
في بضع ساعات .. كيف تحولت أمريكا إلى بؤرة لكورونا
مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مدينة نيويورك منطقة كوارث بسبب فيروس كورونا المستجد، بجانب إجراءات أخرى من بينها، الاتفاق مع كندا والمكسيك على إغلاق الحدود منعا لتفشي الفيروس. دخلت الولايات المتحدة فعلياً في مرحلة خطيرة، تتبوأ فيها المركز الرابع عالمياً في عدد المصابين بهذا الفيروس، حيث بلغ عددهم في كافة الولايات الأمريكية، 24 ألف و142 مصاب وقت كتابة هذه السطور، وكذلك أحتلت الولايات المتحدة المركز السادس عالمياً في عدد الوفيات من جراء هذا الفيروس بنحو 288 وفاة حتى الآن.

اللافت في ما يتعلق بمعدل الإصابات بهذا الفيروس في الولايات المتحدة، أنه تصاعد بشكل حاد ومتزايد، خلال فترة زمنية محدودة للغاية، حيث مر الفيروس في الولايات المتحدة بثلاث مراحل، الأولى كانت منذ الإعلان عن أول 12 حالة إصابة به في الولايات المتحدة في منتصف الشهر الماضي، وحتى الخامس من الشهر الجاري، حيث وصلت أعداد المصابين في هذا اليوم إلى 200 مصاب. المرحلة الثانية بدأت من الخامس من الشهر الجاري، وحتى الخامس عشر من الشهر الجاري، ووصلت أعداد المصابين بالفيروس في هذا اليوم، إلى 3550 مصاب، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة، التي كانت فيها الزيادات اليومية تتراوح بين 1000 إلى 5000 مصاب، وصولاً إلى الحصيلة الحالية التي تعدت 24 ألف حالة إصابة.

على مستوى الولايات الأمريكية، ولاية نيويورك تأتي في المرتبة الأولى ضمن الولايات الأكثر تضرراً من هذا الفيروس، حيث سجلت حتى الآن 11645 أصابة، من ضمنها عشر وفيات على الأقل، بزيادة ثلاثة ألاف مصاب عن حصيلة اليوم السابق في نفس الولاية، منهم ألف أصابة تم تسجيلها خلال ساعة واحدة اليوم. يأتي بعد ولاية نيويورك ولاية واشنطن كانت آخر الولايات التي دخلت ضمن الولايات الموبؤة بهذا الفيروس، بنحو 1524 أصابة، وولاية نيوجيرسي بنحو 1327 أصابة، بزيادة قدرها 437 حالة عن حصيلة الأمس، وولاية كاليفورنيا ب 1274 أصابة. تأتي بعد ذلك الولايات التي تقل أعداد المصابين فيها عن ألف مصاب، وهي فلوريدا ولويزيانا إلينوي وميتشجان وجورجيا وتكساس وماساتشوستس وبنسلفانيا وكولورادو وتينيسي وأوهايو وساوث كارولينا وويسكونسن.

معدل ارتفاع أعداد المصابين المتعافين من هذا الفيروس، كانت شبه ثابتة مقارنة بمعدل أرتفاع أعداد حالات الإصابة الجديدة، حيث تم تسجيل أكبر عدد من المصابين المتعافين في يوم 20 الجاري، بنحو 39 شخص، في حين أستمر معدل الأصابات الجديدة في التصاعد المتزايد، ليصل إلى 5500 حالة يومياً بحلول يوم 20 الجاري.

لم تكن الزيادة في معدلات الوفيات اليومية ضمن المصابين بهذا الفيروس، مماثلة لمعدل زيادة أعداد المصابين، حيث كان أقصى معدل تم تسجيله حتى الآن هو 57 حالة وفاة يوم 19 من الشهر الجاري، إلا أن المعدل بشكل عام كان متصاعداً.
بشكل عام، نستطيع أن نعتبر أن تأخر السلطات الصحية في الولايات المتحدة، في تنفيذ وتعميم عمليات فحص السكان المشتبه في إصابتهم بالفيروس، أدى بشكل رئيسي إلى تراجع مستوى وفعالية استجابة البلاد لهذا الوباء، ولو قارنا بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مثلاً، خاصة وأنه تسجيل الحالات الأولي للإصابة على أراضيها بهذا المرض، تم في نفس اليوم، إلا أنه كانت هناك فجوات واضحة في تعامل الولايات المتحدة مع هذا المرض، في ما يتعلق بالإختبارات الميدانية، مقارنة بكوريا الجنوبية. تشير البيانات الحديثة إلى أنه تم اختبار حوالي 125 شخصًا لكل مليون في الولايات المتحدة – وهو أقل بكثير من معظم البلدان الأخرى. وقد مكنت كوريا الجنوبية من إبطاء معدل تزايد الحالات الجديدة، حيث تمكنت السلطات هناك من الكشف بشكل يومي على عشرة آلاف شخص، وبالتالي هذا سهل من عملية رصد الاصابات الجديدة، وعزلها وتوفير البيئة المناسبة لها كي تتعافى.

حتى الآن ، يتم إجراء الاختبارات في الولايات المتحدة يدويًا ، حيث تقوم المختبرات الفردية بإجراء ما بين 40 إلى 60 اختبارًا فقط في اليوم. لكن خلال الأيام القليلة الماضية، تصاعدت هذه الأختبارات بصورة كبيرة في كافة الولايات، لكن كان هذا متأخراً جداً كما بات واضحاً، وتستهدف الولايات المتحدة حالياً الوصول إلى مستوى 2 مليون أختبار على الأقل، كي يتم الوصول إلى حصيلة نهائية لأعداد المصابين، الذين يتوقع أن تستمر أعدادهم في الزيادة، مع تصاعد عمليات الاختبار والكشف.
من الأسباب الإضافية لهذه الكارثة التي تواجهها الولايات المتحدة، ما كشفت عنه صحيفة (واشنطن بوست)، أن المخابرات الأميركية نبهت في شهري يناير وفبراير الماضيين، بشكل سري، من تحول فيروس كورونا إلى وباء عالمي، دون أن يلق ذلك التحذير، تجاوباً من الإدارة الأمريكية. هذا الأسلوب في تعامل الإدارة مع هذا الملف، عزز القناعة الحالية لدى كافة الأطراف داخل الولايات المتحدة، بأن رد فعل واشنطن الأولي حيال أزمة هذا الفيروس، لم يكن على مستوى الحدث، وأن الأخطاء التي تم ارتكابها من جانب معظم المؤسسات الرئيسية في البلاد، من البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي، إلى المرافق الصحية ومراكز السيطرة على الأوبئة والوقاية منها، جعلت الشكوك تتزايد حول مدى قدرة الحكومة الأمريكية على مواجهة الأحداث الطارئة داخلياً وخارجياً، خاصة بعد أن تبين للجميع، عدم أستعداد القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة، لمواكبة هذه الكارثة، وعدم القدرة على انتاج المعدات والمواد اللازمة لكشف وعلاج هذا الفيروس، وقد تزايدت هذه الشكوك أكثر، بعد الإرتباك العام الذي ساد الأوساط الشعبية الأمريكية، نتيجة للبيانات المتناقضة الصادرة من البيت الأبيض والرئيس الأمريكي، حول هذا الفيروس ومدى انتشاره في الولايات المتحدة.
باحث أول بالمرصد المصري