
لقاح أكسفورد … النصر على الجائحة قريب؟
اليوم دخلت المواجهة بين القطاع الطبي حول العالم وجائحة (كوفيد-19) المعروفة باسم فيروس كورونا المستجد مرحلة جديدة كليًا، ببدء بريطانيا حملة تطعيم واسعة لمواطنيها، باستخدام لقاح (ChAdOx1 nCoV-19) المعروف إعلاميًا باسم لقاح (أكسفورد-أسترازينيكا)، نسبة للجهتين اللتين أشرفتا على تطويره وإنتاجه واختباره معمليًا وسريريًا، وهي شركة (أسترازينيكا) الأمريكية، وجامعة (أكسفورد) البريطانية.
فقد تلقى ثلاثة أشخاص صباح اليوم اللقاح الجديد في مستشفى جامعة أكسفورد، الأول هو بريان بينكر، البالغ من العمر 82 عامًا، وتريفور كوليت، البالغ من العمر 88 عامًا، والثالث هو أندرو بولارد، ليصبح ثلاثتهم أول من يحصل على اللقاح الجديد خارج دائرة التجارب السريرية، التي تمت على ثلاث مراحل منذ مايو وحتى أواخر نوفمبر الماضي، وأدت النتائج الجيدة التي أسفرت عنها هذه السلسلة من التجارب، إلى إقرار الحكومة البريطانية أواخر الشهر الماضي بشكل رسمي لاستخدام هذا اللقاح في الحالات الطارئة.
كيف يعمل هذا اللقاح؟
على المستوى العلمي، يعتبر هذا اللقاح نسخة من فيروس (الأدينوفيروس) وهو أحد أنواع فيروسات الرشح العادية، والتي تعرف باسم (الفيروسات الغدية)، وتصيب عدة أنواع من الحيوانات مثل قرود الشمبانزي، تم إخضاعه لتعديلات وراثية، بهدف تحويره ليصبح محفزًا لإنتاج الأجسام المضادة لفيروس كورونا، وذلك عن طريق تحميله بالشفرة الوراثية الخاصة بإحدى البروتينات الموجودة ضمن تكوين فيروس كورونا، ويعرف باسم بروتين (سبايك). بعد التطعيم بهذا اللقاح، يقوم الجهاز المناعي للجسم بتكسير الفيروس الناقل للبروتين، ومن ثم يبدأ في تكوين أجسام مضادة لهذا البروتين من الخلايا (البائية) أو يحفز الخلايا (التائية) القاتلة لهذا الفيروس، والتي تتكاثر وتعيش لفترة طويلة في الدم والأنسجة الليمفاوية ونخاع العظام، وهذا يهيئ جهاز المناعة بشكل مستقبلي لمهاجمة فيروس كورونا في حالة مهاجمته للجسم.
التجارب السريرية والمعملية على هذا اللقاح، بدأت بشكل فعلي أواخر أبريل الماضي، حيث بدأت الاختبارات المعملية على القرود، التي تم تطعيم بعضها باللقاح، ثم تم تعريضها جميعًا الفيروس كورونا. وعلى الرغم من اكتشاف إصابة القرود التي تمت الاختبارات عليها بالفيروس، إلا أن التجارب المعملية كانت في المجمل ناجحة، نظرًا لأن الأعراض المصاحبة للإصابة بالفيروس لم تظهر على القرود التي تم تلقيحها، على عكس القرود التي لم يتم تلقيحها، حيث ظهرت عليها أعراض مثل الالتهاب الرئوي. هذه النتيجة أفضت إلى بدء التجارب السريرية بشكل عاجل، على ثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى تمت في الفترة ما بين أواخر أبريل وأواخر مايو الماضي، وخضع فيها نحو 1077 شخص للحقن بهذا اللقاح، تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عام، وقد أثبتت هذه المرحلة أن اللقاح آمن وتسبب في تحفيز الاستجابة المناعية للجسم، بحيث يتم تشكيل الخلايا البائية (الأجسام المضادة) بشكل كامل خلال 28 يوما، وتتم الاستجابة الكاملة للخلايا التائية القاتلة للفيروس (المعروفة أيضًا باسم T-CELLS) خلال 14 يوما. تلا هذه المرحلة مرحلة أخرى من التجارب السريرية، تمت على نحو 500 شخص، تعرضوا لجرعتين من هذا اللقاح، وقد أظهرت نتائج هذه المرحلة والمرحلة التي سبقتها، نجاح اللقاح في تحفيز رد فعل مناعي في أجسام المشاركين في هذه التجارب، خاصة كبار السن. المرحلة الثالثة من التجارب، والتي انتهت أواخر شهر نوفمبر الماضي، كانت أوسع نطاقًا، حيث شملت نحو عشرة آلاف شخص في بريطانيا، ونحو 30 ألف شخص في الولايات المتحدة، بجانب أعداد أخرى في البرازيل وجنوب أفريقيا.
نتائج مبشرة حققها العقار الجديد
مجلة (لانسيت) الطبية صادقت في الثامن من ديسمبر على مجمل النتائج التي تم استخلاصها من المراحل الثلاث للاختبارات السريرية والمعملية، حيث أعلنت ان اللقاح بصورة عامة آمن، وأن الآثار الجانبية له نادرة جدًا، حيث لم يتم تسجيل سوى حالة واحدة من ضمن من خضعوا للتجارب السريرية، عانت من آثار جانبية قد تكون مرتبطة بهذا اللقاح، حيث أصيبت بالتهاب في النخاع الشوكي يندر حدوثه، وهذا ادى إلى إيقاف التجارب بشكل مؤقت في سبتمبر الماضي. النقطة الهامة في هذا الصدد هي أن النسبة المتوسطة لنجاح هذا اللقاح بلغت 70 بالمائة، حيث كانت فعاليته نحو 90 بالمائة لدى المتطوعين الذين تلقوا في المرة الأولى نصف جرعة من اللقاح وبعد شهر جرعة كاملة، وانخفضت هذه الفعالية ينخفض 62% لدى المتطوعين الذين تم تلقيحهم بجرعتين كاملتين، لتصبح بذلك النسبة المتوسطة لفعالية هذا اللقاح هي 70 بالمائة، مقابل نحو 90 بالمائة للقاح (فايزر – بيونتيك). فما الذي يجعل لقاح أكسفورد أفضل وأكثر فعالية.
الميزة الأساسية لهذا اللقاح تكمن في نقطتين أساسيتين، الأولى هي سهولة تخزينه، حيث يمكن حفظه في درجات تبريد تقارب درجات التبريد في الثلاجات المنزلية، (ما بين درجتين وثماني درجات مئوية)،وهو ما يعني بالتبعية أمكانية نقله وتوزيعه بسهولة في كافة أنحاء العالم، ناهيك عن انخفاض تكاليف تخزينه، بما يسمح بسرعة تداوله وتوزيعه واستخدامه، في حين أن اللقاحات الأخرى، بما فيها لقاحي شركتي (موديرنا) و(فايرز – بيونتك)، تحتاج إلى ظروف تخزين خاصة، تتطلب درجات حرارة متدنية جدًا، ما بين 20 درجة تحت الصفر و70 درجة تحت الصفر. النقطة الثانية تتعلق بتكاليف الإنتاج الضئيلة لهذا اللقاح، حيث تبلغ تكلفة أنتاج الجرعة الواحدة منه أربعة دولارات فقط، وهو ما يساهم بشكل أكبر في الإنتاج السريع والواسع لهذا اللقاح.
هذا اللقاح جاء في توقيت مثالي بالنسبة للمملكة المتحدة، التي تعاني بشكل واضح من تداعيات الموجة الثانية من تفشي جائحة كورونا، مع أكثر من 75 ألف حالة وفاة حتى الآن، ونحو 55 ألف إصابة جديدة بالفيروس أمس فقط، وهذا الوضع دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى التحذير من احتمال فرض قيود أكثر صرامة في البلاد خلال الأسابيع المقبلة. حملة التطعيم باللقاح الجديد، وهو ثاني لقاح ترخصه وكالة تنظيم الأدوية والمنتجات الصحية البريطانية، بعد لقاح (فايزر – بيونتيك)، الذي تم حقن أكثر من مليون شخص به حتى الآن، بدأت بشكل مبدأي في ديسمبر الماضي، لكنها بدأت فعليًا أوائل الشهر الجاري، بعد أن بدأت السلطات الصحية في تسلم شحنات من هذا اللقاح، الذي طلبت منه مائة مليون جرعة، من أجل الوصول إلى الرقم المستهدف أسبوعيًا لعدد من يتم تطعيمهم باللقاح الجديد، وهو مليوني شخص. وسيكون نزلاء دور رعاية المسنين وطاقم العاملين فيها أول من يتلقون اللقاح، يليهم العاملون في الرعاية الصحية والمسنون الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا.
المعضلة الأساسية في هذا الصدد تكمن في مسألة تطعيم المواطنين الذين تلقوا جرعة أولى من هذا اللقاح، بجرعة ثانية منه، حيث يثار حاليًا جدل في الداخل البريطاني بشأن قرار الحكومة البريطانية تأجيل إعطاء جرعات ثانية من هذا اللقاح، بهدف زيادة أعداد المواطنين الذين سيحصلون على جرعة أولى منه، حيث يرى بعض العلماء أنه لا يمكن معرفة مدى فعالية اللقاح في حالة ما إذا كانت هناك فجوة زمنية كبيرة بين الجرعة الأولى والثانية، ناهيك عن عدم معرفة مدى الحماية الذي ستوفره جرعة واحدة فقط منه. لكن رغم هذه الآراء، أجمع كبار المسؤولين عن القطاع الطبي في بريطانيا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، على ضرورة تنفيذ قرار تأجيل إعطاء جرعات ثانية من اللقاح، بحجة أن تطعيم المزيد من الأشخاص رغم احتمالية أن تكون الجرعة الأولى أقل فعالية، سيكون أفضل من تطعيم عدد قليل من الناس مع ضمان فعالية أكبر للقاح.
جدير بالذكر أن البرازيل والهند قد قامتا بترخيص استخدام هذا اللقاح أيضًا، حيث أعلنت مؤسسة الرقابة الصحية في البرازيل (أنفيسا) عن قيام شركة (فيوكروز)، شريك شركة (أسترازينيكا) ، بطلب تصنيع اللقاح محليًا في البرازيل، بحيث يتم انتاج أكثر من مائة مليون جرعة على الأراضي البرازيلية بحلول النصف الأول من العام الجاري. كما اعلن المراقب العام للأدوية في وزارة الصحة الهندية أمس، عن الترخيص باستخدام هذا اللقاح، بجانب لقاح أخر طورته شركة (بهارات بايوتيك) الهندية، تمهيدًا للبدء في حملة شاملة للتطعيم، حيث تعاقدت نيودلهي على شراء 400 مليون جرعة من لقاح أكسفورد. يضاف إلى ذلك تعاقد عدد من الدول على شراء اللقاح الجديد، منها 400 مليون جرعة تعاقدت عليها الدول الأوروبية، و300 مليون جرعة تعاقدت عليها الأمم المتحدة، بجانب تعاقدات أخرى من المكسيك وتايلاند وأستراليا ودول في الشرق الأوسط.
مصر لم تغب عن هذه القائمة، بل كانت لها مساهمة أساسية في تطوير هذا اللقاح، متمثلة في الدكتور أحمد سالمان، مدرس علم المناعة في جامعة أكسفورد البريطانية، وأحد المشاركين في فريق تطوير هذا اللقاح. القاهرة ستحصل على كمية قياسية من هذا اللقاح، بواقع 50 مليون جرعة، مقسمة ما بين 20 مليون جرعة ستحصل عليها في إطار مبادرة (كوفاكس) التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الائتلاف الدولي للقاحات (جافي)، بجانب 30 مليون جرعة تعاقدت عليها مصر بصورة مباشرة مع الشركة المنتجة، بحيث تصل اولى شحنات هذا اللقاح إلى مصر خلال النصف الثاني من الشهر الجاري.
مصادر
باحث أول بالمرصد المصري