المراكز الأسيوية

دبلوماسية بكين الناعمة تجاه دول غرب آسيا في ظل كوفيد-19

عرض- فردوس عبد الباقي

صدر تقرير عن معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية بالهند، بعنوان “دبلوماسية بكين الناعمة تجاه دول غرب آسيا في ظل كوفيد-19”، كتبته ناجابوشبا ديفيندرا المحللة بالصراع والأمن في غرب آسيا، بالإضافة إلى دراسة التعايش السياسي والاقتصادي لغرب آسيا مع المجتمعات والجهات الفاعلة الدولية.

أشارت الكاتبة لما سببه انتشار فيروس كورونا المستجد من ووهان الصينية لكل دول العالم، واتهام الصين بإخفاء المعلومات وإساءة التعامل مع الفيروس، مما دفع بعض الدول لتسميته بالفيروس الصيني ومنهم الولايات المتحدة، واتهموا منمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع بكين وتقديم معلومات مضللة حول انتشار الفيروس. 

رغم ذلك، حاولت بعض البلدان التخفيف من حدة اتهاماتها خشية أن تنتقم الصين من خلال حجب الإمدادات الطبية التي هي في أشد الحاجة إليها، وظلت دول غرب آسيا أو الشرق الأوسط بعيدة أو محايدة تجاه لغة اللوم هذه. 

تحولات نفطية

اعتبر التقرير أن تقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط في غرب آسيا سيفتح الطريق أمام الصين التي تعد أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين في المنطقة، حيث تستورد حوالي 40% من نفطها الخام من دول غرب آسيا. بالإضافة إلى أن مبادرة الحزام والطريق وما تقدمه من استثمارات للدول النامية يزيد من التوقعات بأن تكون الصين مصدر محتمل لتنويع مصادر عائداتهم في ظل تراجع أمريكي واضح

أضافت الكاتبة أن قدرة الصين في السيطرة على تفشي الفيروس والعودة نحو الانتعاش الاقتصادي بعكس الدول الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا، يجعلها شريكًا أكثر جاذبية للتنمية. ظهرت دول غرب آسيا كداعم للصين في مكافحتها للفيروس، فقد تمت إضاءة برج خليفة بالإمارات بالعلم الوطني الصيني، وقدمت السعودية وقطر والكويت إمدادات طبية تبلغ قيمتها الملايين للصين. ثم عملت الصين على محاولة استعادة الثقة وتصوير نفسها على أنها ركيزة جيدة للتعاون الدولي، وساعدت عبر دبلوماسيتها الناعمة لدول غرب آسيا في تعزيز بنيتها التحتية للرعاية الصحية وتوفير الإمدادات الطبية والإنسانية.

اغتنام الفرصة

اعتبر التقرير أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018 واتباع سياسة ضغط قصوى على إيران قد قدم فرصة للطهران لتعزيز سياساتها عبر تقوية علاقتها مع بكين هربًا من العزلة الاقتصادية، فتتعامل إيران مع الصين كأحد منافذها التجارية القليلة وحليفة قوية في المجتمع الدولي، ومن جانب الصين، فإن طهران مهمة بشكل أساسي في مبادرة الحزام والطريق بالمنطقة. 

وفي إطار الحديث عن طبيعة العلاقات بين البلدين، كانت إيران من أوائل الدول التي أعربت عن تعاطفها وأرسلت الملايين من الأقنعة الطبية إلى الصين، وأدانت بقوة الانتقادات الدولية لمنظمة الصحة العالمية واعتبرت الاتهامات الموجهة للصين لا أساس لها. 

باتت إيران البلد الأكثر تضررًا في المنطقة جراء انتشار الفيروس، وقدمت الصين مساعدات لها من خلال توفير السلع والخدمات الإنسانية، وطالبت الصين من الولايات المتحدة تخفيف العقوبات عن إيران التي تعوقها عن الاستجابة لتلك الأزمة الإنسانية وتزيد من صعوبة تقديم الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية تقديم المساعدة. 

تأتي تركيا في المركز الثاني من حيث التضرر في المنطقة جراء الفيروس، وتتطلع لتعزيز علاقتها الاستراتيجية بالصين من خلال التجارة والاستثمار، والتعاون الأمني ​​والدفاعي في ظل التوترات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ورغبتها في الحد من اعتمادها على الناتو. بالنسبة لبكين، فإن موقع تركيا الاستراتيجي يجعلها مكونًا حيويًا في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتعمل في الوقت الحالي على عقد المؤتمرات الطبية الإلكترونية وتقديم المساعدات لتركيا، وأرسلت دواءً خاصًا يساعد على تقليل أيام العناية المركزة لمرضى الفيروس من 11-12 يوم إلى أربعة أيام.

لكن يمكن أن يصبح تعامل الصين مع السكان المسلمين الإيغور الناطقين بالتركية في تشكيل تحدٍ للعلاقات بين البلدين، وذكر التقرير أن الأيغور والمجتمعات التركية الأخرى في معسكرات الاعتقال الجماعية في الصين لديهم إمكانية محدودة أو معدومة للحصول على الرعاية الصحية أو الصرف الصحي، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، ومع ذلك، يبدو أن كلا البلدين يتعاملان حاليًا مع هذه القضية بشكل ودي مع مراعاة مصالح كل منهما.

قدمت الصين المساعدة لدول غرب آسيا التي تمتلك قدرة محدودة على تصنيع الإمدادات الطبية الأساسية، فقد تم تزويد العراق ولبنان وسوريا وفلسطين بأجهزة تنفس وأقنعة ومسحات وعدة اختبار وأقنعة واقية لأطبائهم والمساعدين الطبيين. 

يمتلك العراق خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم وموقع جيوسياسي استراتيجي، مما يجعله هدفًا أمام الصين للسيطرة على التجارة عبر آسيا وأوروبا، وأن يصبح جسرًا بين ممرات الشحن الصينية في الدول الساحلية مثل إسرائيل وتركيا والعديد من دول الخليج. 

أشار التقرير إلى أن الفيروس أتاح الفرصة أمام الصين لتعزيز علاقتها مع إسرائيل الحليف الأقرب للولايات المتحدة، وأرسلت لها شحنات من الإمدادات الطبية وعززت الشراكة معها فيما يخص الرعاية الصحية وقدرات الكشف والاختبار في الضفة الغربية وقطاع غزة. تظل إسرائيل شريكًا محتملًا للصين فيما يخص مجالات البحث والتطوير ومشاريع البنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا، لكن يعوق ذلك تحالفها مع الولايات المتحدة، الذي أجبر العديد من الشركات الإسرائيلية على الانسحاب من التعامل مع الشركات الصينية، بالإضافة إلى التصريحات الصينية التي تطالب إسرائيل بوقف “جميع الأفعال غير القانونية” و”المبادرة الأحادية الجانب الهادفة إلى إضفاء الشرعية على الاستيطان” على الفور. 

وقعت الصين والسعودية صفقة تبلغ قيمتها أكثر من 264 مليون دولار لتقديم تسعة ملايين مجموعة اختبار وبناء ستة مختبرات رئيسية على الأقل في المملكة لزيادة قدرتها على اختبار 50000 شخص يوميًا حول الفيروس. بالإضافة إلى تعبير الصين عن امتنانها للإمارات لحماية صحة مواطنيها أثناء تفشي المرض، إذ أنها تستضيف مواطنين صينيين أكثر من أي دولة أخرى في منطقة الخليج، وتخطط بكين لإجراء تجارب سريرية على مرضى كوفيد-19 في الإمارات في المستقبل. 

لم يكن موقف الرئيس ترامب العام تجاه حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة متناسبًا تمامًا مع وضعهم، في الوقت الذي عملت الصين على اتباع سياسة استباقية لملء الفراغ متحدية الهيمنة الأمريكية في الشؤون العالمية، وتعد سياسة عدم التدخل التي تتبعها بكين هي مكافأة للقادة في المنطقة.

اختتمت الكاتبة التقرير بأن الصين بحاجة لتوسيع اقتصادها، وتقدم دول غرب آسيا الفرصة لتحقيق ذلك عبر تقديم المساعدة الطبية خاصة لدول الصراعات مثل العراق ولبنان وسوريا وفلسطين كجزء من دبلوماسيتها الناعمة تجاه المنطقة، والترويج لها عبر وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية في المنافذ الصينية في المنطقة. 

تستخدم الصين أيضًا موانئ وممرات الحزام والطريق لتقديم الدعم الطبي، مثل طرق السكك الحديدية التي تربط شنغهاي بطهران وكذلك ميناء خليفة في أبو ظبي، ووصفته بطريق الحرير الصحي. في التصور الصيني، تعتبر إسرائيل جسرًا للولايات المتحدة، وتعد تركيا هي البوابة إلى أوروبا ودول مثل إيران والسعودية والإمارات دولًا محورية في شبكة الشراكة العالمية للصين.

رغم ذلك، تكشف تلك الجهود عن الرغبة في الحفاظ على علاقة لا تزال هشة لكنها مهمة في ذلك الوقت الذي تسلك فيه تلك الدول سياسة خارجية متعددة التوجهات لتوسيع مصادر عائداتها، وهذا يعني أنها لن تنظر للصين باعتبارها قوة يمكنها أن تحل محل الولايات المتحدة في المنطقة. الدبلوماسية الصينية الناعمة في غرب آسيا خاصة وقت الوباء تستهدف بالأساس تحسين صورتها العالمية وإعادة صياغة نفسها كمسؤول بتكلفة منخفضة نسبيًا، وليس علامة على أي التزام أعمق تجاه المنطقة.


+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى