ليبيا

ما بعد استقالة “السراج”: ليبيا على أعتاب مرحلة جديدة

أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، مساء الأربعاء (16 سبتمبر الجاري) اعتزامه تسليم مسؤولياته إلى سلطة تنفيذية أخرى بحلول نهاية الشهر المقبل.  وأكد أن الانتخابات هي أفضل الطرق للوصول إلى حل شامل في ليبيا. وقال إن المشاورات الليبية الأخيرة أفضت إلى الاتجاه نحو توحيد المؤسسات، وتهيئة المناخ للانتخابات البرلمانية والرئاسية، مؤكدًا أنه يرحب بما تم إعلانه من توصيات مبدئية مبشرة بخصوص الحوار الليبي، مضيفًا أن “حكومته لم تكن تعمل في أجواء طبيعية، وكانت تتعرض للمكائد والمؤامرات داخليًا وخارجيًا، موضحًا أنه كانت هناك أطراف تعمل على عرقلتها بشكل لافت ومتكرر”.

دلالات الإعلان

التوقيت: من المتصور أن بيان السراج اليوم يأتي بعد الإنجاز الذي تحقق في مشاورات “مونترو” في سويسرا تحت رعاية البعثة الأممية، والذي توصل إلى حزمة نتائج منها اتفاق المشاركين على إنهاء المرحلة الانتقالية الثالثة، والبدء في مرحلة تمهيدية للانتقال لمرحلة الاستقرار السياسي، تبدأ بضرورة التمسك بقرار وقف إطلاق النار، وتشكيل الآليات اللازمة لذلك تحت إشراف الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن في هذا الصدد. بالإضافة إلى تأكيد التعجيل بالمسار السياسي الشامل للتسوية في جنيف بمحاوره الثلاثة الرئيسية (الاقتصادي والأمني والسياسي). وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد الانتخابات في غضون عام من الآن بما لا يتجاوز أكتوبر من العام القادم. والانتهاء من القاعدة الدستورية. وإعادة هيكلة السلطة الانتقالية، لاسيما المجلس الرئاسي بحيث يُعاد تشكليه من رئيس ونائبين. وأن تكون سرت العاصمة المؤقتة لانتقال السلطة إليها. 

تعزيز  مسار  الحل السياسي:  قطع السراج الطريق على التسريبات والتكهنات التي راجت خلال الساعات السابقة حول استقالته واحتمالات تسليم السلطة لأحد أعضاء الرئاسي، أو بالتشاور بين مجلس الدولة والبرلمان، وبالتالي فإن حديث السراج عن تسليم السلطة في نهاية أكتوبر لسلطة جديدة منتخبة، يعكس أكثر  من مؤشر، منها على سبيل المثال: التأكيد على دور لجنة الحوار، ودعم ما توصلت إليه من نتائج في ” مونترو “، ودفعها للمضي في جدول الأعمال المقرر في ضوء تلك النتائج خلال المدة المتبقية للسراج في السلطة بشهر ونصف الشهر، وهي مهلة زمنية تبدو قصيرة لإنجاز تلك المهام، لكن في إطار التقارب الذي جرى في جنيف بين الأطراف  قد تكون تلك المدة  كافية. ولتجنب إطالة أمد الحوار.  

تحرير القرار الوطني: عكست الصيغة التي تحدث بها السراج اتجاهًا وطنيًا بعيدًا عن التدخلات الخارجية، لاسيما التدخل التركي في الشأن الليبي بأشكال وأدوات مختلفة. وفي واقع الأمر يبدو أن السراج حاول تجنب هذا المسار، وربما عرّضه ذلك لضغوط عديدة في إطار التفاعلات التي تشهدها طرابلس في هذا الصدد، والتي عكست التنافس على السلطة.  وفي واقع الأمر لا تبدو أنها الخطوة الأولى من نوعها؛ فبيان السراج الخاص بقرار وقف إطلاق النار المتزامن مع القرار الصادر عن رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح كان خطوة في المسار ذاته. 

وبالإضافة إلى ما سبق، من الواضح أن هناك عددًا من التطورات الرئيسية التي شهدتها الفترة الأخيرة أسهمت في إحداث متغير في مسار الأزمة الليبية، ومنها على سبيل المثال: 

  • إعلان القاهرة الصادر في السادس من يونيو 2020 كنقطة انطلاق جادة للحل، والذي يُعدُّ مبادرة ليبية -ليبية تضمنت كافة الأسس المطلوبة لحل الأزمة الليبية حلًا شاملًا من كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والدستورية.
  • إصدار كل من المستشار عقيلة صالح والسيد فايز السراج بيانين منفصلين أكدا مجموعة من المبادئ التي تمثل قواسم مشتركة للحل، حتى دون النص على تفاصيلها، من بينها موضوع الانتخابات ووقف إطلاق النار.
  •  الحوارات التي تمت في جنيف تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة والتي دعت إلى إجراء حوار تمهيدي شامل خلال المرحلة المقبلة لمناقشة كافة القضايا المثارة ووضع الأسس اللازمة المتوافق عليها من أجل وضع التسوية السياسية الشاملة للأزمة موضع تنفيذ، في الوقت الذي جرى فيه حوار في المغرب للاتفاق على توزيع المناصب المهمة.
  • قيام وفد ينتمي إلى الغرب الليبي بزيارة إلى مصر مكون من مجموعة من العناصر المنتمين إلى مجلس النواب والمجلس الرئاسي ورجال الأعمال؛ إذ أبدى استعداه خلال اللقاءات التي عقدها للتجاوب مع مقتضيات المرحلة المقبلة للحل. وقيام اللجنة الوطنية المصرية المكلفة بالملف الليبي بزيارة الاسبوع الجاري إلى ليبيا في سياق دفع مسار تسوية الأزمة الليبية، وتهيئة الأجواء لذلك. 

فرص وتحديات

جاءت استقالة فايز السراج من رئاسة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في ليبيا لتقدم مزيجًا من الفرص والتحديات للتطورات السياسية المتلاحقة الآخذة في التطور في المشهد الليبي، والتي ينتظر أن تصيغ المستقبل السياسي للبلاد في الفترة المقبلة. فباستقالة السراج يصبح الطريق ممهدًا لتنفيذ ما توافق عليه الفرقاء الليبيون في سويسرا والمغرب مؤخرًا من صيغة معقولة لتقاسم السلطة تضمن توحيد المؤسسات السيادية في البلاد عبر توزيع مناصبها القيادية بصورة أكثر شمولًا وإنصافًا، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام إتمام التوافق الليبي الشامل تحت الرعاية الأممية، والذي ينتظر أن يشهد تقدمًا كبيرًا في الأسابيع القليلة القادمة. 

كذلك يأتي ما نص عليه إعلان استقالة السراج من تحديد نهاية أكتوبر المقبل موعدًا أوليًا لتسليمه رئاسة المجلس الرئاسي للسلطة التنفيذية المتوافق عليها ليضع سقفًا زمنيًا ضيقًا من شأنه أن يشجع الأطراف الليبية على المسارعة بإتمام التوافق في أقرب وقت ممكن؛ استغلالًا للفرصة السانحة، وقطعًا للطريق على أي محاولة لتعريض مسار التوافق السياسي للتعثر أو الانتكاس.

لكن على الجانب المقابل يفرض الخروج المفاجئ للسراج من المشهد السياسي الليبي تحديات صعبة تتعلق بالأساس بالأوضاع الاستثنائية التي يمر بها الغرب الليبي من أزمة مركبة تتضمن أبعادًا أمنية وسياسية واقتصادية، خاصة بعدما شهدته هذه الأوضاع من تفاقم ملحوظ في أغسطس الماضي تجلى في مظاهر متعددة كالاشتباكات المسلحة بين الميليشيات، والاحتجاجات الشعبية على إثر أزمة الكهرباء، والخلاف المتصاعد بين السراج ووزير داخلية حكومة الوفاق بما له من أبعاد إقليمية ودولية مركبة.

هذه التحديات الجسيمة قد تجعل من مغادرة السراج منصبه في الوقت الحالي مصدًا إضافيًا لتصاعد التوترات في الغرب الليبي بين أطراف متعددة سوف تتنافس على خلافة السراج في المرحلة المقبلة، وهو التحدي الذي يتعين إدارته بشكل فعال وحاسم؛ حفاظًا على فرص المسار التفاوضي الجديد في النجاح في التوصل لتسوية شاملة ونهائية لصراع معقد امتد لقرابة السنوات العشر.

في المحصلة الأخيرة، لا شك أن الأزمة الليبية بدأت تشهد متغيرات جديدة يمكن أن تنقل بها الأزمة من مرحلة استحالة الحل إلى مرحلة إمكانية الحل، وهو الأمر الذي يفرض على كافة الأطراف أن تستثمر الفرصة الحالية التي قد لا تتكرر مرة أخرى، وتسرع في سبيل إنجاح المرحلة القادمة. وإذا كانت التطورات الأخيرة تشير إلى أن فرص الحل أصبحت تفوق العقبات التي يجب توقع حدوثها في أي وقت، إلا أنه يجب أن تكون هناك مبادئ أساسية تمثل عنوان أي إنجاز يمكن تحقيقه من خلال الحوار التمهيدي الشامل، أهمها ما يلي:

  • البناء على الخطوة الايجابية الاستباقية التي وردت في إعلان السراج والتي ترتبط بالانتقال السياسي السلس للوصول إلى حالة الاستقرار في ليبيا، ووضع حد لحالة الانقسام التي شهدتها البلاد في المرحلة السابقة. وكذلك البناء على مخرجات “مونترو ” كقاعدة للحوار الوطني الشامل والذي يمثل اصطفافًا وطنيًا في لحظة حرجة تحتاج فيها ليبيا إلى تغليب المصلحة الوطنية، وأن ترتقي كافة القوى الوطنية إلى هذا المستوى، وأن تكون على قناعة بأن كافة الجهود المبذولة تصب في إطار واحد وهو أن تكون ليبيا دولة وطنية قوية موحدة ومستقرة كهدف استراتيجي.
  • ضرورة إنجاز خريطة الطريق التي تشمل إعادة هيكلة السلطة التنفيذية واعادة هيكلة وتشكيل المجلس الرئاسي، وتشكيل حكومة وطنية ذات صلاحيات محددة وتكون قادرة على أداء مهامها بثقة وكفاءة، وتمهيد المناخ الملائم من أجل أن تُجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مناخ إيجابي يفرز أصلح العناصر التي تساعد في مرحلة البناء المقبلة. وأنه لا مكان لأية جماعات إرهابية أو ميلشيات أو مرتزقة في الحل السياسي، ولابد من خروج هذه الجماعات ومن يؤيدها خارج الأراضي الليبية.
  • التركيز على مبدأ توحيد المؤسسات الليبية باعتبار أن هذا التوحيد سيكون هو الأساس الذي يُبنى عليه إنجاح الحل السياسي. والتعامل مع مبدأ التوزيع العادل للثروة والسلطة بطريقة منطقية حتى يكون أي اتفاق قادم مرضيًا لكافة أطياف الشعب الليبي.

مجموعة عمل ليبيا

د. خالد عكاشة – اللواء محمد ابراهيم –  د. أحمد أمل –أحمد عليبه

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى