
فورين أفيرز تضع رؤية لجو بايدن لإصلاح العالم
ترجمة وعرض: أحمد السيد
يوضح الدبلوماسي الأمريكي، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية الأسبق “ريتشارد هاس” في مقال له في مجلة “فورين اَفيرز”، أن “جو بايدن” الذي كسب الانتخابات الأمريكية الأخيرة لديه الكثير من الخيارات التي سيقوم بها، كاختيار نائبه، وأعضاء حكومته، ونص خِطاب التنصيب الذي سيقوم بإلقائه، كما يُمكنه أن يقرر الأوامر التنفيذية التي سيقوم بإصدارها، وإلى أي مكان سيقوم بجولته الأولى خارج البلاد، ومن سيقوم بدعوته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن لـ “جو بايدن” أن يختاره هو حجم “البريد الوارد” وما يحتويه من ملفات داخلية وخارجية، الذي سيكون في انتظاره في البيت الأبيض.
فعندما يدخل مكتبه في البيت الأبيض لأول مرة، سيتم الترحيب بالرئيس المنتخب “جو بايدن” من خلال صندوق بريد لا يمكن وصفه إلا بأنه مرعب. سيكون هناك على ما يبدو عدد غير محدود من التحديات المحلية والدولية التي تستدعي انتباهه. ولا مفر من تحديد تسلسل واضح لما يجب أن يقوم به، وإيلاء اهتمام أكبر للقضايا المُلحة.
فالرؤساء لديهم الكثير من الوقت والكثير من الموارد تحت تصرفهم؛ الأمر الذي يمكنهم من اتباع أولويات واضحة تعكس تقييمهم للقضايا المُلحة والفُرص المتاحة والواقع العملي.
يوضح “ريتشارد هاس” أن هناك مفهومًا في الفكر اليهودي يُسمى “”tikkun olam ويعني “إصلاح العالم”. يوضح “هاس” أن هذا المفهوم بالنسبة للأفراد، يُمثل رمزًا وسببًا لأساس تواجدهم في هذا العالم، فمسؤولية كل واحد منا إصلاح العُطل أو الخلل الذي أصاب العالم الذي نعيش فيه ومحاولة جعله مكانًا أفضل، والعمل على تحسين رفاهية الآخرين بدلًا من رفاهيتنا فقط –في إشارة لمواطني الولايات المتحدة الأمريكية-.
لكن “”tikkun olam يقدم أيضًا رمزًا للحكم. فهذا العالم في حاجة ماسة للإصلاح، وهي عملية ستستغرق وقتًا وسينجم عنها حتمًا درجات نجاح متفاوتة. لكن من الضروري أن نضع في الاعتبار أن الإصلاح يختلف عن البناء.
فالإصلاح يعني أخذ ما هو موجود ولكنه مُعطل وجعله يعمل؛ بينما البناء هو إنشاء شيء جديد، سواء كان ذلك لتحقيق أهداف قائمة بشكل أفضل أو في بعض الحالات لتحقيق أهداف جديدة. ويواصل “هاس” موضحًا أن فترة الإصلاح الأولى للسياسة الخارجية لجو بايدن يُمكن أن تتراوح ما بين ستة إلى تسعة أشهر، وبعد ذلك فقط ستتاح الفرصة للبناء في بعض المجالات الضرورية الأخرى.
على الصعيد المحلي، يوضح “هاس” أن الداخل الأمريكي يُعاني من وضع سيئ نتيجة التداعيات السلبية الخطيرة لوباء “كوفيد-19″، والتي من المتوقع – بحلول يوم التنصيب- أن يكون هذا الوباء قد أودى بحياة 300 ألف أمريكي، كما من المتوقع أيضًا من الاَن وحتى ذلك اليوم أن تُسجل الولايات المتحدة الأمريكية 100 ألف حالة جديدة أو أكثر، وأكثر من 1000 حالة وفاة، ومن المتوقع أن تتراوح نسبة البطالة بين (6-7%). ولن يتمكن ملايين الأمريكيين من سداد أقساط الإيجار أو الرهن العقاري.
يوضح “هاس” أيضًا أن التحديات الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز الصحة الجسدية والاقتصادية للبلاد. فالولايات المتحدة دولة منقسمة، حيث صوت أكثر من 70 مليون أمريكي لصالح دونالد ترامب، وسيصدق الكثير منهم رواية “ترامب” الخطيرة والمدمرة بأن الانتخابات سُرقت، وسيسود لديهم الاعتقاد بأن “بايدن” رئيس غير شرعي، كما سينقسم المجتمع الأمريكي حول المسائل المتعلقة بعدم المساواة في الثروة والعرق والتعليم.
وسيتبنى الطرفان –الجمهوري والديمقراطي- مواقف متعارضة بشكل جذري بشأن المسائل السياسية التي تتراوح من الضرائب إلى إصلاح الشرطة والرعاية الصحية. ومن المتوقع أيضًا حدوث انقسام داخل الحكومة، نظرًا لأن الجمهوريين لديهم فرصة جيدة للحفاظ على الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، إضافة إلى أنه من المتوقع تقليل هامش سيطرة الديمقراطيين في مجلس النواب.
على الصعيد الدولي، يوضح “هاس” على الرغم من أن هذه التحديات ستأخذ حيزًا كبيرًا من وقت وموارد الرئيس “جو بايدن”، فإن العالم الخارجي لن ينتظر ولن يصبر، حتى تقوم إدارة بايدن بترتيب البيت من الداخل. بل على العكس من ذلك، فإن البريد الدولي الوارد -وفقًا لهاس- لا يقل صعوبة عن التحديات الداخلية.
يوضح هاس أن العديد من القضايا الدولية الساخنة، قد التهبت بسبب سياسات الرئيس ترامب، على الرغم من توضيحه بأن إدارة ترامب قد تعاملت بشكل صحيح في بعض القضايا ومنها، الوقوف في وجه الصين إزاء ممارساتها التجارية المدمرة للولايات المتحدة الأمريكية، وتزويد أوكرانيا بأسلحة مُتطورة، إضافة لإبرامه صفقة تجارية جديدة مع كندا والمكسيك، والتوسع في عمليات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية.
لكن هناك العديد من المسائل التي أخطأت فيها الإدارة السابقة، منها تقويض التحالفات الدولية التي كانت بمثابة حجر الأساس للاستقرار الدولي لمدة 75 عامًا؛ الأمر الذي أثار تساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء، إذ قام الرئيس ترامب بانسحاب البلاد من العديد من الاتفاقيات والمؤسسات الدولية، دون تقديم بديل مناسب، وعمل على التقرب من القادة الاستبدادين في الصين وكوريا الشمالية وروسيا وتركيا.
ولم يتوصل إلى نتائج جيدة بعد كل ذلك في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع تلك الدول، إضافة لانتهاك ترامب المتكرر للسياسات الديمقراطية المتعارف عليها، مثل فصل الأطفال المهاجرين عن والديهم، ومنع مواطنين عدد من البلدان الإسلامية من السفر للولايات المتحدة الأمريكية. كل تلك السياسات أدت إلى تقويض النموذج الأمريكي في جميع أنحاء العالم وأطفي جاذبيته وبريقه.
في السياق ذاته، يوضح هاس أنه لا يُمكن إلقاء اللوم في جميع أو معظم التحديات الدولية التي تنتظر جو بايدن على سلفه ترامب. فكثيرًا ما واجه الرؤساء الأمريكيون ويواجهون العديد من التحديات، والتي تدفعهم لبلورة سياسات واستراتيجيات للتعامل معها، إذ لن يتوقف الأمر على سياسات الرئيس ترامب أو الرئيس جو بايدن.
وفي هذا السياق، يوضح “هاس” أنه يتوجب على إدارة الرئيس “بايدن” أن تخطط لكيفية التعامل مع الصين الصاعدة بقوة، وروسيا التي هي على استعداد لاستخدام قوتها العسكرية وقدراتها التكنولوجية لتحقيق أهدافها، وإيران التي تلتزم بتنفيذ استراتيجية استعمارية توسعية في شرق أوسط مضطرب، إضافة لتوضيح سياساته تجاه قضية التغير المناخي، وشكل العلاقة مع الحكومات الضعيفة والمستبدة في معظم دول العالم النامي، وموقفه من أزمة اللاجئين، وغيرها من التحديات.
ويوضح “هاس” أنه لا يكفي لجو بايدن أن يتخذ سياسات معاكسة لما اتخذه سلفه ترامب، فهذا لن يقود لبلورة حلول لتلك المشكلات مهما كانت تلك السياسات مُرحبًا لها، بل عليه التعامل باستراتيجية جديدة مُختلفة، تسعى لبلورة حلول جذرية وسريعة لتلك المشكلات. أول تلك المسائل والمشكلات التي تحتاج للإصلاح، والتي يتوجب على بايدن إيجاد حل لها، هي مسألة الصحة العامة، التي بات يُنظر إليها على أنها مسألة تتعلق بالأمن القومي.
احتواء أزمة وباء “كوفيد-19”
يوضح “هاس” أن إدارة “بايدن” يجب أن تبدأ باحتواء ازمة وباء “كوفيد-19” في الداخل الأمريكي، ويرى أنه في حال التوصل إلى إيجاد لقاح وعلاج فعال لهذا الوباء، فسيساعد ذلك على حل الأزمة. وعلى الرغم من توقيت وفعالية هذه الأزمة الخارجة عن سيطرة الحكومة إلى حد كبير، إلا أن ما يُمكن للإدارة أن تفعله في هذه المسألة هو أن تجعل منها أولوية وطنية بجعل الاختبارات الخاصة بالكشف عن هذا الوباء سريعة ودقيقة وغير مُكلفة.
ويُمكن لإدارة بايدن كذلك أن تشجع السلوكيات الخاصة بارتداء الأقنعة وتشجيع السلوكيات المسؤولة التي يجب على المواطنين اتباعها. وأيضًا يجب على الحكومة إحراز تقدم سريع في هذا الأمر لاحتواء الوباء وذلك لإنعاش القطاع الاقتصادي، إضافة لاستعادة سمعة الولايات المتحدة الأمريكية من حيث كفاءتها ومسؤوليتها في إيجاد حلول لأي مُشكلة، ما يعطي الإدارة الجديدة المصداقية في قدرتها على معالجة المشاكل الأخرى على الصعيدين المحلي والدولي، وقبل كل شيء إكساب الثقة –للمواطنين الأمريكيين– في حكومتهم وثقتهم بأنفسهم، عندما يدركون أن الحكومة تبذل كل ما لديها من أجل صحة شعبها.
يضيف “هاس” أن إدارة بايدن يجب عليها أن تنضم إلى منظمة الصحة العالمي (وفقًا لما أعلنت عنه من تخطيطها للقيام بذلك عقب التنصيب مباشرة)، فهناك حاجة ماسة لدور فعَّال بصلاحيات واسعة للمنظمة من أجل القضاء على هذا الوباء، والاستعداد لأي أمراض يُمكن أن تتفشى في المستقبل وكذلك لمعالجة الأمراض غير المعدية مثل السرطان والسكري وأمراض القلب (التي لا تزال السبب الأكبر للمرض والوفاة في جميع أنحاء العالم).
ووفقًا لـ “هاس” سيتطلب هذا الأمر من الولايات المتحدة الأمريكية العمل مع شركاء متشابهين في التفكير داخل منظمة الصحة العالمية لإصلاح ذلك الخلل، بحيث لا يمكن لأي دولة أن تقوم بالضغط على المنظمة لتغيير قراراته أو توصياتها، كما فعلت الصين في الأسابيع الأولى من هذا الوباء.
ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا أن تنضم إلى الجهود الدولية سواء لتطوير أو تصنيع أو تمويل أو توزيع اللقاحات. ستساعد هذه المشاركة على ضمان أن تستفد الولايات المتحدة من اللقاحات التي يُمكن التوصل إليها في أي مكان آخر.
وبالنسبة للقاحات التي من الممكن أن يتم تطويرها في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن توفير جزء منها للآخرين من شأنه أن يقطع شوطًا طويلًا في استعادة مكانة الولايات المتحدة عالميًا، فضلًا عن تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي والبدني للآخرين، والذي سيكون بدوره مفيدًا للولايات المتحدة، لأنه سيقود إلى تحقيق انتعاش واستقرار عالمي، وهذا الأمر من شأنه أن يُساعد في إصلاح العالم.
كيفية استعادة كسب ثقة الأصدقاء؟
يوضح “هاس” أن الأولوية الثانية للإصلاح أمام الرئيس الجديد “جو بايدن” هي (تعزيز التحالفات)، فسياسة التحالفات هي التي ميَّزت السياسة الخارجية الأمريكية على مدار تاريخها، إذ توفر التحالفات والشراكات تجميع الموارد اللازمة لمواجهة التهديدات الأمنية المحلية والتحديات العالمية.
ومع ذلك، فَقد العديد من الحلفاء الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة، نتيجة عدم استعداد الأخيرة لمواجهة الخصوم وتحفظها على الوقوف إلى جانب الأصدقاء (نتيجة تركيزها بشكل كبير على أوجه القصور في الداخل الأمريكي على حساب القضايا الخارجية).
يرى “هاس” أن التحرك بشكل سريع لإظهار نهج جديد أكثر تشاورًا والتزامًا مع الحلفاء من شأنه أن يعيد الدور الرائد لمكانة الولايات المتحدة في العالم، كما ستمكن التحالفات التي ستعمل الإدارة الجديدة على إصلاحها؛ الولايات المتحدة الأمريكية من القيام بما تريده في الشأن العالمي.
وإلى جانب عقد مشاورات حقيقية، يمكن لإدارة بايدن اتخاذ خطوات ملموسة تظهر التزامها تجاه الحلفاء في وقت مبكر من توليها مسؤولية إدارة شؤون البلاد، منها على سبيل المثال:
- الوقف الفوري لانسحاب القوات الامريكية من ألمانيا.
- حل الخلافات مع كوريا الجنوبية بشأن توفير الدعم المالي للقوات الأمريكية المتمركزة هناك.
- إعادة النظر في الاتفاقية الموقعة مع طالبان بشأن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، على أن يكون الانسحاب المستقبلي للقوات مرتبطًا بسلوك طالبان وقدراتها، وأن يقترن بالتزامات طويلة الأجل بتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية للحكومة.
- يمكن للإدارة الجديدة أيضًا التنسيق مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لصياغة نهج جديد تجاه إيران – على سبيل المثال، التعهد بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم توقيعها عام 2015 – بشرط أن تتراجع إيران عن أي شيء قامت به خارج ما نص عليه الاتفاق، وأن يعمل حلفاء الولايات المتحدة مع واشنطن في الأشهر والسنوات المقبلة لتطوير إطار عمل جديد يستمر لفترة أطول من الاتفاق الحالي (نظرًا لأن بعض بنود الاتفاق الحالي ستنتهي في غضون الخمس سنوات المقبلة).
- وفي آسيا، يمكن لإدارة بايدن أن تبدأ فورًا في إجراء مشاورات مع كوريا الجنوبية واليابان حول النهج الأفضل الذي يُمكن تبنَّيه تجاه كوريا الشمالية.
يرى هاس أنّ سعي الإدارة الجديدة لإعادة الانضمام إلى الاتفاقيات والمؤسسات الدولية – لن يكون بمثابة خدمة وطمأنة للآخرين وحسب؛ بل لأن هذا الأمر سيصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية- كالانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، واتفاق باريس للمناخ (الذي يقال إن بايدن يخطط للانضمام إليه في وقت مبكر من إدارته). من أجل التوصل إلى اتفاق يُمكن من خلاله مواجهة التحدي المناخي.
ويمكن للإدارة أيضًا أن تتحرك بسرعة للتوصل لتمديد اتفاقية ستارت الجديدة (New START) مع روسيا، والتي ستنتهي قريبًا، وذلك للحد من الأسلحة الاستراتيجية النووية.
وفيما يتعلق بعلاقة الإدارة الجديدة مع روسيا، يوضح “هاس” أنه وحتى لو استغرق الأمر وقتًا أطول، فإنه لابد من تطوير نهج شامل للتعامل الأمريكي مع روسيا، بما يُعالج تدخلها في السياسة الأمريكية، واستخدامها للقوة في الشرق الأوسط وأوروبا، وارتكابها انتهاكات داخلية؛ كالهجمات على شخصيات معارضة، مثلما حدث مع المعارض الروسي البارز “أليكسي نافالني”.
وفيما يتعلق بعلاقة الإدارة الجديدة مع الصين، يوضح “هاس” أن الأمر سيستغرق وقتًا لصياغة سياسة شاملة، تأخذ في اعتبارها كل شيء من التجارة والتكنولوجيا إلى حقوق الإنسان إلى الاهتمامات الاستراتيجية المتعلقة ببحر الصين الجنوبي وتايوان وعلاقات الصين مع دول الجوار. ومع ذلك، يمكن للإدارة الجديدة بشكل فوري أن تتخذ خطوتين مهمتين، هما:
- الخطوة الأولى: أن توضح أنها ستنتهج سياسة جديدة ضد الصين يتم تطويرها بالتنسيق الوثيق مع الحلفاء في آسيا وأوروبا، مما سيجعلها مدعومة على نطاق واسع، وبالتالي تزداد احتمالية نجاحها.
- الخطوة الثانية: يمكن للإدارة الجديدة أن تشير إلى استعدادها لعقد حوار استراتيجي جاد مع بكين، من أجل تحديد مجالات التعاون المحتمل (على سبيل المثال، المسائل المتعلقة بكوريا الشمالية وتغير المناخ) والحد من مجالات الخلاف والصراع التي لا مفر منها (أو بشكل أكثر واقعية، ربما، الحد من احتمالية تصعيد هذه الخلافات إلى مواجهة بين الطرفين).
يوضح “هاس” أيضًا أنه من خلال التسلسل المنطقي، بالبدء بالإصلاح، ثم البناء، سيتمكن “بايدن” من حل العديد من المشكلات التي تملأ البريد الوارد، لكنه سيحتاج في البداية لعدة أشهر لتكوين فريق للأمن القومي، وإعادة رسم عملية سياسة أكثر انضباطًا، وسيحتاج إلى المزيد الوقت لإجراء مناقشات جادة مع أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين لإيجاد أرضية مشتركة حول العديد من السياسات.
وعلى “بايدن” ألا يقع في فخ الإدارات السابقة من خلال انفراد السلطة التنفيذية وحدها بوضع السياسة الخارجية، بل عليه أن يُشرك الجميع في ذلك، من أجل بلورة سياسات قوية تجاه العديد من المشكلات والتحديات الداخلية والخارجية. على سبيل المثال، قد يكون هناك إجماع، حول أفضل السبل لمواجهة الصين وروسيا، وحتى التوافق بشأن قرارات مثل الانضمام إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، الأمر الذي يُعزز من دور الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد “هاس” أنه يجب أن يكون هناك توافق حول الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والمناخية، إضافة لطرح مبادرات لإصلاح منظمة التجارة العالمية، ووضع قواعد أساسية دولية لتنظيم الفضاء الإلكتروني، وتعزيز عمليات التغيير والتحول الديمقراطي في فنزويلا وسوريا، ومواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتقديم بدائل لتكنولوجيا الجيل الخامس الصيني ((5G، وتعزيز حلف الناتو، وطرح بديل دبلوماسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وغيرها من القضايا الأخرى.
في هذا السياق، يٌبرز “هاس” أن هذه الجهود ستتطلب وقتًا لتطويرها وخلال ذلك الوقت يجب أن يكون التركيز على إصلاح ما تم إفساده وتعطيله.
في الأخير، يرى “هاس” أن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم قد تضرر نتيجة تفشي وباء “كوفيد-19” إضافة لتعطيل الكثير من السياسات خلال الأربع سنوات الماضية، الأمر الذي أضر بشدة بسمعة الولايات المتحدة الأمريكية وصورتها الدولية، وأثر كثيرًا على مجموعة القيم الخاصة بها والتي تم تبنَّيها على مدار العقود الماضية.
لكن رغم ذلك تبقى هناك الكثير من الأدوات في يد الإدارة الجديدة، خاصة الأداة الدبلوماسية، والتي يتوجب عليها حُسن استغلالها سعيًا منها لإصلاح ما تم تعطيله أو إفساده من سياسات، ثم التفرغ للبناء في الداخل الأمريكي وفي بقية العالم.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية




