دول المشرق العربي

الرئيس اللبناني يبدي استعداده لمباحثات مع إسرائيل.. تهدئة إيرانية أم فصل جديد في مسيرة ميشيل عون؟

ابدى الرئيس اللبناني ميشيل عون موافقة مفاجئة لبدء مباحثات بين بلده وإسرائيل حيال القضايا المتعلقة بين البلدين، بعد جمود في ملف مباحثات السلام بين بيروت وتل ابيب استمر منذ الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من جنوب لبنان عام 2000.

حديث عون للتلفزيون الفرنسي مساء السبت 15 أغسطس 2020 تزأمن مع محاولات من إيران لخفض مستوى التوتر في لبنان، على ضوء تفجير مرفأ بيروت الذي أدى لاستقالة حكومة حسًان دياب الموالية لإيران وسوريا.

ويعيش لبنان منافسة إقليمية على أراضيه منذ عقود، أسفرت عن سيطرة وتغلغل سوريا وإيران في مفاصل الدولة اللبنانية ومساعي إقليمية ودولية لإنهاء الوصاية الإيرانية السورية في لبنان.

وتحالف عون مع حزب الله منذ فبراير 2006 حتى اليوم، ما جعله المرشح الأول للمحور الإيراني السوري – حزب الله على مقعد الرئاسة اللبنانية، وهو ما جرى بالفعل حينما صعد عون إلى قصر بعبدا في 31 أكتوبر 2016.

ومن منطلق تحالف عون مع حزب الله ودمشق وطهران، استيقظ المشهد اللبناني على تساؤل واحد، هل حديث الرئيس اللبناني مبادرة عونية أم قرار إيراني – سوري؟

إن الإجابة على هذا التساؤل، تستدعي الإبحار في سيرة العماد عون لفهم موقفه من هذه المبادرة ومن لبنان ما بعد انفجار مرفأ بيروت.

آخر جنرالات الحرب الاهلية

مع تعيين العماد ميشيل عون قائدًا للجيش اللبناني في يونيو 1984 بقرار من الرئيس أمين الجميل، وفي زمن تحول لبنان إلى ملعب إقليمي تتنافس فيه القوى الدولية والإقليمية تحت راية الحرب الأهلية، أصبح اسم عون من أبرز المرشحين لخلافة الرئيس الجميل عشية انتهاء ولايته عام 1988.

وراحت الأطراف الإقليمية والدولية تطرح الأسماء المرشحة واحدًا تلو الآخر، ما بين الرئيس الأسبق سليمان فرنجية (الجد)، وداني شمعون ابن الرئيس كميل شمعون ورئيس حزب الوطنيين الاحرار، ووزير الداخلية الأسبق ريمون إده ابن الرئيس أميل إده ورئيس حزب الكتلة الوطنية، ولكن لم يحدث توافق لبناني وعطل حزب القوات اللبنانية النصاب القانوني في جلسة مجلس النواب المقررة لانتخاب رئيس الجمهورية.

من هو ميشال عون الرئيس 13 للبنان؟

على ضوء اقتراب الفراغ الرئاسي اللبناني، استدعى الرئيس أمين الجميل قائد الجيش ميشيل عون، وكلفه برئاسة الوزراء في حكومة عسكرية تضم ممثلين للطوائف الرئيسية في لبنان، وعلى ضوء الدستور اللبناني الذي يخول رئيس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية حال غيابه، انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل فأصبح ميشيل عون رئيس الوزراء وقائم بأعمال رئيس الجمهورية ما بين عامي 1988 و1990، كما شغل في الفترة ذاتها منصب وزير الدفاع والخارجية والداخلية والإعلام.

عون رفض اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية لأنه يكرس النفوذ السوري في لبنان ويضع لبنان تحت الاحتلال السوري على حد وصفه، ما جعل المجتمع الدولي يتدخل لإخراج عون من القصر الرئاسي في بعبدا، وفر لاجئًا إلى السفارة الفرنسية التي وفرت له اللجوء السياسي إلى فرنسا.

ما بين عامي 1990 و2005، نظر النظام السوري إلى مقر إقامة ميشيل عون في فرنسا باعتباره مركزًا لتجمع عملاء أمريكا وإسرائيل في لبنان، وكان الإعلام اللبناني والسوري ينتظر إشارة من المخابرات السورية من أجل الهجوم على أي شخص يتواصل مع “العماد عون”.

وفي تلك السنوات كان عون بالفعل قد فتح خطوط اتصال بكافة الأطراف الغربية الضالعة في الملف اللبناني من أجل “تحرير لبنان من الوصاية السورية”، وحينما بدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في تضييق الخناق على إيران عقب سقوط النظام العراقي عام 2003، كانت إدارة بوش الابن بحاجة إلى عدد من الساسة اللبنانيين للشهادة أمام لجان الكونجرس الأمريكي حول الاحتلال السوري الإيراني لـ لبنان.

هكذا وقف ميشيل عون أمام منصة الكونجرس الأمريكي يدلي بشهادته التي كانت من أهم أسباب صياغة الكونجرس لـ “قانون معاقبة سوريا وتحرير لبنان” في جلسة 12 ديسمبر 2003 وموافقة بوش الابن على القانون.

في سنوات المنفى الفرنسي، أسس عون التيار الوطني الحر، ومع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، اشتعل لبنان بالسيولة السياسية، وجرى الاتفاق على عودة ميشيل عون والعفو عن سمير جعجع.

الاصطفاف الجديد والساري حتى اليوم في لبنان هو قوى 14 آذار المناهضة للوصاية السورية الإيرانية، مقابل تجمع 8 آذار الداعم لهذه الوصاية، وكان موقع ميشيل عون حينما عاد من فرنسا هو بجانب 14 آذار، مع سمير جعجع وسعد الحريري وأمين الجميل ووليد جنبلاط.

ولكن عون لم يكن عائدًا لبيروت عام 2005 إلا من أجل استعادة مقعد الرئاسة، بينما يعج 14 آذار بالمرشحين الرئاسيين من الطائفة المارونية وعلى رأسهم سمير جعجع غريم عون التاريخي، إضافة إلى آل الجميل وساسة لقاء قرنة شهوان وهو تجمع ضم نخبة السياسيين الموارنة حيث تأسس عام 2001، بينما يفتقر فريق 8 آذار لـ “المرشح الماروني السوبر” رغم وجود سليمان فرنجية الحفيد على رأس تيار المردة إلا أن شغله منصب وزير الداخلية في حكومة عمر كرامي التي عاصرت اغتيال رفيق الحريري قد جعل لـ 14 آذار فيتو حاسمًا حال ترشحه للرئاسة في أي وقت.

هكذا وبعد ربع قرن من مناوءة التواجد السوري والتمدد الإيراني في لبنان، قبل عون أن يوقع وثيقة تفاهم مع حزب الله في 6 فبراير 2006 وأن ينتقل التيار الوطني الحر إحدى مؤسسي 14 آذار إلى فريق 8 آذار.

لم يكن توقيع عون في واقع الأمر إلا مباركة للتمدد السوري الإيراني في لبنان، وتحالفًا وثيقًا مع طهران ودمشق، وبعد أن كان إعلام الدولتين ينعت عون بالعميل الإسرائيلي وصناعة الصهيونية، وصولاً إلى وقوف عون في الكونجرس الأمريكي يشهد ضد النظامين السوري والإيراني، فُرشت السجادة الحمراء في القصور الرئاسية السورية والإيرانية لاستقبال الحليف الماروني القوي، الذي أصبح منذ 6 فبراير 2006 هو مرشح سوريا وإيران لرئاسة لبنان.

وحتى حينما تفجرت فضيحة وجود جاسوس داخل التيار الوطني الحر لصالح إسرائيل ينقل تفاصيل التحالف مع إيران وسوريا إلى تل ابيب، لم يتوقف النظامان السوري والإيراني عن التحالف مع عون، ولم يتوقف عون عن استقبال “سماحة السيد” حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.

إيران تتغلغل في التيار الوطني الحر

ولكن كما فعلت إيران في سوريا خلال سنوات حافظ الأسد، وفي عمان خلال سنوات السلطان قابوس، حيث تقبل طهران التحالف مع الرجل الكبير ولكنها تخترق الكيان المستهدف مثل السوس، تنحر في أعمدته وتنال من أرصدته، وبالفعل كانت إيران في سنوات تفخيم ميشيل عون ودفعه إلى قصر بعبدا مرة أخرى، تخترق التيار الوطني الحر وتصل إلى عقل وقلب جبران باسيل.

باسيل هو زوج شانتال ابنة عون، وقد دفعته إيران وزيراً للاتصالات عام 2008 في وزارة فؤاد السنيورة، ثم وزيراً للطاقة والمياه عام 2009 حتى عام 2014 في وزارتي سعد الحريري الأولى ونجيب ميقاتي، ثم وزيراً للخارجية عام 2014 حتى 2020 في وزارتي تمام سلام وسعد الحريري الثانية، وطيلة 12 عامًا في مجلس وزراء لبنان كان جبران باسيل ينفذ أجندة إيرانية خالصة.

وفى تلك الإثناء، نصبته إيران وسوريا خلفًا لعون على رأس التيار الوطني الحر في أغسطس 2015، ثم انتخب عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر 2016.

حسابات ثورة 17 تشرين وتفجير مرفأ بيروت

كان يفترض وفقاً لمجريات الأمور أن يسعى عون إلى توريث مقعد الرئاسة في لبنان إلى زوج ابنته، استكمالاً لسيرة تناقضات عون الذي وقف يوماً ما يعاير النخب اللبنانية بالتوريث السياسي، فإذا به يورث رئاسة حزبه إلى زوج ابنته، إضافة إلى طابور طويل من المسؤولين داخل التيار الوطني الحر حوله إلى التيار “العوني” الحر، وحتى لو فشل عون في توريث مقعده بشكل مباشر إلى باسيل، فعلى الأقل سوف يكون الرئيس المقبل من 8 آذار على أن يتم تمرير الرئاسة لاحقًا إلى باسيل.

هيروشيما بيروت".. انفجار هز دائرة قطرها 8 كلم

ولكن الشعب اللبناني ثار في 17 أكتوبر 2019، وكانت أولى مطالب الثورة هي سقوط حكومة العهد، في إشارة الي الاتفاق السياسي الذي جرى بين ميشيل عون وسعد الحريري وجبران باسيل، بموجبه اختير الحريري لرئاسة الوزراء وعون لرئاسة الجمهورية، وكانت المطالب الشعبية واضحة برحيل جبران باسيل مع سعد الحريري من مجلس الوزراء.

ولكن أتت حكومة حسان دياب ورغم عدم توزير جبران باسيل إلا أن بعض المصادر اللبنانية تحدث أن باسيل كان رئيس الوزراء الموازي وكان يجتمع مع بعض الوزراء بصلاحيات رئيس الوزراء!

أتى تفجير مرفأ بيروت، لتستقيل وزارة حسان دياب، ولكن تداعيات الانفجار وصلت إلى دمشق وطهران، وبدأ المحور الفارسي كما يطلق عليه في التفكير بخطوات لخفض التوتر والتصعيد في لبنان، في مقابل استمرار الوصاية السورية الإيرانية.

تقاعد الرئيس نبيه بري

تدرس طهران تقاعد الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب منذ عام 1992 لليوم، ورئيس حركة أمل (أفواج المقاومة اللبنانية)، وتقديم تنازلات أخرى في عملية تشكيل الوزارة اللبنانية المقبلة، وفى هذا التوقيت الساخن أطلق الرئيس عون تصريحه الخاص بالذهاب إلى جلسات تباحث مع إسرائيل.

هل يعيد العماد عون التموضع مرة أخرى، بعد أن أدرك أن مصيره إلى التقاعد عقب الخروج من قصر بعبدا، لذا يبحث عن دعم غربي بأن يؤكد للغرب أنه “الرئيس اللبناني القادر على مباحثات سلام مع إسرائيل”؟

الامام السيد الخامنئي استقبل دولة الرئيس نبيه بري وتنويه ايراني ...

هل السياسي الذي أكمل عامه الـ 85 في فبراير 2020 تفهم أن السوس الإيراني نحر في تياره العوني، وأن جبران باسيل أصبح كارت دمشق وطهران الجديد، وأنه بحاجة إلى هيكلة حسابته السياسية، أملاً في التمديد الرئاسي الذي سبق وجرى لأكثر من رئيس لبناني.

إيران سبق وأن قبلت بذهاب سوريا في مفاوضات مع إسرائيل فقط لتهدئة الأجواء، وذلك عام 2008 حينما ذهب ممثلون عن بشار الأسد وإيهود أولمرت إلى تركيا للاجتماع برعاية رجب طيب أردوغان في محاولة هزلية من رئيس الوزراء التركي – وقتذاك – للظهور بمظهر صانع السلام.

هل قرر العماد عون التمرد على الوصاية السورية الإيرانية؟

هل قررت طهران أن يذهب المفاوض اللبناني إلى جلسة تصوير مع المفاوض الإسرائيلي من أجل تهدئة الحملة الدولية على إيران في لبنان، أم أن الرئيس اللبناني الذي تقلب في ولاءات والتحالفات متناقضة منذ ثمانينات القرن العشرين حتى اليوم من أجل كرسي الرئاسة في بعبدا يبحث عن دور جديد مع اقتراب انتهاء ولايته وحقيقة أنه بلا مقعد حزبي بعد ان أصبح جبران باسيل هو رجل إيران في التيار الوطني الحر.

إن السؤال الحقيقي هو هل قرر العماد عون الخروج من صف الوصاية السورية الإيرانية بعد انتهاء الغرض منها بإيصاله للرئاسة اللبنانية والعودة إلى صفوف المعارضة والتواصل مع الغرب؟ هذا هو السؤال الذي سوف تجيب عنه الساعات المقبلة في بيروت.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى