندوق النقد الدولي لتخفيف العجز الهائل في الميزانية العراقية، شرط أن تنفذ الحكومة إصلاحات هيكلية في اقتصادها القائم على النقد، وإغلاق سبل الفساد التي تستفيد منها إيران ووكلاؤها.
3- تطبيق استراتيجية سرية ومركزة لمساعدة الكاظمي على مقاومة الضغط الإيراني: وضمان انتخابات حرة ونزيهة، وتعزيز حركة الاحتجاج السلمية في العراق، وتشجيع تحالف من الفصائل الأكثر اعتدالًا في البرلمان العراقي لدعم إصلاحات الكاظمي الاقتصادية، ودعمه لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي، ودعوته لإجراء انتخابات مبكرة بموجب قانون جديد. ويتعين على الولايات دعم أقصى قدر من مراقبة الأمم المتحدة للانتخابات لضمان شفافية وشرعية العملية.
4- إبقاء الضغط الأمريكي على وكلاء إيران من خلال معاقبة الجهات العراقية الخبيثة: لا تشمل فقط شخصيات الميليشيات الموالية لإيران، بل أيضًا القادة السياسيين البارزين والمتورطين في فساد واسع النطاق وانتهاكات حقوق الإنسان وخرق العقوبات والإرهاب وتقويض استقرار العراق. كما يجب تحديد وضبط الأصول في مناطق الاختصاص الأجنبي وإعادتها إلى الشعب العراقي، وعلى الولايات أن تؤيد بقوة دعم جهود الحكومة العراقية لمواجهة التهديدات الخطيرة الموجهة ضد الأفراد الأمريكيين.
ثامنًا: السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل
حققت سياسة ترامب تجاه إسرائيل انتصارًا كبيرًا تمثل في إبرام اتفاقات التطبيع الإبراهيمية مع كل من الإمارات والبحرين في سبتمبر 2020، وعلى قدر ما تم النظر إلى هذه الاتفاقات أنها عنوان للاستقرار الإقليمي؛ إلا أنها أيقظت المسؤولين الفلسطينيين على واقع تزداد فيه عزلتهم.
وبالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فقد بدأ حقبة ترامب بلقاء في مايو 2017 في البيت الأبيض وبعدها عبر عباس عن استيائه بسبب ما تم لاحقًا من إجراءات أمريكية تمثلت في الاتي:
- الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017.
- نقل السفارة الأمريكية للقدس في مايو 2018، وقطع المساعدات الاقتصادية الأمريكية للسلطة الفلسطينية.
- الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في مارس 2019.
- وفي نوفمبر 2019، عّبر وزير الخارجية بومبيو عن رأي الإدارة الأمريكية بأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ليست “غير قانونية في حد ذاتها”. كما حذر النقاد من أن هذه التحركات المؤيدة لإسرائيل ستشعل المنطقة، لكن الشارع العربي لم ينفجر فيها ربما كان الاستثناء الوحيد الملحوظ هو غزة، حيث تواصل حماس تأجيج الاضطرابات.
وفي يناير 2020، أعلن الرئيس ترامب عن خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وأعطى الإطار الأولوية لإسرائيل في هذه الخطة، مثل السماح لتل أبيب بالإعلان السيادة على ما يقرب من 30٪ من الضفة الغربية. وتضمنت الخطة مزايا للفلسطينيين بشكل خاص وهي المزيد من المساعدات الاقتصادية، ولكن تم ربط الوصول لهذه المزايا والمساعدات حتى الآن، بترتيب الفلسطينيين لمنزلهم السياسي على فترة أربعة سنوات. وإذا انتهى هذا الموعد النهائي دون تحقيق مطالب إدارة ترامب، سيكون لدى الإسرائيليين الضوء الأخضر لضم أراضٍ إضافية في الضفة الغربية. وتجدر الإشارة إلى أن مطالب الإدارة الأمريكية للفلسطينيين تضمنت جهودًا جبارة مثل محاربة الفساد وإعادة توحيد الفصائل الفلسطينية التي كانت في حالة حرب منذ عام 2007
في الوقت نفسه، ضاعفت إدارة ترامب من سياستها الموازية لصنع السلام بين إسرائيل ودول الخليج السنية. حيث يمكن إرجاع جذور هذا التقارب إلى الخوف المتبادل من العدوان الإيراني والمخاوف بشأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والكراهية للجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين، والخوف من أن تنسحب واشنطن عن المنطقة. كما أن النمو الهادئ للعلاقات بين إسرائيل والخليج دفع باتجاه إطار إقليمي أوسع نضج في نهاية المطاف في عام 2020. في أكتوبر، دخل السودان في صفقة تطبيع مع إسرائيل. وحذت المغرب حذوها في ديسمبر من ذات.
ظهرت بوادر التطبيع المبكرة عندما استضافت البحرين ورشة عمل للبيت الأبيض من أجل الرخاء الفلسطيني في يونيو 2019. وفي يناير 2022، حضر عدد من المبعوثين الأمريكيين للمنطقة العربية حفل إزاحة الستار عن خطة ترامب للسلام. وأصدر آخرون بيانات تفاؤل حذر. وفي غضون ذلك، قام مسؤولو الإدارة برحلات إلى دول عربية أخرى لتشجيع التطبيع مع إسرائيل.
عندما قامت الإمارات العربية المتحدة والبحرين أخيرًا بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، عرضا قرارهما كوسيلة لوقف الضم الإسرائيلي للضفة الغربية. مشجعا أنهم أشاروا أيضا إلى رغبتهم في سلام دافئ، على عكس العلاقات الباردة التي أعقبت الاتفاقات الإسرائيلية مع مصر عام 1979 والأردن عام 1994. حيث أكدت الإمارات العربية المتحدة والبحرين استمرار دعمهما للقضية الفلسطينية، لكنهما – وربما عدد من الدول الأخرى، بما في ذلك السودان والمغرب- توقفت بشكل واضح عن النظر إلى القضية الفلسطينية كقضية قومية أو وطنية أساسية.
وتجدر الإشارة هنا لعوامل جعلت من إسرائيل شريكًا جذابًا، منها براعة إسرائيل العسكرية وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة والابتكار التكنولوجي. وقد تحذو دول عربية أخرى الآن خطى الإمارات العربية المتحدة والبحرين. صفقات التطبيع المرتقبة قد تشمل عمان والسعودية وحتى قطر.
تقييم سياسة ترامب
دافعت إدارة ترامب، وتحديدًا صهره جاريد كوشنر، عن نهج مغاير للوصول وفتح قنوات اتصال مع حكومات الشرق الأوسط، من خارج هذه الحكومات وداخلها. وذلك بهدف إرساء اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول الإقليمية عوضًا عن إعطاء الأولوية لمفاوضات جادة ومكثفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
حاولت الإدارات السابقة إقامة سلام إسرائيلي فلسطيني كمقدمة لتطبيع العلاقات الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ولكن ما حدث كان العكس. وبذلك، حققت الولايات المتحدة انتصارات دبلوماسية مهمة وأرست الأساس لنظام إقليمي جديد لم يعد فيه الصراع الفلسطيني يملي مسار العلاقات الإسرائيلية العربية.
من المتوقع أن تستفيد دول الخليج العربية بشكل كبير من الابتكارات الإسرائيلية، لا سيما في قطاعي الدفاع وتكنولوجيا المياه. في غضون ذلك، ستتمتع إسرائيل بتكامل إقليمي أكبر، لا سيما بالنظر إلى مكانة الإمارات العربية المتحدة كدولة تجارية ومركز رئيس للنقل كما سيستفيد كلا الجانبين من التنسيق المتزايد لإحباط الأنشطة الشائنة لإيران. يمكن أن يكون السلام الدافئ بين إسرائيل ودول الخليج مثالًا لإذابة اتفاقيات السلام الباردة بين إسرائيل ومصر وإسرائيل والأردن.
وبالطبع، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستمر. لا يزال الفلسطينيون يسعون للحصول على دعم دولي لمواصلة استراتيجيتهم المتشددة والوحشية والمتعنتة. ومع ذلك، فإن نفوذهم آخذ في التآكل مع تحول قبول إسرائيل في المنطقة إلى قاعدة إقليمية. في السنوات القادمة قد يواجه عباس (أو خليفته) ضغوطًا من شركاء إسرائيل الجدد للتفاوض بحسن نية.
من المرجح أن يكون لهؤلاء الشركاء الجدد نفوذ، مع انتشار جائحة عالمية، وتراجع عائدات النفط، والعديد من التحديات الخارجية والمحلية، حيث تعمل الدول العربية بالفعل على تعديل دعمها المالي للفلسطينيين. وقد انعكس ذلك في انخفاض بنسبة 85٪ في التمويل العربي المقدم للسلطة الفلسطينية. كما أن الضغط على الفلسطينيين قد لا يؤتي ثماره. عباس (الذي يشغل أيضا منصب رئيس فتح) أضعف من أن يتفاوض ناهيك عن تنفيذه صفقة مع إسرائيل. حيث حكم عباس لعشر سنوات بعد انتهاء فترة ولايته المخصصة كرئيس. يرفض تسمية خلف له رغم تقدمه في السن وتدهور صحته. كما قوض الفساد المستشري شرعية السلطة الفلسطينية.
في غضون ذلك، يخضع قطاع غزة لسيطرة حركة حماس الإرهابية التي طردت فتح بالقوة في عام 2007 وتتعهد بتدمير إسرائيل. كما تعلن حماس وفتح بشكل روتيني التزامهما بالوحدة في قضية الدولة الفلسطينية، ومع ذلك فإن الكراهية المتبادلة بينهما حالت دون تحقيق أي صفقة من هذا القبيل. ومن أجل تحقيق السلام المستدام، يجب على الفلسطينيين أولا ترتيب منزلهم.
إن ارتفاع موجة التطبيع العربي الإسرائيلي هائل، حتى لو استمر الفلسطينيون في رفض المفاوضات، فهناك تحولات في ميزان القوي بالشرق الأوسط، ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تمضي قدمًا بحذر.
الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أعلنت عن رغبتها في الحصول على أحدث التقنيات العسكرية الأمريكية التي كانت محظورة في السابق عليها – الطائرة متعددة المهام من طراز F-35 على رأس قائمتها. ومع ذلك، كما يتضح من سقوط الشاه في إيران عام 1979 أو حتى بالمشكلات الحالية مع تركيا، يجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة بشأن تزويد حكومات الشرق الأوسط بالمعدات العسكرية. يمكن أن يصبح صديق اليوم بسرعة عدو الغد. ويجب على الولايات المتحدة أن تظل ملتزمة تجاه إسرائيل بضمان التفوق العسكري النوعي.
توصيات لإدارة بايدن
1- تقييم سياسات الإدارة السابقة بشكل فردي وتقييم أين يمكن تضخيم النجاحات في ظل القيادة الأمريكية الجديدة. فالانتكاسات الكاملة ستعيق تقدم الولايات المتحدة.
2- يجب الانفتاح على التفكير الإبداعي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد أحدث نهج ترامب البديل صدمة في عملية سلام راكدة منذ عقود. يمكن لإدارة بايدن اغتنام هذه الفرصة.
3- الاستمرار في تشجيع التطبيع الإقليمي ودعم الدول الأخرى التي تتطلع إلى الاستفادة من السلام مع إسرائيل وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. لدى البيت الأبيض فرصة هائلة لتعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال توحيد الحلفاء الأمريكيين لمواجهة كل من المتطرفين الشيعة والسنة.
4- تقييم احتياجات الدول الفردية لتحديد أين يمكن أن يؤدي تحسين علاقاتها الثلاثية مع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تعزيز الأمن الإقليمي. يمكن أن يساعد ذلك في تشجيع الفلسطينيين على التفاوض، ويكون بمثابة حصن ضد طموحات إيران الإقليمية، وزيادة التنسيق بين الحلفاء الأمريكيين. فمثلا، يجب على الولايات المتحدة:
- رفع مكانة عُمان بزيارات للكونجرس وبإرسال وفد رفيع المستوى من البيت الأبيض. يجب على الولايات المتحدة أيضًا السماح لعمان بالوصول إلى أموال المؤسسة الدولية لتمويل التنمية لمشاريع البنية التحتية، لا سيما في موانئ الدقمي وصلالة وصحار.
- اغتنام الدعم المتناقص للسعوديين في الكونجرس لتشجيعهم على دعم اتفاقيات السلام الإقليمية الناشئة وعقد السلام مع إسرائيل بأنفسهم.
5- العمل مع الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل لضمان أن تعكس سياساتها الداخلية وخطابها العام وتصويتها في الأمم المتحدة هذه الحقائق الجديدة. هذا ضروري لسلام دافئ. وينبغي بذل جهود إضافية لضمان ازدهار العلاقات الاقتصادية والتعاون عبر مجالات متعددة مع الدول التي التزمت بالفعل بالسلام. يجب أن تكون هذه الجهود بمثابة حوافز للبلدان النظر في خطوات مماثلة.
6- محاربة التحيز المنهجي ضد إسرائيل الذي يتغلغل في نظام الأمم المتحدة. يجب وضع مزيد من التدقيق على المنظمات التي تؤدي إلى تفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي تضخم بشكل خاطئ عدد اللاجئين كما يجب وضع تمحيص مماثل على هيئة الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان الذي يستهدف إسرائيل بشكل غير عادل بطريقة غير متناسبة ويقوض في النهاية المهمة المعلنة للمنظمة. يمكن لمثل هذه التحركات أيضًا أن تعزز استقلال الفلسطينيين في نهاية المطاف، والذي يظل هدفًا مهمًا للسياسة الأمريكية.
7- التأكد من أن الدعم العسكري المتزايد للحلفاء العرب الذين يصنعون السلام مع إسرائيل لا يؤثر سلبًا على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. هذا منصوص عليه في قانون الولايات المتحدة.
8- تفعيل رؤية الكونجرس لمجموعة عمل تكنولوجيا العمليات الأمريكية-الإسرائيلية سيضمن هذا أن أفضل تكنولوجيا إسرائيلية يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في تلبية احتياجات محددة يمكن الوصول إليها من قبل الولايات المتحدة في وقت مبكر وبطريقة تمكن الولايات المتحدة من حماية هذه التكنولوجيا من الوصول إلى أيدي الأعداء.
9- جعل استعادة المساعدات للسلطة الفلسطينية مشروطة بالتزام السلطة الفلسطينية بالدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة ووقف المدفوعات للإرهابيين. على البيت الأبيض أن يحذر من المحاولات الفلسطينية لإخفاء هذه المدفوعات.
10- الاستعداد لفوضى فلسطينية حيث تجاوز عباس أكثر من عقد من الزمان النهاية الرسمية لولايته كرئيس. قد يؤدي عمر عباس، وضعف حالته الصحة، وانعدام الشرعية، ورفض تعيين خليفة إلى أزمة خلافة متقلبة.
تاسعًا: السياسة الأمريكية تجاه أمريكا اللاتينية
ركزت سياسة إدارة ترامب في أمريكا اللاتينية على أولويات الرئيس “أمريكا أولًا” لمحاربة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة تهريب المخدرات، وإعادة التفاوض على العلاقات التجارية، فضلًا عن الإطاحة بنظام مادورو في فنزويلا. في حين أنها كرست للمنطقة اهتمامًا أكبر من سابقاتها، إلا أن نهج التعاملات الذي تتبعه الإدارة للتقدم جاء أحيانًا على حساب المصالح الأمريكية طويلة الأمد، مثل دعم الديمقراطية ومحاربة الفساد.
وركز ترامب في وقت مبكر على المكسيك. وقد أدى تعهده بوقف المعابر الحدودية غير الشرعية من خلال بناء جدار (من المفترض أن تموله المكسيك) فضلًا عن تهديده بالتخلي عن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، إلى توتر العلاقات. تهديدات ترامب بإغلاق الحدود تمامًا وفرض رسوم جمركية عقابية أخيرًا دفعت المكسيك إلى تكثيف جهودها لوقف الهجرة غير الموثقة إلى الولايات المتحدة، ووافقت المكسيك أيضًا على إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية بشروط أكثر ملاءمة لواشنطن، مما أدى إلى اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لعام 2018 (USMCA).
استخدمت الإدارة تكتيكات صلبة مماثلة مع السلفادور وهندوراس وغواتيمالا، وقطع ترامب مساعدات بقيمة 450 مليون دولار عن الدول الثلاث بسبب عدم إحراز تقدم في مكافحة الهجرة غير الشرعية. تمت استعادة المساعدة بعد أن توصلت كل دولة من الدول الثلاث إلى اتفاقيات الهجرة مع الولايات المتحدة التي وضعت أحكامًا لدولة ثالثة آمنة لطالبي اللجوء.
واستثمر ترامب في علاقات شخصية مع الشعبويين في المنطقة، بما في ذلك الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، والرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، ورئيس السلفادور نيب بوكيلي.
وحافظ ترامب على علاقات قوية مع رئيس هندوراس خوان أورلاندو هيرنانديز، حتى بعد توجيه الاتهام لشقيق هيرنانديز بتهم تهريب المخدرات في نيويورك وأثيرت مخاوف من تورط هيرنانديز نفسه. كما أن أولويات الولايات المتحدة، بما في ذلك وقف قوافل المهاجرين، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومعاقبة منظمة حزب الله الإرهابية. هذا يفسر على الأرجح لماذا صمتت إدارة ترامب عندما أغلق الزعيمان برامج مكافحة الفساد التي ترعاها الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية (OAS) على التوالي حتى أن موراليس رئيس بوليفيا دُعي للاجتماع مع ترامب في المكتب البيضاوي.
وفي فنزويلا، اعترفت الإدارة بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس شرعي للبلاد في يناير 2019، كما فعلت معظم الدول في أمريكا اللاتينية وأوروبا. كما دعمت الإدارة انتفاضة فاشلة في أبريل 2019 للإطاحة بنظام نيكولاس مادورو. استخدمت الإدارة على نطاق واسع العقوبات وإجراءات إنفاذ القانون ضد أكثر من 100 من أهداف نظام مادورو، بما في ذلك شركة النفط الوطنية، لتورطهم في إرهاب المخدرات وعمليات التهريب والفساد. تضمنت أهم الإجراءات نائب مادورو، طارق العيسمي، بصفته أحد زعماء المخدرات في عام 2017؛ طالت لائحة الاتهام رجل الأعمال الكولومبي أليكس ساب، العقل المدبر المزعوم لخطط فنزويلا للتهرب من العقوبات مع إيران؛ وفي النهاية، لائحة اتهام مادورو نفسه في مارس 2020
وزادت الإدارة من الضغط على حلفاء فنزويلا الإقليميين المناهضين للولايات المتحدة والاستبداديين والاشتراكيين، كوبا ونيكاراغوا – فاستفادت بشكل أساسي من العقوبات، وفي حالة كوبا، تراجعت عن الامتيازات التي منحتها إدارة أوباما إلى هافانا. في عام 2018، حددت وزارة العدل أربع عصابات وعصابات مخدرات من أمريكا الوسطى (جنبًا إلى جنب مع حزب الله) كمنظمات إجرامية عابرة للحدود. كما تم أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضًا وحدة جديدة لمكافحة الفساد في ميامي لاستهداف المسؤولين الفاسدين في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية بموجب قانون Magnitsky Global Human Rights Accountability Act.
تقييم سياسة ترامب
حققت الإدارة بعض النجاحات المهمة في أمريكا اللاتينية. فيما يتعلق بالهجرة، دفعت تكتيكات المواجهة التي اتبعها ترامب المكسيك والسلفادور وهندوراس وغواتيمالا إلى اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ضد المهاجرين الذين يسعون إلى دخول الولايات المتحدة بشكل غير قانوني.
فيما يتعلق بالتجارة، تمكن في النهاية من استبدال نافتا بـ USMCA، والتي وافق عليها الكونجرس في يوليو 2020. كما حققت حملة الضغط التي شنتها الإدارة في فنزويلا بعض النجاحات. حشدت اعترافًا دوليًا مهمًا بالمعارضة التي يقودها غوايدو، وعزلت نظام مادورو. وفرضت عقوبات، وأعطت الضوء الأخضر لإجراءات إنفاذ القانون، وكانت الإدارة واضحة بشأن الحاجة إلى إزالة مادورو من السلطة، وإعادة فنزويلا إلى الديمقراطية من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ثم إعادة بناء اقتصاد البلاد وعلى الرغم من الجهود المتضافرة، لا يزال نظام مادورو راسخًا.
وتستحق الإدارة أيضًا التقدير لتحفيزها المزيد من النشاط الأمريكي في أمريكا اللاتينية. حيث سافر ترامب إلى الأرجنتين في 2018 لحضور قمة مجموعة العشرين. وعقد اجتماعات ثنائية عديدة مع قادة المنطقة هناك وعلى هامش أحداث دولية أخرى. كما اُرسلت رحلات منتظمة رفيعة المستوى إلى المنطقة من قبل المسؤولين الإداريين الآخرين أيضا. ونظمت الإدارة اجتماعات قمة وزارية دورية ومجموعات عمل ركزت على الإرهاب وحضرها على نطاق واسع مسؤولين اقليميين من بينهم محققين ومدعين عامين، ووكالات إنفاذ القانون وممثلي أجهزة الاستخبارات الأخرى. بلغت هذه الجهود ذروتها في خمس دول -الأرجنتين وكولومبيا وهندوراس وغواتيمالا وباراغواي- أعلنت حزب الله منظمة إرهابية.
كما كانت جهود الإدارة لتعزيز الحوكمة والشفافية عبر المنطقة الأوسع؛ مفقودة. كان استخدام المحاكمات ضئيلًا، مما ترك الانطباع بأن المسؤولين الفاسدين المسؤولين عن مجموعة واسعة من الجرائم (بما في ذلك تمويل الإرهاب وتهريب المخدرات) يتمتعون بالإفلات من العقاب ليس فقط في بلدانهم ولكن أيضًا في الولايات المتحدة.
في سبتمبر 2019، على سبيل المثال، رحبت الإدارة بالرجل القوي الفعلي لباراغواي، نائب الرئيس هوغو فيلاسكيز، على الرغم من دوره المزعوم في منع التحقيقات المحلية المهمة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعد مناهج ترامب التجارية المذكورة أعلاه بشأن الفساد مع هندوراس وغواتيمالا مثالًا آخر، كما كانت علاقته مع رئيس هندوراس هيرنانديز على الرغم من إدانة شقيقه في نيويورك بتهم تهريب المخدرات. وعندما تم القبض على وزير الدفاع المكسيكي السابق الجنرال سلفادور سيينفويغوس في لوس أنجلوس بتهم تهريب المخدرات والفساد، استسلمت إدارة ترامب للهجوم الدبلوماسي المكسيكي وأعادته إلى وطنه، حيث من المحتمل ألا تتم محاكمته
على الرغم من التركيز على منافسة القوى العظمى في استراتيجيتها للأمن القومي، فإن الإدارة لم تفعل شيئًا يذكر للرد على الاختراق الروسي والصيني العميق لأمريكا اللاتينية. مع العديد من دول أمريكا اللاتينية التي تكافح من أجل الديون العامة والتضخم والبطالة، ومؤخرًا أزمة COVID19 وجدت الصين طرقًا سهلة لتأسيس موطئ قدم في المنطقة، وشراء الأصول الاستراتيجية وتقديم المساعدة. وسعت روسيا أيضًا إلى إدخال نفسها أكثر خاصة في فنزويلا، وبدرجة أقل مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في نصف الكرة الأرضية.
في عام 2019، كثفت الإدارة جهودها لمكافحة النفوذ المتزايد للصين في المنطقة من خلال مبادرة النمو في الأمريكتين المجددة ومن خلال الجهود الناشئة لتحويل الاستثمار الأمريكي وسلاسل التوريد الأمريكية من آسيا إلى أمريكا اللاتينية. عملت الإدارة أيضًا، بنتائج متباينة على إثارة المخاوف بشأن الممارسات الصينية المقلقة في المنطقة، بما في ذلك القروض الجائرة والصيد غير القانوني.
توصيات لإدارة بايدن
1- تكثيف برامج العقوبات والمحاكمات. لم تستغل إدارة ترامب بالكامل هذه الأدوات السياسية المهمة في البلدان الغنية المستهدفة. إن تركيزها على إقناع الحلفاء الإقليميين بتصنيف حزب الله ككيان إرهابي هو مثال على ذلك: كان من الممكن توسيع هذا النجاح أكثر من خلال التصنيفات المشتركة وإجراءات إنفاذ القانون في الدول الخمس التي اتخذت إجراءات ضد حزب الله. يمكن للإدارة القادمة أن تبني على هذا النجاح من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق الإجراءات المشتركة، ومطالبة الحلفاء بتنفيذ تدابيرهم الخاصة ضد الأهداف داخل ولاياتهم القضائية.
2- تعزيز الشفافية والحكم الرشيد. واجهت إدارة ترامب معضلة مألوفة في تحقيق أهدافها في منطقة يسجل فيها الشركاء والأصدقاء غالبًا درجات عالية في مؤشر الفساد. ومع ذلك، يمكن لإدارة بايدن صياغة طريق وسط بين استهداف أصدقاء الولايات المتحدة وعدم القيام بأي شيء. خاصة عندما يتعلق الأمر بالدول المتحالفة، فإن استهداف المسؤولين من المستوى المتوسط، مثل القضاة والمدعين العامين بتلقيهم رشاوى أو إعاقة العدالة، فإن ذلك من شأنه أن يرسل رسالة قوية إلى القادة الإقليميين. إذ يمثل الحافز الذي يحتاجون إليه لمعالجة الفساد المتفشي في بلادهم. تعد إعادة إنشاء برامج مكافحة الفساد في أمريكا الوسطى خطوة أولى جيدة، لكن بناء مؤسسات محلية لمكافحة الفساد أمر ضروري أيضًا.
3- إعادة التفكير في سياسة مكافحة المخدرات. حيث أدت استراتيجية إدارة ترامب العدوانية لمكافحة المخدرات إلى العديد من لوائح الاتهام والتصنيفات الجديدة على مدار السنوات الأربع الماضية، فضلًا عن زيادة الضغط من أجل اتخاذ إجراءات في دول مثل المكسيك وكولومبيا. يجب على الإدارة إجراء إعادة تقييم واسعة النطاق، والتي يجب أن تشمل إجراءات إنفاذ القانون الصارمة ضد شبكات غسيل الأموال العاملة في الكارتلات “العصابات”.
4- تمكين الحلفاء الإقليميين لمواجهة فنزويلا. كان الإطاحة بمادورو جهدًا متعدد الأطراف تقوده الديمقراطيات الإقليمية، وهو جهد يجب أن تواصل إدارة بايدن متابعته. ستمثل فنزويلا الديمقراطية والمزدهرة انتكاسة للمصالح الروسية والكوبية والإيرانية في المنطقة. سعت إدارة ترامب إلى حشد الدول الأعضاء في مجموعة ليما لدعم الحكومة الشرعية بقيادة غوايدو، بهدف إجراء انتخابات حرة ونزيهة. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لحمل دول أمريكا اللاتينية الأخرى على فرض حظر السفر وتجميد الأصول والعقوبات ضد مسؤولي نظام مادورو.
5- استمرار الضغط على كوبا ونيكاراغوا. على إدارة بايدن أن تواصل الضغط الذي مارسته سلفها على كوبا ونيكاراغوا. يتعارض القمع والفساد العنيفان في نيكاراغوا، فضلًا عن التدخل الكوبي في فنزويلا مع المصالح الأمريكية طويلة الأمد في أمريكا الوسطى وحوض الكاريبي. واصلت إدارة أوباما الانفراج مع هذه الأنظمة لكن من دون الوصول لنتيجة، وسلوك الأنظمة لم يتغير.
6- احتواء روسيا والصين في المنطقة. تحتاج الإدارة المقبلة إلى ابتكار حوافز واستراتيجيات اقتصادية جديدة لإبقاء الأصدقاء في فلك أمريكا. تصاعد الديون والتضخم والبطالة، في منطقة تعاني من بعض أسوأ التفاوتات الاجتماعية في العالم، يصبح من الصعب معالجتها عندما تبني أمريكا الحواجز التجارية وتقلل من المساعدات.
عاشرًا: السياسة الأمريكية تجاه لبنان
سعت إدارة ترامب إلى تصعيد الضغط على حزب الله مع الاستمرار في سياسة الإدارات السابقة في محاولة تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية وعزل النظام المالي اللبناني. ومع ذلك، لم تستطع واشنطن منع انهيار القطاع المصرفي اللبناني أو إحباط هيمنة حزب الله المفتوحة على الدولة.
وبعد الانتخابات النيابية في مايو 2018، فرض حزب الله عملية تشكيل الحكومة اللبنانية على مدى الأشهر الثمانية التالية. من خلال السماح لسعد الحريري بالعودة كرئيس للوزراء، قدم حزب الله ورقة توت لتغطية موقعه المهيمن. استقال الحريري بعد تسعة أشهر وسط مظاهرات حاشدة ضد الفساد المستشري الذي أوصل الحكومة إلى حافة الانهيار المالي الكامل. استبدل حزب الله حسان دياب به، وهو شخصية ثانوية استقال بعد سبعة أشهر، مما مهد الطريق لترشيح الحريري.
وبدعم من الحزبين، واصلت إدارة ترامب حملة عقوبات تستهدف شبكات حزب الله المالية وعمليات غسيل الأموال. وابتداءً من عام 2019، اعتمدت الإدارة على الصلاحيات الموسعة الممنوحة بموجب قانون تعديلات منع التمويل الدولي لحزب الله. في أبريل 2019، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية ممولًا لبنانيًا لغسيل عائدات المخدرات وتسهيل تحركات الأموال لحزب الله، وفي يوليو التالي، صنفت وزارة الخزانة عضوين في البرلمان من حزب الله وأمن الجماعة ومسؤول الأمن فيه وفيق صفا.
مهدت هذه العقوبات الطريق لتصنيف وزارة الخزانة في أغسطس 2019 لبنك جمال ترست – البنك اللبناني الوحيد الذي خضع للعقوبات منذ عقوبات البنك اللبناني الكندي في 2011في أوائل عام 2020، صنفت إدارة ترامب شبكة مرتبطة بمؤسسة شهداء حزب الله، ضمن قوائم العقوبات، وفي وقت لاحق فرضت وزارة الخزانة عقوبات على وزيرين سابقين متحالفين مع حزب الله بالإضافة إلى مسؤول في المجلس التنفيذي لحزب الله وشركتين تابعتين لحزب الله.
وفي أوروبا، أقنعت إدارة ترامب الحلفاء الرئيسيين بتجنب التمييز الخاطئ بين ما يسمى بالجناحين “السياسي” و “العسكري” لحزب الله وبدلًا من ذلك تعامل المجموعة بأكملها على أنها تهديد. في يناير 2020، صنفت المملكة المتحدة كل أعضاء حزب الله ككيان إرهابي. وفي أبريل، حظرت ألمانيا جميع أنشطة حزب الله وأقنعت إدارة ترامب أيضًا كوسوفو وصربيا على القائمة السوداء لحزب الله ككل بحلول نهاية نوفمبر 2020، انضمت سلوفينيا ولاتفيا إلى القائمة.
وبدافع الغضب الشعبي ضد الطبقة السياسية بأكملها، تحدت الاحتجاجات اللبنانية واسعة النطاق التي بدأت في أكتوبر 2019 السياسة الأمريكية الداعمة للدولة اللبنانية. في محاولة فاشلة لقمع المظاهرات، بدأ أفراد الأمن والجيش اللبناني بضرب المتظاهرين واحتجازهم وتفكيك مخيماتهم وفتح طرق مغلقة بالقوة. تجنبت واشنطن للأسف انتقاد سلوك الجيش اللبناني. حتى أن وزارة الخارجية سارعت إلى الإفراج عن المساعدات المجمدة للبنان على مدى أربع سنوات، وقدمت الإدارة حوالي 2.2 مليار دولار من المساعدات بما في ذلك حوالي 680 مليون دولار من المساعدات العسكرية والأمنية
كما أصرت الإدارة الأمريكية على أن أي خطة إنقاذ دولية للبنان ستعتمد على الإصلاحات الهيكلية السياسية والمالية. لكن بعد الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس 2020، بدا أن الإدارة ترحب بالمبادرة الفرنسية بالتنسيق مع حزب الله والتي تتطلب إصلاحات محدودة فقط مقابل مساعدة مالية مدعومة او مقدمة من فرنسا. وبشكل مثير للصدمة قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية إن الإدارة لن تعارض مشاركة حزب الله في الحكومة طالما أن هذه الحكومة قد أجرت إصلاحات هيكلية وسياسية.
ووافقت واشنطن على طلب باريس لمجلس الأمن الدولي بأن يجدد دون تغييرات حادة تفويض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). أخيرًا سعت وزارة الخارجية إلى دعم حكومة بيروت من خلال تسهيل اتفاق إطاري إسرائيلي لبناني للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية للبلدين.
تقييم سياسة ترامب
بينما أحرزت إدارة ترامب بعض التقدم في لبنان، فقد عملت في ضوء الاعتقاد الخاطئ بوجود فرق بين مؤسسات الدولة اللبنانية وحزب الله. وفشلت في إدراك أن أي جهد لتقوية الدولة اللبنانية يقوي حزب الله في نهاية المطاف بينما يقوض الجهود الأمريكية لممارسة الضغط على الجماعة “حزب الله”.
وواصلت إدارة ترامب ضخ الأموال إلى الجيش اللبناني على الرغم من أن الجيش لم يفعل شيئًا تجاه كثافة النشاط العسكري لحزب الله واستمرار بنائه لمنشآت بنى تحتية عسكرية. ففي سبتمبر كشفت الحكومة الإسرائيلية عن معلومات استخباراتية تظهر أن حزب الله بنى ثلاث منشآت في بيروت والمنطقة المجاورة إلى الجنوب منها لتجميع الصواريخ الدقيقة التوجيه.
ويُحسب لإدارة ترامب أنها نفذت سياسة عقوبات صارمة ضد حزب الله. على النقيض من ذلك، كانت واشنطن في السابق بطيئة في اعتماد اجراءات لمعاقبة القادة السياسيين الفاسدين، سواء كانوا شركاء بشكل علني أو ضمني مع حزب الله. فبعد الانهيار المالي للبلاد مر عام كامل قبل أن تُفعِّل وزارة الخزانة قانون Global Magnitsky لتوقيع عقوبات على الوزير السابق جبران باسيل بتهمة الفساد. باسيل هو صهر الرئيس اللبناني المتحالف مع حزب الله والمنافس الرئيسي لخلافته؛ كان الشخصية السياسية البارزة الوحيدة المستهدفة من واشنطن.
في حين أن تصنيف وزارة الخزانة لبنك جمال ترست ووضعه على قائمة العقوبات كان علامة فارقة فإن اختراق حزب الله للنظام المالي اللبناني أعمق بكثير مما كانت الحكومة الأمريكية مستعدة للإعلان عنه. طبقًا لدعوى مدنية قُدمت في محكمة مقاطعة نيويورك الفيدرالية، فإن 11 مصرفًا تجاريًا إضافيًا في لبنان قدموا عن قصد دعمًا ماديًا واسع النطاق ومستدامًا لحزب الله وكياناته بما في ذلك الخدمات المالية للحزب، ومنظمات الرعاية الاجتماعية والعاملين.
كما دعمت وزارة الخارجية الأمريكية مسارات ومبادرات العمل السياسي التي استفاد منها حزب الله مثل المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة جديدة والتي تم تنسيقها مباشرة مع حزب الله. وكان السماح لباريس بقيادة الطريق السياسي في لبنان هزيمة ذاتية مضاعفة بالنظر إلى أن فرنسا تظل العائق الرئيسي أمام تصنيف حزب الله على مستوى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن الإدارة تستحق الكثير من التقدير لقرارات المملكة المتحدة وألمانيا وغيرهما بوضع حزب الله في القائمة السوداء بالكامل.
ويمكن التدليل بمثال آخر على عدم الاتساق الاستراتيجي، هو سعي وزارة الخارجية في الوقت غير الضروري لإجراء محادثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. حيث تقدم المحادثات للنظام الذي يسيطر عليه حزب الله في لبنان إمكانية تحقيق عائدات مستقبلية من الغاز البحري مقابل لا شيء، غير السماح توتال شركة النفط الفرنسية الكبرى ببدء العمليات والاستثمار في المياه اللبنانية. حيث من المحتمل أن يفتح السعي لإجراء محادثات بحرية؛ الباب أمام التنازل عن مسألة مزارع شبعا وهي قطعة أرض صغيرة في هضبة الجولان يطالب بها لبنان والتي اعترفت إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية عليها.
وبالمثل عرضت وزارة الخارجية على الفرنسيين واللبنانيين هدية أخرى عندما وافقت في أغسطس الماضي على تجديد تفويض اليونيفيل دون تغيير. حيث فشلت اليونيفيل فشلًا ذريعًا في الحفاظ على منطقة عملياتها جنوب نهر الليطاني خالية من العناصر المسلحة والأصول العسكرية والأسلحة وفي منع حزب الله من استخدام المنطقة كنقطة انطلاق للعدوان. وبما أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على إصلاح اليونيفيل، كان على الإدارة ألا تجدد تفويضها.
أخيرًا يستحق الكونجرس الأمريكي الثناء لإقراره قانون معاقبة استخدام المدنيين كدروع لا حول لها لعام 2018 (“قانون الدروع”)، الذي يخول الرئيس بفرض عقوبات على حزب الله وحماس والكيانات المرتبطة بهما المسؤولة عن استخدام الدروع البشرية لحماية أصولهم العسكرية. على سبيل المثال، تقع مصانع الصواريخ السرية الثلاثة التي كشفتها المخابرات الإسرائيلية تحت مبانٍ سكنية. ومع ذلك في العامين الماضيين منذ صدور قانون الدروع، لم تصدر الإدارة أي عقوبات جديدة، على الرغم من الجهود الحميدة لاستخدام أنواع أخرى من العقوبات لممارسة الضغط على حزب الله.
توصيات لإدارة بايدن
إن حزب الله أكثر من مجرد عميل أو وكيل لجمهورية إيران الإسلامية. إنه امتداد للنظام الإيراني، فمنذ تأسيس الجماعة على يد الكوادر الثورية الإسلامية الإيرانية في لبنان عمل حزب الله كذراع طهران الطويلة وكمصدر رئيسي لإيديولوجية النظام ونموذجه الثوري. يجب أن تكون هذه الفرضية مفيدة لجميع جوانب السياسة الأمريكية. علاوة على ذلك ومع سيطرة المجموعة الآن على مرتفعات البلاد وتغلغلها بقوة في الجهاز الحكومي يجب على الولايات المتحدة أن تتخلى عن التمييز المصطنع بين الدولة اللبنانية وحزب الله.
1- عدم التعامل أو تمويل أي حكومة لدي حزب الله نفوذ بداخلها، إن دعم الحكومة اللبنانية يجعل الولايات المتحدة متواطئة لا محالة لأن حزب الله يصوغ ويقرر سياسة الحكومة اللبنانية ولديه حق الوصول إلى ميزانيتها.
2- تصعيد الضغط على حزب الله. على واشنطن أن تنتهج هذه السياسة بغض النظر عن أزمة لبنان المالية أو أي مبادرة دبلوماسية إقليمية.
3- صياغة عقوبات أمريكية سواء كانت مرتبطة بحزب الله أو تستهدف أعضاء آخرين من الطبقة السياسية يجب أن تهدف العقوبات إلى الضغط على شبكات حزب الله المالية ونظام الأوليغارشية الفاسد الذي يسهل العمل كع حزب الله ويتشارك معه.
4- الاستمرار في الضغط على الاتحاد الأوروبي لتصنيف حزب الله كله كمنظمة إرهابية ولكن أيضًا الاعتراف بأن زيادة الاستثمار الفرنسي في لبنان من المرجح أن تزيد من معارضة باريس لمثل هذا التصنيف. حزب الله نفسه يرفض تمييز الاتحاد الأوروبي بين ما يسمى بجناحيه العسكري والسياسي. يجب ألا يحصل أي جزء من حزب الله على ترخيص للعمل في أوروبا.
5- وقف المساعدات الإنمائية وإعادة الاعمار للبنان سواء بشكل ثنائي أو في سياق مؤتمر دولي للمانحين. وطالما ظل النظام السياسي الطائفي القائم الذي يهيمن عليه حزب الله فإن مثل هذه المساعدات لا تدعم سوى حزب الله وشركائه الفاسدين.
6- إيقاف كل المساعدات للجيش اللبناني. حيث تواصل القوات المسلحة التعاون مع حزب الله وفشلت في اتخاذ أي إجراء لكبح جماحه حتى ضد منشآت صواريخ حزب الله المكشوفة أو مستودعات الأسلحة في المناطق المدنية.
7- سرعة تطبيق العقوبات وفقًا لقانون (الدروع). يعتبر استخدام الدروع البشرية جريمة حرب. يجب على الولايات المتحدة استهداف مسؤولي حزب الله والكيانات المرتبطة به وكذلك أي مسؤول سياسي وأمني لبناني متورط في وضع أصول حزب الله العسكرية في مناطق مدنية.
8- (اليونيفيل): وبقدر ما أن إصلاح تفويض اليونيفيل ليس مطروحًا على الطاولة، استخدم حق النقض ضد تجديدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عندما ينتهي التفويض في أغسطس ٢٠٢١. وفي غياب إصلاح شامل، فإن اليونيفيل غير قادرة على أن تكون أكثر من ورقة توت لسيطرة حزب الله على اليونيفيل في منطقة العمليات.
9- وقف محادثات ترسيم الحدود البحرية، عدم السماح لمحادثات ترسيم الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية بالاستمرار حتى عام 2021. وبما أن لبنان قد شدد الآن موقفه المتطرف، يجب على الولايات المتحدة أن توقف العملية غير المدروسة. بالإضافة إلى ذلك يجب على واشنطن أن تعيد التأكيد علانية على موقفها بأن مزارع شبعا ليست لبنانية، ولكنها جزء من مرتفعات الجولان، التي يجب أن تظل تحت السيادة الإسرائيلية.
حادي عشر: السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية
في 27 فبراير 2019 التقى الرئيس دونالد ترامب والديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون في هانوي في قمتهما الثانية. انتهى الاجتماع بانسحاب ترامب من المفاوضات لأنه لم يستطع قبول مطالب كيم برفع شامل للعقوبات الاقتصادية الأمريكية مقابل تفكيك كوريا الشمالية منشأة نووية واحدة في يونغبيون. بينما كانت قمة هانوي مخيبة للآمال للولايات المتحدة، كان الفشل الأكثر أهمية لكيم الذي رفع التوقعات في بيونغ يانغ بأن بإمكانه تأمين تخفيف العقوبات مع الحفاظ على برامجه النووية والصاروخية.
وسعت كوريا الشمالية باستمرار إلى تخفيف العقوبات مع سعيها للحفاظ على رادعها النووي. على سبيل المثال بدأت كوريا الشمالية في إعادة تأهيل منشأة إطلاق صواريخ سوهاي على الرغم من موافقتها على تفكيكها خلال قمة ترامب-كيم الأولى في سنغافورة في 2018 .كان هناك أيضًا نشاط تدريبي غير عادي في منشأة يونغبيون. في أبريل 2019، وأصدر نظام كيم مهلة “نهاية العام” للولايات المتحدة لتلبية مطالب بيونغ يانغ بتخفيف العقوبات كمقدمة للمسار السياسي كما استأنفت كوريا الشمالية اختبارها للصواريخ الباليستية قصيرة المدى وغيرها من الصواريخ الجديدة وكذلك أنظمة تسليحية جديدة وواصلت عمليات التجسس الإلكتروني.
وفي سياق ذلك رفضت الولايات المتحدة طلب كيم بتخفيف العقوبات. ومدد الكونجرس عقوبات كوريا الشمالية التي كان من المقرر أن تنتهي في 26 يونيو 2019. لكن الآفاق الدبلوماسية تحسنت عندما عقد ترامب اجتماعًا مفاجئًا مع كيم في المنطقة منزوعة السلاح في 30 يونيو 2019 مما جعل ترامب أول رئيس في منصبه يطأ قدمه في كوريا الشمالية. واتفق الزعيمان على استئناف الحوار الذي أدى إلى المفاوضات في ستوكهولم في أكتوبر 2019. ولكن المحادثات اثبتت عدم جدواها بعد ان جددت كوريا الشمالية مطالبها بإلغاء العقوبات من دون تقديم تنازلات جوهرية.
بعد مفاوضات ستوكهولم، هددت كوريا الشمالية بمنح الولايات المتحدة “هدية عيد الميلاد”، وهو تعبير ملطف لكنه يشير إلى استفزاز كبير مثل اختبار سلاح نووي أو صاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM). لم يتحقق هذا أبدًا، لكن في 1 يناير 2020 أعلن كيم أن كوريا الشمالية ستستأنف اختبار الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة النووية لأن بيونغ يانغ لم تعد تشعر بأنها ملزمة بوقف اختياري للتجارب.
بعد هذا الإعلان أكمل جيش كوريا الشمالية دورته التدريبية الشتوية على نطاق واسع، بينما قامت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بتقليص أو تعليق العديد من التدريبات الرئيسية. بالإضافة إلى ذلك، صعدت كوريا الشمالية من التوترات مع كوريا الجنوبية من خلال اقتراح إنهاء الاتفاق العسكري الكوري الشامل وهدم مكتب ارتباط مشترك على الحدود مع كوريا الجنوبية.
وأجرى النظام اختبارًا صاروخيًا في مارس 2020، أدى بعده عددًا من الغيابات المطولة لكيم إلى تكهنات حول حالته الصحية السيئة أو حتى أن أخته كيم يو جونغ على وشك الخلافة المحتملة. في الوقت نفسه اتخذت كوريا الشمالية تدابير متطرفة، مثل إغلاق الحدود مع أوامر إطلاق النار لقتل المخالفين والقيود الداخلية على الحركة، والقيود على نشاط السوق والتجارة لتأمين نفسها من COVID-19 وقمع التقارير عن تفشي المرض. واعتبارًا من يوليو 2020، ظلت سياسة الولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية تطالب “بنزع السلاح النووي بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه من شبه الجزيرة الكورية”.
تقييم سياسة ترامب
أكدت القمة الفاشلة في هانوي صراحة أن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تختلفان حول تعريف نزع السلاح النووي. في حين تتوقع الولايات المتحدة أن يتفاوض الشمال على تفكيك سريع لبرامج أسلحته فإن بيونغ يانغ تريد تنازلات فورية بينما تؤجل نزع السلاح إلى أجل غير مسمى.
على الرغم من أن ترامب كان يأمل في التوصل إلى اتفاق مع كيم إلا أن الرئيس لم يستسلم لمطالب كيم الأحادية الجانب في هانوي. في حين أن هذا الأمر يستحق الثناء إلا أن الإدارة سمحت بتبديد نفوذها الدبلوماسي من خلال إهمال حملة الضغط الأقصى التي سبقت القمم الثنائية.
واستمر ضعف إنفاذ العقوبات. وجد تقرير صادر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة أن قراصنة بيونغ يانغ سرقوا مئات الملايين من الدولارات عن طريق اختراق البنوك وتبادل العملات المشفرة. وكشفت اللجنة عن مخططات أخرى للتهرب من العقوبات في كوريا الشمالية، بما في ذلك الأعمال المصرفية غير المشروعة والصادرات الخارجية للعمالة والتجارة في السلع الخاضعة للعقوبات مثل المنتجات الفاخرة والفحم والنفط. في بعض الحالات تساعد الصين وروسيا النظام بشكل فعال.
وانخفض الاستعداد العسكري بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. من خلال تعليق فعاليات التدريب المشترك. في غضون ذلك تقدم الجيش الكوري الشمالي في التدريب بقدرات شبه كاملة وكان هناك أيضًا عدم يقين متزايد بشأن مستقبل القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية بسبب مفاوضات اتفاقية التدابير الخاصة (تقاسم التكاليف) التي لم يتم حلها. وفي عام 2020، وجه ترامب وزارة الدفاع إلى تقديم خيارات لتخفيض القوات في كوريا الجنوبية، وهو ما سيكون بلا شك موضع ترحيب من الشمال. وبما لا يضر بأمن الولايات المتحدة أو حلفائها.
من المؤشرات الواضحة على أن الولايات المتحدة قد خففت من الضغط على بيونغ يانغ أن كيم واصل القيام باستفزازات بعد هانوي. حيث يؤكد عناد كيم المستمر أن نظامه يواصل اتباع استراتيجية دبلوماسية “طويلة المدى” تستخدم وعودًا كاسحة ولكن جوفاء لتأمين التنازلات وإطالة أمد الحوار مع التخلي عن القليل مقابل لا شيء في المقابل.
ظلت إدارة ترامب راضية عن الوضع الراهن لأن كيم أوفى بوعده الشخصي لترامب بعدم وجود المزيد من الأسلحة النووية أو تجارب الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ومع ذلك تعمل كوريا الشمالية على تطوير قدرات عسكرية جديدة مثل الصواريخ قصيرة المدى التي تعمل بالوقود الصلب وقاذفات الصواريخ التي يمكن أن تستهدف القواعد الأمريكية والكورية الجنوبية الرئيسية في شبه الجزيرة.
في عرض عسكري في أكتوبر الماضي بدا أن بيونغ يانغ قد أدخلت نظامين صاروخيين جديدين لم يتم اختبارهما: صاروخ هواسونغ -16 باليستي عابر للقارات وصاروخ بوكجوكسونغ 4 وهو صاروخ باليستي تطلقه الغواصات.
بالإضافة إلى ذلك عرض النظام مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية المتقدمة تُظهر تحسنًا ملحوظًا في امكانات كوريا الشمالية. ووجد فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أن النظام يواصل إنتاج المواد الانشطارية لتطوير الأسلحة النووية.
على الرغم من كل هذا فإن كوريا الشمالية تكافح مع تداعيات COVID-19 إلى جانب الأمطار الموسمية وثلاثة أعاصير. وينفي النظام تفشي COVID-19 لكنه اتخذ إجراءات صارمة للتحكم في السكان والموارد بما في ذلك إغلاق الحدود ووقف التجارة مع الصين. وقد أضعفت هذه الإجراءات اقتصاد كوريا الشمالية أكثر من العقوبات. وفي الوقت نفسه دمرت الأعاصير الزراعة مخاطرة بأزمة غذاء سيئة مثل المجاعة 1994-1996 والتي ربما أودت بحياة 3 ملايين شخص.
توصيات لإدارة بايدن
من خلال تكثيف الدبلوماسية والضغط، قد تكون إدارة بايدن قادرة على تعزيز العلاقات مع سيول وإجبار كيم لقبول نزع السلاح النووي. يبدو أن هذا هو هدف الرئيس المنتخب بايدن. ففي أكتوبر 2020، كتب:
“كرئيس، سأقف إلى جانب كوريا الجنوبية، وأقوي تحالفنا لحماية السلام في شرق آسيا وما وراءها، بدلًا من ابتزاز سيول بتهديدات متهورة بسحب قواتنا. سوف أنخرط في دبلوماسية قائمة على المبادئ وسأواصل الضغط نحو نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وشبه الجزيرة الكورية الموحدة”.
ويمكن للتوصيات التالية مساعدة إدارة بايدن:
1- تطوير استراتيجية تحالف لشبه الجزيرة الكورية. من خلال مجموعة العمل الاستراتيجية القائمة بين وزارة الخارجية ووزارة الشؤون الخارجي ينبغي على واشنطن وسيول إعادة تقييم الافتراضات الاستراتيجية حول طبيعة نظام كيم والاعتراف بتصميم كيم على السيطرة على شبه الجزيرة. يجب أن يحافظ البلدان على تركيز طويل المدى على حل “المسألة الكورية”. يجب أن يشمل ذلك التوحيد والردع والدفاع ونزع السلاح النووي.
2- فرض حملة “أقصى ضغط” تدمج جميع عناصر القوة الأمريكية والقوة المتحالفة معها. يجب أن تتضمن هذه الحملة خمسة محاور للجهود: الدبلوماسية والعقوبات، والاستعداد العسكري، وأنشطة المعلومات والتأثير والإنترنت. يجب أن يرى “كيم” أن امتلاك الأسلحة النووية يعرض بقاء نظامه للخطر. في غياب مثل هذا الضغط، سيستمر كيم في استغلال الدبلوماسية لابتزاز التنازلات مع التشدق بالكلام فقط على نزع السلاح النووي.
3- جعل حقوق الإنسان أولوية. هذا واجب أخلاقي وقومي على حد سواء. يضطهد كيم شعبه ليبقى في السلطة. يجب على سيول وواشنطن معالجة حقوق الإنسان في المفاوضات مع الشمال ودعم المنظمات غير الربحية العاملة في مجال حقوق الإنسان، والتركيز على حقوق الإنسان كجزء من حملة المعلومات والتأثير.
4- مواصلة الجهود لإقامة حوار موضوعي على مستوى العمل بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. يجب أن يعطي هذا الحوار الأولوية لأسلحة كوريا الشمالية النووية والبيولوجية والكيميائية والصواريخ الباليستية. يجب أن تعمل أيضًا على وضع خارطة طريق شاملة نحو تفكيك كوريا الشمالية للسلاح النووي الذي يمكن التحقق منه.
5- تشجيع الدعم الصيني والروسي لنزع السلاح النووي مع تحميلهما المسؤولية عن الانتهاكات المستمرة لعقوبات الأمم المتحدة التي يزعمون دعمها. يجب على إدارة بايدن الإعلان عن هذه الازدواجية والقائمة السوداء للكيانات التي تم تحديدها على أنها تنتهك العقوبات.
6- تقوية وتدعيم الموقف العسكري للحلفاء. يجب أن تشجع إدارة بايدن كوريا الجنوبية على الاستثمار في القدرات والقدرات العسكرية الإضافية. بالتنسيق الكامل مع سيول، يجب على الولايات المتحدة أن تنشر في كوريا الجنوبية قوة قتالية إضافية تختص بمهام وقدرات توجيه الضربات الهجومية. يجب أن تنظر الإدارة القادمة أيضًا في زيادة أصول الدفاع الصاروخي والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. لضمان الاستعداد العسكري، الثنائي (الولايات المتحدة – كوريا الجنوبية) يجب أن تجري قيادة القوات المشتركة تدريبات متعددة على مستوى مسرح القيادة وزيادة التدريبات الميدانية للمكونات التابعة.
7- استقرار عملية اتفاقية التدابير الخاصة (تقاسم التكاليف). قدمت الإدارة المنتهية ولايتها مطالب غير واقعية وباهظة. يجب على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية اختتام المفاوضات بسرعة من خلال التركيز على كيفية دعم البلدين لقيادة القوات المشتركة. يجب أن يعود التحالف إلى اتفاقيات تقاسم التكاليف لمدة خمس سنوات بدلًا من الاتفاقات السنوية.
8- تنسيق استراتيجية شاملة لمواجهة الهجمات الإلكترونية الكورية الشمالية. يجب أن تتبنى الولايات المتحدة نهج “الردع السيبراني متعدد الطبقات”، على النحو الموصى به في تقرير للجنة الفضاء السيبراني لعام 2020. وهذا سيتطلب خيارات السياسة الإلكترونية وغير الإلكترونية، مثل العقوبات والتنسيق الدبلوماسي مع الحلفاء لدعم القواعد والمبادئ للفضاء الإلكتروني.
ثاني عشر: السياسة الأمريكية تجاه روسيا
حددت استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 روسيا على أنها “قوة مراجعة” تعمل على “تشكيل عالم يتعارض مع قيم ومصالح الولايات المتحدة”، وحددت استراتيجية الدفاع الوطني “المنافسة الاستراتيجية طويلة الأجل” مع القوى المراجعة على أنها “التحدي المركزي أمام الازدهار والأمن في الولايات المتحدة.
وتمشيا مع هذه التقييمات سعت إدارة ترامب إلى معالجة التهديدات الروسية التي تتراوح من التدخل في الانتخابات إلى الحد من التسلح، وغالبا ما اتخذت خطًا أكثر حزمًا من سابقتها. ومع ذلك كانت سياسة الإدارة تجاه روسيا متناقضة في كثير من الأحيان من الناحية العملية حيث كان الرئيس ترامب كثيرًا ما يقوض الخط المتشدد تجاه الذي اتخذته إدارته وكلا الحزبين في الكونجرس.
ولمكافحة التدخل الروسي في الانتخابات، أجرت القيادة الإلكترونية الأمريكية (CYBERCOM) عمليات استباقية استهدفت المتصيدون الروس خلال انتخابات 2018 وكذلك قراصنة الدولة والمجرمين الروس قبل انتخابات 2020. وزادت الإدارة من التعاون المرتبط بالانتخابات مع حكومات الولايات والحكومات المحلية والقطاع الخاص حيث أصدر عشرات العقوبات المتعلقة بالانتخابات، وأغلقت منشأة دبلوماسية روسية وسعت إلى ردع التدخل في المستقبل من خلال السماح بفرض عقوبات على “أكبر الكيانات التجارية” في أي بلد متدخل قد يتورط في مثل هذه العمليات.
علاوة على ذلك في عالم الإنترنت فرضت الإدارة عقوبات على العديد من المتسللين الروس وأدانتهم وأصدرت إرشادات تقنية تكشف التهديدات الإلكترونية الروسية وزادت من التعاون السيبراني مع الحلفاء الأوروبيين. وورد أن CYBERCOM قد اخترقت أيضًا شبكة الطاقة الروسية لردع الهجمات الإلكترونية الروسية ضد البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة.
في أعقاب محاولة روسيا اغتيال العميل المزدوج السابق سيرجي سكريبال في إنجلترا باستخدام غاز الأعصاب طردت الإدارة 60 ضابط استخبارات روسي وأغلقت قنصلية سياتل الروسية. كما فرضت الإدارة عقوبات مختلفة فرضها الكونجرس، بما في ذلك فرض حظر جزئي على إقراض الحكومة الروسية وشراء الديون السيادية الروسية.
إجمالًا، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على أكثر من 365 هدفًا روسيًا لأسباب تتراوح بين العدوان على أوكرانيا وانتهاكات حقوق الإنسان على الرغم من اعتراض ترامب على العقوبات الروسية ضمن قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA).
فيما يتعلق بالحد من التسلح، انسحبت الإدارة في عام 2019 من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) مستشهدة بانتهاكات روسية طويلة. كما انسحبت الإدارة أيضًا من معاهدة الأجواء المفتوحة ورفضت تمديد ستارت الجديدة دون اتفاق سياسي يحسن المعاهدة. إجراءات التحقق تغطي الجيل الجديد من الأسلحة النووية الروسية وغير الاستراتيجية وتوفر إطارًا لمعاهدة مستقبلية متعددة الأطراف بما في ذلك الصين. على الرغم من قرب التوصل إلى اتفاق مؤقت لتمديد المعاهدة لمدة عام واحد وتجميد الأسلحة النووية، فإن الخلاف حول مفاوضات التحقق توقفت من قبل الانتخابات الأمريكية وجعلتهم موضع نقاش.
في فبراير 2020 أرسلت واشنطن صاروخًا باليستيًا منخفض القوة أطلقته غواصة بهدف تحقيق ردع الإكراه لقدرات النووي الروسي. وزادت الإدارة من الوجود العسكري الأمريكي في بولندا ومنطقة البحر الأسود وعززت التعاون الدفاعي مع أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق ووسعت في البداية مبادرة الردع الأوروبية (EDI) على الرغم من تحويل ترامب ما يقرب من 1.1 مليار دولار من تمويل EDI للجدار الحدودي. وعلى عكس سابقتها قدمت الإدارة مساعدة عسكرية مباشرة إلى أوكرانيا.
وسعت الإدارة إلى تقليل الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية من خلال دعم صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال ومشاريع البنية التحتية للطاقة البديلة. وعارضت ترك ستريم ونورد ستريم 2 (NS2) -خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الروسية التي تهدد أمن الطاقة الأوروبي وصحة الاقتصاد الأوكراني. النفوذ الاستراتيجي- لكن تم الامتناع عن استخدام العقوبات لوقف NS2 حتى فرضها الكونجرس في ديسمبر 2019. بينما أعد الكونجرس عقوبات NS2 الإضافية في مشروع قانون الدفاع السنوي الذي تم إقراره مؤخرًا قامت الإدارة بتوسيع نطاق العقوبات السابقة ضد الشركات التي تساعد في إكمال NS2.
عارضت الإدارة دعم موسكو للنظامين الفنزويلي والسوري بما في ذلك من خلال توقيع عقوبات على جهات فاعلة روسية تساعدهما في التهرب من العقوبات الأمريكية وفي أواخر عام 2020 حددت وزارة الخزانة أيضًا 13 مسؤولًا وكيانًا بيلاروسيًا ساعدوا في تزوير انتخابات البلاد في 9 أغسطس.
تقييم سياسة ترامب
في كثير من الأحيان، قوضت تناقضات ترامب وميوله الشخصية سياسة إدارته القوية تجاه روسيا. بينما حقق ترامب نجاحًا معتدلًا في دفع أعضاء الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي كما أنه عزل الحلفاء الرئيسيين وهز الإيمان بالتزام أمريكا بالدفاع الجماعي وبالتالي ساعد الجهود الروسية لتقويض التحالف الغربي. أدى قرار ترامب المفاجئ بإعادة نشر ثلث القوات الأمريكية المتمركزة في ألمانيا إلى تفاقم هذه الاتجاهات لا سيما أنه ربط صراحةً القرار بـ “تأخر” برلين في الوفاء بالتزامات الإنفاق الدفاعي.
حققت الإدارة نتائج متباينة في خفض مبيعات الأسلحة الروسية وهو مصدر مهم للإيرادات والنفوذ لروسيا. كلف الأثر المروع لعقوبات قانون مكافحة الإرهاب التي تستهدف مبيعات الأسلحة الروسية روسيا ما يقدر بنحو 8-10 مليارات دولار من صفقات الأسلحة مما ساهم في انخفاض حصة روسيا في السوق العالمية بينما فشلت واشنطن في ثني أنقرة عن شراء S-400 النظام الصاروخي الجوي فإن فرض الإدارة المتأخر لعقوبات CAATSA ضد تركيا يمكن أن يساعد في إقناع الهند وشركاء الولايات المتحدة الآخرين برفض الأسلحة الروسية.
لقد خطت الإدارة خطوات واسعة في مكافحة التدخل الروسي في الانتخابات على الرغم من قيادة البيت الأبيض غير المتسقة بشأن هذه القضية. يستحق ترامب الإشادة في تفويضه بعمليات إلكترونية هجومية ضد روسيا لكن رفضه المتكرر لنتائج مجتمع الاستخبارات إلى جانب فشله في الضغط على بوتين دفع ذلك على الأرجح لتقويض ردع المزيد من التدخل. وبعد الكشف في ديسمبر 2020 عن أن روسيا ارتكبت ما قد يكون أخطر اختراق إلكتروني في تاريخ الحكومة الأمريكية قلل ترامب من شأن الحادث وتناقض مع وزير خارجيته من خلال الإشارة إلى أن الصين، وليس روسيا كونها هي المسؤولة.
في سوريا شن ترامب غارات جوية في وقت مبكر من فترة ولايته لمعاقبة النظام المدعوم من موسكو لاستخدامه أسلحة كيماوية بينما فشلت إدارة أوباما في فرض خطها الأحمر. ومع ذلك لم يكن للضربات تأثير دائم. ففي عام 2019 سمح قرار ترامب المتهور بسحب القوات الأمريكية؛ بعودة القوات الروسية إلى شمال شرق سوريا حيث ضايقت القوات الأمريكية. ووسع نفوذ موسكو على حلفاء واشنطن الأكراد.
في فنزويلا وعلى النقيض من ذلك ساعدت العقوبات الأمريكية –بمساعدة الفائض في سوق النفط – في تعطيل الجهود الروسية للتحايل على العقوبات الأمريكية على صادرات الخام الفنزويلي.
في الآونة الأخيرة، كان ترامب غائبًا بشكل واضح حيث تصارع الحلفاء الأوروبيون مع الاحتجاجات في بيلاروسيا ومحاولة موسكو اغتيال شخصية المعارضة أليكسي نافالني عبر غاز أعصاب محظور. بينما ضغطت ألمانيا وفرنسا على بوتين لمنع العنف في بيلاروسيا وتقديم إجابات حول تسميم نافالني، ظل ترامب صامتًا وأهمل استشارة القادة الأوروبيين. وبالمثل، تجاهلت الإدارة التزامها القانوني بموجب قانون مكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء على الحرب (CBW) بإصدار قرار وعقوبات لاستخدام موسكو للأسلحة الكيميائية.
لسوء الحظ تزامن هذا الرد مع رد ترامب على هجوم سكريبال وبعد ذلك فشل ترامب في إثارة القضية مع بوتين، لكنه وجد وقتًا لتهنئته على فوزه بإعادة انتخابه. كما تباطأ البيت الأبيض في فرض عقوبات قانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، على الرغم من موافقة الحزبين.
باختصار فشل ترامب في فهم طبيعة التحدي الروسي على الرغم من وضوح وثائق استراتيجية البيت الأبيض والبنتاغون الرسمية المقدمة بشأن هذه المسألة. في حين أن إدارته وكلا الحزبين في الكونجرس ومعظم الحلفاء الأوروبيين يعترفون بأن روسيا منافس استراتيجي، بدا ترامب مقتنعًا بأنه يمكنه ببساطة “التوافق” مع موسكو على الرغم من الجهود الفاشلة السابقة لإعادة العلاقات مع روسيا.
توصيات لإدارة بايدن
1- يجب أن تتحدث واشنطن مع موسكو ويجب أن تظل منفتحة على التعاون حيثما تناسب مصالح الولايات المتحدة لا سيما في قضايا مثل الحد من التسلح والأمن في المجال الإلكتروني. إلى أقصى حد ممكن يجب على واشنطن أيضًا تجنب تقريب روسيا والصين من بعضهما البعض. لكن يجب ألا تنسى واشنطن أن موسكو منافس استراتيجي. تختلف مصالح وأهداف وقيم نظام بوتين بشكل أساسي عن مصالح وأهداف وقيم الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
2- تمديد معاهدة ستارت الجديدة، ولكن يجب الاستفادة بالكامل من النفوذ الأمريكي، فتمديد هذه المعاهدة يصب في مصلحة أمريكا يجب على إدارة بايدن الاستفادة من نفوذها والتنازلات التي منحتها روسيا لإدارة ترامب. لقد أظهر الكرملين بالفعل استعداده لقبول اتفاق مؤقت يقترن بتمديد مؤقت مع تجميد رأس حربي ومفاوضات تشمل الترسانة النووية الروسية بالكامل. يجب على إدارة بايدن تمديد معاهدة ستارت الجديدة مع الاحتفاظ بالحق في إعادة تقييم المشاركة الأمريكية السنوية مع استمرار التزام أمريكا بشرط مشاركة موسكو بحسن نية في المفاوضات نحو صفقة أوسع وموافقة روسيا على تجميد متبادل للترسانة النووية أثناء تلك المحادثات. بما أن الموعد النهائي للتمديد يلوح في الأفق يستبعد المفاوضات المعقدة اللازمة لمعالجة التحقق من هذا التجميد ينبغي للإدارة أن تسمح للسنة الأولى من التمديد بالمضي قدمًا دون اتفاق بشأن التحقق ولكن ينبغي أن تصر على مناقشة التحقق أثناء المفاوضات اللاحقة.
3- اختبار صاروخ كروز نووي يطلق من البحر. ستؤدي هذه القدرة إلى تعقيد التخطيط العسكري الروسي (والصيني) من خلال سد فجوة في سلم التصعيد الأمريكي وتعزيز التنوع في المنصات والمدى والقدرة، وستساعد في مواجهة نشر الصواريخ الروسية INF وردع الاستخدام النووي الروسي الأول.
4- استعادة الوحدة عبر الأطلسي وتقوية الجناح الشرقي لحلف الناتو. يجب على إدارة بايدن إصلاح وحدة الناتو بما في ذلك إعادة تقييم تعديل الموقف المخطط لإدارة ترامب. يجب على واشنطن أن تمول بالكامل التبادل الإلكتروني للبيانات وأن تعكس الركود الأخير في الزخم في مشاريع البناء العسكرية الحيوية. ويجب عليها متابعة الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل. ويجب على واشنطن وحلفائها تعزيز موقف الناتو في منطقة البحر الأسود والذي لا يتناسب حاليًا مع الأهمية الإستراتيجية للمنطقة. بالإضافة إلى ذلك يجب على واشنطن مواصلة العمل مع الحلفاء الأوروبيين لمواجهة التهديدات الروسية غير التقليدية بما في ذلك من خلال التعاون في مجال الإنترنت وتنويع مصادر الطاقة ومكافحة الفساد.
5- وضع استراتيجية شاملة للتنسيق بين الوكالات والجهود الدولية ضد التمويل الروسي غير المشروع. يجب أن تستهدف هذه الاستراتيجية الأموال القذرة للأوليجارشيين الروس وأقارب بوتين والجماعات الإجرامية المنظمة التي تتخذ من روسيا مقرًا لها وتسعى إلى تعطيل المخططات المالية غير المشروعة التي تسهل الدعم الروسي للأنظمة المارقة ويجب أن تهدف الإستراتيجية أيضًا إلى تعزيز مكافحة غسيل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب في الولايات المتحدة والقدرة الاستخبارية وتبادل المعلومات بشأن التمويل الروسي غير المشروع. أخيرًا، يجب على واشنطن بناء سلم تصعيد للعقوبات ونشره بمصداقية لردع أعمال عدوانية عالية التأثير مثل هجوم إلكتروني يدمر سجلات الناخبين الأمريكيين.
6- الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في روسيا وفي جميع أنحاء الفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. يجب على إدارة بايدن تحميل موسكو المسؤولية عن هجوم نافالني بما في ذلك تحديد الأفراد والكيانات المتورطة في الهجوم والتستر اللاحق والاستجابة لدعوات نافالني لمضاعفة الجهود الغربية لاستهداف الثروة غير المشروعة لأصدقاء بوتين ويجب على الإدارة مع الحلفاء الأوروبيين، الإشارة إلى أن المزيد من الإجراءات القمعية ستؤدي إلى عقوبات ضد أكبر الشركات المملوكة للدولة في بيلاروسيا.
ثالث عشر: السياسة الأمريكية تجاه السعودية
عملت إدارة ترامب على إعادة بناء العلاقات مع المملكة العربية السعودية بعد التراجع المطرد في عهد الرئيس أوباما. وكانت السمة الرئيسية الاستثمار بكثافة في علاقة شخصية مع ولي العهد السعودي القوي، محمد بن سلمان. تضمنت أولويات الرئيس ترامب الشراكة مع السعوديين في سياق تطبيق سياسة الضغط الأقصى على إيران وزيادة المشتريات السعودية من الأسلحة الأمريكية، وجعل المملكة توازن أسعار النفط العالمية، وتأمين دعم الرياض لتحسين العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
وإذا كانت هذه الجهود قد أثمرت، فإن رغبة ترامب في التغاضي عن “استبداد محمد بن سلمان في الداخل ومحاولاته المتهورة في الخارج أدت إلى رد فعل عنيف من الحزبين هدد بتقويض الدعم للعلاقة الأمريكية السعودية”.
كان تصميم ترامب على تطبيق سياسة الضغط الأقصى على إيران والتي تأتى على النقيض من سياسات إدارة اوباما، وكان ذلك التصميم بمثابة حجر الزاوية في التقارب الأمريكي السعودي. قبل زيارته الثانية للبيت الأبيض بقليل قارن محمد بن سلمان إيران بألمانيا النازية في عهد هتلر. بعد ذلك بوقت قصير انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وأعاد فرض عقوبات على إيران، مستهدفًا في النهاية جميع صادراتها النفطية. نسقت الإدارة مع السعوديين لضمان استمرار تزويد سوق النفط بشكل جيد لتجنب ارتفاع الأسعار.
وأثار قرار وقف الصادرات الإيرانية إلى الصفر حملة من التصعيد الإيراني ضد الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين. تضمنت الهجمات المدعومة من إيران تخريب ناقلتين سعوديتين وضربة بطائرة بدون طيار على خط أنابيب سعودي والأكثر إثارة للإعجاب، هجوم بطائرة بدون طيار وصواريخ كروز على منشأة بقيق الضخمة لمعالجة النفط في المملكة العربية السعودية.
على الرغم من فورة العدوان الإيراني، اختار ترامب خلال معظم عام 2019 عدم الرد عسكريًا، على الرغم من التهديدات المتكررة بالقيام بذلك. وبدلًا من ذلك ردت الإدارة في المقام الأول بإرسال قوات إضافية إلى المنطقة بما في ذلك أول نشر للقوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية منذ عام 2003.
“تجلت الأهمية التي يوليها ترامب للسعودية ومحمد بن سلمان في مقابلة أجراها مع الصحفي بوب وودوارد في يناير 2020. حيث تفاخر ترامب بأنه “أنقذ” محمد بن سلمان بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، عندما طالب الكونجرس بأن يتحمل ولي العهد المسؤولية وأصدر قانونًا لإنهاء جميع أشكال الدعم للحرب السعودية في اليمن – وهو إجراء رفضه ترامب”.
“وبغض النظر عن أفعال محمد بن سلمان أشار ترامب إلى أن السعوديين اشتروا أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات وكان لهم نفوذ هائل بفضل قوتهم النفطية ودورهم القيادي في العالم الإسلامي. في مايو 2019، أصدر ترامب بشكل مثير للجدل تصريحًا طارئًا تجاوز الكونجرس لبيع أسلحة متطورة للسعوديين (والإمارات العربية المتحدة والأردن) بقيمة 8.1 مليار دولار”.
في مارس 2020 وفور اندلاع أزمة فيروس كورونا المستجد، شن محمد بن سلمان حربًا في توقيت غير مناسب بشأن أسعار النفط مع روسيا، مما أدى إلى إحداث فوضى في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة مما تسبب في غضب هائل بين الأعضاء الرئيسيين في الكونجرس.
بعد أيام من المفاوضات مع السعوديين والروس ساعد ترامب في التوسط في اتفاق بشأن تخفيضات الإنتاج التي أدت في النهاية إلى استقرار السوق ويبدو أن علاقة ترامب بالسعوديين تؤتي ثمارها عندما ساعدت المملكة في تسهيل معاهدات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين اثنتين من دول الخليج. الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل. أثمرت جهود الولايات المتحدة لحل خلاف كبير بين السعوديين والإماراتيين ومصر والبحرين ضد قطر في يناير 2020، حيث أعادت الرياض فتح حدودها مع قطر وتعهد كلا الجانبين بتخفيف التوترات.
الأهم من ذلك خلال رئاسة ترامب أطلق محمد بن سلمان العديد من الإصلاحات التي لطالما عدّتها واشنطن ضرورية لاستقرار المملكة على المدى الطويل بما في ذلك فرض الضرائب وخفض الإعانات وكبح الشرطة الدينية ورجال الدين الرجعيين وتوسيع حقوق المرأة وزيادة الحريات الاجتماعية للسعودية. “ومع ذلك اقترنت هذه التغييرات بتصميم لا يرحم من قبل محمد بن سلمان لتعزيز سلطته المطلقة والقضاء على جميع التحديات التي تواجه سلطته.”.
تقييم سياسة ترامب
كانت جهود ترامب لتعزيز العلاقات الأمريكية السعودية ناجحة بشكل عام. من خلال الذهاب إلى المملكة في أول رحلة خارجية له كرئيس واستثمار كبير في صعود محمد بن سلمان طور ترامب وصهره وكبير مساعديه جاريد كوشنر رابطًا شخصيًا قويًا مع أقوى زعيمين في المملكة العربية السعودية الملك سلمان. ومحمد بن سلمان. تعززت تلك الرابطة من خلال استعداد ترامب لإنهاء تواصل أوباما مع أخطر خصم إقليمي للمملكة، إيران.
يمكن لترامب أيضًا أن يدعي بعض الفضل في تملق السعوديين للمساعدة في اعتدال أسعار النفط – سواء عن طريق زيادة الإمدادات عندما تم خفض الصادرات الإيرانية وعن طريق خفض الإنتاج (وإن كان ذلك متأخرًا) عندما تسبب فيروس كورونا في انهيار الطلب العالمي.
وبالمثل يمكن لترامب أن يؤكد بمصداقية أنه ساعد في تلطيف موقف المملكة تجاه إسرائيل بما في ذلك الحد الأدنى من المعارضة السعودية عندما نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس في عام 2017، والدعم الفعلي لاتفاق التطبيع الإسرائيلي مع الدولتين الخليجيتين – والذي تجلى في منح الرياض الفوري حقوق التحليق لشركات الطيران من الدول الثلاث. في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب حققت الإدارة أيضًا تقدمًا كبيرًا في الخلاف الطويل الأمد مع قطر، مما ساعد على إبرام صفقة لتخفيف التوترات التي تم الكشف عنها خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في يناير 2021.
كان أكبر عيب في سياسة ترامب تجاه المملكة العربية السعودية هو فشله في ربط إعادة بناء العلاقات مع واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط نفوذًا بجهود الولايات المتحدة لكبح أسوأ تجاوزات محمد بن سلمان في الداخل والخارج. فيما يتعلق بالقضايا ذات الأهمية الكبرى للكونجرس الأمريكي، لا سيما اعتقال الرياض وانتهاكها لنشطاء حقوق الإنسان (ومن بينهم مواطنون أمريكيون) وقتل خاشقجي والحرب الجوية الكارثية في اليمن، والتعاون النووي السري والصاروخي مع الصين، فقد بدا ترامب راضيًا عن ذلك.
منح محمد بن سلمان تصريحًا مجانيًا، ورفض ترامب حتى التظاهر بمحاسبة محمد بن سلمان أو تقييد أفعاله غير المجدية والتي تسيء إلى القيم الأمريكية وتهدد المصالح الأمريكية. بدلًا من العمل على تخفيف حدة العداء في الكونجرس، أدى موقف ترامب الرافض إلى تفاقمه ووضع الاستقرار طويل الأمد للعلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والسعودية على أرضية أكثر هشاشة.
توصيات لإدارة بايدن
1- إنهاء نهج “الشيك على بياض” لتصرفات محمد بن سلمان مع الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية. فـعلى مدى عقود كان الدعم الأمريكي هو العمود الفقري للأمن السعودي، مما وفر لواشنطن نفوذًا هائلًا على المملكة. “لا يوجد سبب لضبط النفس من جانب الولايات المتحدة عندما يتخذ ولي العهد المتهور خطوات ذات نتائج عكسية تعرض المصالح الأمريكية المهمة للخطر”. لكن إعادة التوازن في العلاقات وليس تمزيقها يجب أن يكون هدف إدارة بايدن. حتى مع اتباعها لدبلوماسية أكثر صرامة لكبح جماح أسوأ غرائز محمد بن سلمان يجب على الإدارة أن تضع في اعتبارها بعض الحقائق الرئيسية. ربما تظل المملكة العربية السعودية الدولة الأكثر نفوذًا في العالم العربي والإسلامي. كان دعمها القاطع لنظام إقليمي تقوده الولايات المتحدة رصيدًا رئيسيًا للقوة الأمريكية وكذلك دعم السعودية للاستراتيجيات الأمريكية لمواجهة إيران ومكافحة الإرهاب وتحقيق التوازن في أسواق النفط. على الرغم من صعوبة وجود السعوديين كشركاء، إلا أنه سيكون من الأسوأ بلا حدود أن يكونوا خصمًا مستبعدًا مزعزعًا للاستقرار، ومعرضًا بشكل متزايد لأعمال يائسة ومنفتح على المحسوبية الصينية والروسية وأكثر عرضة للافتراس من إيران والمتطرفين الإسلاميين.
٢- استعادة النظام الطبيعي لإدارة العلاقات الأمريكية السعودية. منذ بداية العلاقة كانت روابط الثقة الشخصية الوثيقة بين الرؤساء الأمريكيين والملوك السعوديين هي القاعدة. لكن هذا التخصيص تم تجاوزه في عهد ترامب حيث أجريت السياسة بانتظام عبر اتصالات سرية عبر “واتساب” بين كوشنر ومحمد بن سلمان ما أدى باستمرار إلى تهميش العناصر الرئيسية للحكومة (بما في ذلك الكونجرس) التي لها أدوار مهمة تلعبها في سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة. يجب أن تعمل إدارة بايدن على إعادة إنشاء عملية فاعلة للمداولات بين الوكالات والمشاورات في الكونجرس، مع السعي أيضًا إلى مواصلة الحوار الاستراتيجي الأمريكي السعودي الذي يمكّن الوكالات الرئيسية من العمل مع نظرائهم السعوديين لتعزيز أهداف الولايات المتحدة عبر مجموعة كاملة من القضايا المهمة للمصالح الأمريكية.
٣- إبقاء السعوديين على اطلاع على استراتيجية إيران. تعهد إدارة بايدن بإحياء الاتفاق النووي لن يكون موضع ترحيب في الرياض. لإدارة التداعيات السلبية يجب على بايدن التأكد من استشارة السعوديين وكذلك الشركاء الإقليميين الرئيسيين الآخرين للولايات المتحدة الأكثر تهديدًا من قبل إيران، واستيعاب مخاوفهم المشروعة قدر الإمكان.
٤- إعطاء الأولوية لتوسيع السلام العربي الإسرائيلي. حيث لعب السعوديون دورًا رئيسيًا وراء الكواليس في تشجيع صفقات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية مما أدى إلى إعادة ترتيب استراتيجي يمكن أن يحول التوازن الاستراتيجي في المنطقة بطرق مواتية بشكل كبير لمصالح الولايات المتحدة. لدى إدارة بايدن فرصة تاريخية للبناء على هذا التقدم مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية الإضافية، بما في ذلك السعوديون أنفسهم.
٥- الضغط من أجل إحراز تقدم مبكر في قضايا حقوق الإنسان الرئيسية. حيث قام محمد بن سلمان بسجن أو اعتقال عدد من النشطاء البارزين والمواطنين الأمريكيين مزدوجي الجنسية، الذين من شأن إطلاق سراحهم السريع أن يحسن بشكل كبير آفاق العلاقات الأمريكية السعودية المستقبلية. يجب أن توضح إدارة بايدن أن حل هذه القضايا بسرعة من شأنه أن يعزز قدرتها على تحمل ضغوط الكونجرس لتقليل العلاقة.
٦- إنهاء حرب اليمن. يتوق السعوديون بشكل متزايد إلى مخرج يسمح لهم بتأمين حدودهم وتجنب استيلاء الحرس الثوري الإيراني على الدولة اليمنية. تتوافق هذه الأهداف مع المصالح الأمريكية أيضًا وستكون معرضة للخطر إذا غادر السعوديون ساحة المعركة من جانب واحد. يجب على إدارة بايدن تكثيف الدبلوماسية الأمريكية مع الأمم المتحدة والسعوديين والقوى الأخرى لوقف تصعيد الصراع. يجب أن يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تساعد شريكًا في الوصول إلى تسوية مقبولة وليس على أنها تتخلى عنه في ساحة المعركة. على الرغم من الإحباط يجب على الولايات المتحدة أيضًا مواصلة الجهود لتحسين الاستهداف الجوي السعودي لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين.
رابع عشر: السياسة الأمريكية تجاه سوريا
لم تستقر إدارة ترامب أبدًا على سياسة واضحة وثابتة تجاه سوريا. بدلًا من ذلك كان هناك توتر دائم بين تصميم الرئيس على سحب القوات الأمريكية -الآن أقل من 1000 جندي- وإصرار كل من مستشاريه والكونجرس على أن الولايات المتحدة لديها مصالح حيوية على المحك في سوريا.
وكمرشح في عام 2016 أوضح ترامب نفوره من استمرار التدخل الأمريكي في سوريا لأي غرض بخلاف هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) . ومع ذلك شن ترامب ضربات جوية وصاروخية في عام 2017 ومرة أخرى في عام 2018 معاقبة استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية. كما سرّع ترامب الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد خلافة داعش مما أدى إلى هزيمتها في عام 2018.
بينما كانت تلك الحملة لا تزال جارية بدأ ترامب في الدعوة إلى الانسحاب من سوريا. في مارس 2018، أعلن بشكل غير متوقع في تجمع عام أن الولايات المتحدة ستغادر سوريا قريبًا. قال ترامب: “دع الآخرين يعتنون بها الآن”. “سنعود إلى بلدنا حيث ننتمي، حيث نريد أن نكون”. بناءً على نصيحة فريق الأمن القومي التابع له، أجل ترامب بهدوء الانسحاب.
بعد تسعة أشهر، وبعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فاجأ ترامب كل من مستشاريه والأعضاء الآخرين في التحالف المناهض لداعش بالإعلان عن انسحاب سريع لما يقرب من 2000 جندي أمريكي في سوريا. لقد انتصرنا على داعش. قال ترامب: “لقد هزمناهم وضربناهم بشدة”. “حان الوقت الآن لعودة قواتنا إلى الوطن.
مع اقتراب عام 2019 من نهايته نجح تحالف من الحزبين في الكونجرس في تمرير قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا الذي فرض عقوبات على عناصر الأسد الخارجية مع تعزيز سلطة الفرع التنفيذي لاستهدافهم. واصلت الحكومة الأمريكية أيضًا تخصيص مساعدات إنسانية واسعة النطاق، بلغ مجموعها أكثر من 12 مليار دولار منذ بداية الحرب
في نهاية ولاية ترامب، بقي ما يقدر بنحو 500 إلى 600 جندي في شمال شرق سوريا. يخدم 200 جندي إضافي في حامية في التنف وهي بلدة استراتيجية على الطريق السريع الرئيسي من بغداد إلى دمشق – شريان رئيسي لـ “الجسر البري” الإيراني عبر بلاد الشام.
تقييم سياسة ترامب
تنبثق دعوات ترامب الدورية للانسحاب من سوريا من فرضية خاطئة مفادها أن الولايات المتحدة قد تعثرت في مستنقع. في الواقع طبق الجيش الأمريكي الدروس التي تعلمها في العراق وأفغانستان لتقليل التكاليف البشرية والمالية لعملياته في سوريا. في الأساس استخدم الجيش القوة الجوية وقدرات المراقبة وعددًا صغيرًا من المستشارين لدعم الحلفاء المحليين، قوات سوريا الديمقراطية، التي خاضت الحرب البرية الدموية ضد داعش.
أظهرت الحروب السابقة أيضًا الحاجة إلى ضمان قدرة الحلفاء المحليين على الحفاظ على الاستقرار بعد النجاحات الأولية في ساحة المعركة. لقد أدان ترامب نفسه مرارًا إدارة أوباما لانسحابها السريع من العراق من عام 2009 إلى عام 2011، وهو ما استوفى وعدًا في حملته الانتخابية وساهم بشكل مباشر في صعود داعش. ومع ذلك تجاهل ترامب نصيحته الخاصة فيما يتعلق بسوريا.
ورفض الرئيس الاعتراف بالعلاقة بين سياسته تجاه سوريا وحملته لممارسة الضغط الأقصى على جمهورية إيران الإسلامية، التي أنفقت ما يقدر بنحو 20 إلى 30 مليار دولار لدعم نظام الأسد. ومكّن الانسحاب الكامل من سوريا الأسد من إعادة تأكيد سيطرته على حقول النفط والموارد الزراعية في شمال شرق سوريا، وبالتالي تخفيف الضغط على موارده المالية، وبالتالي على طهران. كان من شأن رحيل أمريكي أن يعزز أيضًا جهود طهران لبناء جسر بري إلى البحر الأبيض المتوسط ، مما يسهل إمداد حزب الله بالأسلحة المتطورة لاستخدامها النهائي في الحرب مع إسرائيل.
ومع ذلك، يستحق ترامب الثناء لفرضه الخط الأحمر الأمريكي الذي يحظر استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. حتى أن الطائرات الحربية الفرنسية والبريطانية شاركت في الجولة الثانية من الضربات الجوية في عام 2018 وهي حالة نادرة للتعاون عبر الأطلسي في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، كان تأثير الضربات محدودًا. واصلت الطائرات السورية قصف الأهداف المدنية بالذخائر التقليدية. كما أبلغت وزارة الخارجية الكونجرس أن نظام الأسد يواصل شراء المواد اللازمة لإنتاج الأسلحة الكيماوية.
بينما استقر ترامب في النهاية على وجود عدة مئات من القوات الأمريكية في سوريا فإن ادعائه بأن أمريكا ستحتفظ بالنفط السوري يوضح مدى تأثير المعلومات المضللة على سياسته. الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. ليس لها حق قانوني في احتياطيات سوريا ولا تحتاجها.
آفاق حل الحرب في سوريا قاتمة سواء في ساحة المعركة أو عن طريق الدبلوماسية في جنيف. دعا كبار مستشاري ترامب إلى سياسات مستدامة لتأمين المصالح الأمريكية وسط الانقسام المستمر وعدم الاستقرار. منع فشل الرئيس في اتباع هذا المسار إدارته من تركيز جهودها على إبقاء تنظيم الدولة الإسلامية والحد من النفوذ الإيراني والروسي وإدارة التوترات مع تركيا فيما يتعلق بشمال شرق سوريا، وحماية المدنيين السوريين ومساعدتهم وتعزيز العلاقات الأمريكية مع الشركاء الأكراد والعرب في سوريا. والتحالف المناهض لداعش.
توصيات لإدارة بايدن
١– الحفاظ على القوات في سوريا لمنع عودة داعش. تعتمد العمليات الفعالة في سوريا أيضًا على الوجود العسكري الأمريكي في العراق. يجب على إدارة بايدن أن تطلب من البنتاجون تحديد ما إذا كانت انسحابات ترامب الجزئية من أي من البلدين قد أضر بالمهمة. إذا كان الأمر كذلك، يجب الغاء عمليات السحب.
٢- الاستمرار في دعم وتدريب قوات سوريا الديمقراطية.
٣- استهداف مصادر الدخل التي تمكن الأسد من الانخراط في فظائع ضد الشعب السوري. يجب على إدارة بايدن البناء على الجهود الحالية لتعطيل واردات سوريا من النفط غير المشروعة وكذلك تهريب المخدرات. كما يجب أن تستخدم قانون قيصر والسلطات ذات الصلة لاستهداف القلة الحاكمة للأسد والميسرين الأجانب.
٤- تحذير شركاء الولايات المتحدة في العالم العربي من تطبيع العلاقات مع الأسد. يجب على الإدارة القادمة أن توضح أن الولايات المتحدة ستعاقب من يتورط في التهرب من العقوبات من قبل كيانات من الدول الصديقة وكذلك الدول المعادية.
٥- إصلاح وزيادة المساعدات الإنسانية. تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها على الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات على السكان الخاضعين لسيطرة الأسد، إلا أن النظام يحوّل مبالغ ضخمة، على المانحين محاسبة الأمم المتحدة والتأكد من أنها تضع ضمانات شاملة. يجب على المانحين أيضًا الضغط على روسيا والصين للتوقف عن منع المساعدات للسكان الخارجين عن سيطرة النظام، بما في ذلك مخيم النازحين في الركبان.
٦- معارضة مساعدات إعادة الإعمار مع استمرار جرائم الحرب. قد ينظر الكونجرس في نسخة محدثة من قانون عدم تقديم المساعدة للأسد، والذي يحدد المعايير الخاصة بوقت السماح بمساعدات إعادة الإعمار. يجب أن تتضمن المعايير ضمانات ضد الفساد.
٧- مساعدة السلطات المحلية في شمال شرق سوريا على تطوير مواردها من الطاقة بطريقة شفافة وعادلة. يمكن أن يؤدي التحرك نحو الاكتفاء الذاتي إلى تقليل الحاجة إلى المساعدة الاقتصادية.
٨- ردع أردوغان عن ارتكاب مزيد من العدوان على أكراد سوريا. إذا استمر الأفراد العسكريون الأتراك أو التنظيمات المسلحة التي تعمل بالوكالة في انتهاك حقوق المدنيين السوريين، فيجب على إدارة بايدن فرض عقوبات حقوق الإنسان على القادة والمسؤولين الرئيسيين.
٩- الضغط على نظام الأسد لتقديم معلومات حول وضع المواطنين الأمريكيين الذين اختفوا في سوريا. يجب أن تتمسك الإدارة القادمة بسياسة الولايات المتحدة المتمثلة في عدم تقديم تنازلات -سواء في شكل تخفيف العقوبات أو الاعتراف الدبلوماسي- للإفراج عن الرهائن.
١٠- تعليق حقوق وامتيازات سوريا داخل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (OPCW). من المرجح أن تحاول روسيا عرقلة أي جهد لمحاسبة دمشق، لكن هناك أغلبية عاملة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سترد على القيادة الأمريكية.
١١- الاستمرار في فرض الخط الأحمر الأمريكي على استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية. من المرجح أن يختبر الأسد التزام الإدارة الجديدة. إذا استخدم النظام أسلحة كيماوية، فإن الرد يجب أن يحرم الأسد من وسائل ارتكاب المزيد من الفظائع، من خلال التدمير الكامل لسلاحه الجوي وقدراته الهجومية الأخرى.
خامس عشر: السياسة الأمريكية تجاه تركيا
ورثت إدارة ترامب علاقة مع تركيا كانت متصدعة بالفعل. منذ صعود حزبه إلى السلطة في عام 2002، حول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده من جمهورية علمانية ذات توجه غربي إلى نظام استبدادي بواجهة ديمقراطية. حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان له جذور في جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فهو يؤوي نظرة عالمية معادية لأمريكا ومعادية للسامية.
لقد أدت عدوانية أردوغان وطموحاته الوحدوية إلى إثارة النزاعات أو تفاقمها مع كل جيران تركيا تقريبًا. منذ عام 2017، تعاونت أنقرة أيضًا بحماس مع خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا وإيران وفنزويلا، بينما كانت بمثابة ملاذ لحركة حماس وتغض الطرف عن ممولي الإرهاب المرتبطين بالقاعدة والدولة الإسلامية. نشر أردوغان قوات عسكرية وقوات بالوكالة عبر شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط لتحدي الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو وشركائهم الإقليميين. كما أنه أخذ مواطنين أمريكيين كرهائن كورقة مساومة في المفاوضات مع واشنطن. وضع هذا النمط من العداء أنقرة وواشنطن على مسار تصادمي.
بغض النظر عن عدم الاعتراف بالعداء العميق لأردوغان، سعى الرئيس ترامب إلى إصلاح العلاقة الأمريكية التركية من خلال التواصل الشخصي المتكرر مع أردوغان والتعبير عن التضامن. حافظ الرئيسان وأصهارهما وشركاؤهما في العمل على علاقات وثيقة يعود تاريخها إلى بناء أبراج ترامب في إسطنبول الذي افتُتح في عام 2012. غالبًا ما حلت هذه القنوات الشخصية محل الآليات الدبلوماسية الرسمية. ومع ذلك، ردع ترامب أحيانًا أردوغان عبر التهديدات والعقوبات قصيرة الأجل، أو الإجراءات العقابية الأخرى بما في ذلك التعريفات الجمركية وتخصيصات الخزانة.
وفي عام 2017، بناءً على طلب أردوغان، سعى ترامب إلى إقناع وزارة العدل بإسقاط محاكمة رضا ضراب تاجر الذهب التركي الإيراني الذي دبر واحدة من أكبر مخططات التهرب من العقوبات في التاريخ، والتي حولت بشكل غير مشروع عشرات المليارات من الدولارات إلى طهران. لكن الادعاء مضى قدمًا، مما دفع ضراب للاعتراف بالذنب وتورط أردوغان وسعى القادة الأتراك إلى تأمين الإفراج عن ضراب قبل المحاكمة من خلال استعارة تكتيك الاستيلاء الإيراني، فتم القبض على مواطنين أمريكيين رهائن، بما في ذلك قس كارولينا الشمالية وعالم ناسا وأستاذ كيمياء.
بدا ترامب منفتحًا على مقايضة ضراب بالقس أندرو برونسون، لكن رد الفعل العنيف من الكونجرس أدى في النهاية إلى فرض ترامب عقوبات على وزيرين تركيين، مما أمّن إطلاق سراح برونسون.
على الرغم من مناشدة ضراب والإدانة ذات الصلة لرئيس تنفيذي كبير في Halkbank، وهو مشروع تديره الدولة، إلا أن الحكومة الأمريكية لم تقم بعد بتغريم المقرض التركي، بينما فرضت غرامات ضخمة على البنوك الأوروبية بسبب جرائم مماثلة. كما ضغطت وزارة العدل أيضًا على المدعين الفيدراليين لتوقيع اتفاقية عدم مقاضاة مع بنك خلق ومنح الحصانة للمشتبه بهم، الأمر الذي أخر الملاحقة الجنائية للبنك حتى أكتوبر 2019.
ومما زاد التوتر، أرسل أردوغان القوات التركية إلى شمال شرق سوريا لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، وهي حليف رئيس للولايات المتحدة في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
نشأ المكون الكردي لقوات سوريا الديمقراطية، وحدات حماية الشعب (YPG)، من حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهو منظمة إرهابية أجنبية تصنفها الولايات المتحدة وتقاتل الدولة التركية لأكثر من 30 عامًا. تشكل علاقات وحدات حماية الشعب مع حزب العمال الكردستاني مصدر قلق، ومع ذلك فإن عداء أردوغان يعكس أيضًا حاجته إلى صرف الانتباه عن فساد حكومته، وفشلها الاقتصادي، وقمع المعارضة.
في كل من 2018 و2019، أعلن ترامب انسحابًا كاملًا للقوات الأمريكية من سوريا بعد وقت قصير من إجراء مكالمات هاتفية مع أردوغان. تحت ضغط من مستشاريه والجمهوريين في الكونجرس تراجع ترامب جزئيًا عن قراراته لكن أمر الانسحاب في أكتوبر 2019 أعطى قرارًا. ضوء أخضر بحكم الواقع لتدخل أردوغان والذي انطوى على فظائع بحق المدنيين ومكّن من عودة القوات الروسية شمال شرق سوريا.
تقييم سياسة ترامب
عانت المصالح القومية الأمريكية مرارًا وتكرارًا على مدار السنوات الأربع الماضية بسبب علاقات ترامب الشخصية مع الحكام المستبدين مثل أردوغان.
إن وصول أردوغان غير المعتاد إلى ترامب شجع الزعيم التركي، وترك له انطباعًا بأنه يمكنه الاعتماد على علاقته الشخصية مع الرئيس لتزويده بقدر من الإفلات من العقاب في مواجهة الكونجرس والقانون الأمريكي. وشجع تركيز ترامب على العلاقات الشخصية أردوغان على ضخ ملايين الدولارات في توظيف جماعات الضغط في واشنطن لكسب التأييد.
تشير أحداث السنوات الأربع الماضية إلى أن الوسيلة الأكثر فاعلية لعكس مسار إجراءات أردوغان العدائية -ولو بشكل مؤقت- هي التهديد أو تطبيق تدابير عقابية في سياق سياسة ثنائية متماسكة. عندما طالب ترامب بالإفراج غير المشروط عن القس برونسون وأعقب ذلك بفرض عقوبات على وزيرين، ألغى نظام العدالة التركي فجأة ملاحقته الهزلية وأطلق سراح برونسون. عندما استخدمت الولايات المتحدة العقوبات ردًا على تدخل أردوغان في شمال شرق سوريا، قيد الزعيم التركي نطاق هجومه.
على الرغم من تضاؤل دبلوماسية أردوغان بشأن احتجاز الرهائن إلا أن أحد سجونه لا يزال يحتجز متين توبوز ونظمي ميتي جانتورك، وهما مواطنان تركيان كانا يعملان في القنصلية الأمريكية العامة في اسطنبول. لا تزال المضايقات القانونية لموظفي وزارة الخارجية تقوض أمن ومعنويات الولايات المتحدة. العاملون القنصليون بالخارج. وفي الوقت الذي تمضي فيه محاكمة بنك خلق أخيرًا ورد أن ترامب تفاوض مع أردوغان لضمان غرامة متساهلة الأمر الذي شجع فقط على المزيد من عدم الامتثال.
واستغل أردوغان تساهل ترامب تجاه شراء أنقرة معدات عسكرية روسية في انتهاك لقانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA). كان الانتهاك الأبرز لهذا القانون هو شراء تركيا لمنظومة صواريخ أرض-جو الروسية إس-400 في عام 2017. بعد استلام تركيا لبطاريات إس-400 الخاصة بها في يوليو 2019، لم تفرض إدارة ترامب أي عقوبات لكنها منعت تسليم طائرات مقاتلة من طراز إف – 35 إلى تركيا وأوقفت تدريب طياري إف -35 الأتراك.
على الرغم من تهديدات ترامب باستخدام حق النقض ضد مشروع القانون، أقر مجلس النواب ومجلس الشيوخ التشريع بأغلبية تمنعه من استخدام حق النقض باعتبارها “صفقة مهمة” بموجب قانون مكافحة الإرهاب. بعد ثلاثة أيام، فرضت إدارة ترامب عقوبات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وفرضت حظرا على تراخيص التصدير الأمريكية ضد وكالة المشتريات الدفاعية التركية.
وفيما يتعلق بشرق البحر الأبيض المتوسط ، فإن العدوان التركي مستمر. مسترشدة بعقيدة “الوطن الأزرق” التنقيحية، استكشفت أنقرة الغاز في المياه التي تطالب بها قبرص واليونان، ونشرت وكلاء إسلاميين في ليبيا وأجبرت طرابلس على توقيع اتفاق يعترف بالمطالبات التركية بالمياه المصرية واليونانية. الإذن بإنهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الولايات المتحدة على قبرص، والذي رفعه وزير الخارجية جزئيًا قبل فترة وجيزة من زيارة نيقوسيا في سبتمبر. أقر الكونجرس أيضًا قانون شراكة الأمن والطاقة لشرق المتوسط بين الحزبين، والذي يفرض تنسيقًا أوثق مع قبرص واليونان وإسرائيل ودفع الإدارة إلى أخذ استفزازات أردوغان على محمل الجد ومع ذلك كانت الإدارة بطيئة في حشد تحالف دبلوماسي أوسع لإظهار أردوغان أن متابعة مزاعمه الوحدوية ستؤدي إلى العزلة.
توصيات لإدارة بايدن
١- دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا. يواجه أردوغان معارضة ديمقراطية نشطة فازت بشكل حاسم في الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية في اسطنبول. يجب على واشنطن تخصيص موارد إضافية لبناء القدرات المؤسسية لمنظمات المجتمع المدني التركية ويجب أن تصدر عقوبات ماغنتسكي العالمية على منتهكي حقوق الإنسان. يجب على واشنطن أيضًا أن تثير باستمرار قضية سوء معاملة أنقرة لمواطنيها وهجومها المستمر على حرياتهم المدنية.
٢- قاوم دبلوماسية أردوغان كرهائن. يجب على واشنطن الضغط على الرئيس التركي للإفراج عن موظفي القنصلية الأمريكية المتبقيين كما يجب عليها ردع أنقرة عن مضايقات قانونية مماثلة للمواطنين والموظفين الأمريكيين بتهم الإرهاب والتجسس المزيفة. يجب على واشنطن أيضًا العمل مع حلفاء الناتو لابتكار رد منسق لمواجهة محاولات حكومة أردوغان انتزاع التنازلات من خلال احتجاز المواطنين الغربيين والموظفين كرهائن.
٣- إنهاء التدخل السياسي في العملية القانونية ضد Halkbank حتى يتمكن من المضي قدمًا في موضوع الدعوى. على وزارة الخزانة متابعة القضايا الفيدرالية ضد بنك خلق ونائب مديره العام من خلال فرض غرامة تتناسب مع الجرائم الأساسية. كما أن محاكمة متآمرين إضافيين، فضلًا عن تعيين مسؤولين أتراك متورطين لتوقيع عقوبات عليهم.
٤- الضغط على أنقرة للتخلي عن المعدات الروسية الخاضعة للعقوبات التي تلقتها في يوليو 2019، وهي نظام الدفاع الجوي S-400. يجب على واشنطن أن تشجع تركيا على اختيار بديل صنعه حلفاء الناتو.
٥- يجب على السلطات الأمريكية أن تطبق بصرامة عقوبات قانون مكافحة الإرهاب التي فرضت في ديسمبر، لمنع محاولات حكومة أردوغان استغلال الثغرات. يجب على واشنطن إبقاء أنقرة خارج برنامج إف -35 لتجنب المخاطر الأمنية التي يشكلها الموقع المشترك المحتمل لمقاتلات الشبح ونظام إس -400 يجب على واشنطن أيضًا تسريع إزالة الكيانات التركية من سلسلة توريد إف -35
٦- تعميق التعاون في مجال الطاقة والأمن مع الحلفاء والشركاء الإقليميين في شرق البحر الأبيض المتوسط. يجب على الإدارة القادمة تعيين مبعوث خاص لشرق البحر الأبيض المتوسط للعمل عن كثب مع منتدى غاز شرق المتوسط كثقل موازن لسياسات أردوغان التخريبية.
٧- العمل مع الاتحاد الأوروبي لوضع عقوبات منسقة ضد انتهاكات تركيا للحدود البحرية لجيرانها. يمكن أن تساعد مثل هذه العقوبات في ثني أنقرة عن تصعيد التوترات في شرق البحر المتوسط وإعاقة مشاريع الطاقة الجارية. يجب على واشنطن أيضًا تسهيل المحادثات الدبلوماسية بين تركيا وجيرانها وتقديم حوافز لأنقرة للانضمام إلى صيغ تعاونية في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط.
٨- تشجيع تركيا على متابعة عملية السلام الكردية. يجب على الولايات المتحدة العمل مع شركائها الأوروبيين واستخدام النفوذ عبر الأطلسي على أنقرة وكذلك حزب العمال الكردستاني والافرع التابعة له لتسهيل عملية السلام الكردية داخل تركيا.
٩- المساعدة في إيجاد تسوية مؤقتة بين تركيا والأكراد السوريين. يجب على واشنطن تسهيل إجراء مزيد من المحادثات بين الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي الموالي لحكومة إقليم كردستان لتعزيز العلاقات بين الأكراد السوريين والعراقيين، مما سيساعد أيضًا في بناء الثقة مع أنقرة. من شأن مثل هذا النهج أن يمكّن القوات الكردية السورية من الاستمرار في التركيز على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية ومن شأنه أن يزيل الحوافز التي تدفع أردوغان لمغازلة نظام الأسد كشريك ضد الأكراد السوريين. سيساعد هذا النهج أيضًا على عكس التنسيق الدبلوماسي والعسكري المتزايد لأنقرة لسياستها تجاه سوريا مع روسيا.
١٠- معالجة الفساد وتعزيز سيادة القانون في تركيا من خلال جعل الدعم الاقتصادي الأمريكي مرهونًا بالإصلاحات المحلية التركية. يجب على واشنطن تجنب تمويل سياسات أردوغان الاقتصادية المتهورة من خلال تقديم صفقة مقايضة بين الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي التركي أو من خلال توفير الأموال من صندوق استقرار الصرف التابع لوزارة الخزانة الأمريكية. وبدلًا من ذلك، يجب على الإدارة القادمة أن تحث أنقرة على توقيع اتفاقية تمويل موسعة مع صندوق النقد الدولي، مشروطًا مسبقًا بالحوكمة الرشيدة، وبالتالي مطالبة الحكومة التركية بإجراء إصلاحات لتحسين مساءلة تركيا وشفافيتها والتزامها بسيادة القانون.
سادس عشر: السياسة الأمريكية تجاه اليمن
في اليمن كان لسياسة إدارة ترامب هدفان عريضان. أحدهما كان تقديم دعم قوي للحرب التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والذين أطاحوا بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في عام 2014. والآخر كان يقوم بعمليات مكافحة الإرهاب، غالبًا بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة، ضد الإرهابيين المتمركزين في اليمن. تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) بالإضافة إلى الفرع اليمني لتنظيم الدولة الإسلامية. مع وصول الحرب ضد الحوثيين إلى طريق مسدود، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، تعرضت الإدارة لضغوط متزايدة من الكونجرس لإنهاء كل الدعم للحملة السعودية التي قاومتها الإدارة إلى حد كبير.
منذ أن بدأ تدخلهم في عام 2015، بدعم من إدارة أوباما، نفذ السعوديون في الغالب عمليات عسكرية من الجو. كانت الحملة الجوية السعودية معيبة للغاية. وشهدت ضربات خاطئة ومتعمدة ضد ما بدا أنها أهداف مدنية إلى حد كبير، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والأسواق والجنازات وحفلات الزفاف. اتهم محققو الأمم المتحدة السعوديين (وكذلك المتمردين الحوثيين) بارتكاب جرائم حرب، بينما أشارت جماعات حقوق الإنسان إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون متواطئة في تقديم الأسلحة للمملكة.
دبلوماسيًا، دعمت الإدارة جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة والتي أسفرت في ديسمبر 2018 عن اتفاقية ستوكهولم، وهي صفقة مؤقتة تضمنت وقف إطلاق نار محلي في المدن الرئيسية، وزيادة وصول المساعدات الإنسانية، وتبادل الأسرى ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل. في عام 2019، أفادت التقارير أن الإدارة أقامت اتصالات مباشرة مع الحوثيين في محاولة لتعزيز تسوية سياسية. كما كثف السعوديون جهودهم لإيجاد مخرج من الصراع، ودخلوا في مناقشات مباشرة مع الحوثيين في خريف 2019. بعد تفشي كوفيد -19، أعلن السعوديون وقف إطلاق النار من جانب واحد في أبريل 2020 على أمل إحياء محادثات السلام لكن الحوثيين رفضوا، مما أدى في غضون ستة أسابيع إلى تصعيد آخر في القتال.
في أواخر ديسمبر، توسطت الرياض في إنهاء أشهر من الاقتتال الداخلي بين حلفائها، الحكومة اليمنية والانفصاليين الجنوبيين، وبلغت ذروتها بتشكيل حكومة جديدة مع تمثيل أكثر مساواة لليمنيين الشماليين والجنوب. مع عودة أعضاء الحكومة الجديدة من السعودية، هزت انفجارات مطار عدن بعد لحظات من هبوط طائرتهم، مما أسفر عن مقتل 22 شخصًا في هجوم نسبته الرياض إلى الحوثيين.
تقييم سياسة ترامب
قدمت حرب اليمن لإدارة ترامب القليل من الخيارات الجيدة. كان من شأن سحب الدعم الأمريكي أن يعني التخلي عن أحد أهم شركاء أمريكا في الشرق الأوسط والمخاطرة بالاندماج على أعتاب المملكة العربية السعودية لدولة أولية تابعة للحوثيين تابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC)، مع ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار ومع ذلك، فإن دعم السعوديين يعني تواطؤ الولايات المتحدة في الملاحقة القضائية غير الفعالة للمملكة لحرب مكلفة وفوضوية أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، ومعاناة إنسانية واسعة النطاق، وتآكل متزايد لدعم الكونجرس للمملكة العربية السعودية والشراكة الأمريكية السعودية.
على الرغم من كل هذا، شهدت جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية في اليمن نجاحات مهمة. حتى مع انخفاض الضربات الجوية الأمريكية من ذروة بلغت 131 في عام 2017، استمرت العمليات الأمريكية والإماراتية في استنزاف قيادة القاعدة في جزيرة العرب وحرمان التنظيم من المزيد من الأراضي. وكان من بين كبار القادة الذين تم القضاء عليهم إبراهيم العسيري، رئيس صانعي القنابل في القاعدة في شبه الجزيرة العربية، في عام 2018 ؛ جمال البدوي المتورط في تفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2019. وقاسم الريمي، زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
في عام 2020، حذرت وزارة الخارجية من أن “القاعدة في شبه الجزيرة العربية احتفظت بمناطق نفوذ داخل اليمن”، على الرغم من صد التنظيم من قبل قوات الأمن اليمنية والإماراتية. ومع ذلك، لا يزال التهديد بعودة ظهوره قائما. كان الهجوم الإرهابي المرتبط بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية والذي أسفر عن مقتل ثلاثة بحارة أمريكيين في بينساكولا بمثابة تذكير قوي بتهديد الجماعة المستمر للوطن.
توصيات لإدارة بايدن
١- تكثيف الجهود الدبلوماسية الأمريكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية. نظرًا لاهتمام المملكة العربية السعودية المتزايد باستراتيجية خروج، فقد توجد فرص جديدة للقيادة الأمريكية، والعمل عن كثب مع الأمم المتحدة والسعوديين والإماراتيين والدول المؤثرة الأخرى في المنطقة وأوروبا والجهات اليمنية المتحاربة، للمساعدة في إعادة عقد مفاوضات جادة. يجب على إدارة بايدن النظر في تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن. يمكن للجهود الأمريكية المستمرة لدفع حل دبلوماسي، بتعاون ودعم سعودي كاملين، أن تساعد أيضًا في التخفيف من إحباط الكونجرس المتزايد.
٢- التعامل بجدية مع مخاوف الكونجرس بشأن الحرب والسلوك السعودي، دون التخلي عن اليمن لإيران أو تخريب العلاقة الأمريكية السعودية. تحتاج إدارة بايدن إلى العمل عن كثب مع الكونجرس لإعادة ضبط استراتيجية الولايات المتحدة. يجب أن تسلط الضوء على التهديدات التي تشكلها إيران والحوثيين على المصالح الأمريكية الحاسمة، وأهمية أن تكون الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا يقف إلى جانب شركاء قدامى مثل السعوديين في احتواء الإمبريالية الإيرانية. يجب على الإدارة أيضًا التأكيد على اهتمام المملكة العربية السعودية الحقيقي بإنهاء الحرب وتعزيز الدبلوماسية الأمريكية لدعم التسوية السياسية.
٣- زيادة الجهود لتحسين الاستهداف السعودي وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين. على الرغم من أن التقدم على هذه الجبهة كان محزنًا، إلا أن الجهود يجب أن تستمر. يجب تقييم أوجه القصور في برنامج الولايات المتحدة الحالي وإجراء التغييرات اللازمة لتحسين فاعليته. يجب على البيت الأبيض والقادة العسكريين الأمريكيين إرسال رسالة قوية ومتسقة إلى القيادة السعودية مفادها أن جهودهم لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين بحاجة إلى تحسينات كبيرة.
٤- الحفاظ على عمليات مكافحة الإرهاب مع حلفاء الخليج. حيث تلعب فرقة القوات الأمريكية في اليمن دورًا حاسمًا في إبقاء القاعدة في جزيرة العرب، وهي واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية في العالم ولديها طموحات مستمرة لضرب الولايات المتحدة، في وضع حرج وفي موقع دفاعي. تعد البصمة الأمريكية الصغيرة وسيلة منخفضة التكلفة نسبيًا ولكنها فعالة للغاية للدفاع عن المصالح والأرواح الحيوية للولايات المتحدة.
سابع عشر: السياسة الأمريكية تجاه مراقبة الأسلحة والحيلولة دون عدم انتشارها
خلال الأعوام الأربعة الماضية، أعربت إدارة ترامب مرارًا عن رغبتها في الخروج من اتفاقيات الحد من التسلح غير التقليدي، خاصة تلك التي تتعلق بالأسلحة الاستراتيجية. هذه الرغبة تتعزز أكثر حيال الاتفاقيات التي تُظهر الأطراف الأخرى الموقعة عليها أنها لم تعد ملتزمة فعليًا بها، وفي هذا الصدد تظهر أمثلة عديدة:
فمثلًا فيما يتعلق بمعاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى (INF)، انسحبت واشنطن رسميًا منها في أغسطس 2019، بعد العديد من المحاولات من جانبها لتشجيع موسكو على الاستمرار في الامتثال لشروط وبنود هذه المعاهدة، نظرًا لأن روسيا انتهكت معظم هذه البنود، بما في ذلك الاستمرار في تطوير واختبار الصواريخ النووية متوسطة المدى، ونشر بعض هذه الصواريخ في مواضع مختلفة داخل روسيا. عقب خروج واشنطن من هذه الاتفاقية، حمل الناتو موسكو المسؤولية الرئيسية والوحيدة عن انهيار هذه المعاهدة، وتلا ذلك إعلان وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أن الولايات المتحدة في خضم التخطيط لنشر صواريخ باليستية متوسطة المدى في آسيا، لكن لم تنفذ وزارة الدفاع الأمريكية حتى الآن هذه الخطط.
في مايو 2020، أعلنت الإدارة الأمريكية نيتها الانسحاب من معاهدة مماثلة، تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ألا وهي معاهدة الأجواء المفتوحة (OST) – التي تنخرط فيها أيضًا 33 دولة أخرى – وذلك على خلفية انتهاكات موسكو لعدد من بنودها، وقد تم تنفيذ هذه النية بالفعل في نوفمبر الماضي، على الرغم من مباحثات بين موسكو وواشنطن حول هذه المعاهدة، تمت في يوليو من نفس العام.
في وقت كتابة هذا التقرير، يعد التفاوض حول تمديد معاهدة الحد من التسلح النووي (START3) – التي كان من المقرر أن تنتهي في فبراير 2021 – بمثابة الاتفاق الوحيد الساري بين موسكو وواشنطن فيما يتعلق بالأسلحة الإستراتيجية، وشهدت المفاوضات التي تمت بين الجانبين في الخريف الماضي لتمديد هذه الاتفاقية، أجواء إيجابية.
يعد التوسع المتوقع للترسانة النووية الصينية، من أهم مسببات تزايد التردد الأمريكي في الالتزام بالاتفاقيات الخاصة بالأسلحة الإستراتيجية، وخلق تحديات جديدة أمام واشنطن، دفعتها إلى إعادة النظر في القيود التي تفرضها هذه المعاهدات، وعلى رأسها معاهدة الحد من القوة النووية متوسطة المدى (INF).
انسحبت إدارة ترامب أيضًا من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وبعد ذلك شرعت الإدارة الأمريكية في تنفيذ استراتيجية “الضغط الأقصى”، بهدف أساسي وهو إعادة طهران إلى مائدة التفاوض حول اتفاق جديد. من جانبهم، أستمر المسئولون الإيرانيون على موقفهم الرافض لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 2018، أصبح ترامب أول رئيس للولايات المتحدة، يعقد قمة مع نظيره الكوري الشمالي، بهدف التوصل إلى اتفاقية لنزع السلاح النووي، لكن لم تتمكن إدارة ترامب من الوصول حتى إلى اتفاق حول الخطوط العريضة لهذه الاتفاقية، وهذا يمكن إيعازه إلى إصرار بيونغ يانغ على تخفيض كبير في العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، مقابل أن تقوم فقط بإغلاق بعض منشآتها النووية. على الرغم من هذا الجمود، ظلت كوريا الشمالية بشكل مؤقت على التزامها السابق بإيقاف تجاربها النووية، وتجارب الصواريخ بعيدة المدى، لكن قيمة هذا الالتزام تتضاءل بشكل متسارع، نتيجة لاستمرار بيونج يانج في اختبارات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وكذا في بحوثها الرامية لتطوير أسلحة استراتيجية بعيدة المدى.
على ما يبدو فإن واشنطن كانت خلال الفترة الأخيرة تبحث في إمكانية إجرائها تجربة نووية، وذلك لهدفين أساسيين، الأول هو الرد على المزاعم التي تشير إلى قيام كل من موسكو وبكين بتجارب نووية مؤخرًا، والثاني هو كسب مزيد من القوة التفاوضية، التي ستفيد واشنطن خلال أية مفاوضات حول حظر الأسلحة الإستراتيجية في المستقبل. هذا التفكير الأمريكي يأتي رغم توقيع واشنطن على معاهدة حظر التجارب النووية عام 1996، وهو التوقيع الذي لم يتم التصديق عليه حتى الآن.
فيما يتعلق باتفاقية الحد من الأسلحة الكيميائية (CWC)، بذلت الإدارة الأمريكية جهودًا محدودة لدعمها، وذلك يعزى إلى استخدام موسكو لغاز الأعصاب (نوفيتشوك) لاستهداف معارضيها. في عام 2019، فرضت واشنطن حزمتين من العقوبات على موسكو، وذلك بسبب الهجوم الكيميائي الذي تعرض له معارض روسي في لندن عام 2018، لكنها على عكس أوروبا، لم تفرض أية عقوبات على موسكو بعد الهجوم الكيميائي الذي تعرض له معارض روسي آخر في أغسطس 2020. استغلت موسكو هذا الجمود في ردود فعل الولايات المتحدة، فعرقلت الجهود التي بذلتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لمعاقبة كل من روسيا وسوريا لاستخدامهما عوامل كيميائية محظورة.
تقييم سياسة ترامب
يمكن القول إن واشنطن ظلت من جانبها -رغم شكوكها حيال عدد من الأطراف الدوليين- ملتزمة بتقديم بعض الدعم للجهود الدولية الرامية إلى منع انتشار الأسلحة الاستراتيجية، حيث احتفظت بوجودها ضمن الشراكة الدولية للتحقق من نزع السلاح النووي، رغم ان روسيا والصين تشاركان في هذه الشراكة بصفة مراقب فقط، لكن ظهر القصور الكبير في الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالحرب الكيميائية والبيولوجية، من خلال استجابة واشنطن الضعيفة لتداعيات تفشي وباء كورونا،
خرجت إدارة ترامب من اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد ثار الجدل حول أسباب هذه الخطوة والفوائد العائدة منها، مع ذلك، كانت واشنطن قبيل انسحابها من هذه الاتفاقية، تعاني الأمرين من أجل دفع الأطراف الأخرى للامتثال لهذه الاتفاقية وغيرها. أن تحديد الأثار المتوسطة والبعيدة الأجل لهذه الخطوات من جانب ترامب يبقى رهنًا بقادم الأيام، خاصة في ظل النوايا المعلنة من جانب إدارة بايدن، في العودة إلى الاتفاقيات التي تم الخروج منها، أو تمديد أمد تلك التي مازالت الولايات المتحدة موجودة فيها حتى الآن.
الجهود المضنية التي بذلتها كل من إدارتي أوباما وترامب على مدار سنوات، لدفع موسكو كي تلتزم بكافة بنود معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، مثلت بجانب قوة الحجج التي قدمتها الولايات المتحدة لتبرير انسحابها من هذه الاتفاقية، صمام أمان حافظ على وحدة حلف الناتو، رغم العلاقات المضطربة بين ترامب ونظرائه الأوروبيين.
فيما يتعلق بالصين، سعت إدارة ترامب لإدراج الصين ضمن مفاوضات خاصة باتفاقية ثلاثية لخفض الأسلحة النووية، لكن بكين رفضت المشاركة في أي محادثات من هذا القبيل. أما إيران، فقد صاغت إدارة ترامب ملف الخروج من خطة العمل الشاملة المشتركة، كجزء من سياسة قسرية أكبر تهدف إلى تأمين صفقة مستقبلية أفضل، لكن بدلا من التفاوض، أدامت طهران مسارات برنامجها لتخصيب اليورانيوم، ولم تتعطل مساعيها للوصول إلى معدل التخصيب المناسب لإنتاج سلاح نووي، إلا بعد اندلاع احتجاجات شعبية على أراضيها، وهذا المسار جعل منتقدي إدارة ترامب، يقطعون بفشل استراتيجيتها تجاه إيران، وبات الوضع يحتاج إلى مزيد من الصبر، من أجل جني ثمار واضحة لهذه الإستراتيجية.
بعد قمته الأولى مع ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ادعى ترامب أنه تمكن من إيجاد حل جذري للتهديد النووي الكوري الشمالي، لكن في قمتهم الثانية، ابتعد ترامب عن طاولة الحوار مع كيم، بعد أن استشعر أن الأخير أراد من خلال هذا التفاوض أن يضمن مكاسب اقتصادية لبلاده، في مقابل أن يقدم تنازلات رمزية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الكوري الشمالي. منذ ذلك التوقيت، اتسمت العلاقة بين الجانبين بالحذر، وهو الوضع الذي ادى إلى التآكل التدريجي للضغط الدبلوماسي الدولي على بيونج يانج، في نفس الوقت الذي أستمر فيها نظامها الحاكم في التحايل على عقوبات الأمم المتحدة.
توصيات لإدارة بايدن
- تمديد معاهدة ستارت الجديدة، والسعي إلى المزيد من الاتفاقيات القابلة للتنفيذ فيما يتعلق بالأسلحة الإستراتيجية، بحيث تمتلك آليات للتحقق والمراقبة. إن القدرات الصينية النووية تتزايد باضطراد، لذا يجب على واشنطن أن تظل مستعدة لاستكشاف إجراءات التصدي لهذا التهديد، والحد من التسلح مع بكين حيثما أمكن ذلك. في غضون ذلك، يجب على الولايات المتحدة وروسيا الاتفاق على تمديد متفق عليه لمعاهدة ستارت الجديدة، على أساس سنوي لمدة تصل إلى خمس سنوات، بحيث يمكن استخدام هذه المهلة من الوقت من أجل التفاوض مع موسكو بشأن معاهدة أخرى تتضمن المزيد من التخفيضات في القدرات النووية، وكذا تقييم استعداد موسكو لبدء محادثات حول أنظمة الصواريخ الباليستية الجديدة، وتحسين آليات التحقق والمراقبة.
- الاستفادة من النفوذ الأمريكي الحالي، من أجل التوصل إلى اتفاق أفضل مع إيران. يجب على إدارة بايدن البناء على بنية العقوبات الأمريكية الحالية، ومحاولة توسيع اتحالف الضاغط على طهران، ليشمل دولًا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك بهدف الحصول على تنازلات من إيران، بدلًا من تقديم تنازلات سابقة لأوانها في محاولة لاستعادة الامتثال الإيراني لخطة العمل الشاملة المشتركة المعيبة والمحددة زمنيًا. يجب على واشنطن، بالتضامن مع شركائها، السعي إلى أتفاق أوسع وأشمل مع طهران، يتضمن أيضًا بحث ملفات أخرى مهمة، مثل القدرات الصاروخية الإيرانية، وعمليات نقل الأسلحة من طهران إلى دول وجماعات أخرى، بجانب التدخلات الإيرانية في شئون دول الشرق الأوسط.
- التمسك بضرورة النزع الكامل للسلاح النووي لكوريا الشمالية، وسد الفجوات الموجودة في العقوبات الدولية. يجب على الولايات المتحدة أن تلتزم على المدى الطويل بجعل تحقيق هذه المطالب، وإيجاد وسائل ناجعة للتحقق من تمام تحقيقها، أساس للتفاوض المستقبلي مع بيونج يانج، مع وقف تخفيف العقوبات المفروضة عليها، لحين موافقتها على الشروع في تنفيذ جدول زمني سريع تفكيك برنامجها النووي. في غضون ذلك، ينبغي على واشنطن أن تسعى إلى تضع الأمم المتحدة قوائم سوداء إضافية لمنتهكي العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، واستخدام الضغط الدبلوماسي لإقناع الدول الأخرى بإدانة أنشطة بيونغ يانغ غير المشروعة.
- يجب ألا تستأنف واشنطن التجارب النووية، لأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى أضرار بالغة للمعايير الدولية المبنية بعناية حول التجارب النووية، وستمثل دعوة مجانية لكل من الصين وروسيا لإجراء تجارب مماثلة. في الوقت الحالي، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في تتبع أية محاولات من جانب بكين أو موسكو لإجراء تجارب متعلقة بالتسلح النووي، وكذا معالجة آثار أية انتهاكات محتملة من جانب كلا الدولتين، وذلك من خلال الوسائل الدبلوماسية.
- يجب العمل بجد من أجل التطبيق الموحد لقواعد وضوابط الحد من انتشار الأسلحة النووية، ويجب على واشنطن توفير الضمانات الكافية لشركائها في الشرق الأوسط وشمال شرق آسيا، الذين يتعرضون للتهديد من قوى نووية مناوئة، لثنيهم عن محاولة الحصول على قدرات نووية عسكرية.
- يجب على واشنطن العمل على تعزيز الجهود الدولية الرامية لمحاسبة روسيا وسوريا في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهذه فرصة مهمة لإظهار أن المنظمات الدولية متعددة الأطراف لديها القدرة على فرض القوانين والمعايير المتعلقة بحظر استخدام الأسلحة الكيميائية.
- يجب تمويل الاستعدادات اللوجيستية لأية أزمات بيولوجية طارئة، وضمان تنفيذ استراتيجية أمريكية شاملة للأمن الصحي. وتماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للدفاع البيولوجي لعام 2018، يجب على واشنطن ضمان إدارة مؤسسية للإمكانيات المتوفرة لأية أزمات طارئة على المستوى الطبي والبيولوجي، وكذا تزويد الحكومة والقطاع الطبي بالموارد الكافية، والتنسيق الواجب من أجل تحديد حالات تفشي الأمراض والاستجابة لها بالشكل المطلوب.
- يجب على واشنطن العمل على تعزيز القدرات الدفاعية الصاروخية الإقليمية والمحلية، عبر التعجيل ببيع أنظمة الدفاع الصاروخي لشركاء الولايات المتحدة، وزيادة مستوى الحماية المتوفرة للأصول الأمريكية المنتشرة حول العالم، باستخدام دفاعات صاروخية متعددة الطبقات. فيما يتعلق بالدفاع الصاروخي المحلي ضد التهديدات العدائية المتطورة، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى لنشر نظام رادار آخر في الخارج، وتمويل تطوير ونشر الجيل التالي من منظومات اعتراض الصواريخ الباليستية، كجزء من نظام الدفاع الجوي الأمريكي.
- يجب على واشنطن الاستمرار في الدفاع عن مسألة توسيع وتحسين نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، واحترام اتفاقية لاهاي المتعلقة بالحد من انتشار الصواريخ الباليستية. زيادة العضويات الدولية في هذه الاتفاقية، وارتفاع مستوى الالتزام الدولي ببنود هذه الاتفاقية، يمكن أن يساعد في تقييد انتشار الصواريخ الباليستية وتقنيات أنظمة الإطلاق. يجب كذلك تعزيز دور الكونجرس في قضايا منع الانتشار وتحديد الأسلحة، فسياسة الولايات المتحدة تصبح أكثر فاعلية عندما يكون للكونجرس رأي في تكوين سياسات وبرامج واتفاقيات حظر الانتشار النووي والحد من التسلح، ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الكونجرس تعزيز قدرته على تقييم المبادرات التنفيذية والإشراف عليها، ويجب كذلك أن تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى دمج الكونجرس في أية مفاوضات مستقبلية في هذا الصدد، وتقديم أية اتفاقيات جديدة إلى الكونجرس ليتم التصديق عليها.
ثامن عشر: السياسة الأمريكية تجاه الأنشطة السيبرانية
بعد نشر الاستراتيجية الإلكترونية الوطنية لعام 2018، دفعت إدارة ترامب الوكالات العاملة ضمن نطاق الحكومة الأمريكية، لتطوير استراتيجيات وسياسات وبرامج تتوافق مع هذه الاستراتيجية وتدعمها. على الرغم من التنفيذ غير المتكافئ عبر الوكالات لهذه الإستراتيجية، والكشف مؤخرًا عن حملة تجسس إلكترونية مدمرة تم شنها ضد القطاعين العام والخاص، فقد حسنت الحكومة الفيدرالية تعاونها في مجال الأنشطة السيبرانية، مع الشركات الصناعية والحكومات المحلية والحلفاء والشركاء، ويعد هذا التعاون أمرًا بالغ الأهمية من أجل ردع الهجمات الإلكترونية الكارثية ومكافحتها والتعافي منها.
في عهد ترامب، واصلت وزارة الدفاع تحسين القدرات السيبرانية، حيث صاغت ضمن استراتيجيتها للدفاع السيبراني لعام 2018، استراتيجية “الدفاع الأمامي” لتعطيل أو إضعاف النشاط السيبراني الضار من مصدره. هذا النهج الاستباقي حسّن مكانة أمريكا في ساحة المعارك الإلكترونية من خلال الاستفادة من “المشاركة المستمرة” للقيادة الإلكترونية الأمريكية.
وكذا، حظيت الاستراتيجية الجديدة بالدعم التشريعي، من خلال التشريعات التي اعتبرت المراقبة والاستطلاع السيبراني، أحد أوجه الأنشطة العسكرية التقليدية، وأيضًا من خلال ما تضمنته المذكرة الرئاسية للأمن القومي رقم 13، التي سمحت بالعمليات الهجومية السيبرانية. على الرغم من أن استراتيجية “الدفاع الأمامي” تضمنت تفويض بممارسة أنشطة على شبكات غير أمريكية، تبقى هذه الاستراتيجية موجهة نحو الدفاع، وتسعى إلى تحييد التهديدات الوشيكة قبل شن الهجمات.
استثمرت وزارة الدفاع أيضًا في مجال الدفاع عن شبكاتها السيبرانية الخاصة، وقدمت دعمًا متزايدًا للقاعدة الدفاعية الصناعية (DIB)، وطالبتها بتحسين شبكته السيبرانية الخاصة، وأمن سلاسل التوريد. على الجانب المدني، استفادت العديد من الوكالات الفيدرالية -التي تم تحديدها على أنها وكالات خاصة بالقطاع- في توجيه السياسة الرئاسية، والتي ركزت على ضمان أمن البنية التحتية، وتطوير علاقاتها مع القطاع الصناعي الخاص، من أجل تحسين موثوقية البنية التحتية المرتبطة. في هذا الصدد برزت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية التابعة لوزارة الأمن الداخلي (CISA)، كجهة تقود الجهود الفيدرالية لدعم البنية التحتية للاتصالات، وكانت بمثابة نقطة تعاون بارزة عبر الحكومة وبين القطاعين العام والخاص.
أدت الوكالات الفيدرالية الأخرى أدوارًا مماثلة ضمن قطاعاتها، مثل وزارة الطاقة، التي كثفت جهود الاستجابة لحالات الطوارئ من خلال مكتب الأمن السيبراني وأمن الطاقة، بجانب تمويل أبحاث الأمن السيبراني المبتكرة في المختبرات الوطنية.
فيما يتعلق بإنفاذ القانون، فرضت الوكالات الفيدرالية عقوبات رادعة على الأطراف التي تستخدم الفضاء السيبراني استخدامًا تخريبيًا خبيثًا، وتشمل هذه العقوبات الملاحقة الجنائية وتجميد الأصول ومصادرتها، وتدمير البنية التحتية التشغيلية. عززت هذه الوكالات أيضًا التعاون مع المسؤولين الحكوميين والمحليين من أجل الدفاع عن الشبكات والتعافي من الهجمات السيبرانية.
على الصعيد الدولي، حققت حكومة الولايات المتحدة نجاحًا محدودًا في جهودها لتأمين البنية التحتية للاتصالات العالمية من خلال برنامج (الشبكة النظيفة)، وهي مبادرة تقودها وزارة الخارجية، وتسعى إلى بناء شراكات مع القطاع الصناعي والحكومات في جميع أنحاء العالم، لتعزيز استخدام التقنيات والبرامج والخدمات السحابية، وغيرها من التقنيات الخالية من التدخلات السيبرانية التخريبية للحزب الشيوعي الصيني.
تقييم سياسة ترامب
بينما تستمر الهجمات الإلكترونية بلا هوادة، يمكن القول انه تشكل بالفعل وعي أكبر، ليس فقط بحجم التهديد الذي تمثله الهجمات السيبرانية، ولكن بطبيعة هذه الهجمات وتأثيرها أيضًا، فبعد الاعتراف الرسمي بمفهوم “الحرب الاقتصادية الممكّنة عبر الإنترنت”، ضمن بنود استراتيجية الأمن القومي لعام 2017، أصبح هذا المفهوم مقبولًا على نطاق واسع، باعتباره الوصف الأكثر ملاءمة لعنصر هام من عناصر النشاط المعادي في الفضاء السيبراني.
وبناء على ذلك، قامت لجنة الفضاء السيبراني (CSC)، التي شكلها الكونجرس عام 2018، من أجل تطوير استراتيجية دفاعية ضد الهجمات السيبرانية واسعة النطاق، بتطوير نهج استراتيجي جديد وهو (الردع السيبراني متعدد الطبقات)، وهي استراتيجية تؤكد على الاستثمار في أمن ومرونة الشبكات التي تدعم البنية التحتية الحيوية الوطنية، وتضمن تحسين التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتوسيع نطاق تأثير استراتيجية الدفاع المتقدم، ليشمل جميع عناصر سلطة الحكومة الفيدرالية. في المجمل سيمكن هذا النهج متعدد الطبقات الولايات المتحدة من فرض التكاليف بشكل أكثر فعالية، وإنكار الفوائد، وتأطير السلوك المعمول به في الفضاء الإلكتروني.
توصيات لإدارة بايدن
1- تنظيم العمل الحكومي الفيدرالي وتوفير الموارد المناسبة، حيث يجب على الكونجرس وإدارة بايدن تنظيم موارد الحكومة بشكل أفضل لتنفيذ الردع السيبراني متعدد المستويات، وبشكل أكثر تفصيلًا يمكن عمل التالي:
- يحتاج البيت الأبيض إلى مدير سيبراني وطني (NCD)، من أجل تنفيذ الاستراتيجية السيبرانية الوطنية، وقيادة تطوير السياسات بالتعاون مع القطاع الخاص والحلفاء والشركاء. على عكس منصب المنسق السيبراني السابق، الذي ألغته إدارة ترامب، يجب أن يقدم المدير السيبراني الوطني، تقاريرًا مباشرة إلى الرئيس (وليس إلى مستشار الأمن القومي)، ويجب أن تم تمكينه من ضمان تنفيذ الوكالة الفيدرالية لاستراتيجية وسياسات الرئيس، لقيادة التخطيط للطوارئ الإلكترونية بين الوكالات، وكذا تحسين القدرة على الاستجابة للحوادث، وعقد اجتماعات لكبار المسؤولين.
- تحتاج وزارة الخارجية إلى مساعد وزير لشؤون الأمن السيبراني والتقنيات الناشئة (CSET)، وكذا موارد يتم تخصيصها لمبادرة الردع الإلكتروني.
- تحتاج وزارة الدفاع إلى إجراء تقييم شامل لهيكل قوة المهام الإلكترونية، للتأكد من أن لديها الموارد والأفراد المناسبين في ضوء التهديدات السيبرانية المتزايدة.
2- يجب ضمان مرونة البنية التحتية التقنية للولايات المتحدة، وفي هذا الصدد يجب على الحكومة الفيدرالية أن تقنن مسؤولياتها الخاصة لإدارة المخاطر على الصعيدين الوطني وعلى صعيد الوزارات والقطاعات الخدمية (مثل قطاع الطاقة، والخدمات المالية، والموارد المائية، وما إلى ذلك). ستدعم هذه الخطوات تطوير خطة أكثر شمولًا للتصدي للهجمات السيبرانية، وبالتالي يمكن تحديد الوظائف الحاسمة التي تدعم قطاعات كبيرة من الاقتصاد.
3- يجب تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وذلك من خلال تطوير حكومة الولايات المتحدة أنظمة إلكترونية مثل نظام (البيئة التعاونية المشتركة) لجمع معلومات حول التهديدات السيبرانية المحتملة، ومشاركة هذه المعلومات مع القطاع الصناعي. إن تعزيز المركز السيبراني المتكامل التابع لـ لجنة الفضاء السيبراني في الكونجرس، وكذا إنشاء مكتب تخطيط إلكتروني مشترك جديد داخل هذه اللجنة، سيعزز التحليل المشترك للمعلومات المتعلقة بالتهديدات الإلكترونية المحتملة، وسيجعل من الممكن أن يتم التطوير المشترك للخطط والإجراءات، من أجل مواجهة وهزيمة الحملات السيبرانية العدائية.
4- يجب أن تستمر إدارة بايدن في تحسين قدرة الحكومة على مشاركة المعلومات بسرعة مع الحلفاء والشركاء بشأن الأنشطة السيبرانية المعادية، مما سيسهم في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الأنشطة. يجب أن يشمل هذا الجهد أيضًا العمل معًا لوضع معايير دولية، لتطوير نهج شفاف قائم على قواعد واضحة لإدارة الأنظمة القائمة على التكنولوجيا.
5- يجب أن تساعد الحكومة الفيدرالية في زيادة أمن الفضاء السيبراني وذلك من خلال الإجراءات التالية:
- إنشاء مكتب للإحصاءات السيبرانية لجمع البيانات وتقييمها وتقديمها لصناع السياسات والمؤسسات الحكومية.
- إنشاء سلطة وطنية لإصدار شهادات الأمن السيبراني، وتقييم أمن منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- تحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة والحكومات المحلية على استخدام خدمات سحابية آمنة وفعالة من حيث التكلفة.
- السعي للحصول على تمويل طويل الأجل لمركز قدرات الذكاء الاصطناعي على مستوى وزارة الطاقة، وتكليفه بجمع ونشر أفضل ممارسات الأمن السيبراني المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وهذا يمثل ضرورة في مجال مزدهر مثل هذا.
تاسع عشر: السياسة الأمريكية تجاه الشؤون الدفاعية
أوضحت استراتيجية الدفاع الوطني لإدارة ترامب في عام 2018 أن “المنافسات الاستراتيجية طويلة المدى مع الصين وروسيا هي الأولويات الرئيسية” للبنتاغون. وقد أشارت هذه الاستراتيجية إلى أن ردع الدول المارقة وهزيمة الإرهابيين لا يزالان جزءًا من
مهمة وزارة الدفاع، لكنها في نفس الوقت أشارت إلى أن الولايات المتحدة قد أهدرت وقتًا ومواردًا ثمينة في مكافحة التهديدات الثانوية.
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الدفاعية لإدارة أوباما لعام 2014، قد أكدت “إعادة التوازن إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ”، فإنها قللت من وطأة التحديات التي تمثلها كل من بكين وموسكو، ولم تجعل المنافسة بين القوى العظمى أولوية صريحة.
علاوة على ذلك، فشلت إدارة أوباما ومعها الكونجرس مرارًا في تزويد الجيش الأمريكي بالتمويل الكافي لإجراء العمليات الخارجية والحفاظ على حالة جيدة من الاستعداد وتحديث القوى، وبناءً على ذلك، واجه البنتاجون أزمة خطيرة في جاهزيته عام 2017. في الوقت نفسه، عملت موسكو وبكين على تحديث قواتهما العسكرية، وتطوير أساليب جديدة للتغلب على الولايات المتحدة وحلفائها في ساحة المعركة.
حذرت لجنة تحديد استراتيجية الدفاع الوطني المؤلفة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في تقريرها الصادر في نوفمبر 2018، من أن “أمن ورفاهية الولايات المتحدة في خطر أكبر من أي وقت مضى منذ عقود”. لمعالجة هذا الوضع الخطير، تضمنت استراتيجية الأمن الوطني، ضرورة أن تشرع وزارة الدفاع الأمريكية في تشكيل قوة أكثر استعدادًا وفتكًا، قادرة على “الانتشار السريع والمناورة الفعالية” في جميع الساحات، ليس فقط في الجو والبحر والبر، بل أيضًا في الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني.
لقد عملت إدارة ترامب مع الكونجرس لرفع ميزانية البنتاجون من 606 مليار دولار عام 2017 إلى 671 مليار دولار، مما أدى إلى نمو معدل التضخم بنسبة 8.2 في المائة، وتلا ذلك نمو اقتصادي متواضع في العامين التاليين؛ ولم يواكب طلب الميزانية النهائية للرئيس ترامب التضخم مع تركيز واضح على الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني، وقد أجرت أدارته إصلاحات كبيرة في هيكل وزارة الدفاع، شمل ذلك رفع مستوى القيادة الإلكترونية الأمريكية إلى مستوى قيادة مقاتلة موحدة في مايو 2018، والجدير بالذكر أن هذه الخطوة لم تمنع هجوم سيبراني مدمر تعرضت له الولايات المتحدة في ديسمبر 2020.
أنشأت إدارة ترامب أيضًا القيادة العسكرية الفضائية في أغسطس عام 2019، وقوة الفضاء الأمريكية في ديسمبر 2019. أدى إنشاء القوة الفضائية إلى ظهور أول فرع عسكري جديد في القوات المسلحة الأمريكية، منذ إنشاء القوة الجوية في عام 1947.
تقييم سياسة ترامب
نظرًا لوعي إدارة ترامب بمدى التقدم التكنولوجي العسكري الذي أحرزته الدول الكبرى التي تعد بمثابة خصوم محتملين للولايات المتحدة، أعطت هذه الإدارة أولوية للبحوث والتطوير العسكري، فقد قدم البنتاجون طلبًا للحصول على أكبر ميزانية على الإطلاق للبحوث والتطوير العسكري ضمن ميزانية البحث والتطوير للسنة المالية 2021، ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كان الإنفاق الحالي على البحث والتطوير في البنتاجون كافيًا.
فقد ارتفعت النسبة المخصصة في ميزانية الصين للبحث والتطوير العلمي، من 4.9 في المائة إلى 26.3 في المائة ما بين عامي 2000 و2018، في حين انخفضت نسبة مخصصات الولايات المتحدة المالية الموجهة للبحوث العلمية من 39.8 في المائة إلى 27.6 في المائة خلال نفس الفترة. تشمل مجالات البحث والتطوير العسكري الرئيسية في البنتاجون كل من الأنظمة الفوق صوتية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والإلكترونيات الدقيقة، وشبكات اتصالات الجيل الخامس.
ووفقًا لوزير الدفاع السابق مارك إسبر، سعى البنتاجون أيضًا إلى تطوير عقيدة قتالية جديدة، تسعى إلى ربط كل جهاز استشعار أو منظومة قتالية أو سلاح، بشبكة سلسة وفعالية يمكنها اكتشاف التهديدات على وجه السرعة وتحديد كيفية الرد عليها، وهذا يضمن للجيش الأمريكي القدرة على استخدام كافة هذه القدرات بشكل فعال بمجرد إرساله إلى الميدان.
بشكل عام، لا يزال من الضروري بذل جهود مكثفة، لاستعادة المزايا العسكرية الأمريكية، لأن نجاح هذه الجهود سيحدد نتائج المعارك في ساحات القتال المستقبلية.
توصيات لإدارة بايدن
1- المحافظة على تمويل دفاعي قوي، من أجل تمويل العمليات الحالية، وتعزيز برامج التحديث العسكرية، وتجنب تكرار أزمة الجاهزية القتالية عام 2017، ولهذا يجب على إدارة بايدن السعي لتحقيق نمو حقيقي سنوي في الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع.
2-يجب أن تسعى إدارة بايدن إلى إصلاح وتقوية التحالفات الأمريكية الخارجية، التي أصابتها أضرار جسيمة خلال السنوات الأخيرة، مع التركيز بشكل خاص على حلف الناتو. يجب على إدارة بايدن وقف معظم خطط الانسحاب العسكري التي وضعتها إدارة ترامب للقوات الأمريكية المتواجدة في ألمانيا، ويجب عليها تكليف البنتاجون بإجراء تقييم جديد لحجم التواجد العسكري الأمريكي المطلوب في أوروبا، مع التركيز على الاستعداد ووحدة التحالف وتوفير إمكانيات الردع. ومع ذلك، يجب على الإدارة القادمة أن تستمر في دفع الحلفاء لزيادة الاستثمار في الدفاع الذاتي، مع التخلص من نهج ترامب غير المجدي في “تقاسم الأعباء” مع دول مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية.
3- ضرورة تعزيز البحث والتطوير الدفاعي مع الحلفاء. تواجه الولايات المتحدة منافسة تقنية عسكرية شديدة مع الصين وروسيا. للفوز بهذه المنافسة، يجب على إدارة بايدن إقامة شراكات عسكرية أكثر فعالية ومنهجية في البحث والتطوير مع حلفاء ديمقراطيين بارعين في التكنولوجيا. يجب أن يشمل ذلك مجموعة العمل الأمريكية الإسرائيلية المشتركة الخاصة بالتكنولوجيا العسكرية، المصرح بها في القسم (أم 1299) من قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2021.
4- تعزيز الموقف العسكري الأمريكي الحالي في المحيطين الهندي والهادئ، لأن القدرات العسكرية المتنامية للجيش الصيني تتطلب من الولايات المتحدة -جنبًا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء الإقليميين- القيام بسلسلة من التحركات الإستراتيجية، واستثمار القدرات المتاحة، بهدف تعديل الموقف العسكري الحالي في المحيطين الهندي والهادئ. يجب على إدارة بايدن والكونجرس دعم وتمويل مبادرة الردع في المحيط الهادئ، والتي من شأنها أن تساعد في معالجة عدد من أوجه القصور الخطيرة في المنطقة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية واللوجستيات.
5- تجنب عمليات سحب القوات من الشرق الأوسط، بموجب الجدول الزمني الذي وضعته إدارة ترامب، خاصة من أفغانستان والعراق وسوريا، وهي خطة تجاهلت بشكل خطير توصيات القادة العسكريين، والتهديدات المستمرة والظروف الميدانية الحالية. يجب على إدارة بايدن وقف هذه العمليات، وإجراء مراجعة شاملة لما تتطلبه مصالح الولايات المتحدة من وجود لقواتها في الخارج، لأن تزايد أعداد الإرهابيين الذي سينتج عن هذه الانسحابات، لن يعرض حياة الأمريكيين للخطر فحسب، بل سيعرض الجهود الرامية إلى مواجهة التهديدات طويلة المدى الآتية من الصين إلى مخاطر أيضًا.
6- الاستمرار في برامج بيع الأسلحة المتطورة، وفي هذا الصدد يجب على إدارة بايدن أن تواصل مبيعات الأسلحة الخارجية، وتوسع حجم ومدى هذه المبيعات إلى حيث تخدم المصالح الأمريكية، بما في ذلك تلك المبيعات الموجهة لشركاء الناتو في أوروبا، ولدول مثل تايوان والهند. في الشرق الأوسط، يجب على واشنطن أن تسعى إلى بناء تحالف أكثر تجانسًا، وأكثر قدرة عسكرية، من أجل مواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، مع الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
7- تحسين قدرات الدفاع الصاروخي الأمريكية، فالتهديدات الصاروخية التي تواجه الولايات المتحدة وقواتها المنتشرة في الخارج تتزايد بشكل مستمر، لذا يجب على إدارة بايدن مواصلة جهودها لتعزيز المنظومات الأمريكية المضادة للصواريخ، بما يشمل التحديث المستمر على نظام الدفاع الصاروخي المخصص لاعتراض الصواريخ الباليستية في منتصف رحلتها، المعروف باسم (GMD)، بالإضافة إلى الاستفادة من التجربة الناجحة في نوفمبر 2020، لاعتراض صاروخ باليستي عابر للقارات بصاروخ اعتراضي من نوع (RIM-161)، يجب على الكونجرس أيضًا دعم طلب القيادة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ، للحصول على “قدرات دفاع جوي مستمرة ومتكاملة في جزيرة جوام”.
8- مواصلة تحديث الثالوث النووي للولايات المتحدة المخصص للردع، وذلك ردًا على تحديث روسيا والصين لثلاثياتهما النووية، وفي هذا الصدد يبذل البنتاجون جهدًا مهمًا طال انتظاره، لتحديث أذرع الردع النووي الأمريكية الثلاث، وهي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والقاذفات الإستراتيجية (بي-21)، والغواصات النووية من الفئة (كولومبيا) يجب أن تواصل إدارة بايدن جهود التحديث هذه، ويجب على الكونجرس توفير التمويل اللازم لهذا التحديث.
عشرين: السياسة الأمريكية تجاه قطاع الطاقة
حدث تحول هائل في الجغرافيا السياسية للطاقة خلال العقد الماضي، حيث تبوأت الولايات المتحدة موقع أكبر منتج عالمي للنفط والغاز الطبيعي. ما بين عامي 2008 و2018، تزايد إنتاج الولايات المتحدة من النفط بأكثر من الضعف، وانتقلت الولايات المتحدة من مستورد دائم للغاز الطبيعي إلى أحد أهم الدول المصدرة له.
ومع ذلك، فإن هذا التغيير لم يلغِ الحاجة إلى أن يكون لواشنطن سياسة دولية للطاقة. فقد أوضح انهيار سوق النفط في ربيع عام 2020، أن أسعار النفط لا تزال تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكي؛ خاصة أن الأسعار المنخفضة للنفط تتسبب في أضرار كبيرة للمنتجين الأمريكيين، وتشكل الآن تهديدًا كبيرًا، يماثل التهديد الذي مثله ارتفاع أسعار النفط في الماضي.
تقييم سياسة ترامب
حاولت إدارة ترامب، بما في ذلك الرئيس نفسه، التأثير على سياسات الإنتاج لدى كبار مصدري النفط، وتحديدًا المملكة العربية السعودية وروسيا وذلك بهدف الحفاظ على سعر النفط العالمي ضمن نطاقين، الأول مرتفع بما يكفي للحفاظ على إنتاج النفط الأمريكي، والثاني منخفض بما يكفي لعدم إثارة ركود أمريكي أو عالمي.
كان السعر المستهدف يتراوح ما بين 40 إلى 55 دولارًا للبرميل الواحد. في عدة مناسبات، شجع الرئيس ترامب المملكة العربية السعودية على زيادة أو خفض إنتاج النفط وإبرام اتفاقيات مع روسيا والمنتجين الآخرين في محاولة للحفاظ على الأسعار العالمية ضمن النطاق المستهدف. ومع ذلك، كان سعر النفط العالمي منخفضًا بما يكفي للتسبب في أضرار كبيرة لمنتجي النفط الصخري والقطاع الصناعي في الولايات المتحدة. الأسعار الآن في مسار تصاعدي، خاصة في ظل الأنباء عن بدء نشر اللقاحات المضادة لجائحة كورونا على نطاق واسع، ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع متواضع في مستوى إنتاج النفط الأمريكي.
فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، عززت إدارة ترامب بشكل مكثف صادرات الغاز الطبيعي المسال الذي تنتجه الولايات المتحدة، واقتفت أثر الإدارات السابقة في جهودها للتخطيط لمشاريع خطوط الأنابيب الدوليةـ من أجل تحسين أمن الطاقة لحلفاء الولايات المتحدة، خاصة في أوروبا.
خفضت الإدارة أيضًا العوائق البيروقراطية أمام الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال، وشجعت الحلفاء في كثير من الأحيان على شراء هذه الصادرات، كما اتبعت إدارة ترامب سياسة مزدوجة بشأن خطوط الأنابيب إلى أوروبا -مثلها في ذلك مثل الإدارات السابقة التي سعت إلى تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وتعزيز استقلال دول الاتحاد السوفيتي السابق- الشق الأول من هذه السياسة يتمثل في إنشاء خط الغاز الجنوبي من أذربيجان إلى أوروبا، كجزء من مشروع خط الأنابيب الرابط بين شرق وغرب بحر قزوين. في موازاة ذلك، عارضت الولايات المتحدة بشدة إنشاء خطوط أنابيب جديدة تزود أوروبا بالغاز الروسي، بما في ذلك مشروع (السيل الشمالي 2)، وكذا التوسعات المقترحة على خطوط أنابيب (السيل التركي).
من أجل تعزيز ممر الغاز الجنوبي، عمل المسؤولون الأمريكيون مع نظرائهم الأوروبيين، لحل المعضلات التنظيمية والجيوسياسية في إيطاليا، واستمروا في تقديم دعم سياسي رفيع المستوى للمشروع. كما هددت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات صارمة كجزء من مشروع قانون الإنفاق الدفاعي، بهدف منع استكمال مشروع (السيل الشمالي 2)، الذي سيوفر الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا بدلًا من المرور أولًا على دول أخرى.
أخيرًا، عززت إدارة ترامب -وخاصة مكتب موارد الطاقة التابع لوزارة الخارجية – التعاون في مجال الطاقة مع دول حوض شرق البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، اندلع مؤخرًا صراع بين العديد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وهو في جوهره صراع على السيادة، يتمثل في المحاولات المتبادلة للتنقيب البحري عن الغاز، وقد رعت إدارة ترامب محادثات بين لبنان وإسرائيل بهدف منع نشوء نزاع بحري حولهما على مناطق التنقيب على الغاز، لكن لم تقم بمبادرة مماثلة حيال الأزمة المتفاقمة بين تركيا وقبرص واليونان، حيث دعمت الإدارة بجدية منتدى غاز شرق المتوسط، لكنها لم تدع تركيا للمشاركة فيه.
توصيات لإدارة بايدن
1- مواصلة العمل على إنهاء أية نقائص في البنية التحتية للولايات المتحدة من أجل تسهيل حركة صادرات الغاز. من المرجح أن تستمر أسعار النفط في الارتفاع خلال النصف الأول من عام 2021، وذلك بالنظر إلى أنباء بدء توزيع لقاحات جائحة كورونا. قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط والسلع الأخرى في نهاية المطاف، إلى انتهاء مرحلة تصاعد نمو الاقتصاد الأمريكي (وهي المرحلة التي تراجعت بشكل مؤقت نتيجة لتداعيات تفشي جائحة كورونا).
2- يجب أن تضع الإدارة الأمريكية الجديدة في حسبانها أن تتبنى سياسات أكثر تقدمًا تجاه استخدام الغاز الطبيعي، بدلًا من أتباعها سياسات مدمجة مع استراتيجية إلى التقليل أو إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري -أي النفط والفحم- نظرًا لانخفاض تلوثه وتأثيره المناخي بشكل كبير. لقد مكّن التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي الولايات المتحدة بشكل كبير، من خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتخفيض نسبة تلوث الهواء، مع تقليل تكاليف إنتاج الطاقة أيضًا.
3- يجب الاستمرار في دعم أمن الطاقة لحلفاء الولايات المتحدة، فلقد حققت الجهود الأمريكية في هذا الصدد نجاحًا هائلًا، خاصة في أوروبا، حيث أدى الدعم الأمريكي إلى توفير إمدادات غاز جديدة لأوروبا عبر ممر الغاز الجنوبي وعبر الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال. الغاز الطبيعي مكمل لتقنيات الطاقة المتجددة الحالية، وبالتالي يجب أن تستمر واشنطن في دعم المشاريع التي تساعد أوروبا على تنويع إمداداتها من الغاز الطبيعي.
4- مع الاستمرار في مشاريع خطوط الأنابيب الدولية الرئيسية، يجب أن تقوم الحكومة الأمريكية بحماية المكاسب التي تحققت من خلال إنشاء خط الغاز الجنوبي، ويجب على وزارة الدفاع الأمريكية دراسة نتائج حرب عام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان، واقتراح آليات وخطط لحماية خطوط الغاز في هذه النطاق، والعمل مع حلفاء الولايات المتحدة على تنفيذ هذه الخطط.
5- يبدو من الضروري أن تجرى الإدارة الأمريكية الجديدة تقييمًا عمليًا للتهديد الذي يشكله مشروع خط غاز (السيل الشمالي 2)، وإمكانية اكتمال هذا المشروع في المستقبل القريب، والمخاطر التي قد تشكلها العقوبات الأمريكية على العلاقات بين برلين وواشنطن. بالنظر إلى أن برلين تدعم استكمال هذا المشروع، سيكون من الأفضل لواشنطن السماح بإنهاء هذا المشروع، وذلك في مسعى منها لاستعادة العلاقات مع برلين.
6- يجب العمل على تجنب نشوء أية صراعات بين حلفاء الولايات المتحدة في شرق البحر المتوسط، وخاصة بين اليونان وتركيا. ويجب على الولايات المتحدة الاستفادة من علاقاتها الاستراتيجية مع جميع الجهات الفاعلة في شرق البحر الأبيض المتوسط، لإيجاد تفاهمات حول ترسيم الحدود البحرية، وتطبيق حلول سلمية للخلافات القائمة.
واحدًا وعشرين: السياسة الأمريكية تجاه التهديدات الدولية التي يمثلها حزب الله
تقييم سياسة ترامب
حققت استراتيجية ترامب لعزل حزب الله من خلال العمل الدبلوماسي مع الحلفاء نجاحات مهمة، فعبر ضغوط الولايات المتحدة، نفذت العديد من الدول حول العالم عدة إجراءات صارمة تجاه الحزب، ومنها الأرجنتين وكولومبيا وإستونيا وألمانيا وغواتيمالا وهندوراس وكوسوفو ولاتفيا وليتوانيا وباراغواي وسلوفينيا وصربيا والسودان وبريطانيا.
تضمنت هذه الإجراءات تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية، وتصنيف بعض أعضائه ضمن قوائم الإرهاب، وحظر أنشطة الحزب على أراضي بعض الدول. انضمت هذه الدول إلى كندا وإسرائيل وهولندا ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، التي اتخذت إجراءات مماثلة ضد حزب الله خلال الفترات السابقة.
لسوء الحظ، فشلت إدارة ترامب في إقناع الاتحاد الأوروبي، بتوسيع نطاق التصنيف الجزئي لحزب الله ضمن قوائم الإرهاب، ليشمل كافة أذرع الحزب سواء كانت عسكرية أو سياسية. كما أنها لم تكن قادرة على إقناع حلفائها في أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وتشيلي وبنما وبيرو للقيام بخطوة مثل هذه، على الرغم من أن هذه الدول تعد مسارح لأنشطة حزب الله غير المشروعة في الخارج.
فيما يتعلق بالعقوبات على الحزب، أحرزت إدارة ترامب بعض التقدم، تضمنت تصنيف مؤسستين ماليتين لبنانيتين تابعتين للحزب هما بنك (جمال ترست)، ومؤسسة (شمس) للصرافة، بجانب ثلاث شركات تابعة للحزب ضمن قوائم الإرهاب، واستهدفت الإدارة أيضًا بالعقوبات محمد إبراهيم بزي، المشتبه بتمويله للحزب.
على المستوى المالي، اتبعت الإدارة الأمريكية استراتيجية فاشلة إلى حد كبير للتعاون مع البنك المركزي اللبناني، بهدف معالجة أوجه القصور التي تسمح لحزب الله بممارسة أنشطته المالية. أدت سلسلة التحقيقات التي قامت بها المؤسسات الأمريكية، إلى اعتقال العديد من عملاء الحزب داخل الولايات المتحدة، وكذا تسلم اثنين من المشتبه بتمويلهم الحزب من باراجواي.
وبينما كان قرار الإدارة الأمريكية بإحياء مشروع (كاساندرا) جديرًا بالثناء، لكنه في نفس الوقت أدى إلى بعض النتائج منخفضة المستوى، فقد كان قرار وزارة العدل بإنشاء فريق عمل من المدعين، ونقل سلطة التحقيق في أنشطة حزب الله من إدارة مكافحة المخدرات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، يشوبه بعض القصور، فإدارة مكافحة المخدرات لا تزال منخرطة بشدة في ملاحقة الجرائم المالية المرتبطة بالاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال، وقد أدى هذا التحول إلى وضع مزيد من العراقيل أمام حركة تبادل المعلومات بين مكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة مكافحة المخدرات، وأدى فشل ترامب حتى مايو 2020 في تعيين مسؤول جديد لإدارة مكافحة المخدرات، إلى إعاقة فعالية الوكالة.
يضاف إلى ذلك مسألة قضية قاسم تاج الدين -ممول حزب الله الذي أطلق سراحه من السجن في منتصف مدة عقوبته، على الأرجح كجزء من صفقة لتبادل الأسرى- حيث ألقت هذه المسألة الضوء على أوجه القصور في نهج إدارة ترامب في ملف الملاحقات القضائية، وعاد قاسم إلى لبنان وتم استقباله استقبال الأبطال، وأوضحت قضيته الجوانب السلبية لاتباع ادارة ترامب استراتيجية مبنية على ملاحقة ممولي الحزب في الخارج، بدلًا من العمل لردع الآخرين عن التواطؤ والتعاون مع الحزب، وهو ما يؤدي غالبًا وبعد سلسلة طويلة من التحقيقات إلى أحكام خفيفة بالسجن، غالبًا ما يتم تخفيفها عن طريق الصفقات القانونية أو السياسية، لهذا فإن السهولة النسبية التي يتمكن بها ممولو الحزب من النجاة بجرائمهم، تظهر أحد أهم الجوانب السلبية في التعامل الأمريكي مع أنشطة حزب الله.
توصيات لإدارة بايدن
1- يجب التركيز على تحقيق نتائج أفضل حيال مواجهة حزب الله، وبدلًا من تأسيس إدارة بادين استراتيجية مختلفة تمامًا عن استراتيجية ترامب لمواجهة حزب الله، يجب على إدارة بايدن التركيز على الاستخدام الأمثل للوسائل المتاحة بالفعل لاستهداف شبكات المجموعة الإرهابية، ويجب على إدارة بايدن ألا تكرر خطأ إدارة أوباما، حيث من الضروري أن يستمر السعي وراء وقف تمويل حزب الله للإرهاب، بمعزل عن أية اتفاقات سياسية مع إيران ولبنان.
2- مطلوب خلال الفترة القادمة من وزارة الخزانة، وتحديدًا إدارة مراقبة الأصول الأجنبية، التركيز على استهداف المزيد من الكيانات والأفراد الممولة لحزب الله تعزيز القدرات، وهو نفس المطلوب أيضًا من مؤسسات حكومية أخرى، مثل وحدة استخبارات تمويل الإرهاب بوزارة الخزانة، ووزارة الخارجية. كذلك يجب العمل على مراقبة النظام المصرفي اللبناني بشكل أكثر قوة، فقد سلط الانهيار الاقتصادي في لبنان عام 2020 الضوء على كيفية تحول البنك المركزي اللبناني ليصبح جزءًا من المشكلة، خاصة وأن شبكة تمويل حزب الله تعمل ضمن القطاعات المالية التي يسيطر عليها هذا البنك، لهذا يجب أن تصبح استراتيجية الولايات المتحدة لمحاصرة جهود حزب الله أكثر شمولية ومرونة، بدلًا من توقيع عقوبات مرة كل عدة سنوات على أحد البنوك بشكل فردي.
3- محاولة الاستفادة على نطاق أوسع من القوانين المحلية الأمريكية، مثل قانون (ماغنيتسكي)، وهي قوانين تسمح للولايات المتحدة بتوقيع عقوبات على الأفراد الداعمين ماليًا لحزب الله -ولا ينتمون بالضرورة إلى حزب الله تنظيميًا- ولكنهم يقومون بتيسير معاملات الحزب المالية.
4- يجب توفير المزيد من الموارد لوزارة العدل لزيادة قدرتها على التحقيق في القضايا المتعلقة بأنشطة حزب الله، حيث تحتاج الوزارة إلى تكثيف لوائح الاتهام إذا كانت تريد إحداث تأثير في مكافحة شبكات غسيل الأموال العالمية التابعة لحزب الله. لا يمكن تحقيق ذلك ما لم يتم تخصيص المزيد من الموارد لتعزيز التحقيقات، بما في ذلك المزيد من الموظفين، والمزيد من برامج التدريب المتنوعة للموظفين الميدانيين. كذلك يجب مراجعة القوانين المتعلقة بجرائم غسيل الأموال المرتبطة بأنشطة الجماعات الإرهابية، بحيث يتم توقيع عقوبات بالسجن مشددة أكثر، ضد المتهمين بتمويل منظمات مثل حزب الله.
5- يجب زيادة الجهود الدبلوماسية الأمريكية، لإقناع المزيد من الحلفاء بتصنيف حزب الله ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، ويجب أن تركز هذه الجهود على تجاوز مجرد التصريحات بأن حزب الله جماعة إرهابية، والبدء في إنشاء أطر قانونية وطنية تسمح باستهداف شبكات تمويل الحزب من قبل أجهزة إنفاذ القانون. فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، فإن أي جهد لتحسين العلاقات عبر الأطلسي، يمكن أن يُزيد بشكل كبير من تأثير الولايات المتحدة على دول الاتحاد فيما يتعلق بملف حزب الله.
6- يجب التركيز على الحد من التنافس بين الوكالات الحكومية، وتحسين آليات تبادل المعلومات بينها. يجب تلافي أوجه القصور التي أثرت على العلاقة بين المؤسسات المعنية بالاستخبارات والأمن عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأثرت كذلك على قدرة إدارة مكافحة المخدرات على متابعة قضايا حزب الله في إطار مشروع كاساندرا، وساهمت العوائق التي نشأت ضمن آليات تبادل المعلومات بين الأجهزة المختلفة، إلى تقليل فعالية الإجراءات القضائية ضد شبكات حزب الله.
اثنين وعشرين: السياسة الأمريكية تجاه ملف حقوق الإنسان
حتى في ظل أفضل الظروف، من المرجح أن تتراجع الولايات المتحدة عن ثوابتها بشأن ملفات حقوق الإنسان، حيث يتعين عليها في كثير من الأحيان اتخاذ قرارات صعبة فيما يتعلق بممارسة الضغوط على كل من الخصوم والحلفاء، وتحديد مستوى هذا الضغط وشدته، لكن الاستعداد للتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان قد يتسبب في إضعاف مصداقية الولايات المتحدة على المستوى الدولي.
تقييم سياسات ترامب
في معظم الحالات، فشلت إدارة ترامب في تحقيق أي مكاسب جيوسياسية ملحوظة، من خلال انتهاجها سياسات دولية تتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك فإن تعبير ترامب عدة مرات عن علاقاته الوثيقة مع بعض القادة والزعماء المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان، لم يكن له أي تأثير إيجابي، فكوريا الشمالية مثلًا مازالت متمسكة بترسانتها النووية، وتواصل تهديد واستفزاز جيرانها، كما تستمر روسيا في مهاجمة معارضيها وتسميمهم، مثل المعارض أليكسي نافالني، وتستمر كذلك في ارتكابها انتهاكات بالغة في سوريا. كذلك تستمر تركيا في سياساتها القمعية الداخلية، بينما تعمل حكومتها على مفاقمة الأزمات في بلاد الشام وشرقي المتوسط.
فيما يتعلق بالتعامل مع دول الخليج، أظهرت سياسات ترامب في هذا الصدد، لماذا لا يكون تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان دائمًا هو السياسة المثالية للتعامل مع ملفات حقوق الإنسان على المستوى الدولي. فالولايات المتحدة تعتمد على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأنظمة العربية السنية الأخرى من أجل مواجهة إيران، وضمان تدفق النفط دون عوائق، واستضافة القواعد العسكرية الأمريكية.
وتصدرت دول الخليج مؤخرًا مساعي صنع السلام مع إسرائيل، وعلى الرغم من سجل المملكة العربية السعودية الأسود في ما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، إلا أن ترامب لم يلجأ لسياسات قد تسهم في توتير العلاقة معها ومع دول الخليج الأخرى، ويحسب له أنه -تحت الضغوط السياسية الداخلية- قام بفرض عقوبات بموجب قانون (ماغنيتسكي) على 17 مواطنًا سعوديًا كانت لهم صلة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن ترامب في نفس الوقت، غرد على تويتر بكلمات مراوغة حاولت نفي أي معرفة مسبقة لولي العهد السعودي بالتخطيط لهذه الجريمة، وقد أثبت هذا الأسلوب إن الموازنة بين حقوق الإنسان، وبين السعي لتحقيق أهداف استراتيجية أخرى، لا تتطلب التخلي الكامل عن حقوق الإنسان كمسألة مبدأ.
لسوء الحظ، أعطت تصريحات ترامب المتناقضة حول ملف حقوق الإنسان في السعودية، حجة للمدافعين عن النظام في إيران، لكي ينتقدوا هذه الازدواجية، بحجة أن انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية لا تختلف عن انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة التي ترتكبها طهران. كان من الممكن أن يساعد النقد الموضوعي لأوضاع حقوق الإنسان في الدول الاستبدادية مثل المملكة العربية السعودية، إدارة ترامب على الحصول على دعم أكبر من كلا الحزبين لإدانة انتهاكات طهران، مثل إعدامهم بطل المصارعة نافيد أفكاري في سبتمبر 2020.
حتى لو كان تركيز ترامب على ملف انتهاكات حقوق الإنسان كان محدودًا، فقد ظل مستشاروه ملتزمة بمتابعة هذا الملف، حيث أدركوا على نطاق واسع أن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنساني يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التهديدات التي تواجهها مصالح الولايات المتحدة في الخارج، من خلال تشكيل بيئة تؤدي إلى ظهور أنظمة سياسية معادية للولايات المتحدة، وهذا ما قاله الممثل الخاص للولايات المتحدة لإيران وفنزويلا إليوت أبرامز، حيث قال “العبرة ليست في أنه يجب دعم أي نظام قمعي قائم، خشية وصول نموذج أسوأ منه إلى سدة الحكم، لكن العبرة أنه بدون جهود إصلاحية، سيحدث شيء أسوأ في النهاية، سيملأ الفراغ الذي سينتج عن انهيار النظام”.
توصيات لإدارة بايدن
1- إعادة تنشيط دور أمريكا كدولة رائدة في مجال حقوق الإنسان، فلدى واشنطن فرصة لتحسين مصداقيتها بشأن هذه القضية، لأن تلك المصداقية تنبع من المبادئ الديمقراطية التي يمارسها الأمريكيون في الداخل. إن إدراج حقوق الإنسان كعنصر أساسي في تكوين وتشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يساهم في تحقيق أهداف الأمن القومي الأمريكي.
2- تقديم عنوان رئيسي للسياسات الأمريكية، يكرس بشكل صريح حقوق الإنسان كأحد أعمدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مع الحفاظ دائمًا على التمايز بين الأطراف الصديقة والأطراف المعادية، يجب على الرئيس المنتخب بايدن أن يبرز ويوضح أن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان ستكون عاملًا مهمًا في تشكيل العلاقات الثنائية لأمريكا على المستوى الخارجي في المرحلة المقبلة.
3- يجب الاحتفاظ بمجموعة من الخيارات الوسيطة للضغط على الدول الحليفة التي تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان، وذلك بشرط ألا تتسبب تلك الخيارات في الأضرار بالعلاقات الثنائية مع هذه الدول. لأنه قد تصبح الشراكات مع بعض الدول الاستبدادية ضرورية على المستوى الاستراتيجي، لكن لا يزال بإمكان الولايات المتحدة استخدام العقوبات الجراحية، بالإضافة إلى توجيه الانتقادات -سواء بشكل علني أو خلال الأبواب المغلقة- بهدف دفع هذه الدول لتفعيل إصلاحات جذرية لانتهاكاتها المتعلقة بملفات حقوق الإنسان.
4- يجب أن تستخدم الإدارة الأمريكية الجديدة، السلطات الممنوحة لها بموجب قانون (ماجنيتسكي)، لمعاقبة الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حول العالم. حتى الآن، فرضت الولايات المتحدة مثل هذه العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية وروسيا وفنزويلا وميانمار والصين، لذا يجب أن تستمر إدارة بايدن في نفس هذا النهج، حسب ما تقتضيه الظروف المستقبلية، ويجب إعطاء الأولوية لمواجهة قمع الصين الوحشي لأقلية الأويغور المسلمة، وذلك من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، واتخاذ خطوات دبلوماسية صارمة، وإظهار أنه على بكين أن توقف بشكل فوري اضطهادها للأقليات.
5- في نفس السياق، يجب وضع آليات للتصدي لانتهاكات طهران لحقوق الإنسان، وذلك كجزء من أي مفاوضات مستقبلية مع إيران. فقد صرح بايدن أنه إدارته ستعود إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران، والمعروف رسميًا باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وذلك في حالة امتثال طهران لالتزاماتها في هذا الصدد، ويجب على واشنطن أن توضح بشكل علني أنه يجب على طهران إنهاء انتهاكاتها لحقوق الإنسان بشكل كامل.
6. يضم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018، بعض الدول التي تصنف كديكتاتوريات قمعية -مثل الصين وكوبا والجابون وباكستان وروسيا وأوزبكستان- وهو ما يمكن وصفه استهزاءً بمعايير حقوق الإنسان الدولية، ناهيك عن أن هذا المجلس يركز بشكل أكثر من المطلوب على بشكل مفرط على إسرائيل -واصفًا جهودها للدفاع عن نفسها بأنها انتهاكات لحقوق الإنسان- بينما يتجاهل الانتهاكات الكبرى التي تمارسها الأنظمة الديكتاتورية لحقوق الإنسان. لذ يجب على إدارة بايدن الضغط على هذا المجلس، لإصلاح توجهاته، ويجب ألا تعود مرة اخرى للانضمام له، ما لم يتم إجراء تعديلات وإصلاحات جذرية عليه وعلى توجهاته.
ثلاثة وعشرين: السياسة الأمريكية تجاه القانون الدولي والمنظمات الدولية
تقييم سياسات ترامب
أثارت مواقف ترامب المعلنة المشككة في القانون الدولي، عاصفة من الانتقادات الداخلية داخل الولايات المتحدة حتى من جانب المحافظين. فقد شجب جاك جولدسميث، الباحث المحافظ البارز في القانون الدولي، وأحد كبار المسؤولين السابقين في إدارة جورج دبليو بوش، ما وصفه بأنه “أعظم هجوم رئاسي على القانون الدولي والمؤسسات الدولية في التاريخ الأمريكي”. ووفقًا لجون بيلينجر، الذي عمل مستشارًا قانونيًا في وزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارة جورج دبليو بوش، فإن ترامب “بدا مسرورًا، كمرشح للرئاسة، ثم كرئيس، بتجاهل القانون الدولي وحتى السخرية منه”.
ومع ذلك، كانت تصريحات ترامب تميل إلى أن تكون غير مسبوقة أكثر بكثير من أفعاله. على سبيل المثال، تم اتهام ترامب بانتهاك قانون النزاع المسلح في أبريل2017 وأبريل 2018، بعد شنه ضربات بصواريخ كروز على سوريا، وكذلك بقرار اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020. لكن هذه الإجراءات كانت مشابهة بشكل لافت للنظر لتلك التي نفذتها إدارة أوباما، حيث تم خلال فترة حكم أوباما، تنفيذ 540 ضربة جوية باستخدام الطائرات دون طيار، أسفرت عن مقتل ما مجموعه 3473 عنصر إرهابي، بجانب 324 مدنيًا.
بشكل عام لم توجه سهام الانتقاد للعمليات السابق ذكرها التي تمت في عهد ترامب، بالإضافة إلى ذلك، أدت تهديدات ترامب بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، المعروفة باسم (نافتا)، إلى إعادة التفاوض على صفقات كانت على الأقل أكثر ملاءمة للولايات المتحدة. من الواضح أن انسحاب الولايات المتحدة من كل من الاتفاق النووي الإيراني، واتفاق باريس للمناخ لم يكن غير قانوني. فالانسحاب من الاتفاق النووي، على وجه الخصوص، لم يكن صادمًا، لأن الصفقة كانت معيبة للغاية.
أثار نهج الإدارة تجاه المفاوضات الفردية، وكذلك تجاه القانون الدولي ككل، حنق وغضب حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء. لكن الحقيقة هي أن النظام الدولي القائم على القواعد المؤسسية، التي أرستها القيادة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تشوبه نقائص عديدة، تم استغلالها في بعض الأحيان من قبل الدول الديكتاتورية والسلطوية. ولكن، بشكل عام، أفاد هذا النظام الولايات المتحدة.
في الواقع، اختارت الولايات المتحدة الدخول في أكثر من 350 معاهدة، وفي مئات من الاتفاقيات الدولية الأخرى منذ عام 1945 – وحتى الآن. وهي اتفاقيات ومعاهدات عادت بفوائد كبيرة على الولايات المتحدة وحلفاؤها، فقد قدم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للولايات المتحدة العضوية الدائمة، التي تتميز بحق النقض (الفيتو)، وهو وسيلة دبلوماسية قوية يمكن من خلالها إنشاء وإنفاذ القرارات الدولية.
استفادت الولايات المتحدة أيضًا في كثير من الأحيان من التصور القائل بأنها أكثر التزامًا بسيادة القانون -على الصعيدين المحلي والدولي- من خصومها. من ناحية أخرى، اكتسبت الصين سمعة سيئة بسبب ازدرائها المستمر لسيادة القانون على الصعيدين المحلي والدولي. مع ذلك، تمكنت بكين من الصعود إلى المناصب القيادية في منظومة الأمم المتحدة، واستغلالها لصالحها.
لسوء الحظ، لم تبذل الإدارة الأمريكية أي جهد يذكر لمواجهة التحركات القانونية الصينية في دوائر الأمم المتحدة، أو لإصلاح منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية الأخرى التي باتت بكين مسيطرة عليها. لكن قامت هذه الإدارة بفضح السلوك الخبيث للصين في هذا الصدد، لكنها لم تتخذ خطوات جادة وحازمة لمواجهة هذا النهج الصيني، وأهملت الإدارة الاستفادة من أدوات مكافحة الإرهاب الخاصة بها، لمواجهة هذه التحركات الصينية، تأخرت في تفعيل القوانين التي تسمح بمعاقبة الدول والمنظمات التي تستخدم المدنيين كدروع بشرية، على الرغم من الأدلة الوافرة على أن حماس وحزب الله ومنظمات إرهابية أخرى تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية. في النهاية، لفت ترامب الانتباه إلى بعض إخفاقات النظام الدولي، لكنه لم يساهم كثيرًا في إصلاحه، أو في الاستفادة منه لمعاقبة خصوم الولايات المتحدة على انتهاكاتهم له.
توصيات لإدارة بايدن
1- إعادة الالتزام بالنظام الدولي القائم على القواعد، سواء على مستوى التصريحات الرسمية، أو الخطوات العملية. يجب على الولايات المتحدة ألا تتجاهل أو تسخر من القانون الدولي. ومع ذلك، ينبغي عليها أيضًا الامتناع عن معاملة القانون الدولي -عندما يساء تفسيره من قبل الآخرين- على أنه نص مقدس. الأفضل هنا أن يتم التعامل مع القانون الدولي تعاملًا فعالًا، بهدف تحقيق أهداف استراتيجية على الساحة الدولية، مع تجنب إساءة استخدام مواد هذا القانون أو انتهاكها، بل استخدام هذه المواد كأدوات لمواجهة الخصوم.
2- تطوير وتنفيذ استراتيجية قانونية شاملة للحكومة الفيدرالية، فواشنطن لديها القدرة على أن تكون القوة العظمى المهيمنة في الحروب القانونية. ففي ظل عدم وجود استراتيجية أمريكية واضحة للحرب القانونية، تخوض حاليًا جمهورية الصين الشعبية – التي تبنت صراحة الحرب القانونية كعنصر أساسي في عقيدتها الاستراتيجية – حربًا قانونية أكثر قوة ونجاحًا من الولايات المتحدة. كذلك على الولايات المتحدة أن تحاكي تطوير إسرائيل لمكاتبها القانونية التي تتولى شن الحروب القانونية، والدفاع عن الدولة العبرية في المحافل الدولية، فنهج إسرائيل في الحروب القانونية هو نموذج لمبادرة قوية جديدة يمكن تطبيقها في حلف الناتو، لذا يجب على واشنطن أن تطور وتصقل استراتيجية الحرب القانونية الخاصة بها، وأن تراقب دروس واتجاهات الحرب القانونية في جميع أنحاء العالم، وأن توفر التدريب المناسب لكوادرها القانونية، وأن تنسق أدوات الحرب القانونية الهجومية والدفاعية المتاحة لمختلف الوكالات الفيدرالية.
3- تسليط الضوء على انتهاكات الصين للقانون الدولي، وفرض عقوبات عليها كلما أمكن ذلك، ففي العديد من المجالات، تعمل بكين على تغيير القوانين الدولية لصالحها. في مجالات أخرى، بما في ذلك حقوق الإنسان، تنتهك الصين بشكل صارخ القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بالقانون البحري والإلكتروني، كما يجب مواجهة استخدام بكين لوكلاء وشركات من القطاع الخاص، في تنفيذ انتهاكاتها للقانون الدولي.
4- يجب توضيح وإبراز الانتهاكات الإرهابية للقانون الدولي، وإيجاد صيغ ناجعة لمعاقبة الكيانات المتورطة في هذه الانتهاكات، لأن الجماعات الإرهابية والدول الراعية لها تقوم بشكل متكرر باستخدام المدنيين كدروع بشرية، لذا على الولايات المتحدة مواجهة مثل هذه التصرفات بشكل أكثر فعالية.
5- يجب في هذا الصدد إعادة تنشيط الشراكة مع حلف الناتو وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين، فلدى حلف الناتو وحدة خاصة واستراتيجية مكرسة لتتبع تطورات الحرب القانونية في جميع أنحاء العالم، وذلك بهدف استخلاص الدروس المستفادة، ودمجها في التدريبات وعمليات التنفيذ. ستكون الحرب القانونية الأمريكية ضد الصين والمنظمات الإرهابية والأعداء الآخرين أكثر نجاحًا إذا أعادت واشنطن بناء تحالفها عبر الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من أقرب حلفاء أمريكا لديهم الحافز والنفوذ (بما في ذلك الدول المانحة الرئيسية)، لمساعدة واشنطن على إصلاح منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات والاتفاقيات الدولية.
6- يجب أن تشجع واشنطن حلفاءها على الشروع في محاولة إصلاح البنية القانونية للمحكمة الجنائية الدولية. ففي السنوات الأخيرة، ساهم عدد قليل من حلفاء الولايات المتحدة المقربين -خاصة اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا- بأكثر من نصف ميزانية المحكمة الجنائية الدولية، وهذه الدول لديها مبررات كافية لإعادة الاعتبار للمحكمة الجنائية الدولية كملاذ أخير لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الأكثر خطورة، ولدى العديد من هؤلاء الحلفاء عسكريون يتمركزون في دول خارج أوروبا، يمكن أن يتأثروا سلبًا من النهج الحالي لهذه المحكمة، مثلما حدث سابقًا مع محاولات قضاة هذه المحكمة ملاحقة القوات الأمريكية أو الإسرائيلية. لذا يجب على الولايات المتحدة أن تشجع حلفاءها بقوة على الاستفادة من المراجعات الحالية لأداء المحكمة الدولية، من أجل أعادتها إلى مهمتها الأساسية.
7- يجب أن تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة والكونجرس معًا لتنفيذ استراتيجية شاملة لمواجهة تأثير الصين داخل المنظمات الدولية. يجب أن تشمل السياسات الرئيسية التي يجب مراعاتها ما يلي:
- زيادة عدد المواطنين الأمريكيين العاملين في مناصب رفيعة المستوى داخل وكالات الأمم المتحدة.
- شن حملة داخل مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى، لمحاسبة الصين على انتهاكات حقوق الإنسان.
- الضغط من أجل منح تايوان عضوية مستقلة في مؤسسات الأمم المتحدة.
- مراجعة مشاركة الصين في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
- مراجعة مشتريات الأمم المتحدة من السلع والخدمات الصينية.
8- مع وجود الصين في مجلس مراجعي الأمم المتحدة، ونظرًا لغياب الشفافية والمساءلة في وكالات الأمم المتحدة مثل الأونروا، يجب على الكونجرس حظر تمويل وكالات الأمم المتحدة التي لا تسمح للولايات المتحدة بإجراء عمليات تدقيق مستقلة (على حساب الولايات المتحدة).
9- يجب على إدارة بايدن والكونجرس أن يجعلا تقديم أية مساعدات مالية مستقبلية لوكالة الأونروا، مشروطًا بإجراء هذه المنظمة لسلسلة من التغييرات على منظومتها القديمة للإدارة والحوكمة، كما يجب أن تشجع الولايات المتحدة حلفاءها على اتخاذ نفس الموقف، وكذا التفكير في تحويل الدعم المقدم للاجئين الفلسطيني، ليكون مقدمًا بشكل مباشر عبر القنوات الثنائية، عوضًا عن تقديمه لوكالة الأونروا، وذلك إلى أن يتم تحقيق الإصلاحات المطلوبة في هذه الوكالة.
10- يجب على إدارة بايدن والكونجرس الإشارة إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتمويله، إذا شرع في إصلاحات تستهدف منع انتخاب الأنظمة الديكتاتورية ضمن عضويته، وتضمن معاملة إسرائيل بإنصاف. ويجب أن تعلن الولايات المتحدة انه لابد ان تكون الدول المرشحة لعضوية هذا المجلس، مصنفة على أنها دول (حرة) من جانب مؤسسة (فريدوم هاوس)، ويجب إزالة إسرائيل من بنود جدول الأعمال الدائم الخاص بهذه المنظمة، وكذا إلغاء الاقتراع السري في الانتخابات الداخلية بهذا المجلس. وريثما يتم تنفيذ مثل هذه الإصلاحات، يجب على الولايات المتحدة تخفيض مساهمتها في الميزانية العامة للأمم المتحدة، بمبلغ يساوي قيمة المساهمة المالية للأمم المتحدة في ميزانية مجلس حقوق الإنسان.
أربعة وعشرين: السياسة الأمريكية تجاه أمن الاقتصاد الوطني
توصيات لإدارة بايدن
1- يجب أن تركز العقوبات على الأنظمة المارقة الحاكمة، وكذا الأطراف التي تساعدها في تنفيذ سياساتها، خاصة الوكلاء الذين يسهلون التهرب من العقوبات، وينفذون عمليات غسيل الأموال لصالح هذه الأنظمة. لا ينبغي أن يكون التركيز منصبًا فقط على إجبار الحلفاء على الالتزام بأهداف السياسة الأمريكية. كذلك يجب أن تبتعد الإدارة الجديدة عن اعتماد نهج متطرف ضمن حملاتها الدولية الضاغطة، ويجب أن يتم توقيع العقوبات الأمريكية فقط على من ينتهك الأمن الدولي، ويهدد أمن وسلامة النظام المالي العالمي، وستعتمد استدامة وفاعلية العقوبات على مدى شرعيتها، وماهية النتائج المنعكسة من خلال تطبيقها على النظام الدولي، خاصة القطاع الخاص.
2- يجب تحديد الأولويات الاقتصادية بشكل واضح في السياسات الأمريكية الخارجية، وتوظيفها لتعزيز الشراكات الأساسية في مواجهة التحديات الأوسع القادمة من الصين، نظرًا لأن الحروب التجارية وفرض العقوبات ضد الدول الشريكة، سيؤدى إلى تنفير الحلفاء وتقويض مصداقية الجهود المبذولة لعزل الأنظمة المارقة، لذا يجب أن يكون إيجاد طرق بديلة لدعم الحلفاء في مواجهة الضغوط الاقتصادية من الصين هدفًا مهمًا للأمن القومي للولايات المتحدة.
3- العمل عن كثب مع شركاء الولايات المتحدة، من أجل تطوير القواعد والممارسات المالية والاقتصادية والتجارية دوليًا -بما في ذلك الشفافية والمساءلة في التدفقات المالية، والقيود المفروضة على استخدام البيانات، وحماية حقوق الخصوصية الفردية، في مواجهة الجهود الواضحة التي تبذلها الصين وروسيا وغيرهما من الدول لتغيير المعايير الدولية.
4- ضرورة إنشاء آليات فعالة لمشاركة المعلومات مع حلفاء الولايات المتحدة، بهدف تعزيز مراجعات أمن الاستثمار، حيث تحاول الصين وروسيا وجهات أخرى كسب النفوذ والوصول إلى التقنيات والموارد والمرافق ورؤوس الأموال الجديدة. محليًا، ولضمان شفافية وأمن النظام المالي الأمريكي، يجب على الولايات المتحدة تعزيز التدابير القانونية والتنظيمية، بهدف الحصول بشكل دائم على تقارير موثوقة حول الملكيات النهائية للأصول، والأنشطة الاستثمارية الأجنبية. كذلك يجب على الولايات المتحدة أيضًا أن تكثف جهودها للاستثمار بشكل استراتيجي في التقنيات والصناعات التي تعتبر ضرورية للأمن الاقتصادي والوطني للولايات المتحدة وحلفائها.
5- يجب دعم واشنطن للمبادرات والتجمعات الاقتصادية الدولية، على غرار تجمع (D10) المقترح من جانب بريطانيا، وهي مبادرة من شأنها أن تجمع بين الدول الديمقراطية، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية المشتركة، وعلى رأسها نقاط الضعف في سلاسل التوريد. يجب أيضًا ربط مثل هذه الجهود بصفقات وترتيبات تجارية جديدة، للمساعدة في وضع معايير اقتصادية فعالية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وضمان تلبية المصالح الأمريكية طويلة الأجل.
6- يجب إجراء مراجعات وافية لتأثيرات خصوم الولايات المتحدة على الأسواق الدولية، وكذا تأثير التقنيات الجديدة والسياسات المالية والنقدية على تنافسية الدولار الأمريكي، باعتباره العملة التجارية الرائدة، والعملة الأساسية لمعظم احتياطيات دول العالم النقدية. يجب أن تسفر هذه المراجعة عن تشكيل استراتيجية لتعزيز استخدام الدولار الأمريكي والاعتماد عليه دوليًا، سواء بطرق تقليدية أو جديدة، بما في ذلك تطوير العملات الرقمية المدعومة من البنك المركزي الأمريكي.
خمسة وعشرين: السياسة الأمريكية تجاه “الجهاد السني”
تقييم سياسات ترامب
تمثل التأثير التراكمي لسياسات إدارة ترامب من عام 2017 إلى نهاية عام 2020، في سياسة احتواء الجهاديين وإنهاء مواضع تمركزهم. الاحتواء هنا لا يعني فقط أن الجهاديين فقدوا (دولة الخلافة في العراق وسوريا)، لكن أيضًا تم منعهم من محاولة تكوين نماذج مماثلة في مناطق مثل أفغانستان والصومال وغرب أفريقيا. كان النجاح الرئيسي لإدارة ترامب في مجال مكافحة الإرهاب، هو إنهاء كما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام).
على الرغم من أن ترامب ينسب لنفسه الفضل في تحرير 100٪ من أراضي هذه الدولة، إلا أن العمليات في سوريا والعراق كانت استمرارًا لنهج سلفه أوباما، فقد كان تنظيم الدولة الإسلامية قد خسر بالفعل ما يقرب من 50 في المائة من مناطق نفوذه بحلول يناير2017، ثم فقد التنظيم ما تبقى من أراضي ومناطق نفوذ بعد أن قام ترامب بتعديل قواعد الاشتباك الخارجي الأمريكية قبيل معارك الموصل العراقية والرقة السورية، وقام بتقديم الدعم لحلفاء الولايات المتحدة في تلك المنطقتين، عوضًا عن الزج بالقوات الأمريكية بشكل مباشر في آتون المعارك مع التنظيم.
في سوريا، ورثت إدارة ترامب من أدارة أوباما السابقة، الشراكة الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو جيش يتكون معظم أفراده من القومية الكردية. في العراق، واصلت إدارة ترامب العمل مع الحكومة العراقية ومقاتلي البيشمركة في كردستان العراق. وقد قاد العراقيون معظم مراحل القتال في معركة الموصل، بدعم محدود من مفارز عسكرية أمريكية صغيرة، وتمكن كلا الفصيلين في العراق وسوريا في النهاية، من إنهاء وجود تنظيم داعش في مناطق نفوذه شمالي العراق وشرقي سوريا.
بالتزامن مع ذلك، استمرت إدارة ترامب في جهودها لإضعاف نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق أخرى، فمثلًا وجهت الولايات المتحدة ضربات كبيرة إلى إقليم خراسان في أفغانستان، مما أدى إلى مقتل سلسلة من كبار قادة تنظيم الدول الإسلامية. مع ذلك، لا يزال تنظيم داعش في هذه المنطقة ومناطق أخرى تنشط فيها جماعات موالية لهذا التنظيم، تشكل خراسان تهديدات جدية، وينشطون بشكل دوري عبر عمليات إرهابية متنوعة.
فيما يتعلق بتنظيم القاعدة، حققت إدارة ترامب نجاحات أقل، فقد واصلت تعقب كبار قادة التنظيم في جميع أنحاء العالم، وفي السابع من أغسطس 2020، وبناء على طلب من واشنطن، قامت عناصر إسرائيلية باغتيال نائب أمير تنظيم القاعدة، أبو محمد المصري، في العاصمة الإيرانية طهران، كما أسفرت هذه الجهود أيضًا عن مقتل حمزة بن لادن،، وريث زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بجانب شخصيات بارزة أخرى في التنظيم، تم اغتيالها في أفغانستان ومالي وسوريا واليمن. في الصومال، أجازت إدارة ترامب زيادة الضربات الجوية الأمريكية هناك، حيث أحبطت القوات الجوية الأمريكية محاولات حركة الشباب التقدم على الأرض، لكن بالمقارنة مع ذلك، كانت سياسة ترامب تجاه أفغانستان غير متسقة إلى حد كبير.
فقد شكك ترامب مرارًا في جدوى القتال هناك، ووافق على مضض على زيادة متواضعة في القوات الأمريكية المتمركزة هناك في أغسطس 2017. في ذلك الوقت، جادل ترامب بأن النصر في أفغانستان ضروري لحماية المصالح الأمريكية، لكن بعد أكثر من عام بقليل، عكس ترامب مساره، وأطلق مفاوضات سياسية مع حركة طالبان في محاولة لتبرير قراره بالانسحاب العسكري الكامل من أفغانستان.
وبحسب ما ورد من تفاصيل هذه المفاوضات، وافقت حركة طالبان على العديد من الضمانات الخاصة بمكافحة الإرهاب، بما في ذلك عدم السماح لتنظيم القاعدة باستخدام الأراضي الأفغانية للتخطيط لهجمات إرهابية دولية، ومع ذلك، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن طالبان ستلتزم بهذا التعهد، خاصة أن هذه المفاوضات لم تتضمن الاتفاق على آليات للتحقق من تنفيذ البنود المتفق عليها.
وبالنظر إلى ادعاءات حركة طالبان المتكررة حول عدم وجود أي روابط بينها وبين تنظيم القاعدة، رغم وجود أدلة كثيرة على أن كلا الجانبين مازالا متحالفين، نستطيع أن نعتقد أن الانسحاب الكامل من أفغانستان، المقرر بحلول ربيع عام 2021، من شأنه أن يعزز خسارة أمريكا في أطول حرب خارجية لها، مما يؤدي إلى تسليم معظم مناطق أفغانستان بشكل طوعي إلى حركة طالبان، التي تعد أقرب حلفاء تنظيم القاعدة.
هناك الكثير من عدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل حملة مكافحة الإرهاب الأمريكية، فقد حاولت إدارتان متتاليتان تخليص القوات الأمريكية من صراعات ما بعد 11 سبتمبر، ومع ذلك، فإن الرئيسين أوباما وترامب فاتتهما حقيقة بسيطة، وهي أن التنظيمات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية والقاعدة والجماعات الجهادية الأخرى، ستواصل تهديد المصالح الأمريكية، سواء ظلت الولايات المتحدة ملتزمة بقتالها أم لا. إن خطاب (الحروب التي لا نهاية لها) يحجب هذه الحقيقة، ويصور وجود أمريكا في الخارج على أنه المشكلة الرئيسية، مع أن المشكلة الحقيقة بالنسبة للولايات المتحدة تبقى متمثلة في التهديد الذي تمثله الجماعات الجهادية السنية.
توصيات لإدارة بايدن
1- احتفظ بوجود عسكري أمريكي صغير الحجم في المناطق التي تشهد نشاطًا ملحوظًا للجماعات الجهادية. لقد انتهت أيام جهود مكافحة الإرهاب الواسعة النطاق قبل انتخاب ترامب بفترة طويلة، فقد أنهت الولايات المتحدة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على معظم مناطق شرق سوريا، وذلك باستخدام أقل من 2500 عنصر من عناصر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية، الذين وفروا الدعم الناري واللوجيستي لنحو 60 ألف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية، الذين بدورهم تكبدوا الغالبية العظمى من الضحايا خلال مسار المعارك. الوجود الأمريكي الحالي في سوريا، يعززه وجود عدة آلاف من القوات المتمركزة في العراق، وإذا سحبت الولايات المتحدة قواتها بالكامل من المنطقة، فمن المرجح أن يستعيد تنظيم الدولة الإسلامية نشاطه في هذه المنطقة، خاصة أن أفراد التنظيم بدأوا خلال الفترة الأخيرة في شن هجمات داخل كل من العراق وسوريا. الوضع في أفغانستان يعتبر أكثر تعقيدًا، حيث أثبت حلفاء واشنطن في الحكومة الأفغانية الحالية أنهم غير قادرين على مكافحة الأنشطة الإرهابية على أراضيهم، ومع ذلك، لا توجد إرادة سياسية حقيقية في واشنطن للاحتفاظ بوحدة صغيرة من القوات الأمريكية في أفغانستان، التي يوجد فيها حاليًا بضعة آلاف من العسكريين الأمريكيين، الذين أن تم سحبهم بحلول ربيع عام 2021، فسيكون ذلك بمثابة هدية تقدمها الولايات المتحدة للجهاديين، ليس فقط في أفغانستان ولكن في جميع أنحاء العالم، وحينها ستكون هزيمة أمريكا في هذا المضمار واضحة.
2- يجب تحديد العدو بشكل صحيح وواضح، فقد أدت رغبة واشنطن في “إنهاء” الانخراط الأمريكي العسكري في حروب ما بعد 11 سبتمبر، إلى نشوء تقييمات مسيسة للتهديد الجهادي السني. إدارة أوباما من جانبها نظرت إلى تنظيم الدولة الإسلامية على أنها فصيل إرهابي محلي لا يحمل اي اهمية على الجانب الأمني، ولا يمكن أن يشكل خطر على الغرب، لكن أثبتت التجربة خطأ ذلك بعد سيطرة التنظيم على أجزاء واسعة من شمال العراق وشرق سوريا منذ العام 2014. وقد ارتكب البعض في واشنطن نفس هذا الخطأ فيما يتعلق بمقاربتهم لملف تنظيم القاعدة، حيث صنفوا بشكل خاطئ أذرع هذا التنظيم الإقليمية، على أنها فصائل محلية تشكل تهديدات محدودة، وأعلن هؤلاء مرارًا أن أمكانية أنهاء تنظيم القاعدة بشكل كامل ممكنة وقريبة من التحقق. بالنظر لما تقدم، يجب على الحكومة الأمريكية أن تؤسس لمقاييس موضوعية، يمكن من خلالها تقييم التهديد الجهادي السني، كما يجب نشر الإصدارات التي تم رفع السرية عنها من هذه التقييمات للجمهور، حتى يتم إعلام المواطنين بشكل أفضل عن طبيعة التهديدات التي تشكلها هذه الجماعات.
3- يجب في نفس هذا السياق، توضيح أوجه تورط الدول الإقليمية في دعم التنظيمات الجهادية السنية، فعلى الرغم من عدم تتمتع تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة برعاية مباشرة من أحدى الدول -كما هو الحال في ما يتعلق بحزب الله في لبنان الذي ترعاه طهران- الا أن تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية قد استفادا بشكل أو بآخر من عوامل التمكين الحكومية، وعقد صفقات تجارية وأمنية مع مختلف الجهات الفاعلة في عدد من حكومات الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ولطالما حافظ تنظيم القاعدة على شبكة لجمع التبرعات عبر دول الخليج، وتوصل سابقًا إلى اتفاقات مع مسؤولين في موريتانيا وباكستان وإيران. تركيا في هذا الصدد مثلت إشكالية أساسية، وغالبًا ما تعاملت بتساهل كبير مع أنشطة تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة. يجب أن تستمر الحكومة الأمريكية في إعلان كافة هذه الارتباطات والروابط، سواء عبر الإعلام والبيانات الرسمية، أو عبر العقوبات، كما يعد إنهاء هذه العلاقات أمرًا مهمًا للغاية، إذا كان الهدف هو تضييق الخناق على الأنشطة الجهادية السنية في المنطقة.
الخلاصة النهائية.. جعل أمريكا آمنة مرة أخرى
كان الشعار الانتخابي للرئيس ترامب هو (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)، في حين كان شعار حملة الرئيس المنتخب جو بايدن (إعادة البناء بشكل أفضل). كلتا العبارتان تعترفان بضرورة الإصلاح، لعكس التدهور والانحطاط الحاليين، وإصلاح ما تسبب ترامب مؤخرًا في تخريبه، حين قام بشكل مخجل ومؤسف بتشجيع أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول، عندما كان الكونجرس يقوم بالتزاماته الدستورية لفرز الأصوات الانتخابية.
تصرف ترامب ها تسبب في تشويه صورته وصورة إرثه السياسي بشكل لا يمكن إصلاحه، وهذا يعد أمر مؤسف للغاية، لأن ترامب، خاصة فيما يتعلق بسياسات الأمن القومي والخارجي، تمكن من تحقيق بعض النجاحات المهمة، والتي أتت بعد ثماني سنوات من مساهمة سياسات الرئيس أوباما في تقليص وتقزيم مصداقية القوة والقدرة التي تمتلكها واشنطن في مواجهة أعدائها.
عانى ترامب أيضًا في مجالات أخرى من بعض الإخفاقات الكبيرة، لكنه حقق في مجالات أخرى تقدمًا تدريجيًا يمكن لخلفه أن يبنى عليه، هذا في حالة ما إذا كان بايدن يريد تأسيس اتجاهاته السياسية الخاصة، لا السير على نفس خطى إدارة أوباما. تولى ترامب منصبه وهو يمتلك معرفة محدودة بالعلاقات الدولية والآليات المعقدة التي يتم من خلالها صياغة السياسات وتنفيذها، وكان يعرف القليل عن آليات وطرق التفاوض وعقد الصفقات، وقام بشكل عفوي باستيعاب منطق “السلام من خلال القوة”.
على هذا الأساس، قام بزيادة الإنفاق الدفاعي، وهو أمر ضروري لأن مئات المليارات من الدولارات التي تم تخفيضها من الميزانية الدفاعية خلال حقبة أوباما جعلت الجيش الأمريكي يعاني من انخفاض في جاهزيته القتالية وفي قدرات الأسلحة التي يمتلكها. على هذا القياس، يمكن القول إن الأصوات المعزولة الموجودة حاليًا على يسار ويمين بايدن، ستنصحه بأن يقوم بتخفيض الميزانية الدفاعية مثل ما فعل اوباما، وإذا سلك بايدن هذا المسار فسوف يشجع أعداء الولايات المتحدة على المضي قدمًا في برامجهم الخاصة بالتسلح، مما يجعل الصراع أكثر احتمالا.
كان ترامب إما ذكيًا أو محظوظًا في تعيين باحث ذو خلفية عسكرية منضبطة كمستشار للأمن القومي، وقد تم تتويج عملية تحديد الأولويات الاستراتيجية التي قام بها الفريق المتقاعد H.R. McMaster، ضمن استراتيجية الأمن القومي لعام 2017، وهو التقييم الذي حطم الصورة الذهنية التي نظرت الولايات المتحدة من خلالها للصين منذ سبعينيات القرن الماضي، فقد تضمنت استراتيجية الأمن القومي السالف ذكرها، أدراكًا لحقيقة أن النظام الحاكم في الصين يعتبر نفسه خصمًا للولايات المتحدة، وأن بكين كانت منذ فترة طويلة، تحاول تنفيذ استراتيجية لتحويل ما يسمى بالنظام الدولي الليبرالي القائم، إلى منظومة غير ليبرالية، عبر قواعد وضعها الحزب الشيوعي الصيني، تناقض القيم والمصالح الأمريكية”.
تشمل استراتيجية الصين حشدًا عسكريًا هائلًا مخصصًا للأغراض الهجومية والدفاعية في آن، وكذا عمليات السطو الواسع النطاق على الملكيات الفكرية، خاصة عبر استخدام تطبيقات (الهندسة العكسية) في معظم القطاعات الصناعية، وكذا محاولة إيجاد موطئ قدم للتأثير في كافة مناحي الحياة في الولايات المتحدة، بداية من الجامعات ووصلًا إلى مبنى الكابيتول وشارع وول ستريت، بالإضافة إلى إغراق دول العالم الثالث الغنية بالموارد بالديون، واستخدام المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كمنصة لاستهداف الولايات المتحدة وحلفائها.
تضمنت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية عام 2017، الإقرار بفشل استراتيجية الرئيس الأسبق أوباما في أعادة ضبط العلاقات مع موسكو، حيث فشلت جهوده في تحويل بوتين إلى صديق للولايات المتحدة. على الرغم من أن الرئيس السابق ترامب دافع عدة مرات عن رجل روسيا القوي، إلا أن مجمل سياسات إدارته، التي عززتها تشريعات الكونجرس، كانت قوية في مواجهة روسيا، بالمقارنة بالسياسات التي أتبعها الرؤساء السابقون. لكن هل كانت هذه السياسات قوية بالشكل الكافي؟، هذه السياسات في النهاية لم تمنع موسكو من استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة، من أجل اغتيال معارضيها.
فيما يتعلق بكوريا الشمالية وإيران، فقد وصفت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي كليهما بانهما (انظمة مارقة)، طهران ظلت لأكثر من أربعة عقود، تهتف “الموت لأمريكا!” بينما تحاول بشكل سري الحصول على قدرات نووية عسكرية، تجعلها قادرة على تحقيق الهتاف الذي تنادي به. الشيوخ الذين يحكمون طهران، وافقوا خلال خطة العمل الشاملة المشتركة التي أبرمتها معهم إدارة أوباما، أو ما يعرف ب (الاتفاق النووي) على وقف -وليس إنهاء- بعض المراحل في برنامج طهران النووي، وذلك مقابل مليارات الدولارات. هذه المحاولة الأمريكية من أجل شراء – أو تأجير- النوايا الحسنة لحكام إيران الإسلاميين، لم تحظ أبدًا بدعم الأغلبية سواء في الكونجرس أو ضمن الشعب الأمريكي. في مايو 2018، انسحب ترامب من هذا الاتفاق، ثم بدأ في فرض عقوبات شلَّت الاقتصاد الإيراني وقلصت الدعم المالي المتوفر من جانب النظام لقائمة طويلة من الجماعات الإرهابية، لكن سياسة “الضغط الأقصى” لم تصل إلى الحد الأقصى في أرض الواقع، ولم يكن تطبيقها لمدة أكثر بقليل من عامين كافيًا لإجبار حكام إيران على تقديم تنازلات جدية مقابل إزالة العقوبات.
أما بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن سياسة أوباما القائمة على “الصبر الاستراتيجي”، كناية عن عدم القيام بأي شيء، لم تحقق شيئًا يذكر. حاولت إدارة ترامب اتباع نهج مختلف، يتمثل في مبدأ (الدبلوماسية الشخصية)، لكن فشلت هذه السياسة أيضًا، فقد كان من السذاجة الاعتقاد بأن كيم جونغ أون ستغريه عروض ترامب لمساعدته على انتشال شعبه من الفقر، كما أن التهديدات المستترة بشن عمل عسكري ضد بيونج يانج لم تدفع الديكتاتور الكوري الشمالي، على ما يبدو، إلى التفكير في إنهاء خططه لتطوير القدرات الباليستية التي ستسمح له بإيصال رؤوس حربية نووية إلى أهداف على الأراضي الأمريكية.
في سوريا والعراق، اتخذ ترامب إجراءات مهمة ذات مغزى استراتيجي ضد المجموعات الجهادية السنية، ففي سوريا، قادت مجموعة صغيرة من قوات النخبة الأمريكية، الحلفاء الأكراد والعرب، في حملة عسكرية خاطفة، حرمت تنظيم الدولة الإسلامية من الأراضي التي احتلها، بعد سحب أوباما للقوات الأمريكية من العراق عام 2011. كان على ترامب أن ينسب الفضل إلى هذه السياسة الفعالة، في التمكن من الوصول إلى نتائج ميدانية أساسية في الحرب على الإرهاب، عبر استخدام الانتشار الأمامي للقوات الأمريكية في أرض المعركة، من أجل تصدر المهام الميدانية، لكن ترامب بدلًا من أن يفعل ذلك، أعلن في ديسمبر 2018 بشكل مفاجئ، عن نيته لإخراج كافة القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا، وحينها أعرب وزير الدفاع جيمس ماتيس عن قلقه من هذه الخطوة، التي ستهدد أمن القوات الأمريكية في أماكن أخرى في المنطقة، وكذا أمن حلفاء أمريكا في تحالف مكافحة الإرهاب، ومن ثم قدم استقالته على الفور.
في النهاية، تم إقناع ترامب بالتراجع عن هذا القرار، لكنه لم يدرك أبدًا مدى خطورة ترك أعداءنا الإرهابيين ينعمون بحرية التخطيط والتحرك. ترامب كان أيضًا حريصًا على سحب الوحدة العسكرية الأمريكية الصغيرة المتبقية في أفغانستان، ولم يترك هناك سوى قوة رمزية لا تمثل أهمية. في غضون ذلك، تفاوض السفير زلماي خليل زاد، ممثل ترامب الخاص للمصالحة في أفغانستان، على صفقة مع طالبان يبدو من المرجح أنها ستمكن حليف القاعدة هذا من حكم أفغانستان مرة أخرى. في هذا الصدد يواجه بايدن الآن خيارًا صعبًا، حيث يمكنه أن يمنح قادته العسكريين الأدوات التي يحتاجونها لأداء مهامهم بشكل مناسب في أفغانستان وسوريا، بما في ذلك التدريب وتقديم الدعم ومساعدة الحلفاء المحليين؛ وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب والعمليات الاستخبارية، أو يمكنه أن يعيد الجميع إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
فيما يتعلق بالعلاقات العربية – الإسرائيلية، كان أهم إنجاز لإدارة ترامب هو توقيع اتفاقات (إبراهيم)، وهي المرة الأولى منذ أكثر من جيل التي انفتحت فيها الدول العربية على علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. وكانت الإمارات العربية المتحدة والبحرين في المقدمة، وحذا حذوهما كل من السودان والمغرب. يمكن الآن تصور نهاية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومع ذلك، فإن تحقيق هذه النهاية يتطلب من القادة الفلسطينيين، إعادة تعريف “القضية الفلسطينية”، ليس على أساس أنها تستهدف تدمير الدولة اليهودية، ولكن على أنها رغبة في إنشاء دولتين متجاورتين، يتعايش فيهما شعبين بسلام. حركة حماس التي تحكم قطاع غزة لن تتبنى هذا الموقف أبدا، في حين أن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي يبلغ من العمر 85 عام، ويحكم حاليًا الضفة الغربية، منذ عام 2005، كان، في أحسن الأحوال، متناقضًا بشأن ما قد يعنيه حل الدولتين.
وأخيراُ، ما بين عامي 2013 و2015، تعرض مكتب إدارة شؤون الموظفين في الولايات المتحدة، لعملية اختراق استهدفت سجلات أكثر من 20 مليون أمريكي -فيما كان يعد حتى هذا التوقيت الاختراق الأكبر في التاريخ للبيانات الحكومية الأمريكية- ويعتقد أن الصين كانت مسؤولة عن هذا الخرق، يضاف إلى ذلك أحدث اختراق إلكتروني تعرضت له ما لا يقل عن ستة مؤسسات حكومية أمريكية مؤخرًا -يعتقد أن روسيا كانت وراءه- وهذه الأحداث جميعها اوضحت بجلاء كيف أن عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها إدارتا أوباما وترامب على الدفاعات الإلكترونية، قد فشلت في إنجاز المهمة المطلوبة منها
المسؤولية الرئيسية الملقاة على عاتق رئيس الولايات المتحدة هي الدفاع عن الأمريكيين من أولئك الذين ينوون إلحاق الأذى بهم. في إدارة ترامب، تم الاعتراف على الأقل بوجود تهديدات كبيرة وجدية، تجاهلها سلفه أو قلل من شأنها. بعد انتخابات نوفمبر، حاول ترامب تقويض الإجراء الدستوري الرئيسي في البلاد، وهو النقل السلمي للسلطة بعد الانتخابات الرئاسية. لن يحكم التاريخ على ذلك باستخفاف، ولا أحد يتوقع أن يقول بايدن علنًا أن سياسات ترامب الخارجية والأمنية القومية كانت بمثابة تصحيح ضروري لسياسة أوباما، لكن ربما يتعلم بايدن وكبار مستشاريه بعض الدروس من مسار الأحداث خلال الأثنى عشر عامًا الماضية. قد يكون من السابق لأوانه استبعاد هذا الاحتمال، لكن يجب أن نتذكر أن بايدن صرح عقب الانتخابات قائلًا إنه يريد أن تكون الولايات المتحدة “دولة موحدة وأمة قوية”، لذا دعونا نأمل أنه يدرك حقيقة أن القوة لا تقل أهمية عن الوحدة، حتى لا يعتقد أعداؤنا الكثر أن بإمكانهم الإضرار بمصالحنا ومؤسساتنا، ثم الإفلات من العقاب.



