
معهد “بروكينغز”.. أولويات القارة الأفريقية (2020-2030)
يُعد عام 2020 بداية عقد واعد للقارة الأفريقية، فمن المتوقع فى النصف الأول من هذا العقد ارتفاع معدلات النمو فى سبعة دول أفريقية، هما من أسرع عشر اقتصادات نمواً في العالم، وهناك استعداد من جانب الدول الأفريقية لتحسين بيئة العمل للتجارة والاستثمار فى ظل تنامى الشركاء الخارجيين، والرغبة فى تحقيق التكامل الإقليمي وتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية، ووضع حد للفساد والحفاظ على السلام وتحقيق الديمقراطية وتمكين المرأة. وعلاوة على ذلك، استراتيجيات الحكومات الأفريقية للاستثمار وخلق فرص للعمل وتحسين نوعية العيش فى مدن أفريقيا سريعة النمو باستخدام الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي في ظل الثورة الصناعية الرابعة.
ولكن يشُوب هذا التفاؤل تحديات مختلفة؛ في مقدمتها التغيرات المناخية وتداعياتها على الأمن الغذائي ومخاطر الكوارث الطبيعية في المناطق الساحلية، وهشاشة الدول، ونقص التنسيق بين الحكومات الوطنية والمحلية والنظام العالمي ككل بشأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة، والتفاوت بين الاتجاهات الديموغرافية والوظيفية.
وفقاً لما سبق، تستعرض دراسة صادرة عن مُبادرة نمو أفريقيا التابعة لمعهد “بروكينغز” بعنوان: استشراف مُستقبل أفريقيا…أولويات القارة الأفريقية(2020-2030) كافة النقاط السابقة بالتفصيل بالتركيز على أهم الفرص والتحديات فى القارة الأفريقية على النحو التالي:
كيف سَتُشكل أهداف التنمية المستدامة (SDGs) أولويات الحكومات الأفريقية وشركائها خلال العشر السنوات القادمة؟
أشارت الدراسة إلى إن التقدم المحرز حتى الآن بشأن أهداف التنمية المستدامة محدودًا وغير متساوٍ بين البلدان، وجاءت موريشيوس في المرتبة الأولى من حيث قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بدرجة إجمالية بلغت 66.19%، وكذلك حصلت كٍل من بوتسوانا وغانا ورواندا على مراتب متقدمة، ومع ذلك، فإن 18 دولة (من إجمالي 46 دولة) في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا تزال تسجل درجة أقل من 50%، وغالبًا ما يعوق تقدم هذه الدول عدم التنسيق بين الحكومات الوطنية والمحلية وكذلك النظام الدولي ككل. والجدير بالذكر أن التقدم في مجالات مثل الصحة والتعليم يبعث بالتفاؤل، لكن الفجوات المستمرة في مجالات أخرى، مثل تقديم الخدمات والبنية التحتية، تعيق القارة عن تحقيق مكاسب حقيقية طويلة الأمد.
تتوقع الدراسة أن يظل النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء قوياً على الأقل خلال النصف الأول من العقد القادم، مع نمو اقتصاد المنطقة بوتيرة أسرع من الاقتصاد العالمي، ووجود سبعة من أسرع عشر اقتصادات نمواً في العالم في القارة الأفريقية.
كما تذكر الدراسة أن أحد التحديات الرئيسية أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) خلال العقد المُقبل ستكون القدرة على تعبئة الموارد لتمويلها، حيث تشير تقديرات معهد بروكينغز إلى أن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستحتاج إلى 574 مليار دولار سنويًا حتى عام 2030 لتمويل أهداف التنمية المستدامة في ظل وجود فجوة تمويلية تبلغ 256 مليار دولار في السنة مع التنبؤ بانخفاض حجم المساعدة الإنمائية الرسمية (ODA).
تعميق الحكم الرشيد… الديمقراطية والأمن
من بين الطموحات الرئيسية السبعة المُدرجة في أجندة 2063: “أفريقيا التي نريدها”، هدف الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام حقوق الأنسان، ولابد من توافر العناصر الرئيسية للحكم الرشيد، ومنها المساءلة والشفافية ومُكافحة الفساد، ومُشاركة المواطنين، وعليه قامت بعض الدول الأفريقية بإجراء إصلاحات مؤسسية بما فى ذلك إجراء دستور ديموقراطي جديد في غانا وكينيا وجنوب أفريقيا، وتمكين المرأة فى الحكومات، حيث تمتلك رواندا 61.3 % من النساء في البرلمان، وفى شرق وجنوب أفريقيا هناك نسبة أعلى من النساء في البرلمان مُقارنة بوسط وغرب أفريقيا.
وفقاً للدراسة تتمثل مُعالجة تعقيدات المشهد الأمني الناشئ في أفريقيا من خلال بناء مؤسسات فعالة، وتطوير الشراكات الاستراتيجية، وتعزيز دور التكنولوجيا وتحديداً تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية من ملكية الهاتف المحمول إلى الإنترنت، وتعزيز العلاقة بين الدولة والمجتمع، وإعادة تعريف العقد الاجتماعي، وتعزيز تعبئة الموارد المحلية من خلال تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
استراتيجيات الحكومات الأفريقية للاستثمار في القطاعات المختلفة
تبرز الدراسة أدلة على أن التغير الهيكلي فى أفريقيا يحدث ولكن بنمط متميز، حيث يلعب التصنيع الذي تقوده الصادرات دورًا أصغر في التحول الهيكلي لاقتصادات أفريقيا، مقابل الخدمات التي تمتص الجزء الأكبر من العمال الأفارقة الذين يتركون الزراعة وينتقلون إلى المدن، حيث نمت صادرات الخدمات بين عامي 1998 و 2015 أكثر من ست مرات أسرع من صادرات البضائع عبر أفريقيا.
وفي الوقت نفسه، أدت التخفيضات في تكاليف النقل والتقدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) إلى إنشاء خدمات وأعمال زراعية لها خصائص التصنيع، تسمي بـ”الصناعات بدون مداخن” (IWOSS) لتمييزها عن الصناعات التقليدية، وهي أنشطة تتميز بكونها: قابلة للتداول؛ لها قيمة مضافة لكل عامل مقارنة بمتوسط الإنتاجية على مستوى الاقتصاد، ويمكن أن تمتص أعدادًا كبيرة من العمالة الماهرة المعتدلة.
مُكافحة تغير المناخ… دعوة عاجلة للعمل العالمي والمحلى الشامل
تعتبر أفريقيا المنطقة الأكثر تعرضاً للآثار الضارة لتغير المناخ، برغم المساهمة الأقل فى ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث أثرت الأعاصير المدمرة على ثلاثة مليون شخصاً في موزمبيق وملاوي وزيمبابوي من عام 2018. في حين تتفاعل الاتجاهات الديموغرافية مع تغير المناخ في المناطق الساحلية في شرق وغرب إفريقيا، وتولد مجموعة من تحديات التنمية، حيث يعيش حوالي 30 مليون أفريقي داخل منطقة خطر الفيضان حول المحيط الأطلسي والمحيط الهندي. بالإضافة إلى تعرض الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا لأنماط المناخ القاسية المُتمثلة في انخفاض غلة المحاصيل، وانخفاض الإنتاج الزراعي والعمالة الإنتاجية، والأضرار بصحة الإنسان.
ذَكرت الدراسة، إن تمويل مشروعات التكيف مع تغير المناخ، حيث زادت عدد المشروعات زيادة كبيرة منذ عام 2006، من 6 مشاريع إلى 83 مشروعًا، ولكن يظل التمويل عائقاً أمام تنفيذ هذه المشروعات، ولذا يجب استخدام مبدأ “الملوث يدفع” لتوجيه الأموال للمشاريع المتعلقة بتغير المناخ والتأكد من أن الاستثمارات سريعة التتبع، وأن تكون الاستجابة للكوارث في الوقت المناسب.
يمكن لأفريقيا أن تلعب دورا قيادياً فى مُكافحة التغير المناخي من خلال خطط وطنية طموحة في إطار اتفاق باريس، وخلق الظروف الملائمة للتخلص التدريجي من الفحم والتوسع السريع في مصادر الطاقة المتجددة وإقامة نظم مُستدامة لاستخدام الأغذية والأراضي بما في ذلك استعادة المناظر الطبيعية للغابات، وتقليل الانبعاثات من الصناعات الرئيسية.
ويُعد اقتصاد المناخ الجديد فرصة للدول الأفريقية، حيث بنى المغرب أكبر منشأة للطاقة الشمسية فى العالم للمساعدة في تحقيق 52 % من الطاقة المتجددة وتوفير فرص عمل بعيداً عن صناعة الوقود الأحفوري، أما في جنوب أفريقيا تم فرض قانون ضريبة الكربون، الذي يضع رسوم محددة على الغازات الدفيئة الناجمة عن عمليات احتراق الوقود.
الثورة الصناعية الرابعة… أجندة إقليمية ووطنية
تتميز الثورة الصناعية الرابعة بالانصهار الرقمي والاستخدام المتزايد للتكنولوجيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، الطباعة ثلاثية الأبعاد، إنترنت الأشياء، والتقنيات اللاسلكية المتقدمة، ويظل التساؤل حول دور أفريقيا فى الثورة الصناعية الرابعة؟ هل سيكون من خلال الطفرة الجديدة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز الأمن السيبراني في القارة الأفريقية.
تفتقر معظم الدول الأفريقية إلى قانون شامل الإطار والقدرة المؤسسية لمُعالجة الجريمة الإلكترونية، ولابد من التركيز على البحوث الصناعية والابتكار لسد الفجوة بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص لضمان انتقال منتجات الذكاء الاصطناعي من المختبر إلى السوق.
ويعرض الذكاء الاصطناعي لأفريقيا فرصة لوضع القارة في طليعة الثورة الصناعية الرابعة، وقبل أن تتمكن أفريقيا من قيادة هذا التحول، هناك خطوات يتوجب اتخاذها، يتعين صياغة مخطط قاري شامل من خلال إشراك المؤسسات الأفريقية الرئيسية والقطاع الخاص والقطاع العام، والاستثمار في إنشاء منصة هوية رقمية لجميع الأفارقة مع بنوك بيانات لتكون خياراً اقتصادياً قابلاً للتطبيق، ومواءمة السياسات التنظيمية التي تشجع أنظمة الذكاء الاصطناعي المبنية على أسس أخلاقية لضمان تنمية اقتصادية أكثر شمولاً لأفريقيا، ولذا سيكون العقد القادم لأفريقيا ذكياً.
أهمية التكامل الإقليمي وتعزيز دور أفريقيا في الاقتصاد العالمي
توضح الدراسة، أهمية تبني دول القارة الأفريقية لاستراتيجية قارية للتنويع الاقتصادي من خلال اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا(FCFTA) وحقوق الملكية الفكرية، ومدى التقدم المحرز في وضع اللمسات الأخيرة على مفاوضات المرحلة الأولى من اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا، وتحديد مواعيد منح الامتيازات للتجارة في السلع وقواعد المنشأ والالتزامات المحددة لتجارة الخدمات، غير أن أفريقيا ستحتاج إلى القيام بأكثر من مجرد زيادة التجارة في السلع القائمة للاستفادة الكاملة من اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا، ومن هنا تأتي أهمية بدء المرحلة الثانية من المفاوضات حول الاستثمار وسياسة المنافسة وحقوق الملكية الفكرية.
وسلطت الدراسة الضوء على المكاسب المُحتملة من اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية لأفريقيا، فمن المتوقع أن يعزز تطبيق اتفاقية التجارة الحرة لأفريقيا (FCFTA) الرفاهية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي والتجارة البينية، وتذكر منظمة الأونكتاد أن المكاسب تنشأ عن زيادة فرص العمل، وتحسين استخدام الموارد المحلية لزيادة إنتاجية قطاعي التصنيع والزراعة، والحصول على منتجات أرخص، وذلك في ظل سيناريو يتم فيه تحرير الرسوم الجمركية بنسبة 100% على تجارة السلع. ويذكر إن هذه المكاسب تتفاوت درجتها بين الدول الافريقية.
وفي سياق متصل، تعرض الدراسة مقدار التقدم المحرز في مختلف أبعاد التكامل الإقليمي داخل التجمعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقدم كان متفاوتًا بين التجمعات الاقتصادية المختلفة، حيث تصدرت جماعتي ECOWAS و EAC عملية التكامل المالي والاقتصادي الكلي، في حين حققت EAC و COMESA أكبر تقدم في مجال التكامل التجاري، ولكن لا يزال التقدم نحو البنية التحتية الإقليمية غير الكافي في جميع التجمعات.
وإجمالاً، أكدت الدراسة على إن أفريقيا عازمة بشدة على أخذ مُستقبلها بأيديها، والتحول من “اعتماد جداول أعمال”، إلى “وضع جداول أعمال” خاصة بها مع ضرورة التركيز على الشراكات التجارية والدبلوماسية لأفريقيا من أجل الوصول لقارة مُزدهرة بحلول عام 2030.



