
فورين بوليسي: هل إثيوبيا يوغوسلافيا التالية؟
عرض: نسرين الصباحي – هايدي الشافعي
لقد انزلقت إثيوبيا إلى الصراع، الدولة التي حَلمت ذات يوم بوعودٍ كبيرة لتحقيق الديمقراطية السلمية، في ديسمبر 2019، استلم “آبي أحمد” رئيس الوزراء الإثيوبي جائزة نوبل للسلام، ولكن بعد أقل من عام، يقود القوات الفيدرالية الإثيوبية في معركة أسماها “عملية إنفاذ القانون” ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي (TPLF)- الحزب المُهيمن سابقًا في البلاد.
يبدو مُستقبل إثيوبيا قاتمًا بشكل متزايد، حيث حذّر بعض المحللين من خطر التفكك والانقسام على الطريقة اليوغوسلافية. وعليه، تَابعت مجلة فورين بوليسي Foreign Policy إثيوبيا عن كثب خلال السنوات الأخيرة، وعرضت آراء الكتاب الإثيوبيين والخبراء الإقليميين في هذا الصدد، وفيما يلي خمس من الموضوعات الرئيسية لمجلة فورين بوليسي عن إثيوبيا خلال عام 2020.
الموضوع الأول
اندلاع حرب المياه الإثيوبية – المصرية
جادلت “آينات ميرسي” في هذا المقال، بأنه نظرًا للمفاوضات المشحونة حول السدّ الإثيوبي الذى يُقام على النيل الأزرق ويُهدد بإحداث صراع مع دول المصب؛ مصر والسودان، حيث انطلقت الحرب -عبر الإنترنت- مما شكل تحديات للدبلوماسية التقليدية، وأشارت “ميرسي” إلي أن إثارة المشاعر القومية يجعل من الصعوبة على المسؤولين الموافقة على التسوية وعلى الجمهور قُبولها، ولا يزال الكثير من الخطاب الإثيوبي على الإنترنت مُتطرفًا، حتى أنه يرفض العناصر والبنود التي تم الاتفاق عليها بالإجماع.
انخرط العديد من الإثيوبيين والمصريين بالطريقة الوحيدة المتاحة لهم -عبر الإنترنت- وإثارة أول صراع إلكتروني أفريقي من نوعه، سيكون له عواقب بعيدة المدى، حيث أوضح المقال أن الأمر استغرق بضعة أسابيع فقط للتخطيط للهجوم السيبراني، وأيضًا بضعة أسابيع أخرى للتخلي عن عالم القرصنة الأخلاقية من أجل النوع الأقل نبلًا، حيث وافق أربعة شباب مصريين على فعل ذلك ضد إثيوبيا، وسيفعلون أي شيء من أجل النيل.
وبذلك، قامت المجموعة التي تطلق على نفسها اسم Cyber_Horus Group في أواخر يونيو 2020باختراق أكثر من اثني عشر موقعًا للحكومة الإثيوبية، واستبدلت كل صفحة بإبداعها الخاص؛ صورة لفرعون عظمي ممسكًا بمنجل في يد وسفينة في اليد الأخرى، وحذرت رسالة تحتها: “إذا انخفض منسوب النهر، فليسرع كل جنود فرعون. هيئوا الشعب الإثيوبي لغضب الفراعنة”.
قال أحد المتسللين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لمجلة فورين بوليسي، “هناك قوة أكبر من الأسلحة، وأضاف المخترق أيضًا، أنها كانت مهمة سهلة جدًا”.
بعد بضعة أسابيع وعلى بعد آلاف الأميال، وضعت إثيوبية تبلغ من العمر 21 عامًا تُدعى “ليز” أحمر شفاه وترتدي قميصًا أسود وسراويل جينز. وضعت هاتفها على مكتبها وبدأت حملة التأثير الخاصة بها على الإنترنت؛ فيديو TikTok. رقصت على أغنية مصرية شعبية تحت رسالة “تشتيت انتباه المصريين، وقالت نحن نملأ السدّ”. قالت “ليز “، التي لديها أكثر من 70 ألف مُتابع على تطبيق تيك توك، وقُوبل الفيديو المثير للسخرية بالثناء والتهديدات، “لا توجد دولة أخرى يمكنها إيقافنا، هذا حقنا”.
في بداية عام 2020، أكد “سيلشي بيكيلي”، وزير المياه الإثيوبي شعار وهاشتاج “إنه سدي” في مؤتمر صحفي، واستخدام الإثيوبيون هذا الهاشتاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحثوا حكومتهم على المضي قُدمًا في مشروع السدّ. بينما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، قائلين إنه يجب ملء السدّ بغض النظر عن مواقف دول المصب، وكتب أحد مستخدمي توتير، “ليست هناك حاجة للتفاوض مع مصر”.
أوضح المقال أنه في غضون ذلك، يواصل المسؤولون الإثيوبيون تشجيع الإثيوبيين على النشر عن السدّ الإثيوبي عبر الإنترنت وغالبًا ما يستخدمون هاشتاج It’s My Dam # في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الإثيوبيين في الشتات للالتفاف حول السدّ الإثيوبي. ورد المصريون على ذلك بالنداءات باستخدام هاشتاج # Nile4 All، # Egypt Nile Rights، وتهديدات مثل أتطوع بفخر للانضمام إلى جيشي المصري لهدم إثيوبيا وسدها.
وخَلص إلى أن جميع الهجمات والقرصنة والخلافات عبر الإنترنت مدفوعة بنفس قوة القومية. بالنسبة لكلا البلدين -مصر منذ سقوط مبارك عام 2011 وإثيوبيا منذ وفاة رئيس الوزراء “ميليس زيناوي” في عام 2012- كانت الهوية الوطنية في حالة تغير مستمر، حيث رسخ “السيسي” شرعيته على منصة قومية، وكان التركيز في جوهره على الأمن القومي من خلال المشاريع العملاقة مثل توسعة قناة السويس وبناء عاصمة إدارية جديدة، لكن في صميم الهُوية المصرية يوجد النيل، لذا فإن تعزيز القومية يعني الدفاع عن النيل أيضًا. وشجع المسؤولون هذه الرؤية، وحذر مقطع فيديو تم إنتاجه على فيسبوك من قِبل وزارة الهجرة وشؤون المغتربين المصريين، “أن أكثر من 40 مليون مصري يواجهون مشكلة، إنه خطر الجفاف والعطش … سبب نقص المياه قيام إثيوبيا ببناء سد أكبر بخمسة أضعاف من احتياجاتها”.
الموضوع الثاني
لم يفت الأوان لوقف الحرب الأهلية الإثيوبية
أفاد المقال أن إثيوبيا قد تُصبح يوغوسلافيا التالية مع اندلاع الحرب في إقليم تيجراي، وبمجرد أن يصبح العنف وسيلة لمُعالجة الخلافات يصعب إيقافه، وتتصاعد مطالب الحكم الذاتي بسرعة نحو المُطالبة بالاستقلال كما حدث في الأيام الأولى من الانقسام في يوغوسلافيا، حيث سعت سلوفينيا وكرواتيا فقط في البداية إلى الاستقلال. ومع ذلك، بمجرد تصاعد العنف وتغيير ميزان القوى، اختارت الجمهوريات الأخرى أيضًا مُغادرة الاتحاد مع وجود حوالي 110 مليون نسمة ونزاعات مُحتملة قد تجتذب العديد من جيرانها، ولذا، المخاطر في إثيوبيا كبيرة على دول جوارها في منطقة القرن الأفريقي.
أوضح الكاتب في مقاله إن الجمع بين اتحاد عرقي وإرساء الديمقراطية، إلى جانب مظالم عرقية كامنة لم يتم حلها ،يوفر مزيجًا مُتقلبًا خلال المرحلة المبكرة من التحول الإثيوبي، وكانت هناك بعض العلامات المشؤومة مثل التطهير العرقي في أجزاء من البلاد وتجزئة المنافسة السياسية على أسس عرقية. نظرًا لأن إثيوبيا لديها تقاليد إقامة دولة أطول مما كانت عليه يوغوسلافيا في وقت تفككها -ومع وجود مناطق محددة عرقًا تسعى إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي بدلًا من الاستقلال- كانت الشروط المسبقة في إثيوبيا أفضل منها في يوغوسلافيا لإدارة التحول نحو نظام متعدد الأحزاب. ومع ذلك، فإن المواجهة العنيفة بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي تبشر بالخير للبلاد.
أشار المقال إلى تصميم النظام الفيدرالي الإثني على غرار التصميم الشيوعي للفيدرالية الإثنية في يوغوسلافيا من خلال مُواءمة العرق بشكل غير كامل مع الأرض، حيث سعت إلى مُعالجة مصالح المجموعة العرقية المتنافسة ولكنها أيضًا تسيطر عليها من خلال نظام استبدادي. وعلى مدار العامين الماضيين، أصبح “آبي أحمد” رئيسًا للوزراء، وانفتحت البلاد على المعارضة، وسمحت للسياسيين المنفيين بالعودة، وأنهت الحرب الطويلة مع إريتريا. وعليه، تم منح “آبى أحمد” جائزة نوبل للسلام. ومع ذلك، فقد تلطخت هذه الصورة خلال الأسابيع الأخيرة بسبب الصراع المتصاعد مع جبهة تحرير تيجراي، كما تُهدد المواجهة العسكرية الحالية بتقويض التقدم المحرز.
فيما أشار المقال إلى أن هناك أربعة مخاطر رئيسية على الدولة الإثيوبية في الوقت الحالي؛ الهُوية العرقية باعتبارها الأجندة السياسية الوحيدة، الهجمات ذات الدوافع العرقية (والصمت والتقاعس من قبل السلطات الإقليمية والمحلية، التي يجب أن تأخذ الدور الرئيسي في احتوائها)، قضية تقرير المصير للدولة الإقليمية (التي سببت التوتر في جنوب البلاد). والصراع بين جبهة تحرير تيجراي والحكومة الفيدرالية. وبينما حظيت الأخيرة بأكبر قدر من الاهتمام الدولي في الأسابيع الأخيرة، فإنها ليست التحدي الوحيد الذي تواجهه إثيوبيا.
علاوةً على ذلك، كان أحد التحديات الهائلة التي تواجه إدارة “آبى أحمد” العدد المتزايد من المطالبات لإقامة دولة إقليمية، وهو ما يسمح به الدستور الإثيوبي دون اعتبار للمزايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أو أي مزايا أخرى، وادعاءات أكثر من اثنتي عشرة إدارة مناطق (تعمل على مستوى أدنى من الدولة الإقليمية) في الجنوب بأن تصبح دولًا إقليمية في حالة اضطراب، لأنه لا توجد جهود لإظهار أن إقامة الدولة ستفيد المواطنين العاديين بشكل هادف. وفي الواقع، تمارس هذه المجموعات الإدارة الذاتية على مستوى المناطق والتغيير في الوضع الذي يمنحهم إقامة دولة سيكون له فوائد قليلة.
وخَلص إلى أن القوى الغربية والإقليمية أكثر انقسامًا مما كانت عليه خلال الحروب اليوغوسلافية في التسعينيات، لكن لا يزال بإمكانها ممارسة نفوذها لمنع تفكك النظام الفيدرالي الإثيوبي، كما تُعدُّ المراجعة الدستورية ضرورية لإيجاد توازن جديد بين الحكومة الفيدرالية والمناطق في الأقاليم بما في ذلك إلغاء الحق في الانفصال، وإدخال أسس معقولة للحكم الذاتي الإقليمي، وضمان إنفاذ الحقوق الدستورية للمواطنين في جميع المناطق. بالإضافة إلى مُعالجة أزمة الشرعية التي تواجهها الحكومة الفيدرالية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب في جميع أنحاء البلاد، والانتهاكات الجسيمة بما في ذلك القتل والتشريد بدوافع عرقية، التي تمر دون رادع أو عقاب.
لكن هذا لا يعالج النطاق الكامل لمشاكل إثيوبيا، حيث أظهرت السلطات الإقليمية، والمحلية -التي غالبًا ما تكون بعيدة عن تيجراي- في بعض الحالات عدم كفاءة وتواطؤ مطلقين، ويجب على الحكومة المركزية تحمل المسؤولية ومُعالجة هذه المشاكل من خلال الاستماع إلى مظالم الجماعات الضحايا. ولتحقيق ذلك، سيكون بناء الثقة المؤسسية -المؤسسات الحكومية- أمرًا حاسمًا، والثقة في وسائل الإعلام، والمجتمعات نفسها. بدلًا من الاعتماد على المجموعات ذات الأصوات العالية التي تعيش حاليًا في واقع بديل في ظل المساعدة القليلة من الخارج لوقف تصعيد الصراع الحالي وضمان بقاء إثيوبيا كقصة نجاح بدلًا من السير على خطى يوغوسلافيا الدموية.
الموضوع الثالث
حرب تيجراي ليست حول الحكم الذاتي، لكن تتعلق بالقوة الاقتصادية
أوضح المقال افتراض اندلاع الصراع في تيجراي لدي العديد من المراقبين أنها معركة على الحكم الذاتي بين النظام القديم في البلاد وحكومة “آبي أحمد” الجديدة، حيث جادل “كاساهون ميليس” في مقاله، بأن أهداف جبهة تحرير تيجراي مُرتبطة بالحفاظ على السيطرة على الاقتصاد، وتَكُمن في قلب الصراع الدائر لإصلاحات “آبي أحمد” الاقتصادية والسياسية التي تم الكشف عنها- وهي خطوات يرى قادة جبهة تحرير تيجراي أنها تُهدد بشكل غير مقبول الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي يتمتعون بها منذ فترة طويلة.
بينما يرى آخرون أن الاختلافات الأيديولوجية السائدة بين “آبي أحمد” وجبهة تحرير تيجراي هي المصدر الرئيسي للخلاف. ومع ذلك، فإن هذه المبررات لا تُفسر مثل هذه الاختلافات في المواجهة العسكرية الحالية، ولكنها ليست الأسباب الكامنة وراء الصراع على الإطلاق.
أشار المقال إلى أن هذه الحرب معركة للسيطرة على اقتصاد إثيوبيا ومواردها الطبيعية ومليارات الدولارات التي تتلقاها البلاد سنويًا من المانحين الدوليين، والوصول إلى هذه الثروات وظيفة من يرأس الحكومة الفيدرالية التي سيطرت عليها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي لما يقرب من ثلاثة عقود قبل تولي “آبى أحمد” السلطة في إبريل 2018.
في النهاية أدت القوة السياسية والعسكرية لجبهة تحرير تيجراي إلى ظهور الهيمنة الاقتصادية حيث مكنت قادتها من ممارسة السيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد ومواردها الطبيعية -وأراضيها بشكل أساسي- فضلًا عن تدفقات المساعدات والقروض. خلال السنوات الأخيرة، تلقت إثيوبيا، في المتوسط ، حوالي 3.5 مليار دولار سنويًا من المساعدات الخارجية، والتي كانت تمثل حوالي نصف الميزانية الوطنية للبلاد خلال عهد “ميليس زيناوي”. كما حصلت على مبالغ كبيرة من القروض من الدائنين من القطاع الخاص والحكومات وخاصًة من الصين، والتي وصلت إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عندما تولى “آبى أحمد” السلطة. وفي الواقع، كانت إدارة “آبى أحمد” الجديدة، التي ورثت احتياطيات ضئيلة من النقد الأجنبي، تُكافح لخدمة هذا الدين واضطرت لطلب التأجيل وإعادة التفاوض.
علاوةً على ذلك، فإن الدستور الذي أدخلته الحكومة بقيادة جبهة تحرير تيجراي عام 1994، سمح فقط بالملكية العامة للأرض، وأعطى المسؤولين الحكوميين حق الوصول غير المقيد إلى موارد الأراضي الوفيرة في الأجزاء الجنوبية من البلاد، لا سيما في منطقتي بني شنقول-جوموز وجامبيلا.
بالإضافة إلى ذلك، تمكنت جبهة تحرير تيجراي أيضًا من السيطرة تقريبًا على جميع قطاعات الاقتصاد الإثيوبي من خلال الشركات التابعة لها، ولم تقتصر السيطرة على الاقتصاد، حيث تدخلت بشكل مباشر في اختيار زعماء الأديان الرئيسية، التي اعتبرتها أدوات للرقابة الاجتماعية، فخلال حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، جاء بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية التي تضم أكثر من 40 مليون تابع في البلاد من تيجراي، كما تدخل قادتها في اختيار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، والذي قوبل في النهاية بمقاومة من بعض النشطاء والقادة المسلمين، الذين سجنتهم الحكومة، مما أدى إلى احتجاجات واسعة من قبل المسلمين في جميع أنحاء البلاد في عام 2012.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على علم بسجل الحكومة السيئ في مجال حقوق الإنسان، فإن التقدم الاقتصادي الذي رأوه والدور الرئيسي لإثيوبيا في محاربة مقاتلي حركة الشباب في الصومال المجاورة يعني أنهم كانوا مترددين في ممارسة ضغوط كافية على الحكومة التي تقودها جبهة تحرير تيجراي لإجراء إصلاحات ديمقراطية، حتى عندما أطلقت قوات الأمن الحكومية النار وقتلت مئات المتظاهرين في أديس أبابا في عام 2005، الذين كانوا يحتجون على نتائج الانتخابات التي زعمت الحكومة أنها فازت بها. نظروا في الاتجاه الآخر مرة أخرى عندما ادعت الحكومة أنها فازت بجميع المقاعد في البرلمان خلال الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2015، والتي ادعت أحزاب المعارضة أنها مزورة.
ويرى الكاتب أنه منذ وصول آبي أحمد إلى السلطة في عام 2018، بعد الاحتجاجات الواسعة التي أطاحت بمريام، هددت الإدارة الفيدرالية الجديدة لآبي بشكل مباشر الهيمنة الاقتصادية طويلة الأمد للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، كما أدت إصلاحات آبي إلى تقليص نفوذ الجبهة في قطاع الأمن، حيث بدأ في إجراء إصلاحات في القطاعين العسكري والأمني بهدف تحقيق تمثيل أكثر توازنًا للجماعات العرقية. أوضح ذلك لقادة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي أن آبي يشكل تهديدًا خطيرًا لهيمنتهم الطويلة الأمد على القوات المسلحة والاقتصاد الإثيوبيين. وعملوا على استعادة السيطرة، وفي 23 يونيو 2018، كانت هناك محاولة اغتيال فاشلة ضده، دبرها رئيس الأمن السابق في جبهة تحرير تيجراي “غيتاتشو”
وختامًا، يصل المقال إلى استنتاج مفاده، أن الصراع الحالي في إثيوبيا لا يدور حول من سيحكم تيجراي لأن تأجيل الانتخابات الوطنية والإقليمية أدى إلى تمديد فترة السلطتين التشريعية والتنفيذية لجميع الحكومات الإقليمية في البلاد، بدلًا من ذلك، فإن جوهر الصراع المستمر هو الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي يقوم بها أبي والوتيرة التي لا هوادة فيها التي تم كشف النقاب عنها -وهي خطوات يرى قادة جبهة تحريري تيجراي أنها تهدد بشكل غير مقبول الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تمتعوا بها منذ فترة طويلة، والتأثير الكبير الذي ما زالوا يتمتعون به.
الموضوع الرابع
حكومة إثيوبيا وقيادة جبهة تيجراي غير متساوين أخلاقيًا
تناول “هايلي مريام ديسالين”، آخر رؤساء وزراء إثيوبيا قبل آبي أحمد الصراع الدائر في تيجراي في مقال بمجلة “فورين يوليسي” يوم 24 نوفمبر 2020، انتقد من خلاله بعض زملائه السابقين في جبهة تحرير تيجراي، مشيرًا إلى قيادة الجبهة بأنها ليست أكثر من مشروع إجرامي يسعي للتلاعب بالمجتمع الدولي لدعم اتفاق لتقاسم السلطة يمنحهم الإفلات من العقاب على جرائم الماضي وتأثيرًا مستقبليًا أكبر بكثير على البلاد مما يستحقون.
وانتقد مريام الأصوات المنادية بالحوار بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تجراي، مشيرًا إلى أن هذه الدعوات التي تبدو حميدة هي في ظاهرها نبيلة وحسنة النية، حيث أصبحت الدعوة إلى السلام التفاوضي مقترحًا نموذجيًا لحل النزاعات، أينما ظهرت، واصفا الأشخاص الذين يوصون بهذا النهج بأنهم غرباء حسنوا النية يرددون فقط الحكمة التقليدية حول كيفية حل النزاعات في إفريقيا.
بينما يرى مريام أن المشكلة الرئيسية في نهج المجتمع الدولي تجاه إثيوبيا هي افتراض التكافؤ الأخلاقي، الذي يقود الحكومات الأجنبية إلى تبني موقف من التوازن الخاطئ بين كلا الجانبين، وأن مثل هذه المقترحات الشاملة غالبًا ما لا تعمل. والواقع أن دولة جنوب السودان المجاورة لإثيوبيا هي مثال على ذلك، إنه المثال النموذجي لكيفية نظر المجتمع الدولي إلى مثل هذه المواقف والتعامل معها، فعندما اندلع النزاع المسلح داخل الحزب الحاكم في جنوب السودان بعد الاستقلال، أدى حوار السلام الذي تلاه فقط إلى ترتيب لتقاسم السلطة، متجاهلًا المساءلة المستحقة عن عمليات القتل الجماعي التي حدثت.
تكمن المشكلة الرئيسة في النهج الأولي للمجتمع الدولي في افتراض التكافؤ الأخلاقي، الذي يقود الحكومات الأجنبية إلى تبني موقف من التوازن الخاطئ بين كلا الجانبين. كثيرًا ما تضيع الحقائق والتفاصيل المتعلقة بالطبيعة الحقيقية للنزاعات والقوى التي تشعلها وتدفعها في الجهود الدولية للتوسط في صفقات السلام التي غالبًا ما تنهار بمجرد توقيعها.
ويشير مريام إلى أنه بعد إجبارها على التخلي عن مقاليد السلطة بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد سوء إدارتها الاقتصادية والسياسية صممت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي استراتيجية تهدف إلى الاستفادة من ميل المجتمع الدولي للوقوع في الوضع الافتراضي الذي يدعو كلا الجانبين إلى تسوية تفاوضية، مع تأمين حصانة على أفعالهم الماضية والحاضرة وخطة لتقاسم السلطة من خلال صفقة بوساطة دولية، وتعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاثة فرضيات:
الفرضية الأولى هي: ميل المجتمع الدولي إلى تجاهل الحقائق السياسية والأخلاقية المعقدة والدعوة إلى حوارات سطحية تنتهي دائمًا باتفاقيات تقاسم السلطة التي تتم فيها مكافأة الجهات المارقة على التحريض على العنف.
الفرضية الثانية لهذه الاستراتيجية هي: الاعتقاد داخل قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بأنها قوة لا تقهر يمكنها مقاومة أو حتى هزيمة قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، والحقيقة هي أن جميع الإثيوبيين يتمتعون بصلابة القتال، وليس فقط من هم في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. بل إن قيادة جبهة تحرير تيجراي وجيشها محاصرون بالفعل من جميع الأطراف وستكون لديهم قدرة محدودة على مقاومة الجيش الوطني.
العامل الثالث وراء غطرسة قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هو: افتراضها أنه بسبب بذور الفتنة والانقسام التي تزرعها داخل الكيان السياسي والجيش الإثيوبيين منذ عقود، يمكن أن تنتصر بسهولة في مواجهة مسلحة ضد الحكومة الفيدرالية، وبدافع من مثل هذا التقدير الخاطئ، أطلق الحزب الآن مواجهة مسلحة مع الحكومة الفيدرالية.
إن أوهام قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي حول قوتها العسكرية وبراعتها العسكرية تتبدد بسرعة كبيرة. إن الأعمال الدنيئة التي ارتكبتها المجموعة ضد القيادة الشمالية -مهاجمة قواعدها والاستيلاء على معدات عسكرية بينما يُزعم أنها تنميط عرقيًا لأعضاء من الجيش الوطني من غير المنتمين إلى التيجراي، وارتكاب أعمال شنيعة ضدهم- عززت عزم الحكومة الفيدرالية والعديد من الإثيوبيين على جلب العناصر الإجرامية داخل الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أمام العدالة.
يبدو أن الشيء الوحيد الذي يسير وفقًا لخطة قيادة جبهة تحرير تيجراي هو جوقة الشخصيات والجهات الفاعلة الدولية التي تدعو إلى حوار بين الحكومة الفيدرالية وقادة الجبهة. على الرغم من حسن النية، من العديد من الأصوات التي تدعو إلى المفاوضات، يبدو أيضًا أنها تتجاهل المكائد الميكافيلية والقاتلة لبقايا النظام القديم للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وتحجم عن لومهم على زعزعة استقرار البلاد.
وحذر مريام من أنه إذا ضمنت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجري الإفلات من العقاب الذي تريده من خلال صفقة بوساطة دولية، فإن قضية العدالة والسلام المستدام ستتضرر بشدة. وفوق كل شيء، فإنه يخلق سابقة للتجمعات الأخرى داخل الاتحاد الإثيوبي لتعلم الدرس الخطأ: “أن العنف يؤتي ثماره”.
وأخيرًا، نصح مريام باستكمال العمليات العسكرية للحكومة الفيدرالية بأسرع ما يمكن وبطريقة تقلل التكلفة الإنسانية للحملة إلى أدنى حد وتقدم قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي إلى العدالة مع حماية المدنيين. في غضون ذلك، يجب على أولئك الذين يدعون لإجراء محادثات أن يفهموا أن احتمالية التفاوض مع القيادة الحالية للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هي خطأ من حيث المبدأ والحصافة، لأنهم أقدموا على جرائم بشعة قد تصل إذا تأكدت إلى الإبادة الجماعية، وبالتالي فهي ليست أكثر من مجرد مشروع إجرامي لا ينبغي تضمينه في أي حوار يهدف إلى رسم مستقبل إثيوبيا.
ومن جانبها، يجب على الحكومة الفيدرالية أن تسعى لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين وحماية جميع المدنيين المتضررين من النزاع الحالي، والسماح بالوصول إلى المساعدات الإنسانية في تيجراي. ويجب أن تكون إثيوبيا مكانًا يسود فيه الدستور وسيادة القانون، بحيث يمكن للديمقراطية أن تتقدم بدلًا من ترك بلدنا الحبيب ينزلق إلى الفوضى.
الموضوع الخامس
الحرب في تيجراي… معركة على ماضي إثيوبيا ومُستقبلها
كتب “تيفيري ميرغو” أستاذ الاقتصاد المساعد في جامعة واترلو في كندا، يوم الجمعة 18 ديسمبر 2020، مقالًا في مجلة فورين بوليسي حول الجذور التاريخية للصراع الحالي في تيجراي، والذي يمثل أحدث معركة في صراع طويل وممتدة عبر الزمن، وكيف ساهمت الدول الكبرى في تعميق هذه الجذور، ثم يطرح في نهاية مقاله تصور للكيفية التي يمكن بها للقوى الدولية أن تتدخل لإخراج إثيوبيا من تلك الأزمة.
ويقول ميرغو أن الحكومة الإثيوبية شنت ما أسمته بـ “عملية إنفاذ القانون” في منطقة تيجراي، واصفة الحزب الحاكم السابق في إثيوبيا -الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي- بأنها منظمة إجرامية وتعهدت بتدميرها، وتسبب الصراع الذي أودى بحياة الآلاف وشرد عشرات الآلاف، في إثارة الذعر في العواصم الأجنبية من أنه قد يؤدي إلى واحدة من أكبر انهيارات الدول في التاريخ الحديث، مع تداعيات كبيرة على السلام والاستقرار في القرن الأفريقي.
ويشير المقال إلى أنه على الرغم من إعلان الحكومة أنها قد انتهت بالفعل من العملية، فليس من المؤكد أن استيلاء القوات الحكومية على عاصمة تيجراي (ميكيلي) سينهي الصراع في أي وقت قريب – خاصة مع انسحاب الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي إلى الجبال، ووضع قواتها المقاتلة في حرب عصابات مكلفة وطويلة الأمد. هناك خوف ملموس من أن الحرب قد تدفع المدنيين الذين ليسوا على دراية بقواعد الحرب للانخراط بفاعلية في الصراع، وقد يؤدي ذلك إلى مأساة إنسانية رهيبة، وتُظهر الأدلة على أن المذبحة الأخيرة في ماي كادرا بولاية تيجراي قد ارتكبتها مجموعات أهلية – جماعة أمهرة فانو ومنظمة شباب السامري- بالتعاون مع الحكومة الاقليمية في ولايتي أمهرة وتيجراي.
على جانب آخر، يرى ميرغو أنه من المفارقات، أن المجتمع الدولي الذي يحاول إقناع أبي أحمد بالامتناع عن تصعيد الصراع، هو ذاته الذي أهمل في السابق العديد من الشكوك الخطيرة من الزوايا الموثوقة حول ملاءمة أبي أحمد غير المختبَر كرئيس وزراء إثيوبيا ورحب بمنحه جائزة نوبل للسلام.
وقد أعرب الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقادة العديد من الدول من القلق حول الكارثة التي تلوح في الأفق وتناشد الأطراف المتحاربة في حل الخلافات السياسية من خلال الحوار. ورفض أبي محادثات السلام مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي حتى “استعادة سيادة القانون” وحليفه في ذلك هو “هايلي مريم ديسالين” الذي يصف من يدعون إلى الحوار بأنهم فاعلي خير ساذجين، ويجادل ديسالين بأن ترتيب تقاسم السلطة الذي يمكن التوسط فيه من خلال الحوار غير مستدام، لأن ذلك سيعفي الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من الجرائم التي ارتكبتها.
الجذور التاريخية للصراع في إثيوبيا
الصراع الحالي في إثيوبيا هو مظهر من مظاهر الصدام الطويل الأمد بين رؤيتين متعارضتين للبلاد، يعزز أحد المعسكرات الرأي القائل بأن حكومة مركزية قوية هي الضمان الوحيد لوحدة وسلامة أراضي البلاد، بينما يرى الآخر أن السلطة السياسية يجب أن تنتقل من المركز إلى الأطراف في نظام فيدرالي يمنح الأقاليم استقلالية كبيرة، وترجع تلك الرؤى المتضاربة في الأساس إلى الخلافات حول التاريخ والذاكرة.
فأولئك الذين يروجون لحكومة مركزية قوية يؤكدون أن إثيوبيا دولة استثنائية يجب الحفاظ عليها بأي ثمن (ويمثل أصحاب هذا الرأي آبي أحمد وأنصاره)، بينما أولئك الموجودون في المعسكر المعارض – (لا سيما الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وجبهة تحرير أورومو) – يسلطون الضوء على الإرث الإمبراطوري للبلاد، وتصويرها على أنها ما يسمى بسجن الأمم.
تأسست الدولة الإثيوبية الحديثة على يد الطبقة الحاكمة الأمهرية كدولة إمبراطورية في نهاية القرن التاسع عشر، وتزامنت عملية تشكيل الدولة هذه وتم تسهيلها جزئيًا من خلال ما يسمى بالتنافس على إفريقيا من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية، مع قيام الإمبراطور مينليك الثاني (الذي حكم من 1889 إلى 1913) بتوسيع مملكته إلى النصف الجنوبي من البلاد، وقهر الأورومو والصوماليين وعشرات من المجموعات العرقية الأخرى التي تشكل إثيوبيا حاليًا، وحدد منليك نفسه بأنه عضو في أمهرة، وهي الجماعة الوطنية التي حكم ملوكها الحبشة (شمال إثيوبيا) لقرون، متغلبين على المجموعة الرئيسية الأخرى في الحبشة (التيجراواي).
لقد كان إنشاء الدولة الإثيوبية الحديثة من خلال الغزو مصدر نزاع خطير، مما أدى إلى حركات مقاومة لا حصر لها، حيث يقاتل السكان المحتلون للحفاظ على هوياتهم وثقافاتهم ولغاتهم – ومع المعسكر الوحدوي الذي يقوم كل فترة بحملات لإعادة توحيد الأراضي التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الإثيوبية القديمة.
على وجه الخصوص، قاوم الأورومو والواليتا وكافيشو جيش مينليك المتقدم، لكنهم هزموا، وخضعوا لسيطرة مينليك على أراضيهم، كما جاءت حركات المقاومة البارزة الأخرى ضد الدولة الإثيوبية خلال نظام هيلا سيلاسي في منتصف القرن العشرين، في شكل تمرد ” Woyane” الأول عام 1943 في تيجراي (الذي عارض إعادة تنظيم البلاد في 14 مقاطعة، كتدبير لتوطيد السلطة في المركز) وانتفاضة “بيل أورومو” في أوائل الستينيات (التي سعت إلى منع سياسة الحكومة المتمثلة في توطين الأمهرة في مقاطعة أورومو في بيل). ولكن هزم الجيش الإمبراطوري الإثيوبي المنظم جيدًا كلا التمردين، واستخدم قوة نيران متفوقة ضد السكان المدنيين.
كانت إحدى الأهداف الرئيسية للحركة الطلابية الإثيوبية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات -والتي لعبت دورًا فعالًا في الإطاحة بالنظام الإمبراطوري، وكان قادتها يمثلون كامل شرائح المجتمع الإثيوبي– هو تحول الدولة الإثيوبية من الإمبراطورية المهيمنة إلى نظام حكم ديمقراطي يحترم حقوق مختلف القوميات التي تشكل البلاد.
في البداية، بدا أن “الدرج”- وهي لجنة من الأفراد العسكريين تولت مقاليد الحكم من الإمبراطور هيلا سيلاسي – على استعداد لمواجهة محن القوميات التي تم إهمالها خلال الحكم الإمبراطوري، ومع ذلك، انقلب المشروع رأسًا على عقب عندما تبنى الدرج تكتيكات قمعية وأصبح نظامًا استبداديًا مركزيًا، مما أدى إلى تشكيل حركات تحرير مسلحة، بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وجبهة تحرير أورومو.
كان من المأمول أن تؤدي هزيمة الدرج من قبل قوات التحرير في عام 1991 وما تلاها من إعادة تنظيم البلاد على أسس عرقية قومية إلى تسوية النزاعات المدمرة بين المركز والأطراف في البلاد. ومع ذلك، واصلت الحكومة الإثيوبية بقيادة TPLF – مع الاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية للجنسيات المقهورة – استخدام التكتيكات الإمبريالية لقمع الأصوات المعارضة من قبل غير تيجراي، وهذا ساهم بشكل كبير في سقوطها في عام 2018.
بشكل عام، تعد حرب تيجراي جزءًا من نفس الجدل الذي ابتليت به إثيوبيا منذ تأسيسها كدولة إمبراطورية: ما إذا كانت إثيوبيا دولة يجب أن تُحكم بطريقة أكثر مركزية أو يجب أن تُحكم بنظام حكم لامركزي.
يمكن النظر إلى الحرب على أنها استمرار للصراع المستمر غير المعلن بين الجيش الإثيوبي وجيش تحرير أورومو في أوروميا، أكبر دولة إقليمية في البلاد. على الرغم من كون أبي من الأورومو، كانت أوروميا بؤرة معارضة لجدول أعماله المتمثل في وضع إثيوبيا في المرتبة الأولى بأي ثمن – والتي صاغها على أنها “ميديمير”، وهو مفهوم ترجمه البعض على أنه “تآزر”. وفي الوقت نفسه، اتهمت منظمات حقوق الإنسان ذات المصداقية الجيش الإثيوبي بارتكاب فظائع في المنطقة فيما يبدو أنه محاولة فاشلة لإخضاع جيش تحرير أورومو.
دور القوى الخارجية في تعقيد الأزمة
العامل الرئيسي الآخر الذي يعقد هذا الصراع هو دور القوى الخارجية، التي تفشل في فهم الجذور التاريخية العميقة للانقسامات الحالية في المجتمع. في حين أن النزاعات في إثيوبيا لها أسباب هيكلية وتاريخية وتتطلب تقييمات محايدة ونهج صبور وطويل الأمد لحلها، فإن السياسات الخارجية الغربية تجاه البلاد كانت موجهة نحو حلول قصيرة الأجل تتجاهل المشاكل الأساسية.
يفترض جزء من نظرية الاقتصاد السياسي أن هيكل صنع السياسات في البلدان الديمقراطية قد يحفز السياسيين على اختيار تعظيم مصالحهم الخاصة على حساب الرفاه الاجتماعي الأوسع، مما يؤدي بهم إلى اختيار سياسات دون المستوى الأمثل، مع تركيز السياسيين في مناصبهم على الفوز بالدورة الانتخابية المقبلة، قد تكون سياساتهم الخارجية مقيدة بأهدافهم السياسية قصيرة المدى، بدلًا من توفير القيادة اللازمة في الشؤون العالمية.
إثيوبيا هي دراسة حالة توضح كيف أدت الأهداف السياسية قصيرة المدى للسياسيين في الدول القوية إلى تقييد الهدف المنشود المتمثل في البحث عن حلول طويلة الأمد للمشاكل الهيكلية التي تعصف بالبلاد.
على سبيل المثال، التعريف المضلل من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق سوزان رايس لمليس زيناوي –رجل إثيوبيا القوي السابق والمسؤول جزئيا عن الفوضى الحالية في البلاد بأنه “حكيم على نحو غير مألوف، وقادر على رؤية الصورة الكبيرة واللعبة طويلة”، وبأنه شخص لديه “القليل من الصبر على الحمقى”، يشير إلى ما يعتبر سائدًا في خطاب السياسة الخارجية حول إثيوبيا في الولايات المتحدة.
استغلالًا لذلك، استخدم حكام إثيوبيا غير المنتخبين منذ قرون رواية “الاستثنائية الإثيوبية” في التماس والحصول بطريقة ما على المشورة والمساعدة المادية والشرعية من الدول القوية، وقد ساهم ذلك في إدامة الصراعات في البلاد. علاوة على ذلك، نظرًا للخوف الملحوظ من أن أجندة الكتلة الفيدرالية لإعادة تشكيل البلاد محفوفة بالمخاطر التي قد تؤدي إلى تفكك فوضوي للدولة الإثيوبية، فقد أظهرت الحكومة الأمريكية احترامًا كبيرًا للمعسكر الوحدوي وأهدافه السياسية، لكن هذا لم يؤدي إلا إلى تعقيد التناقضات الأساسية للدولة الإثيوبية، مما أدى إلى تعميق الهوة بين القوات الموحدة والفيدرالية في البلاد.
كيف يمكن للمجتمع الدولي التدخل لحل الأزمة
مهما كانت الأسباب، يبدو أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تمكّن الميول الكلية للمعسكر الوحدوي قد وصلت إلى نهايتها المنطقية. لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة استخدام هذا الانفتاح التاريخي لإعادة التوازن في سياستها الخارجية تجاه البلاد، بهدف العمل كحكم محايد في النزاعات بين الجانبين. يمكن أن تستخدم أصولها المالية والدبلوماسية الضخمة بحكمة كوسيلة ضغط لإقناع طرفي النزاع – الحكومة الإثيوبية والقوى السياسية في أمهرة من جهة، والقوات الفيدرالية (خاصة جبهة تحرير شعب تيجراي وجبهة تحرير أورومو) من جهة أخرى – للجلوس إلى الطاولة والتوصل إلى حل دائم لمشاكل البلاد المزمنة.
يجب الآن على بايدن وفريق السياسة الخارجية المؤهل بشكل استثنائي معالجة الصراع الإثيوبي الحالي بالاهتمام والمعرفة والالتزام الذي يتطلبه.
كما يمكن للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي مساعدة الدبلوماسيين الأمريكيين في ابتكار آلية ذات مصداقية – بمدخلات مهمة من الأطراف المتحاربة – يمكنها نزع فتيل الصراع وتضع البلاد على مسار مختلف، وهناك نماذج من جميع أنحاء العالم يمكن اعتمادها مع بعض التعديلات لربط إثيوبيا ببعضها البعض بشكل ما – بما في ذلك النموذج البلجيكي، والنموذج السويسري، والنموذج الكندي، ونموذج الاتحاد الأوروبي – ولكن هذا يجب أن يأتي من مناقشات جادة مع أصحاب المصلحة، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية ذات الصلة، كما أن الصيغة السياسية التي تعترف بالتنوع الأساسي والتشابه بين الشعب الإثيوبي ستخدم قضية العدالة والسلام وستكون لها إرث إيجابي دائم على العلاقات الأمريكية الإثيوبية.
خلال فترة عمله كعضو في مجلس الشيوخ، أظهر الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أنه يستطيع اتخاذ مواقف تتعارض مع الحكمة التقليدية لمؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن. يجب على بايدن وفريق السياسة الخارجية المؤهل بشكل استثنائي معالجة الصراع الإثيوبي الحالي بالاهتمام والمعرفة والالتزام الذي يتطلبه – وليس بسياسات قصيرة النظر التي قد تزيد من حدة الصراع.
قد يبدو من غير العدل أن نتوقع من إدارة بايدن القادمة -التي ستكون منشغلة بالأولويات العاجلة الأخرى للبلد الذي تم انتخابه لقيادتها، بما في ذلك التعامل مع الخسائر الاقتصادية المتزايدة لوباء COVID-19- تصحيح مشكلة السياسة الخارجية التي كانت في طور التكوين لعقود عديدة. ومع ذلك، من المهم للغاية لفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد إعادة النظر بصرامة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه إثيوبيا إذا كانت تهدف إلى تجنب كارثة من نوع يوغوسلافيا في القرن الأفريقي.