المراكز الأوروبية

استراتيجية “روسيا” ومصالحها في نزاعات الشرق الاوسط وشمال إفريقيا (1-7)

في تحليل للكاتب “لويجي ناربون” على “معهد السياسات الدولية” بإيطاليا،  يُلقي فيه نظرة عامة حول استراتيجية روسيا ومصالحها في نزاعات الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، موضحاً أنه مع اقتراب عام 2019 من نهايته، يُزعم البعض أن المرتزقة الروس يغيرون ميزان القوى في ليبيا، ويساعدون “الجنرال حفتر” على إعادة تكثيف جهوده للاستيلاء على طرابلس. 

فمنذ بضعة أسابيع فقط، نجح وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة روسية في وقف تقدم تركيا بنجاح في الشمال الشرقي السوري، مما دفع القوات الكردية بعيداً عن الحدود التركية والسماح بعودة قوات بشار الأسد إلى المنطقة التي غابوا عنها منذ بداية النزاع. وبالمثل، في إدلب، يري الكاتب أن الموقف الروسي سيكون ضروريًا لتحديد مسار الصراع.

يذكر الكاتب، أنه وفي أقل من خمس سنوات من بداية عملياتها الجوية في سوريا، أصبحت روسيا لاعباً رئيسياً في نزاعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من خلال ما تتمتع به من قوة صارمة ودعمها السياسي والعسكري وتوفير إمدادات الأسلحة إلى رجال المنطقة الأقوياء، فضلاً عن الجهود المستمرة للترويج لصورتها كشريك موثوق به لحكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما سمح لروسيا ولو تدريجياً بملء الفراغ الذي خلفته تقلص المشاركة الأمريكية ومشاركة أوروبا عن مسارح النزاعات. وفي الوقت نفسه، أبقت روسيا قنوات الاتصال مفتوحة مع الأطراف الرئيسية الأخرى واللاعبين من غير الدول، في محاولة لعرض صورة لها كوسيط لا غني عنه في مشكلات المنطقة. 

ويري الكاتب أن هناك عدة عوامل تفسر استراتيجية روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منها: 

  • أولاً، إن النجاحات والإنجازات السياسية والعسكرية التي حققتها روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تُمثل أداة دعائية قوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين علي المستوي المحلي، ما يُعيد للأذهان صورة روسية القوية “كقوة عظمي” وذلك كرد فعل علي المعاناة التي عاشتها البلاد بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وزواله، ومن بينها التراجع الجزئي عن منطقة البحر المتوسط، والذي يعتبر تاريخياً ذا أهمية استراتيجية، كما استخدم الكرملين صراعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإعادة تأكيد مصداقية قوته العسكرية والدفاع عن إخفاقات التسعينيات، مثل الهزيمة في الحرب الشيشانية الأولى. إذ شكلت النجاحات العسكرية التي حققتها القوات الروسية انحرافًا عن المشاكل الهيكلية التي عانى منها النظام السياسي الروسي واقتصاده المتعثر.
  • ثانياً، أتاحت سياسات روسيا لمعالجة النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة للكرملين للعودة لتشكيل سياسات القوى العظمى. وقد استخدمتها لتعزيز رؤيتها الواقعية للعلاقات الدولية في النظام الجديد متعدد الأقطاب، في معارضة واضحة للغرب. فوفقاً للخطاب الروسي، كانت الفوضى الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة عقدين من السياسات الغربية المعيبة والتدخلات العسكرية الفاشلة. ويزعم القادة الروس أن الغرب ومن خلال محاولاته تغيير الأنظمة باسم الديمقراطية (أو حماية المدنيين)، ساهم في تآكل السيادة الوطنية بالإضافة إلى زيادة هشاشة الدول وفشلها. بالإضافة إلى ذلك، يري الروس أن السياسات الغربية تعمل على تغذية موجات لا تنتهي من السخط الشعبي ونشر التطرف والإرهاب، والتي لها تأثير على أمن تلك الدول وأمن روسيا كذلك.

وبالتالي، في حين أن تبرير روسيا لتدخلاتها في المنطقة كان يهدف للسعي لتحقيق أهدافها الخاصة المُتمثلة بشكل كبير في مكافحة الإرهاب، إلا أن الكرملين يقول بأنها إجراءات ضرورية لاستقرار الوضع، وفقًا لإرادة ومصالح الدول. ينظر الكرملين إلى الأمن والاستقرار كأولوية قصوى للمنطقة ويستند إلى تجربته في الاستقرار واستعادة السلطة في الداخل وفي الفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، كما في حالة الشيشان.

نتيجة لذلك، يري الكاتب أن روسيا تسعي مُستخدمة نفوذها لتشكيل نظام إقليمي جديد يتم فيه استعادة سلطة الدولة ومنع الاضطرابات والصراعات. يبدو أن الافتراض هو أن نظامًا جديدًا سيخرج بشكل طبيعي من الصراع الدائر حالياً، يسمح للزعماء السياسيين والأطراف العسكرية القوية بتعزيز قوتهم وقدراتهم. كما هو موضح في حالة سوريا، فإن عملية أستانا – التي تشمل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية التي أبدت بعض القدرة على تأسيس وتوحيد الحقائق على الأرض – تشكل مثالاً لما يجب أن تكون عليه مقاربات الوساطة وحل النزاعات في روسيا. ومن المحتمل جدًا أن يحاول الكرملين تكرارها في مسارح أخرى، على الأرجح في ليبيا أولاً.

  • ثالثًا، لعبت المصالح الاقتصادية الاستراتيجية المُتمثلة في الطاقة ودعم المجمع الصناعي العسكري الروسي دورًا مهمًا في تشكيل السياسات الروسية. من الناحية الاقتصادية، استخدمت روسيا نفوذها في المنطقة لتعزيز علاقاتها مع زعماء دول المنطقة، وكان أحد الأهداف المباشرة هو مواجهة الآثار الاقتصادية السلبية للعقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم، والتي تزامنت مع انخفاض أسعار النفط في عام 2014 وفرضت تحديات كبيرة على الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على بشكل كبير على الطاقة. من خلال دبلوماسية الطاقة، وبالتعاون مع المملكة العربية السعودية والتوصل لاتفاق “أوبك +”، تمكنت روسيا من تحقيق انتعاش في أسعار النفط. لكن النشاط الروسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سعى أيضًا إلى تحقيق أهداف أوسع على المدى الطويل. من خلال الاستثمار الاستراتيجي في مشاريع الطاقة الجديدة، مثل استغلال حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، أو البنية التحتية لنقل الطاقة، تحاول روسيا وضع نفسها كعنصر فاعل في إمدادات الطاقة في المستقبل. وفي الوقت نفسه، وقعت روسيا اتفاقيات اقتصادية مع دول في المنطقة، وأبرمت العديد من عقود مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات وزادت حصتها في سوق الأسلحة المتنامي والمربح للغاية.

ختام

 يري الكاتب أن موسكو وإن كانت حققت بالفعل عددًا من الأهداف قصيرة الأجل وفقاً للبعض، من خلال مزيج من الواقعية والانتهازية، إلا أنه ومع ذلك، سيتم اختبار قدرتها على تأكيد دورها كضامن لنظام جديد في المنطقة مع تطور طبيعة التحديات على الأرض، وفرض التحول من استعادة النظام والأمن إلى الحكم وإعادة الإعمار والحاجة إلى التعامل مع موجات جديدة محتملة من العنف ستنبع من السياسات التي اتبعتها روسيا حتى الآن.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى