كورونا

في مواجهة “كورونا” .. هل تتفادى إسبانيا الوصول إلى النموذج الإيطالي

الأسبوع الماضي نظم ما يقرب من 120 ألف شخص  مظاهرة بالشوارع الرئيسية للعاصمة الإسبانية مدريد لإحياء فعاليات يوم المرأة العالمي.

وتجمع 60 ألف شخص لمتابعة مباراة لكرة القدم بملعب “ميتروبوليتانو” أحد أكبر ملاعب العاصمة مدريد وتجمع 9 الاف من أنصار حزب “فوكس” الثالث من حيث الشعبية في البلاد.

وتعتبر اسبانيا ثاني أكثر الدول الأوروبية تضررا من انتشار فيروس كورونا بسبب سرعة الانتشار وكثرة عدد الإصابات والوفيات حيث أضحت إسبانيا الخامسة عالميا من حيث عدد الإصابات بالفيروس والرابعة من حيث عدد الوفيات جراء الإصابة به.

وأغلقت عدد من المقاطعات الإسبانية المحلات والأسواق والمطاعم فيها بعد إعلان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز حالة الطوارئ بالبلاد لمدة أسبوعين لمجابهة انتشار فيروس كورونا الغامض.

فخلال مؤتمر صحفي له دون حضور صحفيين الذين مرروا أسئلتهم إليه إلكترونياً قال سانشيز ” أن عدد المصابين بإسبانيا قد يبلغ ال 10 ألاف شخص خلال الأسبوع القادم ” أكد سانشيز على قدرة الدولة على القضاء على الفيروس كما دعا المواطنين للعب دور فعال لمكافحة انتشار الفيروس عن طريق البقاء في المنازل.

ومع إعلان رئيس الوزراء حالة الطوارئ زادت حالة القلق في الشارع الإسباني مما دعى المواطنين لشراء ما يمكنهم شراؤه وإخلاء أرفف المحال الغذائية تحضراً للبقاء في المنازل لأسبوعين.

وأعلن سانشيز خلال مؤتمره الصحفي أمس الجمعة أنه سيقوم بعمل اجتماع وزاري طارئ اليوم السبت ليحدد مع أعضاء الحكومة الملامح النهائية لخطة الطوارئ بالبلاد ومن المنتظر أن يدلي سانشيز بكلمة على الهواء منتصف اليوم لتوضيح الإجراءات التي ستتبعها الحكومة الإسبانية لمجابهة الفيروس خلال فترة الطوارئ الوطنية.

مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء بيدرو سانشيز وإعلان حالة الطوارئ

متاجر “ميركادونا” الأشهر بإسبانيا خالي من المواد الغذائية

مدى خطورة الوضع

المدارس والجامعات بالفعل أغلق العديد منها على مدار الأسبوع الماضي قبل إعلان رئيس الوزراء الذي تلاه إعلان كل المدارس والجامعات تعطيل الدراسة والعمل لأسبوعين حتى الأن تبقى إسبانيا الدولة الثانية في أوروبا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا بعد إيطاليا فقد ارتفع عدد الإصابات في إسبانيا ل 5232 بزيادة قدرت ب 1063 حالة إصابة جديدة منذ يوم الجمعة حتى صباح السبت و 53 حالة وفاة جديدة.

 ولتوضيح الصورة  لمدى الانتشار السريع للفيروس في إسبانيا فإن عدد الإصابات بفيروس كورونا المسجلة حاليا 5232 هو سبع أضعاف الرقم المسجل يوم الأحد من الأسبوع الماضي كما وصل عدد الوفيات الناجمة عن إصابة بالفيروس ل133 شخص في مختلف أقاليم البلاد.

تصريحات سانشيز خلال المؤتمر الصحفي كما الارتفاع في عدد الإصابات أثر على أسلوب الحياة في البلاد، الإسبان وفي مختلف المقاطعات هاجموا المتاجر لشراء ما يمكن شراؤه تحسباً للإجراءات التي ستتخذها الحكومة والبقاء في المنزل ل14 يوم، عدد من المقاطعات والأقاليم المختلفة اتخذت إجراءات استباقية لمجابهة الفيروس وتنتظر الإعلان عن خطة الحكومة كانت أبرز تلك الإجراءات قيام إقليم كتالونيا ثاني أغنى أقاليم البلاد بإغلاق المحلات التجارية وأكثر من 300 مقهى وبار في الإقليم ومنع الملاهي الليلية وغلق للمناطق والمزارات السياحية كإجراء احترازي.

وقام فريق الحماية المدنية بإقليم كتالونيا بتصميم خطة بديلة للحركة داخل الإقليم تشتمل على عزل مقاطعة إجوالادا التي يقطنها 70 ألف شخص بعد انتشار الفيروس بين سكانها.

وتوقفت خدمة بيع تذاكر المواصلات العامة في مدينة برشلونه مع توقف عدد من وسائل المواصلات في الخطوط الفرعية عن العمل مع الإبقاء على عمل الخطوط الرئيسية ، كما أعلن حاكم إقليم مرسيه فرناندو لوبيز خلال بيان له عن بدء إغلاق المتاجر في كل أرجاء الإقليم الساحلي منذ اليوم السبت.

وبالتزامن مع تواصل التصعيد أغلقت الأكاديمية العسكرية الوطنية الإسبانية أكبر أكاديميتين لديها الواقعتين بإقليم ساراقسطه وإرسال الطلبة لمنازلهم.

في مدريد طلب اتحاد مجتمع المواطنين بمدريد اتحاد العاملين على سيارات الأجرة “التكسي” مساعدة الفرق الطبية في الوصول لأماكن عملهم بسبب تعطل حركة المواصلات في العاصمة كما طلب بنك الطعام بمدريد المواطنين والمتطوعين بالتبرع إلكترونياً من خلال موقع البنك لضمان عدم مواجهة نقص في الغذاء.

أما في كاستلا ليون فقد أصدرت جمعية الأخوة بالمقاطعة بيان أعلنت فيه عن تعليقها لكل الأنشطة التي كانت مقرر لها هذا الشهر حالها حال معظم الجمعيات والاتحادات المدنية و الحكومية التي ألغت فاعلياتها في جميع أرجاء البلاد، وفقاً لوكالة أنباء ” إي أف إي” الإسبانية فإن غلق الأماكن العامة (المطاعم-النوادي- -المحال التجارية…. الخ) فيما عدى محلات الأغذية والاحتياجات الأساسية  قد شمل معظم أرجاء البلاد بشكل ذاتي قبل حتى إعلان الحكومة عن حالة الطوارئ.

خطة الحكومة

أما عن خطة الطوارئ الحكومية  فينتظر الإسبان اليوم ما سيسفر عنه الاجتماع الاستثنائي للوزراء من إجراءات جديدة وإعلان حالة الطوارئ بشكل رسمي والتي ستخول الحكومة من تحجيم الحركة في البلاد واستخدام كل الموارد المتاحة لمجابهة المرض.

ومن المتوقع أن يعلن بيدرو سانشيز رئيس الوزراء عن إجراءات وخطط أكثر تعقيداً على حركة المواطنين من تلك التي اعتمدتها بعض المقاطعات ذاتياً وسيتم العمل بخطة الحكومة بعد الإعلان عنها اليوم وإلزام مختلف المقاطعات بها بعد صدورها في الجريدة الرسمية.

وبرغم من عدم إيضاح سانشيز لتفاصيل خطته بعد ، لكن معروف أن إعلان حالة الطوارئ في إسبانيا يخول الحكومة من حصر الأفراد وتحركاتهم كما حصر وتخصيص إمدادات الطعام والتحكم في المخزون الغذائي والتحكم في المصانع والهيئات والمنشئات الحكومية لمواجهة أي أزمة فيما عدى المنازل والمباني الخاصة.

ووضعت الشرطة خطة لمواجهة الأزمة من المتوقع أن تتضمن انتشار واسع للأفراد من الجيش والشرطة في أرجاء البلاد على مدار الساعة لفرض الإغلاق الكامل للبلاد لكن السلطات تبقى في انتظار الاجتماع الوزاري الاستثنائي للإعلان عن خطتها.

سياسياً

أدى التدهور السريع وسرعة الانتشار الفيروس في إسبانيا لزيادة المشاحنات على الساحة السياسية الإسبانية المستقطبة بعمق من الأساس بعد ثلاث انتخابات لاختيار الحكومة خلال العام الماضي.

وظهر جلياً التوتر السياسي بين قادة الأحزاب المختلفة و زعماء الأقاليم والإدارة المركزية بقيادة رئيس الوزراء وقائد الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز.

ودعا عدد من قادة الأقاليم الحكومة المركزية بتقديم مزيد من الدعم لهم وتوضيح كيفية التصرف في مثل هذه الظروف غير المسبوقة.

وقال عمدة إقليم كتالونيا كويم توررا إن مستعد ويرغب في إقامة حجر صحي على إقليم كتالونيا بالكامل كما دعى الحكومة المركزية لوقف الدخول للإقليم سواء من خلال المطارات أو الموانئ أو الطرق البرية.

ووفقا للمتحدث باسم الحكومة الكتالونية فإن الهدف من الحجر الصحي على الإقليم هو “منع دخول من يشتبه فيهم بحمل الفيروس للإقليم الذي يسكنه 7 مليون شخص لكن الخطة المقترحة بعزل الإقليم لن تمنع حركة نقل البضائع البرية بين إسبانيا وفرنسا”

كانت حكومة إقليم كتالونيا هي السباقة في إجراءات الوقاية من فيروس كورونا واتخذت المبادرة في البلاد حيث قامت حكومة الإقليم بإغلاق أربع قرى شمالي مدينة برشلونة عاصمة إقليم كتالونيا الخميس كما أعلنت غلق كل المحال التجارية والخدمية على مستوى الإقليم وطالبت المواطنين بالبقاء في منازلهم يوم أمس الجمعة قبل إعلان بيدرو سانشيز عن حالة الطوارئ.

كما وجهت عمدة إقليم مدريد  إسابيل دياز أيوسو انتقادات لحكومة سانشيز بسبب عدم قدرتها على أتخاذ قرار غلق الإقليم أو أصدرا بيانات لمطمئنة المواطنين بسبب أن أمر كهذا لا يمكن أن يفعل دون موافقة من الحكومة المركزية التي وفقاً لعمدة الإقليم إسابيل دياز قد تأخرت كثيراً في إجراءاتها واستعداداتها.

بدوره أنتقد زعيم حزب “الناس” المعارض بابلو كاسادو أداء الحكومة وصرح ” أن حزبه مستعد لدعم إجراءات الحكومة بإغلاق البلاد لأكثر من أسبوعين إذا ما استدعى الأمر ” قبل أن يضيف ” أنه على حكومة سانشيز البدا في القيادة ” وأشار ” أن حكومة سانشيز قامت بعدد من الأخطاء خلال الأسبوع الماضي” مشيراً لسماح الحكومة بإقامة عدد من الأحداث التي تضمنت على تجمعات كبيرة وأكد ” أنه الوقت للتصرف بحزم وحدة في مواجهة الخطر الراهن.”

أما حزب  “فوكس” الذي أقام مؤتمر جماهيري له خلال الأسبوع الماضي بمدريد وجهة له ولقيادته الاتهامات بسوء التصرف وعدم المسؤولية هم والحكومة الإسبانية بسبب السماح بإقامة مثل تلك الفاعليات مما أدى لزيادة عدد الإصابات بمدريد ، فقد أصدر بيان أعتذر فيه للشعب عن إقامته للمؤتمر الجماهيري مبرراً موقفه بعدم معرفة الحزب لحجم الخطورة الحقيقي وعدم صدور أي أمر بالمنع من السلطة المركزية  كما أعلن الحزب خلال بيانه عن إصابة كل من قائد الحزب ونائبه والأمين العام للحزب بفيروس كورونا ، تجدر الإشارة إلى أن ثلثي الإصابات في إسبانيا تم اكتشافها في مدريد مما أثار أستهجان الشارع في مدريد مما دعى البعض للتساؤل هل يقوم السياسيين في مدريد بدورهم لمجابهة الفيروس أم يساعدون على أنتشاره منتقدين سماح الحكومة بمثل هذه التجمعات الجماهيرية.

إقتصادياً

أما عن التبعات الاقتصادية فمن المتوقع أن تأدي الأزمة الراهنة وإغلاق البلاد لخسائر في الاقتصاد الإسباني الحكومة قامت بالفعل باقتطاع جزء من موازنتها لمجابهة الأزمة حيث أعلن سانشيز خلال مؤتمره الصحفي بالأمس عن تحويله وبشكل فوري لدعم بقيمة مليار يورو للقطاع الصحي ، كما ودعم خاص وفوري بقيمة 2,8 مليار يورو لمختلف المقاطعات لمجابهة الأضرار الاقتصادية المتوقعة خلال الأسبوعين القادمين ، بالإضافة لذلك أعلنت الحكومة تيسيرات اقتصادية للشركات الناشئة والمتوسطة لمجابهة خسائرها المتوقعة خلال الأسبوعين القادمين تتضمن تلك التيسيرات قروض مباشرة دون فائدة كما تأجيل دفع الضرائب والمستحقات الحكومية لستة أشهر كما وضخ 14 مليار يورو في منظومة الإنتاج ، لتتمكن الشركات من البقاء على قدميها بعد مرور الأزمة.

وكمؤشر واضح على التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا فقد انخفض سهم إيبيكس 35 الإسباني بنسبة قياسية بلغت 14،06% أما في القطاع السياحي أحد أهم محركات الاقتصاد الإسباني فقد سجلت شركات السياحة الإسبانية أعدادا كبيرة من إلغاء الحجوزات السياحية للبلاد كما انخفضت الحجوزات  في القطاع الفندقي بنسبة 80% بالأخص في مدن برشلونه ،فالينسا وكستلا ليون الساحليتين بعد إعلانهما عن إلغاء كل الفاعليات السياحية خوفاً من انتشار الفيروس ، ومن المتوقع أن تقوم الحكومة بضخ 400 مليون يورو في محاولة منها لتحجيم خسائر القطاع السياحي ، كذلك قطاع صناعة السيارات أعلن عن وقف العمال بمصانع شركة سيات الإسبانية لصناعة السيارات ومصانع أتحاد رينو فوكلس فاجن ونيسان وسيات لصناعة أجزاء السيارات بسبب مشاكل في خط التوريد ناتجة عن إغلاق المقاطعات بسبب تفشي الفيروس مما دعي أتحاد العاملين بقطاع صناعة السيارات تعليق العمل لمدة أسبوع حتى إشعار أخر.

إسبانيا التي دائماً ما تفاخرت بأن لديها النظام الصحي الأفضل والأكثر تطوراً في أوروبا تجد نفسها أما تحدي حقيقي لمواجهة أنتشار الفيروس الغامض ، مستشفيات مدريد تعاني من نقص حاد من القنعة الطبية المخصصة لوقاية الأطباء من العدوى كما لا تجد سرائر لاستضافة المرضى فقد تحولت طرقات مستشفى لاباز بمدريد لأماكن لاستضافة المرضى ،  كويم توررا عمدة إقليم كتالونيا وصف الوضع في مستشفى قرية إجوالادا التي امتلئت بالمرضى ب”الكارثي” .

وفقاً دكتور هيرنانديز بوينتي رئيس أتحاد الأطباء في إسبانيا فإن البلاد ” لديها نظام صحي جيد جداً، لكن المشكلة تكمن أنه مجزأ بين 17 منطقة وهو ما يصعب التواصل كما أنه تحت سيطرة السياسيين الذين يهتمون بمصالحهم الحزبية أولاً وليس المتخصصين في مجال الرعاية الصحية  ”

فبرغم من إمكانياتها تبقى إسبانيا مهددة بوقف كامل لمناحي الحياة لأسبوعين قادمين (قد تمتد الفترة لأطول من ذلك)  بسبب الخوف من انتشار الفيروس كما ستقوم الحكومة بالإعلان عن إجراءات خاصة ومشددة لمكافحة الوباء ، لكن ومع الانتشار السريع وزيادة عدد الحالات من ساعة لأخرى فهل ستنجح الحكومة الإسبانية من خلال حشد كل إمكانياتها  وتشديد الإجراءات من تفادي السيناريو الإيطالي ؟

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى