
كلمة “أبو مازن” في الجامعة العربية.. رسائل وتحركات مستقبلية
عقب الإعلان الرسمي للشق السياسي لخطة السلام الأمريكية في البيت الأبيض (28 يناير 2020)، خرج رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” في مؤتمر صحفي يرفض فيه خطة ترامب، ويقول إن القدس ليست للبيع وأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقه في إقامة دولة مستقلة. ثم دعا أبو مازن جامعة الدول العربية لعقد جلسة طارئة، وبالفعل لبت جامعة الدول العربية الدعوة وأعلن يوم السبت موعدا لعقد الاجتماع الوزاري العربي.
يحاول محمود عباس إيجاد نوافذ إقليمية ودولية لتدعيم الرفض الفلسطيني لخطة السلام الأمريكية، وهو ما شدد عليه أمين عام جامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” (السبت 1 فبراير 2020)، بأن اجتماع العرب اليوم هو رسالة بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم للدفاع عن قضيتهم.
وجاءت كلمة محمود عباس اليوم في اجتماع الجامعة العربية واضحة في محاولة لرسم موقف فلسطيني نهائي من خطة السلام الأمريكية، ومن ثم بناء التحرك الفلسطيني المدعوم عربيا للدفاع عن القضية الفلسطينية وإبداء الموقف من خطة ترامب أمام المحافل والمنصات الدولية.
تحاول هذه الورقة توضيح الرسائل التي حملتها كلمة محمود عباس اليوم في الجامعة العربية، كما تحدد ملامح التحرك الفلسطيني المستقبلي لمواجهة خطة السلام الأمريكية.
خطة السلام غير مقبولة.. أسباب وثوابت
رفض محمود عباس في كلمته اليوم في الجامعة العربية خطة السلام الأمريكية، وأرجع ذلك في جملة من الأسباب، كان أهمها ما يلي:
أولا: الحضور الفردي للولايات المتحدة في صياغة الخطة: يرفض أبو مازن فكرة أن تتفرد الولايات المتحدة بصياغة خطط سلام لحل القضية الفلسطينية؛ كونها تتحيز للطرف الإسرائيلي وتستوفي له الاعتبارات الأمنية والأيديولوجية كذلك.
في حين شهدت اتفاقية أوسلو نجاحا بالغ الأثر في تقوية الموقف الفلسطيني، من حيث الاعتراف بالشعب الفلسطيني ووجود ممثل رسمي له وهي منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم السلطة الفلسطينية. وأرجع محمود عباس نجاح الأمر إلى عدم وجود الولايات المتحدة ضمن أعمال الاتفاق.
ثانيا: غياب مفهوم الدولة: استنكر محمود عباس النسبة الباقية لأراضي الضفة الغربية وغزة المزمع إقامة “الدولة” عليها، ومنقوصة السيادة، وغير معلومة العاصمة، وكذلك غير المتصلة جغرافيا بشكل طبيعي. إذ أن حدود غزة يبعد عنها المنطقة الصناعية أو الزراعية بمئات الكيلومترات. أما بشأن القدس، فيرفض الفلسطينيون مبدأ ضم القدس الكاملة تحت السيادة الإسرائيلية.
كذلك غاب عن الخطة عدالة مبدأ تبادل الأراضي، الذي كان ينص سابقا على منح 30% من فلسطين القديمة، تحت مسمى المثلث الفلسطيني. في حين تقدم الخطة 10% من المثلث ومتفرق الجغرافيا.
ثالثا: استبعاد المرجعيات القانونية والشرعية: تحاول الولايات المتحدة ترسيم مرجعيات جديدة تنافي القرارات الأممية والمرجعيات القانونية التي (1) تجرم بناء المستوطنات وتسحب عنها صفة الشرعية والقانونية، (2) تعتبر الدولة الفلسطينية تبدأ من حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية بناء على قراري 242 و338 الأمميين. لكن في الواقع لم تتحرك إدارة دونالد ترامب وفق أي مرجعيات قانونية، واستهلت بالاعتراف بالقدس والجولان أراضي إسرائيلية.
وأكد محمود عباس في هذا السياق، أن رفض الخطة يأتي بدافع رفض ترسيم مرجعيات جديدة تنافي القديمة القانونية والشرعية.
ملامح التحرك الفلسطيني المستقبلي
يمكن من خلال ما سبق من أسباب لرفض السلطة الفلسطينية خطة السلام الأمريكية، الإشارة إلى بعض الملامح التي قد ترسم التحركات المستقبلية للسلطة الفلسطينية.
أولا: إيجاد منصات إقليمية ودولية: سيحاول محمود عباس نقل الموقف الفلسطيني إلى عدد من الفعاليات الإقليمية أو الدولية والأممية؛ لتوصيل الرؤية حول خطة السلام الأمريكية ومن ثم تدعيم هذه الرؤية.
يظهر ذلك في اعتزام أبو مازن السفر إلى نيويورك وحضور اجتماع مجلس الأمن في 11 فبراير القادم؛ لطرح الرؤية الفلسطينية.
ثانيا: طرح بديل للخطة: ستبدي السلطة الفلسطينية مرونة إيجابية تجاه طرح بديل لخطة السلام الأمريكية من أجل تسوية السلام وحل القضية، ولكن من خلال مجموعة من المحددات أهمها هو أن يشمل البديل اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة، وروسيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، بالإضافة إلى الاعتماد على المرجعيات القانونية المتعارف عليها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الاستناد إلى ثوابت المبادرة العربية المقدمة في 2002.
ثالثا: إبطال اتفاقية أوسلو: أما على مستوى التحرك التكتيكي من قبل السلطة الفلسطينية، فيستدعي ذلك مجموعة من السيناريوهات: أولا: إبطال تام من السلطة الفلسطينية لاتفاقية أوسلو؛ أي وقف التنسيق الأمني وتجميد أي بناء فلسطيني في الضفة، ووقف العمل بالتقسيمات الإدارية (أ) و(ب) و(ج)، وحل السلطة الفلسطينية، وهو ما صرّح به اليوم محمود عباس أمام الجامعة العربية.
أما السيناريو الثاني وهو فكرة وقف التنسيق الأمني فقط مع السلطات الإسرائيلية وهو ما يعني تهديد بانتشار الفوضى في مناطق الضفة الغربية، دون حل للسلطة الفلسطينية.
وهو ما يمكن أن يرجع إليه محمود عباس لعدم إلغاء المكتسبات التي خرج بها الفلسطينيون من اتفاقية أوسلو، والتي عاد وأكد عليها أمام الجامعة العربية.
ختاما، يمكن التأكيد على مجموعة من النقاط المستوحاة من كلمة محمود عباس اليوم أمام الجامعة العربية، وهي:
لم تضمن خطة السلام الأمريكية مشاورات جادة مع الطرف الفلسطيني، وهو ما أكده محمود عباس في كلمته. في حين أبدت الخطة انحيازها للطرف الإسرائيلي.
العودة إلى المبادرة العربية 2002، والقرارات الأممية كمرجعيات تستند عليها حلول القضية الفلسطينية.
اعتزام السلطة الفلسطينية تقديم خطة سلام بديلة عن خطة السلام الأمريكية.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية