مكافحة الإرهاب

علاقة عضوية.. كيف وظفت تركيا التنظيمات الإرهابية لتحقيق مصالحها في المنطقة

سعى النظام التركي إلى تحقيق مشروع إقليمي قائم على مد نفوذ تركيا في المنطقة العربية، وفي إطار ذلك السعي عمل على توظيف التنظيمات الإرهابية كأداة لتحقيق أهدافه ومطامعه، حيث دعم نشاط التنظيمات الإرهابية في أكثر من دولة، وذلك بتقديم التمويل المالي واللوجستي، وتسهيل انتقال عناصرهم عبر البلدان محل الصراع، سعيًا لإطالة امد الصراعات وانهاك المؤسسات الوطنية للدول، وتمكين التنظيمات الإرهابية كبديل للدول الوطنية، وعليه، تسعى الورقة البحثية لاستعراض ملامح العلاقة بين النظام التركي والتنظيمات الإرهابية ودوافعها.

تركيا ودعم الإرهاب في سوريا

على الرغم من العلاقة الودية التي جمعت بين النظامين التركي والسوري قبل اندلاع الأزمة السورية، إلا أن تركيا عمدت إلى دعم التنظيمات الإرهابية داخل الاراضي السورية، حيث وجدت تلك التنظيمات في الصراع السوري ساحة لتنشط وتتمدد بها.  كما وجدت في دعم النظام التركي لها الحاضنة التي مكنتها من الصمود والاستمرار. وبالبحث في مؤشرات الارتباط بين تركيا والتنظيمات الإرهابية نجد أن هناك دلائل عدة، تكشف النقاب عن تلك العلاقة؛ إذ كشفت “صحيفة جمهوربيت” (صحيفة تركية) ما كتبه القنصل التركي في الموصل إلى وزارة الخارجية في سبتمبر 2014، مع بداية تمدد تنظيم “داعش” في العراق، منبهاً أن الأوضاع في المدينة تتجه إلى الاسوأ، ولكن جواب الخارجية شكل مفاجأة بقوله “إن داعش ليس خصماً لنا”. 

هذا الجواب الذي تم تفسيره مع تمدد التنظيم في سوريا، فقد كشفت الأقمار الصناعية لوزارة الدفاع الروسية عن العلاقة النفطية بين تركيا و”داعش”، إذ التقطت تلك الأقمار ابان سيطرة “داعش” على منشآت نفطية داخل سوريا صور لطابور من الشاحنات محملة بالنفط من داخل تلك المنشأت وهي متجهة إلى الحدود التركية. وعلى صعيد متصل، في 11 سبتمبر 2019، أكد الرئيس السابق لما يعرف بجهاز مكافحة الإرهاب في تركيا “أحمد يايلا” في وثائق نشرها على موقع “ذا انفستجيتف جورنال” المتخصص في الإرهاب، صحة ما تم إعلانه في عام 2016 عن قيام صهر الرئيس التركي “أردوغان” “ألبيرت ألبيراق” المدير التنفيذي لشركة “Power Trans “، بتهريب النفط الذي سيطر عليه “داعش” إلى تركيا، وقيام أنقرة بإرسال إمدادات إلى “داعش” سهلت دخول التنظيم إلى سوريا. ناهيك عما أفادت به عدة تقارير حول احتفاظ “داعش” بتمثيل داخل تركيا، ساعد التنظيم على الاستمرار في استقبال الإرهابيين الأجانب، وسهل مرورهم إلى المناطق الحدودية مع سوريا، كما ساهم في توفير العلاج لجرحى ومصابي التنظيم في مرحلة تكثيف الضغط العسكري عليه.

أضف إلى ذلك ما وفرته عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في شمال شرق سوريا في أكتوبر 2019من غطاء لمئات من عائلات مسلحي داعش وسجنائه للفرار من المخيمات أو السجون التي تسيطر عليها القوات الكردية. وبحسب تقرير وكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية الصادر في فبراير الجاري، إن “داعش” زاد عدد هجماته بحوالي 20% بعد غزو تركيا لـ شمال سوريا العام الماضي

وفي السياق ذاته، لعبت تركيا دورًا واضحٌا في تسليح “جبهة النصرة” الفصيل الموالي لتنظيم القاعدة في سوريا، والتي تحولت بعد ذلك إلى “هيئة تحرير الشام”، إذ كشفت تقارير دولية عن اشراف المخابرات تركية على إرسال شحنات أسلحة لتنظيم “جبهة النصرة”، وقد قُدّرت تلك الشحنات في الفترة من أواخر 2011 حتى مارس 2014، لتبلغ 2000 شحنة. هذا الدعم السخي من قبل النظام التركي تُرجم في وصف أحد مسؤولي “هيئة تحرير الشام” العلاقة بين تنظيمه والحكومة التركية بأنها “تحالف” فمشهد الأحداث في إدلب يوحي بتنامي علاقة خاصة بين الطرفين، عمادها الاعتماد المتبادل في تأمين المصالح. لتصبح “الهيئة” اليوم هي القائم على تحقيق المصالح التركية في إدلب والمناطق المحيطة بها.

هذا الدعم التركي للتنظيمات الإرهابية في سوريا، يقود نحو التساؤل هو دوافع هذا الدعم، وتبرز الإجابة في عدد من الأهداف؛ يتعلق أولها بالمشروع العثماني الاستعماري وما يتطلبه من الاستيلاء على الأراضي وتتريك المناطق، وكان خير مثال على ذلك ما حدث في عفريين. وينصرف ثانيها بالاستيلاء على النفط السوري بأسعار زهيدة، عبر شراءه من تلك التنظيمات الإرهابية حيث تُقدر الاحتياطات النفطية السورية بنحو 2.5 مليار برميل، بما يُشكل %.01 من جملة الاحتياطي العالمي. ويتصل ثالثها في الرغبة بإنهاك القوات الكردية بتوريطها في الحرب مع “داعش” حيث تعد تلك القوات امتداد لحزب “العمال الكردستاني” الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.

تركيا ودعم الإرهاب في ليبيا

C:\Users\DELL\Desktop\7870180661563472849.jpg

 تبلور الدعم التركي للإرهاب في ليبيا، في نوفمبر 2019، وذلك مع إبرام رئيس حكومة طرابلس “فايز السراج” والرئيس التركي “أردوغان”، مذكرتي تفاهم من شقين، الأول خاص بتعيين الحدود البحرية، ينتهك حقوق دول الجوار، والثاني يتعلق بالمسائل الأمنية والعسكرية، ما مهد لوجود تركي عسكري على الأراضي الليبية، وبفضل المذكرة الأخيرة، بدأت تركيا في إرسال الإرهابين إلى ليبيا لدعم حكومة السراج، في مواجهته الجيش الوطني الليبي. وفي تقرير أعدته الجارديان البريطانية أكدت فيه إرسال تركيا لنحو 2000 إرهابي سوري لطرابلس برواتب شهرية تدفعها حكومة الوفاق تصل لـ 2000 دولار. وتتضمن الأعداد التي أرسلتها تركيا إلى ليبيا، خليطا من المرتزقة ينتمون إلى كيانات إرهابية عدة، إلا أن تنظيم حراس الدين يعد أخطر هذه التنظيمات الإرهابية. وفى تقرير نشره موقع “نورديك مونيتور” السويدي، كشف من خلاله عبر وثائق استخباراتية مسربة، وجود روابط بين “أردوغان” وقادة في تنظيم “القاعدة” تعود لعام 2012، وأن نقل المسلحين بين سوريا وليبيا هو أمر اعتاد النظام التركي المشاركة فيه.

هذا الدعم التركي للتنظيمات الإرهابية في ليبيا، يقود نحو التساؤل هو دوافع هذا الدعم، وتبرز الإجابة في عدد من الأهداف؛ يتعلق أولها بالرغبة في اطاله امد الصراع الليبي الذي يحقق لها هدفين؛ أولا: السيطرة على مقدرات الدولة الليبية، لما تتميز به الدولة الليبية من ضخامة ثروتها النفطية، حيث تُقدر الاحتياطات النفطية الليبية بنحو 48.4 مليار برميل، بما يُشكل 2.8% من جُملة الاحتياطيات العالمية، كما بلغت احتياطيات الغاز ما إجماليه 1.4 تريليون متر مُكعب. ثانيا: فتح سوق للسلاح التركي من ناحية، واختبار الأسلحة التركية في مواجهة الجيش الوطني الليبي من ناحية أخري. ويتصل ثانيها بإعادة توطين الدواعش في ليبيا من أجل تحقيق جملة من الأهداف؛ أولا: تهديد وابتزاز أوروبا سياسيًا وماليا، وذلك بتوظيف الإرهاب كأحدى أوراق النفوذ التركي ضد أوروبا وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح “أردوغان” قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا. ثانيا: تهديد الحدود المصرية سعيًا لاستهداف أمن الدولة المصرية ومؤسساتها المختلفة، نتيجة لنجاح مصر في التصدي لمشروع الإسلام السياسي المدعوم من النظام التركي. ثالثا: إبعاد “داعش” عن الحدود التركية والتخلص من هؤلاء الإرهابين الذين يشكلون عبئا على الدولة التركية.

تركيا ودعم الإرهاب في الصومال

https://www.skynewsarabia.com/web/images/v1/2019/01/16/1218447/800/450/1-1218447.jpg

هناك علاقات وثيقة تجمع بين الحكومة التركية والحكومة الصومالية الحالية، تمثلت في توقيع عدة اتفاقيات تفاهم وتعاون. بدأ الاهتمام التركي بالصومال منذ عام 2011، بالتزامن مع المجاعة التي تعرضت لها للأخيرة، إذ زارها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، الذي كان آنذاك رئيسا للوزراء، ومهّدت هذه الزيارة وما أعقبها من مشاريع متنوعة نفذتها الهيئات التركية، لوجود تركي قوي في الصومال، تطور إلى تواجد عسكري تمثل في افتتاح أكبر قاعدة عسكرية لتركيا في الخارج. ومؤخرًا، في يناير الماضي، أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، أن الصومال دعت تركيا للتنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية. ما يعيد للأذهان المذكرتين اللتين أبرمتهما تركيا مع رئيس حكومة طرابلس، فايز السراج، قبل شهرين.

وعلى الرغم من تلك العلاقات الوثيقة بين البلدين، إلا أن تركيا عمدت إلى دعم التنظيمات الإرهابية في الصومال. فقد ذكر موقع “نورديك مونيتور”، التابع لشبكة الشمال للأبحاث والرصد المتخصصة في تتبع الحركات المتطرفة، أن الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت عملية تحويل الأموال من الاستخبارات التركية إلى ” حركة الشباب الصومالية”، وأبلغت أنقرة بالأمر، وطالبتها بتحقيق لكشف الشبكة الإرهابية التي تعمل على تمويل الحركة المتطرفة، لكن الحكومة التركية أوقفت التحقيقات التي انطلقت بعد الإخطار الذي أرسله مكتب مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوهين، في ذلك الوقت.

وقد تم هذا التحويل عبر المواطن التركي إبراهيم سين، الذي اعتقل في باكستان لصلته بتنظيم القاعدة واحتجز في سجن “غوانتانامو” الأميركي حتى عام 2005، قبل أن يقرر مسؤولون أميركيون تسليمه إلى تركيا.

وبالنظر إلى أهداف تركيا من دعم الإرهاب في الصومال، نجد أن هناك عدد من الدوافع؛ يتعلق أولها باستخدام التنظيمات الإرهابية كورقة ضغط على الحكومة الصومالية والقوى الدولية الفاعلة في الصومال. ويتصل ثانيها بالرغبة في جعل الصومال ساحة لتسويق السلاح التركي. وينصرف ثالثها بالعمل على استغلال مقدرات الدولة الصومالية، إذ إن هناك تقديرات تفيد بوجود مخزون هائل من النفط والغاز في المياه الإقليمية للصومال.

تركيا ودعم الإرهاب في نيجيريا

https://www.almarjie-paris.com/upload/photo/news/1/2/600x338o/743.jpg

 سعت تركيا إلى إيجاد موطئ قدمها لها في نيجيريا؛ عبر غطاء إنساني خدمي، حيث بدأت الحكومة التركية منذ العام 2014 في توقيع عقود شراكة في مجالات تصنيع الأدوية والأدوات الطبية والملابس، وإرسال قوافل طبية لرعاية النيجيريين في المناطق الفقيرة، في اعتقاد منها من أن ذلك سوف يعزز النفوذ التركي في الدولة ذات الأهمية الاستراتيجية في غرب إفريقيا، لكن الإدارة النيجيرية بدأت ترفض التدخلات التركية في الشؤون الداخلية. وقد اتبعت أبوجا سياسة قطع الطريق على أنقرة، وأعلنت أنها ترفض أية مساعدات أو تعاون ينعكس على سيادتها أو يسلب منها حقها في إدارة الدولة كما تريد.

 وعليه، بدأت أنقرة تكشف عن وجهها القبيح؛ وقررت إمداد تنظيم “بوكو حرام” بشُحنات أسلحة، إذ ضبطت سلطات النيجيرية في أكبر مدنها لاغوس شاحنة تنقل 661 بندقية تركية مهربة، أثبتت التحقيقات أنها كانت في طريقها للجماعة الإرهابية. كما صممت تركيا على المضي قدما في دعم التنظيم، فبعد 5 أشهر من الواقعة الأولى، اعترضت جمارك ميناء لاغوس شحنة جديدة من الأسلحة عبارة عن 440 بندقية. وهذا التحرك التركي أعاد للأذهان التسريب الصوتي الذي نُشر في 2014، لمسؤولين أتراك يتحدثان عن إرسال شحنات أسلحة منتظمة إلى نيجيريا، وكان طرفا المحادثة رئيس شركة خطوط الطيران التركي “محمد قراقاش”، و”مصطفى فرناك” أحد مستشاري رئيس الوزراء في ذلك الوقت “رجب طيب إردوغان”.

وبالنظر إلى أهداف تركيا من دعم الإرهاب في نيجيريا، نجد أن هناك عدد من الدوافع؛ يتعلق أولها بأن نيجيريا واحدة من أهم الأماكن في العالم إنتاجا للطاقة، ما جعل تركيا تسعى إلى اختراقها واحتلال موطئ قدم فيها. ويتصل ثانيها إلى أهمية تنظيم “بوكو حرام، فلم يقتصر نشاطه على نيجيريا فقط بل يمتد نشاطه في محيطها الإقليمي، الأمر الذي يعنى لتركيا أنه إذ استطاعت بناء علاقات مع ذلك التنظيم فإنها ستوظفه لمصالحا في الغرب الإفريقي. وينصرف ثالثها إلى رغبة تركيا في التواجد على أطراف منطقة الساحل والصحراء التي تستحوذ على اهتمام عدة دول أوروبية.

ملاحظات أساسية حول دعم تركيا للإرهاب

الملاحظة الأولى: تسعى الدولة التركية إلى توظيف الإرهاب، كإحدى أدوات سياستها الخارجية من أجل تحقيق أهدافها، إذ ان الدولة التركية لا تكتفي بتمويل الإرهاب ودعمه بل تعمل على إعادة توطينه والاستثمار فيه، بمعنى أنها تعمل على تمكين التنظيمات الإرهابية كبديل للدول الوطنية، اما بغرض استخدامها للضغط على الدول الوطنية أو توظيف تلك التنظيمات بغرض خلق ظروف مواتية تتسق مع المطامع التركية.

الملاحظة الثانية: يتمثل المحرك الرئيسي في الدعم التركي للتنظيمات الإرهابية في رغبة الأولى في السيطرة على موارد الطبيعية للدول التي تنشط فيها تلك التنظيمات، إذ تستهلك تركيا كميات هائلة من الطاقة سنويًّا، وليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته 50 مليار دولار في العام الواحد. ورغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا توجد بها آبار غاز أو نفط. 

الملاحظة الثالثة: تمثل الساحة الأفريقية ساحة جديدة تسعى تركيا للتواجد وإيجاد مؤطى قدم بها. إذ أن حالة الضعف والهشاشة التي تُعاني منها بعض الدول الافريقية مثل ليبيا والصومال ونيجيريا توفر وضعا مثاليا للاستغلال من قبل تركيا.

وعليه، تسعى تركيا إلى التغلغل في افريقيا معتمدة على الأدوات المشروعة المتمثلة في المشروعات الخدمية والإنمائية، والأدوات غير المشروعة حيث دعم التنظيمات الإرهابية وامدادها بالمال والسلاح، بغرض الضغط على مؤسسات الدولة الوطنية، وتوظيف تلك التنظيمات بما يحقق المصالح التركية.

وتشير التقارير إلى انتقال العناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا، بمساعدة تركية، يساهم في تمدّد الإرهاب، وعوده “داعش” من جديد في منطقة هي أشدّ وعورة جغرافياً.

الملاحظة الرابعة: لم تقتصر العلاقة بين تركيا وتنظيم “داعش” على الدعم المالي واللوجستي فقط، بل إن هناك روابط إيدلوجية بين الدولة العثمانية وتنظيم “داعش”، فالمدقق في تاريخ الدولة العثمانية يجد أن هناك حالة تماهى بين مشروع الخلافة العثمانية، ومشروع “داعش”.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى