
(G7 – G20)، فرصة أخيرة لتعاون دولي ضد كورونا؟
أنتهت أمس، بدون ضجة إعلامية أو صخب سياسي، أعمال الأجتماع الإفتراضي الأول من نوعه، لوزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، والذي ترأسه وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، آمال كبيرة كانت معقودة على هذا الأجتماع، خاصة وأنه ينعقد في ظل أزمة دولية غير مسبوقة، وهي أزمة تفشي جائحة كورونا، التي تعد التهديد الأكبر والأهم الذي يواجه التجمعات الدولية الكبرى مثل هذه المجموعة، منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، فهل كانت نتائج هذا الاجتماع على مستوى التحدي القائم؟
(الفيروس الصيني) خلال القمة الإفتراضية
على الرغم من أنه يمكن اعتبار انعقاد هذا الاجتماع في هذه الظروف، إنجازاً مهمًا، إلا أنه وعكس ما كان متوقعاً، ظهرت الخلافات بين أطرافه بشكل واضح، رغم محاولات وزير الخارجية الأمريكي التأكيد على إجماع دول المجموعة، على تحميل الصين مسؤولية أساسية في تفشي جائحة كورونا في معظم دول العالم، إلا أن عدم خروج هذا الإجتماع ببيان ختامي موحد، كان مؤشراً أساسياً على عدم أتفاق الجميع حول هذه النقطة، وعلى المنحى الأمريكي التصعيدي تجاه الصين، في هذه المرحلة التي ترى فيها أغلب الدول الأوروبية، أن توحيد الجهود الدولية، يجب أن يكون الأولوية الأساسية لكافة الدول، ناهيك عن أن بعض الدول مثل إيطاليا، ترى في الصين طرفاً مهماً في دعم التوجهات الدولية لمكافحة هذا الفيروس، خاصة وأن روما تلقت من بكين كميات من المساعدات الطبية، وهو ما تأخرت الولايات المتحدة في القيام به مع روما، التي تحتضن عدد من القواعد العسكرية الأمريكية.
لذلك، إصرار وزير الخارجية الأمريكي، خلال هذا الأجتماع، على وصف الفيروس الجديد بأنه (فيروس ووهان)، وحديثه عن الدور المدمر (للحزب الشيوعي الصيني) في هذا الملف، أبرز بشكل كبير عزم الولايات المتحدة على الإستمرار في الحرب الكلامية بينها وبين بكين، ولكنه في نفس الوقت لم يغلق الباب على تعاون البلدين في ما بينهما في هذا الملف الذي يحظى بإهتمام دولي واسع، “بومبيو” قال في ختام الأجتماع، أن بلاده منفتحة على التعاون مع كل الدول بشأن هذا الفيروس، بما في ذلك الصين ، وهو ما يؤكد أن الانتقادات الأمريكية الحالية للصين، تدور في فلك محاولة تحجيم العلاقات الصينية الحالية والمستقبلية، مع دول عدة، على رأسها الدول الأوروبية، والتي يطرأ عليها تحسن متزايد يوماً بعد أخر، عقب إرسال بكين لشحنات من المساعدات الطبية، إلى دول تعتبر من الحلفاء الطبيعيين لواشنطن، وذلك ضمن سياسة (الحوكمة العالمية)، التي أشرنا لها في مادة سابقة.
(جي 7) .. مؤهلة للعب دور في أزمة كورونا؟
كان لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، منذ تأسيسها عام 1975، دوماً أدواراً مهمة في الأزمات الدولية المستعصية، ومنها أزمة سعر الصرف التي أعقبت استقالة الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون”، وأزمات ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق، وقبلها إدارة ملف الحرب الباردة ضد موسكو في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. فهل تتوفر لها القدرة على لعب دور في أزمة غير مسبوقة مثل أزمة فيروس كورونا؟
اجتماع الأمس تم الإتفاق فيه بشكل إطاري على التنسيق فيما بين دول المجموعة، من أجل تقليص تأثيرات الفيروس على المستوى العالمي، وهذا ما صرحت به المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، ووزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي “لويجي دي مايو”، رأى أنه من الضروري تشكيل تحالف دولي كبير لمواجهة فيروس كورونا. وصرح وزير الخارجية البريطاني “دومينيك راب” عقب انتهاء الاجتماع، أنه اتفق مع بقية وزراء خارجية المجموعة، على تكثيف التعاون الدولي لدعم الدول الفقيرة، وحماية الاقتصاد العالمي، وإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا، وحل مشكلة المواطنين العالقين في دول خارجية.
يجدر هنا الإشارة إلى أنه تم هذا الأجتماع بيوم واحد، اجتمع وزراء مالية دول المجموعة، وبمعيتهم محافظي البنوك المركزية التابعة لهم، ومستقبلاً ستنعقد عدة اجتماعات افتراضية لقادة دول المجموعة، خلال شهري أبريل ومايو بناء على ما تقدم، تستطيع هذه الاجتماعات أن تقدم بعض الآليات التي قد تساهم في تحجيم انتشار هذا الفيروس، والسيطرة على آثاره الاقتصادية والصحية.
مسارات هذه الآليات المقترحة تتضمن إلتزام دول المجموعة بالتنسيق في ما بينها بشأن تدابير الصحة العامة لحماية الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالفيروس، وذلك بتعزيز الجهود لتقوية النظم الصحية على الصعيد العالمي، والعمل مع منظمة الصحة العالمية لدعم جهودها الدولية، وكذلك تقديم محفزات اقتصادية للقطاع الخاص، للمساعدة في توفير اللوجستيات اللازمة لدعم خطط الطوارئ الصحية، يضاف إلى ما سبق، البدء في تفعيل آليات استعادة النمو الاقتصادي وحماية الوظائف، ودعم التجارة والاستثمار العالميين، وتشجيع العلوم والبحث والتعاون التكنولوجي، بما في ذلك دعم الجهود البحثية الدولية لإنتاج أمصال وعلاجات وقائية لهذا الفيروس.
أقتصادياً، تستطيع دول المجموعة، بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، تفعيل حزم نقدية ومالية، لدعم العمال والشركات والقطاعات الأكثر تضرراً من تفشي الفيروس، بجانب إجراءات أخرى لدعم الاستقرار الاقتصادي والمالي، وتعزيز الانتعاش والنمو، ضمن أستراتيجية عامة، تستهدف تقديم المساعدة المالية الدولية المناسبة، لمساعدة حكومات الدول المتضررة من هذا الفيروس، بما في ذلك حكومات الدول ذات الاقتصادات الناشئة والنامية، وتسهيل التجارة الدولية والاستثمار، بما يسمح بالعودة إلى مستويات التبادل الأقتصادي السابقة، ووضع أسس قوية لزيادة هذه المستويات مسستقبلاً.
(جي 20) … فرصة لا يمكن أن تضيع
بالتأكيد كان عدم إصدار بيان ختامي عن قمة وزراء خارجية الدول السبع الكبرى مخيباً للآمال، لكن الفرصة لا تزال متاحة أمام دول المجموعة، لتقديم شئ إيجابي للعالم حيال أزمة فيروس كورونا، وذلك خلال القمم المقبلة لقادة دولها، لكن هذه النتيجة أفضت إلى إعطاء الاجتماع الطارئ لدول مجموعة العشرين، الذي استضافته المملكة العربية السعودية اليوم، قيمة مضافة، خاصة في ما يتعلق بالجانب الإقتصادي من تداعيات تفشي فيروس كورونا.
تواجد الصين في هذه المجموعة، جعل من الصعب على الولايات المتحدة، القيام بمهاجمتها مرة أخرى كما فعلت في اجتماع مجموعة الدول السبع، وهذا أفسح المجال لمناقشات مستفيضة حول القضايا الاقتصادية الأساسية في هذا التوقيت على المستوى الدولي، وهي أزمة السيولة، والارتفاع المتصاعد لسعر صرف الدولار، وانخفاض أسعار النفط.
نقص السيولة بالدولار في عشرات الدول ذات الاقتصادات النامية او الناشئة، نتيجة لتداعيات أزمة فيروس كورونا، تعد من أهم المعضلات الاقتصادية الأساسية في الوقت الحالي، وعلى الرغم من توسيع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لمظلة دعمه للبنوك المركزية في عدة دول، إلا أنها تظل خطوة غير كافية، خاصة في ظل طلب أكثر من 80 دولة، دعماً ماليا بالسيولة من صندوق النقد الدولي، وهو ما يعني عملياً وصول صندوق النقد إلى مرحلة لن يتمكن فيها من نجدة كافة الدول المتضررة، لذلك مناقشة كيفية توفير موارد سيولة إضافية لصندوق النقد الدولي، كانت على رأس مناقشات هذا الأجتماع.
خرج اجتماع دول مجموعة العشرين، على عكس اجتماع مجموعة الدول السبع، بقرارات على الجانب الاقتصادي، فقد تعهد قادة دول المجموعة، بضخ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، لمواجهة آثار تفشي فيروس كورونا، وكذا بتقديم الدعم للدول النامية لمحاربة الوباء. تطبيق هذا القرار على الأرض، ودعمه بقرارات أخرى تتعلق بمحاصرة الآثار الاقتصادية المتصاعدة من تفشي فيروس كورونا، والتي بدأت تقترب أكثر من نقطة، يواجه فيها العالم ركوداً أقتصادياً غير مسبوق، وسط توقف رحلات الطيران، وهبوط في أسعار النفط، قد يكون بمثابة نقطة فاصلة بين عصر كانت فيه الدول السبع الكبرى، وبمعيتها حلف الناتو، الورثة الشرعيين لحقبة ما بعد الحرب الباردة، وعصر متعدد الأقطاب، تلعب فيه دول مثل الصين، ادواراً متقدمة، وتتبوأ فيه تجمعات إقليمية مثل مجموعة العشرين، مواقع أهم وأكبر، خاصة في ظل أزمات عالمية شديدة التأثير مثل الأزمة التي يعيشها العالم الآن.
معيار الحكم هنا يبقى رهن استفاقة الولايات المتحدة الأمريكية، على المتغيرات الجديدة في مرحلة ما بعد كورونا، والتي أصبح من بديهياتها، ضرورة الحفاظ على هامش من التعاون والتضامن الدولي، حتى مع دول مثل الصين، وكذلك عدم غض الطرف عن التزامات واشنطن تجاه حلفائها في أزمات مثل أزمة كورونا، لأنه ستفاجئ في كل موقف مماثل، بالطائرات الصينية وهي تصل إلى مطارات هذه الدول، وتقدم إليها ما أحجمت واشنطن عن تقديمه.
باحث أول بالمرصد المصري