مقالات رأي

رامي شفيق يكتب: هل تصح مقاربة إدارة بايدن من إدارة أوباما؟

يميل البعض لمقاربة إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من إدارة صديقه الحميم باراك أوباما؛ كون الأول ظل نائبًا للأخير طيلة ثماني سنوات مدة رئاسته للولايات المتحدة التي انقضت في العام 2016، وكذلك باعتبارهما ينتميان لذات المرجعية الحزبية وهي الحزب الديمقراطي. بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي صعد إلى قمة سلطتها أوباما في مطلع العام 2009 تختلف كثيرًا عن الولايات المتحدة الأمريكية التي سيتقلد رئاستها جو بايدن مطلع العام القادم.

تجاوز باراك اوباما صاحب الثمانية والأربعين عاما منافسه الجمهوري جون ماكين في ولايته الأولى وخصمه الجمهوري ميت رومني في ولايته الثانية. وفي كلتا الولايتين الرئاسيتين بدت سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم بارتياح، وتوجهاتها الاستراتيجية تطبق على عدة ملفات ساخنة، سيما ما جرت وقائعه على مسرح أحداث الشرق الاوسط خلال الولاية الأولى والتي انقضت مع بدء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2012 مرتكزًا بشكل رئيس على قوى الإسلام السياسي في مصر وتونس، وتقديمها في الشرق الأوسط كنموذج حي لقدرة تنظيمات الإسلام الراديكالي على بلورة نموذج ديمقراطي للحكم لبقية دول العالم العربي.

غير أن سقوط تجربة حكم الإخوان المسلمين وفشلهم التام في إقامة أية روابط بينهم وبين جماهير الشعب الواعية أدت إلى تدفق حركة الجماهير في شوارع وميادين مصر خلال ثورة 30 يونيو، لتعلن موت التجربة وفشلها خلال السنة الأولى من ولاية أوباما الثانية. 

ذلك كله جرت أحداثه وعقل واشنطن لا يدرك سوى أن قوته يتسنى لها تبسط نفوذها على أي مكان في كل زمن وحين، وحقيقة الأمر أنها تقدم برهانًا لا يقبل الشك كون الإمبراطورية الأولى في العالم تحلحل مدركات الثقة مع حلفائها، وأضحت جغرافيا الشرق الاوسط ساخنة أكثر مما ينبغي، ولا تستطيع مداواة علل الفوضى الخلاقة وحدها. الأمر الذي سمح بتجاوز دورها المنفرد لصالح قوى دولية أخرى، خاصة روسيا والصين وفرنسا.

وعلى إثر ذلك أضحت القوى الجديدة تتقاسم النفوذ والحضور الميداني في عدد من المواقع التي كانت تتصور واشنطن أنها تهيمن وحدها على مفاتيح القوة فيها، وفي المقابل اكتشفت دول أن بمقدورها تنويع سد مطالبها الاقتصادية والعسكرية من جهات أخرى غير واشنطن التي ظلت لعقود مضت هي الجهة الوحيدة التي تمول احتياجات دول الشرق الأوسط.

راهنت واشنطن على تيار الإخوان المسلمين أنه يستطيع أن يحاور كافة قوى الإسلام الراديكالي ويطوع تنظيماته ويضحى ممثلهم في الشرق الأوسط ووكيل واشنطن في المنطقة يحقق لها كافة أهدافها الاستراتيجية دون الانخراط المباشر، خاصة وقد رتب محددات علاقاتهم مع تل أبيب، واستلم الضمانات اللازمة نحو الوصول الآمن لتلك الغايات وسط رعاية قوى إقليمية تمثلت في تركيا وقطر.

 واشنطن التي رعت حركات الجماهير في عدد من الدول العريية خاصة المظاهرات التي اندلعت ضد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك الذي استقبل باراك اوباما عند وصوله القاهرة ليلقي خطبته الأولى للعالم الإسلامي عبر جامعة القاهرة غضت الطرف تماما قبل عامين عندما اندلعت مظاهرات الحركة الخضراء وخرجت طبقات اجتماعية متباينة ومحبطة في مظاهرات ضد تزوير الانتخابات الرئاسية خلال شهر يونيو في العام 2009 دون تفاعل واستثمار لذلك التطور السياسي والاجتماعي منذ اندلاع ثورة الخميني العام 1979وتجلى في الحركة الخضراء دون تفعيل آلياتها وعناصرها في مواجهة النظام الإيراني.

بينما يرتاح قرب نهاية ولايته الثانية إلى حل أزمة ايران النووية من خلال الاحتواء بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني في شهر يوليو 2015 استنادًا إلى الدراسات التي ارتأت انخفاضًا حادًا في ثقة المواطن الأمريكي تجاه اقتصاده، خاصة مع تزايد معدلات البطالة والركود بنسب مرتفعة، وتململ المواطن الأمريكي من تمدد الحضور الأمريكي في بقاع العالم على حساب مصلحته. وذلك ما بدا واضحًا في أحد استطلاعات الرأي أُجري في عام 2010 أنه على الرغم من أن نسبة المساعدات الخارجية تمثل ما يقرب من 1.5% من الميزانية الفيدرالية، فإن تقديرات الأمريكيين لتلك المساعدات تبلغ نسبتها 25% من الميزانية.

السنوات الأربع التي قضاها دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية استكمل فيها رؤية الأجهزة المعنية بالانسحاب المباشر من عدد من المواقع الساخنة، وإدارته مقتنعة تماما أن أمريكا أولا وعلى الجميع أن يضطلع بمسؤولياته دون انتظار العون من واشنطن. ليزداد تمدد نفوذ القوى البديلة وترتفع نسب حضورهم وواقع إرادتهم في تلك الملفات. وبدا ذلك واضحا في سوريا وليبيا واليمن رغم محاولات واشنطن استخدام تركيا لأداء دورها الوظيفي القديم في مواجهة التمدد الروسي وسعيها المستمر مع بعض حلفائها لتقويض أطر تعاونها الاستراتيجي مع الصين والخطط المعدة لذلك في المستقبل المنظور.

خاصم ترامب جماعات الإسلام السياسي ولم يتعاون معهم خلال ولايته الرئاسية؛ بينما يتوقع البعض جريان سوائل العلاقات بين الإسلام السياسي وإدارة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن خلال سنوات ولايته المقبلة، غير أن حقيقة الأمور تستقر نحو واقع شتات جماعات الإسلام السياسي من الناحية التنظيمية وانقطاع كافة الروابط العضوية بين حلقات التنظيم، فضلا عن تصحر منابت الثقة بين كافة الأعضاء نتيجة الممارسات الفردية والأطماع التي برزت خلال السنوات الاخيرة عقب سقوط تجربتهم وكذا فقر اليقين بين الشعوب العربية وتلك التنظيمات التي طالعت دوافعهم الحقيقية ومدى فقدانهم لمشاعر الولاء والانتماء لأوطانهم ومصالحها الذاتية.

الديمقراطية التي تبلور واحدة من أهم قيم الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وتتلألأ في أعين شعوب العالم وهي ترقب وتتابع الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات تعرضت لاختبار قاسٍ وهى تشاهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يشكك في نزاهة الانتخابات ويلوح بعدم قبولها ورفضه تسليم السلطة وكذا لجوئه للحيل القانونية التي يعوزها لإثبات ما شاب الانتخابات .وبغض النظر عن حقيقة تلك الادعاءات التي جاءت على لسان الأخير إلا أن ذلك أصاب القيمة الأبرز في منظومة الحكم الأمريكية وعطل ديناميات حضورها على المستوى الشعبوي .

يمكنني القول إن المنظور المائل الذي تتجه نحوه قوة الولايات المتحدة الأمريكية ونفوذها الهائل اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا لن ينحدر بقوة التدافع بين أكبر مرشحين في تاريخ الانتخابات الأمريكية إذ يستقر عمر كليهما في نهاية العقد السابع، بل سيشرع نحو ذلك بفعل تضافر عوامل عدة سواء كان ذلك في الداخل الأمريكي أو عبر تفاعل آليات متباينة تبرز القوى الجديدة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى