
هل يقنع الفخفاخ البرلمان التونسي.. أم يلقى مصير الجملي؟

إثر اخفاق حكومة الحبيب الجملي – مرشح حركة النهضة – في نيل ثقة البرلمان الذي صوت غالبيته ضدها، وقع اختيار الرئيس التونسي “قيس سعيّد” على وزير المالية الأسبق، ومنافسه في سباق الانتخابات الرئاسية “إلياس الفخفاخ”، ليشكل حكومة جديدة – خلال مدة أقصاها شهر بحسب الفصل 98 من الدستور، والتي بدأت في العشرين من الشهر الماضي – ومن ثم عرضها على البرلمان لنيل الثقة.
وأعلنت الرئاسة التونسية في بيان بأن تلك الحكومة “لن تكون حكومة رئيس الجمهورية بل هي التي سيمنحها مجلس نواب الشعب الثقة، والكلمة الفصل هي للمجلس وحده”.
فهل ينجح الفخفاخ فيما فشل فيه الجملي؟ خاصة وأن حزامه السياسي ضعيف، والحزب الذي كان ينتمي له “التكتل” حاصل على صفر نواب داخل البرلمان؟
جاءت تصريحات الفخفاخ مطمئنة لفئة ليست بقليله من الشعب التونسي الذي يعاني من حالة اقتصادية واجتماعية متردية منذ ما يزيد عن 9 سنوات، حيث لفت الفخفاخ لأن مشروعه يهدف إلى بناء تونس وليس تشكيل الحكومة، وأنه يعتمد مبدأ الوضوح والشفافية في مسار خلق الائتلاف الحكومي ووضع الوثيقة التعاقدية “البرنامج الحكومي” التي شملت دراسات ومشاريع الأحزاب ومشروعه الخاص للبلاد وبرامج لعديد المنظمات والشخصيات الوطنية، مشيرًا لأن حكومته ستكون مصغرة عددًا – لن تتجاوز 25 وزيرًا- إلا أنها ستجمع بين الكفاءة والوفاء لأهداف الثورة.
وأعلن الفخاخ بأن هناك 6 مسائل يجب التركيز عليها هي: “عودة الأمن، التحكم في الأسعار، إنعاش الاقتصاد، مكافحة الفساد، تركيز الحوكمة الرشيدة، حل مشكلة الحوض المنجمي، وأخيرًا تعبئة الموارد المالية لسنة 2020”.
ولكن هل يكون هذا كافيًا لإقناع البرلمان للتصويت لصالح حكومته؟ فعلى الأقل يحتاج الفخفاخ لتصويت 109 عضو من اجمالي 217…
“حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة”
يعد هذا الخيار واحدًا من السيناريوهات المطروحة والذي من الممكن أن تشهده تونس خلال الفترة القليلة القادمة، كما لوحت حركة “النهضة” وحزب “قلب تونس” ومجموعة من نواب البرلمان، خاصة بعدما فشل اجتماع الفخفاخ والأحزاب الداعمة له مؤخرًا في الخروج باتفاق يمهد لتكوين الحكومة المقبلة، إلى جانب تمسك حزب “تحيا تونس” وحركة “النهضة” -التي رفضت التوقيع على الوثيقة التعاقدية- بضرورة توسيع المشاورات، لتشمل ضمنياً حزب “قلب تونس”، كشرط مسبق للانضمام إلى الائتلاف الحكومي، بعدما رفض الفخفاخ ضم “قلب تونس” و”الحزب الدستوري الحر” إلى المشاورات بدعوى أنهما لم يكونا من القاعدة الحزبية المؤيدة للرئيس قيس سعيّد في الانتخابات، والتي خلقت خلافًا حول الجهة المخولة بمنح الشرعية للحكومة: “الرئاسة أم البرلمان؟”.
ووصف محسن النابتي، الناطق الرسمي للتيار الشعبي، تلك الحكومة بأنها حكومات ملفقة في برامجها وتركيباتها مشيرًا لأن تونس بصدد إعادة نفس الفشل إذ لا فرق بين حكومة الفخفاخ والجملي والشاهد، وأن ما يحدث بقصر الضيافة “ليس بـ مشاورات بل ابتزاز سياسي”، وأن من يدعم حكومة الفخفاخ كان عليه أن يدعم حكومة الجملي أفضل، مطالبًا بتفعيل آليات الديمقراطية المباشرة المتمثلة في الاستفتاء الشعبي عن طريق العريضة الشعبية، داعيًا إلى تغيير القانون الانتخابي لضمان المعارضة الصريحة والشفافة وضمان قاعدة شعبية واسعة في الحكم، معتبرا أن القانون الانتخابي الحالي هو قانون لمجلس تأسيسي و ليس لبرلمان.
إلا أن فشل الفخفاخ في كسب ثقة البرلمان، سيجعل سعيّد يتجه لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، الأمر الذي يمثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل نواب البرلمان، وبالتالي فإن هذا الخيار على أرض الواقع لا يعد الأقوى، فلن يخاطر البرلمانيون، وسيصوتون للحكومة؛ تفاديا لسيناريو حل البرلمان الذي يهدد عضويتهم.
وظهر ذلك في تصريحات العديد من السياسيين، الذين توقعوا مفاوضات شاقة إلا أنها ستنتهي بنيل الثقة، حيث أكد عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس الشورى لـ “حركة النهضة”، بأن تونس ليست مستعدة لـ إعادة انتاج الفشل المسجل مع الجملي، وأن الوثيقة التعاقدية المقدمة لا تختلف عن وثيقة حكومة الجملي التي تعد الأشمل في وجهه نظره.
واستبعد عماد الدايمي، القيادي في حراك “تونس الإرادة”، بأن الفخفاخ سيلقى نفس مصير الجملي، فيما أعلن غازي الشواشي، القيادي بحزب “التيار الديمقراطي”، بأن حزبه سيواصل تفاعله الإيجابي مع الوثيقة التعاقدية التي قدمها الفخفاخ، متوقعًا أن يتم الإعلان عن الحكومة بداية الأسبوع القادم.
وفي ذات السياق، صرح يوسف الشاهد، رئيس حكومة تصريف الأعمال في تونس، بأن سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية سيكون “كارثيا”، وأن وضع البلاد الحالي لا يحتمل فترة انتقالية أطول من أربعة أشهر.
“فوز حكومة الفخفاخ بثقة البرلمان وتصويته”
برغم أزمة الثقة التي تعيشها أهم الأطراف المدعوة لتشكيل الحكومة، إلا أنه بدأت بالفعل عدة أحزاب وقوى سياسية بتوفير سند سياسي للحكومة المزمع تشكيلها، تفاديًا لتكرار سيناريو حكومة الجملي، ومن المنتظر أن تسفر المشاورات عن تشكيل جبهة سياسية مؤيدة للحكومة الجديدة، قد تضم ما يعدل ثلثي تركيبة البرلمان.
الأمر الذي أكده الفخفاخ، حين أعلن في نهاية الشهر الماضي، بأن عشرة أحزاب سياسية قد عبرت عن استعدادها للمشاركة في حكومته، وتلك الأحزاب هي “حركة النهضة والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة وحركة الشعب وتحيا تونس ومشروع تونس والاتحاد الشعبي الجمهوري ونداء تونس والبديل التونسي وآفاق تونس.
وأفاد تقرير نشره موقع “الشارع المغاربي”، أن عدة أحزاب منها حركة “النهضة” و”قلب تونس، قد بدأت في إعداد العدة للتشاور مع الفخفاخ حول حصتهم من الحكومة الجديدة.
كما طالب حزب “قلب تونس” الفخفاخ بالتسريع في تشكيل الحكومة وتصويب المقاربة المعتمدة في ذلك، خاصة في ظل تعقد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها الفئات الضعيفة والمتوسطة، مؤكدًا على خيار “الحكومة الوطنية” باعتبارها الحل الأمثل للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد في الفترة الحالية.
إلا أن بعض السياسيين المقربين من الفريق الاستشاري للرئيس التونسي أشاروا لأن استبعاد الفخفاخ لحزبي “قلب تونس” و”الحزب الدستوري الحر” من المشاورات الحالية، بأنه جاء بشرط من الرئيس قيس سعيد وليس قرارًا من الفخفاخ، ما يعني احتمالية ضعيفة لتواجدهم داخل التشكيل الحكومي المقبل.
ويري المحللون أن هذا السيناريو سيفرض على الحكومة الجديدة عدة صعوبات، باعتبار أن مشاريع القوانين والإجراءات التي يقتضيها سير عمل الدولة تتطلب نصابا قانونيا كبيرا، من الممكن ألا تحظى به تلك الحكومة.
وعلى صعيد مغاير، يري بعض الخبراء بأن فوز الفخفاخ بثقة البرلمان، سيعزز من الدور الدستوري لرئيس الجمهورية في نحت المشهد السياسي المستقبلي، ما يعني خطوة هامة باتجاه إيجاد توازنات جديدة تجعله قادرًا على إدارة اللعبة السياسية دون الحاجة لطرح قضية تعديل الدستور في هذه المرحلة.
يتبقى سيناريو أخير، هو أن تبقى حكومة تصريف الأعمال بقيادة يوسف الشاهد على رأس السلطة، وأن يتم فقط اختيار وزراء الخارجية والدفاع والصحة وغيرها من الوزارات التي تدار حاليًا بالنيابة، وتعد تلك الفرضية غير مستبعدة أيضًا.