
نظام عالمي جديد يتشكل..”ما قبل كورونا وما بعدها”
من نافلة القول أن نعتبر الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية، لتفشي فيروس “كورونا” عالميا هي أهم ما يجب أن تتم دراسته وفحصه، وتحديد سبل حصارها والتقليل من تأثيراتها القصيرة والطويلة الأجل.
لكن حين ندقق في هذه المسألة من وجهة نظر أشمل وأوسع، تضع في اعتبارها تأثيرات هذا الوباء على الأوضاع السياسية والجيوستراتيجية في العالم، سنجد أن هذه التأثيرات عميقة وتتعدى مجرد تداعي الحكومات والدول إلى بعضها البعض لحصار هذا الفيروس والقضاء عليه.

في هذا الإطار، تناولت مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية هذا الموضوع، في مقالة بقلم كل من كيرت كامبل، الذي شغل سابقاً منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، و(راش دوشي) مدير مبادرة إستراتيجية الصين بمعهد بروكينجز، تحت عنوان (هل يمكن لفيروس كورونا تشكيل النظام العالمي الجديد – مناورات الولايات المتحدة المتعثرة والصين لتصدر الزعامة الدولية).
هل تكون أزمة فيروس كورونا (سويس) جديدة؟

حسب هذه المقالة، فإنه من الجائز اعتبار فشل الولايات المتحدة في التعامل مع هذا الفيروس حتى الآن، نقطة فاصلة مماثلة لنقاط فاصلة تاريخية أخرى، كانت معبرة عن الفشل في إدارة ملفات معينة، وكانت لها آثار ممتدة لما بعد الحدث الذي ارتبطت به، بشكل يجعل ما قبلها، مختلفا تماماً عما بعدها، ومن أمثلة هذه النقاط الفاصلة، أزمة السويس عام 1956، التي دق الفشل البريطاني الذريع في إدارتها، المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية البريطانية العظمى، وتحولت بريطانيا عقبها من أمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، إلى مجرد بلد أوروبي له قدر محدود من النفوذ والقوة. على هذا الأساس، يرى الكاتبان إنه إن لم تصحح الولايات المتحدة الأمريكية، من سياساتها الحالية فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة وباء كورونا، فإن هذه الأزمة قد تصبح بمثابة (سويس) جديدة بالنسبة لواشنطن، لن يصبح ما بعدها مماثل لما قبلها.
السبب الرئيسي في هذه القناعة، يكمن في اقتناع كافة الأطراف داخل الولايات المتحدة، عدا الحزبين الرئيسيين، أن رد فعل واشنطن الأولي حيال أزمة هذا الفيروس، لم يكن على مستوى الحدث، وأن الأخطاء التي تم ارتكابها من جانب معظم المؤسسات الرئيسية في البلاد، من البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي، إلى المرافق الصحية ومراكز السيطرة على الأوبئة والوقاية منها، جعلت الشكوك تتزايد حول مدى قدرة الحكومة الأمريكية على مواجهة الأحداث الطارئة داخليا وخارجياً، خاصة بعد أن تبين للجميع، عدم استعداد القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة، لمواكبة هذه الكارثة، وانتاج المعدات والمواد اللازمة لكشف وعلاج هذا الفيروس، وقد تزايدت هذه الشكوك أكثر، بعد الإرتباك العام الذي ساد الأوساط الشعبية الأمريكية، نتيجة للبيانات المتناقضة الصادرة من البيت الأبيض والرئيس الأمريكي، حول هذا الفيروس ومدى انتشاره في الولايات المتحدة.
وصول هذا الفيروس إلى الولايات المتحدة، حفز لدى الرئيس الأمريكي، الرغبة في استعراض عضلات إدارته الحالية، وإظهار استعدادها لقيادة المجهود الدولي الذي يستهدف مكافحة هذا الفيروس، لكن ظهرت هنا معضلة أساسية تتعلق بنتائج الفشل الحكومي الأمريكي في التعامل مع هذا الوباء حتى الآن، حيث أدى هذا إلى اهتزاز صورة الولايات المتحدة خارجيا، والتي كانت سابقاً مثالاً للتطبيق الأمثل للحوكمة الرشيدة.
تاريخيا، لم يتم تشكيل مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى ولاعب دولي رئيسي، خلال العقود السبعة الماضية، فقط من خلال ثرواتها ونفوذها، ولكن أيضا من خلال الأداء الحكومي الأمريكي، الذي كان دوماً مثالاً للقدرة الدائمة على توفير كافة الضروريات للشعب الأمريكي خاصة، وللشعوب الأخرى بشكل عام، وكذا قيادة كافة المبادرات الدولية التي تتصل بالشئون الإنسانية، خاصة في حالات الحروب والكوارث. لكن اهتزت هذه الصورة بسبب فشل الحكومة الأمريكية في التعامل مع فيروس كورونا، على المستوى الداخلي، وعلى المستوى الخارجي في ما يتعلق بمساعدة الدول الأخرى.
بكين ارتكبت أخطاء .. لكن تتداركها الآن

تعثر واشنطن في التعامل مع ازمة فيروس كورونا، كان فرصة ذهبية للصين، من أجل التحرك بسرعة وببراعة، للإستفادة من هامش المناورة الذي منحته لها الإخطاء الأمريكية في هذا الملف، لتحاول أن تتبوأ مكانة (القوة الأولي المتصدية لهذا الوباء)، فمن جهة تقوم بتأمين جبهتها الداخلية من هذا الوباء وانتشاره، ومن جهة أخرى تقدم المساعدة التقنية والمادية للدول الأخرى كي تواجه هذه الأزمة. وجهة نظر بكين في توجهها هذا، مفادها أنه أذا تمكنت من التأكيد على عجز وعدم قدرة واشنطن على تصدر جهود السيطرة على هذا الوباء، والبرهنة بصورة عملية على قدرة بكين على السيطرة عليه، وتقديم المساعدة للدول الأخرى، فإن نتائج هذه المعادلة قد تغير بشكل أكيد مستقبل النظام العالمي في المدى المنظور، وستطرأ تعديلات جذرية على ميزان السيطرة الدولية، بحيث تنتهي بشكل تام أية تأثيرات لحقبة (القطب الواحد).

برغم موقف الصين الجيد بالمقارنة بالولايات المتحدة، إلا أن أخطاء بكين في بداية تعاملها مع أزمة الفيروس، خاصة محاولتها إخفاء حقيقة انتشاره على أراضيها، ومدى خطورته، كانت عوامل أساسية في انتشار هذا الفيروس في كافة أنحاء العالم، وهذا أدى إلى التأثير بشكل سلبي – في بداية أزمة الفيروس – على صورة بكين الدولية.
فقد تم أكتشاف هذا الفيروس للمرة الأولى في نوفمبر 2019 بمدينة ووهان، لكن لم يفصح عن وجوده المسؤولون لأشهر عدة، وعاقبوا الأطباء الذين أعلنوا عن وجوده في الصين، ومنهم الطبيب (لي وين ليانج)، الذي كان أول من أعلن عن وجود هذا الفيروس، وتم إجباره على التوقف عن الحديث حوله، وفي النهاية توفي متأثراً بإصابته به. هذا كله أدى إلى إضاعة وقت ثمين كان من الممكن استغلاله للأستعداد لمحاصرة هذا الفيروس، عن طريق أجراء اختبارات واسعة النطاق، ووقف التنقلات والسفر، وتوعية الأهالي به وبخطورته. ظل هذا النهج متبعاً من جانب الحكومة الصينية، حتى مع بدء الفيروس في الإنتشار داخل وخارج البلاد، حيث مازالت الحكومة تتحكم في المعلومات المنشورة حول هذا الفيروس ونشاطه على الأراضي الصينية، وتتجنب عروض المساعدة المقدمة إليها من مراكز مكافحة الأوبئة الدولية، وتقيد حرية مندوبي منظمة الصحة العالمية، في الوصول إلى مدينة ووهان. وتبقى احتمالية كبيرة، أن تكون الأصابات والوفيات المعلنة من جانب الحكومة الصينية، جراء هذا الفيروس، أقل مما هو موجود فعلياً، نظراً لتغييرها مراراً وتكرراً، معايير تسجيل الحالات الجديدة المصابة بالفيروس.

تفاقم هذا الفيروس في الصين خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، جعل توقعات المراقبين بإمكانية سيطرة السلطات الصينية عليه منخفضة للغاية، وبات بعضهم يرى أن هذه الأزمة، التي يطلق عليها البعض (تشيرنوبل الصين)، قد تقوض منظومة الحكم الصينية التي يقودها الحزب الشيوعي، لكن في أوائل مارس ، بدأت المؤشرات الإيجابية تظهر في الصين، حيث أتت الأجراءات الحكومية أُكلها، ومنها منظومات الحجر الصحي، وحظر التجمعات، وإيقاف رحلات الطيران وإغلاق الحدود البحرية والبرية، وهذا أدى إلى تناقص حاد في أعداد الحالات الجديدة المصابة بهذا الفيروس، والتي تحولت إلى أرقام فردية، بعد أن كانت بالمئات حتى اوائل الشهر الماضي. هذا التطور عزز ثقة الرئيس الصيني شي جين بينغ بنفسه، وهذا تمثل في زيارته لمدينة ووهان، للدلالة على تمكن حكومته من محاصرة آثار هذا الفيروس.
تحاول بكين، على الرغم من عدم تمكنها من تطبيع الأوضاع الداخلية حتى الآن، في ظل استمرار وجود الفيروس على أراضيها، أن تستغل نجاحها الأولي في محاصرة آثاره، في الترويج لقصة نجاحها هذه على المستوى الدولي، بشكل يجعلها اللاعب الأساسي في موجة تعافي دولية مقبلة، تتخلص من خلالها بتبعات سوء إدارتها لهذه الأزمة في أسابيعها الأولى. لتحقيق هذه الغاية، بدأت بكين منذ أسابيع في حملة صحفية ودعائية، من خلالها تتدفق بشكل مستمر، مئات المقالات والتغريدات والإدراجات، بعدة لغات، لشرح انجازات الصين فيما يتعلق بالتصدي لهذا الوباء، وإبراز دور الحكومة والسلطات المحلية في هذا الصدد، وترسيخ صورة مفادها، أن بكين قدمت للعالم نموذجاً يحتذى به، في كيفية التصدير لوباء مثل فيروس كورونا.
هذه الرسائل عززها فشل الدول الغربية بشكل عام، والولايات المتحدة بصفة خاصة، في التعامل مع هذا الفيروس، فواشنطن فشلت حتى الآن، في تجهيز بنية تحتية مناسبة، لإجراء أعداد كافية من اختبارات الكشف عن الإصابات ضمن سكانها، وهذا يعني أن الولايات المتحدة على موعد مع تصاعد سريع في نسب الإصابة. هذا الفشل وفر لبكين فرصة كي تلعب على هذا الوتر, وتضع مقارنات الأداء الصيني والأداء الأمريكي في التعامل مع هذا الملف، ووصل الأمر إلى توجيه الصحافة الصينية انتقادات لاذعة للحكومة الأمريكية، بسبب ما تراه (عدم الكفاءة) الذي اتسمت به إجراءاتها للتعامل مع الفيروس حتى الآن. ربما تظل نقطة الضعف الأساسية في الموقف الصيني الحالي، هو إصرار الحكومة الصينية على نفي أن الأراضي الصينية هي المصدر الأول لفيروس كورونا، وقد ترافق هذا مع تلميحات صدرت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ودبلوماسيين صينيين أخرين، تتهم الجيش الأمريكي بنشر الفيروس في مدينة ووهان.

بعد كورونا .. الصين تعزز الحوكمة العالمية
حرصت الحكومة الصينية خلال العقود الماضية، على ضمان امتلاكها القدرة على تصنيع وتوفير كافة السلع والمواد الاستهلاكية على اختلاف أنواعها، للأسواق الخارجية، كوسيلة لضمان تفوقها في الجوانب السياسية والإقتصادية من سياستها الخارجية، ضمن مسار أكبر يؤدي إلى نشر ثقافة (الحوكمة العالمية) بين الصين والدول الصديقة والحليفة لها، خاصة في إفريقيا. وقد مثلت أزمة فيروس كورونا، فرصة سانحة لإختبار مدى قدرة بكين على تطبيق هذه الحكومة في علاقاتها الخارجية. فقد عرضت الصين بشكل سريع وفعال على معظم الدول التي بدأ الفيروس في الانتشار على أراضيه، مساعدتها بشكل مادي وتقني، عن طريق إرسال معدات التطهير والوقاية اللازمة، من أقنعة واقية واجهزة تنفس صناعي وأدوية وغيرها.
وقد كان الإختبار الأول في هذا الصدد، استجابة بكين لمناشدات إيطاليا، التي تعاني من اجتياح الفيروس لأراضيها، ولم تجد أية استجابة من الدول الأوروبية المجاورة لها، فأرسلت إليها بكين ألف منظومة تهوية، ومليوني قناع واقي، و 100.000 جهاز تنفس اصطناعي، و 20.000 بدلة واقية، و50.000 مجموعة اختبار للفيروس، وأرسلت كذلك فرقاً طبية ومساعدات مماثلة إلى دول عديدة من بينها صربيا وفنزويلا وأسبانيا وإيران.
وقد اتضح أثر هذه المبادرات جلياً، من خلال تصريحات الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي أعتبر التضامن الأوروبي (محض خيال)، مؤكدا ان الصين هي الدولة الوحيدة التي تستطيع مساعدة بلاده. تعاظم النفوذ الصيني بسبب هذه السياسة، تعزز بسبب أن بكين فعلياً هي المنتج الرئيسي لأهم المعدات الطبية المستخدمة في الوقاية من هذا الفيروس، فمن خلال حشد الصين قدراتها الصناعية بشكل كامل، وتجييشها لها من أجل زيادة إنتاج الأقنعة الواقية بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف معدل إنتاجها الأساسي، تحصلت بكين على القدرة على تدعيم نفوذها الخارجي، كونها مصدر أساسي للأقنعة الواقية (أن 95)، التي تعد أساسية لوقاية الأطقم الطبية حول العالم خلال تعاملها مع المصابين بفيروس كورونا، كما تنتج بكين معظم المكونات الأساسية للمضادات الحيوية المعالجة لالتهابات الجهاز التنفسي التي تعد أحد أعراض فيروس كورونا.
الولايات المتحدة في هذه النقطة، تقف على النقيض تماماً من الجهود الصينية، فهي تفتقر حالياً إلى القدرة على تلبية كافة الاحتياجات الطبية التي تحتاجها جبهتها الداخلية، لمحاصرة آثار الفيروس، ناهيك عن عجز واشنطن بالتبعية، عن تقديم يد العون إلى دول أخرى تعاني من انتشار الفيروس على أراضيها. يعتقد أن المخزون الاستراتيجي الأمريكي، من الإمدادات الطبية العاجلة، لا يلبي سوى واحد بالمائة فقط من الأحتياجات الأمريكية، من الأقنعة وأجهزة التنفس، وعشرة بالمائة من أجهزة التهوية اللازمة للتعامل مع هذا الوباء. ويتعين على الحكومة الأمريكية، لتعويض هذا النقص الحاد، أما اللجوء إلى الصين، أو زيادة وتيرة التصنيع المحلي، مع العلم أن حصة الصين في سوق المضادات الحيوية الأمريكي، تبلغ أكثر من 95 بالمائة.
الولايات المتحدة في وضعها الحالي، عاجزة حتى عن أن تقوم بدور قيادي سياسي، مماثل لما قامت به عامي 2014 و2015، حيال أزمة فيروس (إيبولا)، حين تصدرت تحالف مكون من عشرات الدول، لمواجهة انتشار هذا الفيروس، لكن في وقتنا الحالي، تجنبت إدارة ترامب القيام بإي دور قيادي لمحاصرة آثار فيروس كورونا على المستوى الدولي، بل أنها حتى لم تقم بالتنسيق مع الدول الأوروبية، قبل أن تفرض حظراً على الرحلات الجوية من الولايات المتحدة إليها والعكس، وهو القرار الذي تسبب في خسائر كبيرة سجلتها البورصات الأوروبية.
الصين من جانبها بدأت في تفعيل دور قيادي في هذا الملف، عبر حملة دبلوماسية قوية، تم فيها التناقش وتبادل الآراء، عبر تقنية الفيديو، مع مئات الدبلوماسيين والقادة حول العالم، لنشر خلاصة الخبرة الصينية في التعامل مع هذا الوباء، خاصة مع دول وسط وشرق أوروبا، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وجزر المحيط الهادئ، ودول متنوعة في إفريقيا وأوروبا وآسيا.
ما هي الخيارات الأمريكية الحالية؟

الخلاصة هنا، أن الصين بالفعل نجحت في تدارك أخطاء الأسابيع الأولي، وحققت نجاحاً ملحوظاً في مواجهة فيروس كورونا، وبدأت في التركيز بشكل أكبر على استغلال هذا النجاح، لدعم وتقوية نفوذها الخارجي، في حين تجاهلت حكومة الولايات المتحدة في البداية هذا الفيروس، ولم تستعد له بشكل كاف، واكتفت بالإدعاء أنه تمت محاصرة المرض عبر قرار منع الرحلات الجوية القادمة من أوروبا، لكن بعد أن بدأت الحالات المرضية في الظهور، تراجعت الحكومة اولرئيس ترامب عن تصريحاتهم السابقة، وحتى الآن لم يتم اتخاذ إجراءات كافية لمواجهة ما يمكن أن يكون آلاف الأصابات في الولايات الأمريكية.
نجاح الجهود الصينية لتبوء مركز قيادي عالمي في المرحلة المقبلة، يبقى رهن أستمرار القصور الحالي في الأداء الأمريكي حيال أزمة هذا الفيروس، وغرق واشنطن في شأنها الداخلي، دون النظر إلى الدول الأخرى، والتزامات واشنطن تجاهها. ما زالت واشنطن قادرة على تغيير مسارها الحالي، إذا أثبتت أنها قادرة على الإدارة الفعالة لملف أنتشار فيروس كورونا على أراضيها، والتنسيق مع الدول الأخرى في هذا الصدد، والتعاون مع هذه الدول، والقيام بتلبية احتياجاتها. بالطبع المهمة الأساسية أمام واشنطن حالياً، تبقى محاول إيقاف إنتشار المرض وحماية السكان، وسيكون للطريقة التي تتبعها واشنطن في هذه المحاولة، آثاراً جيوسياسية عميقة، فمثلاً إذا ما تمكنت الحكومة الأمريكية، من التوسع الفوري في الإنتاج المحلي للأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي، فسوف يكون لهذا تأثير آني على محاصرة آثار المرض من جهة، وفي توفير القدرة لواشنطن على دعم حلفائها وأصدقائها عن طريق مساعدات عينية ومادية، تسهم في تثبيت التموضع الأمريكي الحالي كقوة عظمى. وإلى أن تتمكن الحكومة الفيدرالية من القيام بهذه الخطوة، من الممكن أن تستغل الولايات المتحدة، إمكانياتها التكنولوجية والعلمية والمادية، لإيجاد لقاح مناسب لهذا الفيروس، وذلك عن طريق رصد الحكومة الأمريكية لحوافز مادية للمعامل والمختبرات وشركات الأدوية، من أجل سرعة إنتاج هذا اللقاح واختباره سريرياً
لكن وبرغم أهمية التركيز على الداخل الأمريكي، يجب على واشنطن أن تعي أهمية التعاون مع الدول الأخرى، وتحديداً تبادل المعلومات والسلع والخدمات المرتبطة بهذا الملف معها، كما يجب أن تدرك أن التعاون الفعال مع الصين مطلوب بشكل كبير في هذه المرحلة، بدلاً من إهدار الوقت والموارد والمجهود، في جدال لا فائدة منه، حول من المتسبب في هذا الوباء، أو من قام بالإجراءات الأفضل حياله. ويمكن للبلدين التعاون في مجالات عدة، منها التنسيق في ما بينهما حول أبحاث اللقاحات والتجارب السريرية، ومشاركة المعلومات المتعلقة بالفيروس وتحديثاتها، والتعاون في المجال الصناعي، خاصة في مجال إنتاج مكونات أجهزة التنفس الصناعي ومهمات الوقاية.
باحث أول بالمرصد المصري



