كورونا

كيف أنقذ مشروع “طارق شوقي” طلاب مصر في أيام الوباء الصعبة؟

أعلنت الحكومة المصرية تعليق الدراسة في المدارس والجامعات لمدة أسبوعين اعتباراً من الأحد الخامس عشر من مارس الجاري للحد من انتشار “فيروس كورونا المستجد” “COVID-19”، وأعقب ذلك عدد من القرارات التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم لتفعيل التعليم عن بعد باستخدام المنصات الرقمية االتابعة للوزراة؛ وبالرغم من المطالبات على صفحات التواصل الاجتماعي بإلغاء الفصل الدراسي الثاني وانتشار الشائعات باعتماد نتيجة الفصل الدراسي الأول كنتيجة كلية للعام الدراسي، إلا أن الوزارة كان ليها رأي آخر باستكمال المقررات الدراسية كما هو مخطط مسبقاً ولكن من المنزل، الأمر الذي كان مستحيلاً قبل تبني وتنفيذ خطة الوزارة بإتاحة المصادر التعليمية الرقمية أو “رقمنة التعليم” جنباً إلى جنب مع التعليم التقليدي، والتي بدأت منذ 2016 بإطلاق “بنك المعرفة المصري”، فكيف أنقذ هذا المشروع  العام الدراسي ووضع مصر بين الدول القادرة على تفعيل التعليم عن بعد في أيام الوباء الصعبة؟

البداية: إطلاق بنك المعرفة ونظام تعليمي جديد

بدأت وزارة التربية والتعليم المصرية باتخاذ خطوات فعلية نحو إصلاح التعليم بعد تولي الدكتور طارق شوقي الحقيبة الوزارية في فبراير 2017 خلفا للدكتور الهلالي الشربيني، وعدّد الوزير الجديد المشكلات المزمنة التي يعاني منها نظام التعليم في مصر منذ سنوات والثقافة السائدة التي تقاوم التغيير، ثم بدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع وتنفيذ خطة إصلاح نظام التعليم المصري بما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة التي أطلقتها الحكومة المصرية “مصر 2030″، لينطلق نظام التعليم الجديد 2.0 لمرحلة رياض الاطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي، ونظام التعليم 1.1 للمرحلة الثانوية بداية من العام الدراسي الماضي 2018/2019.

وتماشياً مع أهداف الدولة المصرية، انطلق بنك المعرفة المصري في يناير 2016 في نسخته التجريبية لكي يمثل الأرضية الرئيسية لتنفيذ الرؤية الخاصة بفكرة مجتمع مصرى يتعلم، لتكون كل المشروعات القادمة المتعلقة بالتعليم والبحث العلمى والمعرفة مبنية على هذا البنك، ويهدف إلى ترشيد النفقات فى الدولة وتعظيم الفائدة مع مراعاة متطلبات العدالة الاجتماعية التى تتيح هذا المحتوى لكل المواطنين دون تمييز، وقد كان من المتوقع أن يستفيد من هذا المشروع 2.5 مليون مواطن من مجتمع التعليم العالى والبحث العلمى، ولكن الوضع الحالي الذي فرضه انتشار وباء عالمي جعل من بنك المعرفة الوسيلة الوحيدة لاستكمال العام الدراسي، حيث أتاحت الوزارة منصة إلكترونية على بنك المعرفة المصري تتضمن جميع الدروس لجميع المراحل الدراسية، كما بدأت في تفعيل منصة للتواصل مع المعلمين، وهي منصة تعليمية مجانية تقوم بمساعدة المدرسين على التواصل بأمان مع طلابهم وتدعم التعاون وتقوم بخلق فصل دراسي عبر الإنترنت.

التعامل الحكيم مع الأزمة

تعرضت الوزارة لنقد لاذع مع بداية تطبيق النظام الجديد، ومع كل خطوة تتخذها تواجه هجوماً عنيفاً واتهاماً مبنياً في الأساس على القلق غير المبرر بأن هذا النظام الجديد يضيع الجيل الحالي،  ولكن مع انتشار فيروس كورونا في عدد من دول العالم، أثبتت الوزارة العكس تماماً، حيث تمسكت في البداية بعدم تعليق الدراسة حرصاً على استكمال الخطة الدراسية وتحقيق الأهداف التعليمية للنظام الجديد، ولكن بمجرد ظهور حالات إيجابية في مصر وتوصية منظمة الصحة العالمية بتعليق الدراسة في الدول التي ظهرت بها إصابات بالفيروس، لم تتوان الوزارة في تعليق الدراسة ووضع خطة بديلة من شأنها أن تحقق هذه الأهداف، فبدأت بتعليق الدراسة لمدة اسبوعين وأرسلت خطاباً إلى المديريات التعليمية يوجه بتفعيل التعليم عن بعد، وتضمن هذا الخطاب نقاطاً تتعلق بالمعلمين والمناهج والامتحانات تؤكد جميعها على استكمال الفصل الدراسي الثاني ودراسة الاجزاء المتبقية من المناهج واستمرار تواصل المعلمين مع تلاميذهم من خلال بنك المعرفة.

وتمثلت الخطوة التالية للوزارة في إصدار بيان آخر بإلغاء امتحانات الفصل الدراسي الثاني للصفوف الدراسية من الثالث الابتدائي وحتى الثاني الإعدادي، وسيتم الاكتفاء بعمل بحث لكل مادة يتم تسليمهم خلال شهرين من اليوم. وبالنسبة للطلاب المتخلفين عن تقديم المشروعات البحثية في سنوات النقل او الامتحانات الإلكترونية في المرحلة الثانوية، فسوف يلتحقون بالمدرسة قبل أسبوعين من بدء الدراسة في سبتمبر 2020 لاستكمال الدراسة والامتحان للمرور للعام الدراسي التالي.

وفيما يخص مرحلة رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي -النظام التعليمي الجديد 2.0- فيقوم معلمو هذه المراحل بإعداد تقرير أداء للتلاميذ، على أن يتأكد أولياء الأمور  من استكمال التلميذ للمنهج المنشور على منصة المذاكرة الإلكترونية.

أما الصفين الثالث الإعدادي والثالث الثانوي فسيتم إجراء امتحان نهاية العام الدراسي الحالي في موعده كما هو معلن في الجداول ولم يتم إلغاء أي وحدات دراسية، مع إتخاذ كافة الاحتياطات والتدابير اللازمة من تأمين وتعقيم اللجان الامتحانية بالتعاون مع القوات المسلحة ووزارة الصحة ومؤسسات الدولة المختلفة، مع الحرص على وجود المسافات المقررة من قبل المختصيين.

بذلك، يتضح التدرج في اتخاذ القرارات التي تضمن سلامة التلاميذ أولاً واستكمال العام الدراسي ثانياً، الأمر الذي لم يكن ليتم لولا وجود “بنك المعرفة المصري” الذي سهّل إطلاق منصات للمذاكرة الإلكترونية والتواصل الآمن مع المعلمين.

التحديات وسبل التغلب عليها

ويواجه نظام التعليم عن بعد الذي بدأت الوزارة في تفعيله عدداً من التحديات التي تتمثل في:

  1. عدم امتلاك عدد كبير من المصريين في المناطق الفقيرة أجهزة كمبيوتر أو هواتف ذكية تسمح بالولوج إلى الانترنت، ما يمثل عائقاً أمام هذه الفئة لاستكمال العام الدراسي عن بعد كما خططت الوزارة.
  2. عدد مستخدي الإنترنت في مصر: يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر وفقاً لتقرير وزارة الاتصالات 2018/2019 حوالي 41 مليون مستخدم، ما يعني أن هناك نسبة كبيرة لا تستخدم الإنترنت خصوصاً في الوجه القبلي، حيث تبلغ نسبة استخدام الانترنت المنزلي في محافظات الوجه القبلي 14% فقط، على عكس محافظات الدلتا والقاهرة الكبرى التي ترتفع فيها نسبة استخدام الانترنت المنزلي لتتخطى 33%، و38% على الترتيب.
  3. ارتفاع تكلفة استخدام الإنترنت بالنسبة لقطاع كبير من السكان في مصر: حيث تبلغ قيمة أقل اشتراك لباقات الإنترنت التي تقدمها الشركة المصرية للاتصالات 140 جنيهاً شهرياً، وهو ما يمثل عبئاً على فئات العمالة غير المنتظمة أو الفئات ضعيفة الدخل.
  4. يمثل عامل الوقت عائقاً أمام الوزارة، حيث أن الفترة المتبقية من عمر الفصل الدراسي الثاني تُقدر بخمسة أسابيع فقط.

ويتطلب ذلك اتخاذ الوزارة عدداً من الإجراءات التي تضمن وصول جميع التلاميذ للمحتوى التعليمي عن بعد، وهو ما يمثل أساساً قوياً يمكن أن تبني عليه الوزارة استراتيجية الدراسة في العام القادم لجميع المراحل التعليمية وليس المرحلة الثانوية فقط؛ تتمثل هذه الإجراءات في:

  1. حصر عدد التلاميذ الذين لا يملكون أجهزة ذكية وتوفير هذه الأجهزة بأسعار بسيطة لا تمثل عبئاً على الفئات الفقيرة، أو مجاناً كما فعلت في المرحلة الثانوية، وسوف يزود ذلك الأعباء المالية للوزارة، لكنه في النهاية هو الحل الوحيد لضمان تعليم عادل للجميع في ظل الظروف الراهنة.
  2. إتاحة تصفح بنك المعرفة المصري وتحميل المواد التعليمية دون احتساب الإنترنت المستخدم من قيمة باقات الانترنت الخاصة بالمستخدمين.
  3. تخفيض أسعار باقات الانترنت سواء المنزلي أو الموبايل انترنت لتسهيل اشتراك عدد أكبر.

ترتيباً على ما سبق، يمكن القول أن التعليم عن بعد يمثل حلاً فعالاً لمشكلات وزارة التربية والتعليم التي تتمثل في ارتفاع كثافات الفصول والعجز في أعداد المعلمين، لذلك يعد الوضع الراهن فرصة لا يجب أن تضيعها الوزارة في ترسيخ ثقافة التعليم عن بعد التي لم يكن المجتمع ليتقبلها لولا الظروف القهرية التي فرضت على الجميع اللجوء لهذه الاستراتيجية، كما يمكن تأهيل المعلمين الحاليين للتعامل عن بعد مع الطلاب وضمان تقديم خدمة تعليمية فعلية، ولا تعتمد الفرصة الحالية على عدد كبير من المعلمين، ما يعني عدم حاجة الوزارة إلى الاستعانة بمتطوعين لسد العجز كما كان مخططاً مع بداية الفصل الدراسي الثاني لهذا العام.

إن ما اتخذته وزارة التربية والتعليم من خطوات نحو “رقمنة التعليم” هو ما حفظ حق التلاميذ في التعلم لهذا العام بالرغم من الجائحة التي فرضت تعليق الدراسة في معظم دول العالم، ولولا بنك المعرفة المصري الذي كان الدكتور طارق شوقي سبباً في إطلاقه من قبل ان يكوزن وزيراً للتربية والتعليم، لما كان لدى التلاميذ المصريين فرصة في استكمال العام الدراسي الحالي، ولكانت الوزارة ما تزال تبحث عن حلول وتواجه اتهامات بالفشل، ولسمعنا أصواتاً تتهكم على وضع الدولة المصرية مقارنة بالدول التي استطاعت تفعيل التعليم عن بعد، ولكن ما حدث كان مغايراً تماماً.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى