
أطماع وأوهام..الوجه التركي القبيح في شرق المتوسط
تحرير: نوران عوضين
تتسم التحركات التركية بمنطقة شرق المتوسط بمخالفتها لقواعد القانون الدولي وهو الأمر الذي لم يقف عنده الجانب التركي طويلًا في سبيل معالجته، وإنما استمر في ممارساته وسياساته التي من شأنها انتهاك قواعد القانون الدولي عبر انتهاكه لسيادة دول مجاورة لأراضيه واستيلاءه على مقدرات تلك الدول من الثروة النفطية المكتشفة مؤخرًا بالمنطقة.
وفي هذا السياق، سيبدأ المرصد المصري بنشر سلسلة من المقالات تباعًا نستعرض فيها زوايا متعددة للصراع الدائر بمنطقة شرق المتوسط وما تمارسه تركيا في هذا الصدد من تحركات وممارسات مخالفة لما تمليه الشرعية الدولية من أسس. سيتناول المقال الأول من السلسلة دوافع الاهتمام التركي بمنطقة شرق المتوسط وما ترتب عنه من رؤية تركية لجغرافية المنطقة.
الحلقة الأولى: التزييف ومعاندة الجغرافيا
طالما عُرف عن النظام التركي افتعاله للأزمات الخارجية تحت دعوى الحفاظ على الأمن القومي التركي واستعادة الإرث العثماني، ولكن تظل أزمة منطقة شرق المتوسط قضية محورية وحاكمة بشكل أساسي للتحركات الخارجية التركية نظرًا لما للأزمة من أبعاد سياسية واقتصادية إذا ما أحسنت تركيا استغلالها قد تسهم في ارتقاءها إلى أن تصبح قوة دولية ذو قدرة على التأثير على مجريات السياسات العالمية.
دوافع الاهتمام التركي بمنطقة شرق المتوسط
لدي تركيا العديد من الدوافع وراء تحركاتها بمنطقة شرق المتوسط، تتمثل أولى تلك الدوافع في فقرها الغازي. تصل نسبة الغاز الذي يتم إنتاجه داخل تركيا ما يقدر ب26% من احتياجاتها، وعليه كان الاعتماد التركي على الاستيراد لتغطية كامل استهلاكها من النفط والغاز تقريبًا، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاقتصاد التركي وموارده من النقد الأجنبي وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، فضلًا عن تأثر الاقتصاد المحلي بصورة كبيرة لتقلبات أسعار الطاقة العالمية بما يؤثر بشكل كبير على معدلات التضخم بالداخل وهو ما بلغت نسبته حاليًا 11.84% على أساس سنوي وفقًا لبيانات البنك المركزي التركي ديسمبر 2019.
يتمثل الدافع التركي الثاني في رغبتها أن تكون بمثابة بوابة عبور الطاقة إلى أوروبا، حيث تعد تركيا دولة عبور للغاز الروسي في اتجاه القارة الأوروبية وهو ما تستمد منه قوة سياسية ومادية أيضًا. وفي هذا الإطار، تسعى تركيا إلى التحول نحو أن تكون مركز عالمي لنقل الطاقة، من خلال سيطرتها على الغاز المحيط بالجزيرة القبرصية، فضلًا عن رغبتها في أن تكون المتحكم الوحيد بخطوط إمداد الغاز الموجه لأوروبا بحيث تضمن السيطرة على أمن الطاقة الأوروبي بما يمنحها ورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي يمكنها من التفاوض مجددًا إزاء انضواءها تحت المظلة الأوروبية، وهو حلم لطالما رادو الأتراك، ودفعهم خلال السنوات الماضة لإحداث تغييرات داخلية كبيرة ليتوافق نظامها مع النظم والمعايير الأوروبية، لكن دون جدوى، فهناك معارضة كبيرة داخل الاتحاد الأوروبي وخاصة من ألمانيا وفرنسا، اللتان تقفان أمام إنضمام أنقرة داخل المنظومة الأوروبية.
تتصاعد داخل الاتحاد الأوروبي أصوات مختلفة ما بين مؤيدة أو معارضة لتركيا، من ضمن الدول المساندة لتركيا تبرز بلدان كأسبانيا وبلغاريا والنمسا الذين يرون في تركيا مركزًا مهمًا لنقل الطاقة بناءً على موقعها الجغرافي، هذا على الرغم من عدم حيازتها للنفط أو الغاز الكافي للتصدير. ولكن في المقابل تنظر دول آخرى بالاتحاد إلى غاز شرق المتوسط باعتباره أهم مصادر الغاز لدول الاتحاد على المديين المتوسط والبعيد، وهو البديل الوحيد للتخلص من أعباء الهيمنه الروسيه كمورد رئيسى للغاز الطبيعى الى أوربا، خاصة، بعد المشاكل التي عانى منها خط الغاز الروسي العابر من أوكرانيا، ورفض الرئيس ترامب استكمال خط الغاز الروسي- الألماني “نورد ستريم 2” وتراجع صادرات الغاز لأوروبا من الجزائر والنرويج، وعليه تدرك تلك الدول خطورة السيطرة التركية على إمدادات الغاز الموجهة إلى أراضيها، أو أن تكون هى المفتاح الطاقوي له، وهو الأمر الذي كان له انعكاس على التحركات التركية بالمنطقة.
أخيرًا، يتمثل الدافع الثالث لدي تركيا وراء تحركاتها بشرق المتوسط في محاولتها افتعال أزمات خارجية لتهدئة حدة الازمات الداخلية. فمؤخرًا، كانت الأزمات الخارجية المفتعلة من قبل الجانب التركي على قمة الأحداث العالمية حيث التدخل العسكري في شمال سوريا واتفاقها الأخير في ليبيا مع حكومة السراج، وإثارتها مجددًا لأزمة اللاجئين. تأتي تلك الأزمات المفتعلة في ظل تراجع النمو الاقتصادي التركي وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في مقابل تصاعد الدعم الشعبي للمعارضة، فضلًا عن ما يواجهه حزب العدالة والتنمية نفسه من انشقاقات داخلية من قبل مؤسسي الحزب أمثال أحمد داود أوغلو، وعبدالله جول، وعلي باباجان.
وفي إطار تلك الدوافع، كان التحرك التركي في إطارين، أولهما هو محاولة الجانب التركي إصباغ الشرعية على تحركاته من خلال وضع رؤيته لخريطة المناطق الاقتصادية بشرق المتوسط، بينما تمثل الإطار الثاني في محاولته فرض الأمر الواقع من خلال منح شركاته حق الاستكشاف والتنقيب بمناطق تابعة لدول آخرى بشرق المتوسط.
جغرافية شرق المتوسط وفقًا للرؤية التركية
وفقًا لمنظمة المسح الجيولوجي الأمريكية، قُدر احتياطي الغاز الكامن بالمنطقة بما بين 340 إلى 360 تريليون قدم مكعب من الغاز و3.4 مليار برميل بترول وكم كبير من السوائل الغازية، والتي تٌقدر إجمالي قيمتها المالية بما بين 2.5 إلى 3 تريليون دولار، وهو ما يعني أن المنطقة قد احتلت المركز الثاني عالميًا من حيث احتياطيات الغاز، وكل ما تم اكتشافه مجتمعًا فى قبرص وإسرائيل ومصر حتى الآن هو 70 تريليون قدم مكعب فقط.
السبب الرئيسى لتلك الثروه هو تقدم تقنيات التنقيب والتي مكنت الدول من التنقيب على أعماق أكبر من البحر، وهى تقنيات “تكنولوجية” لم تكن متوفره فى الماضى .
كان عام 2010 والذى كان بداية اكتشافات الغاز بالمنطقة، بمثابة نقطة التحول فى وجهة النظر التركيه، فيما يتعلق تحديدا بحدودها الاقتصاديه وترتب عليه كل الممارسات اللاحقه منها، فخلال هذا العام تم اكتشاف “حقل تمار” بإسرائيل، أعقب ذلك اكتشاف “حقل أفروديت” بقبرص في أغسطس 2011 والذي قُدر مخزونه بنحو 6 تريليون قدم مكعب. وفي ذات الوقت، تم اكتشاف “حقل ليفاثان” بإسرائيل والذي احتوى على مخزون أكبر من مخزون الحقل الأول، وكان الاتفاق حينها يدور حول تصدير الغاز الإسرائيلى وربما الغاز القبرصي فيما بعد عن طريق تركيا، بحيث يتم ربط حقل تمار من خلال أنبوب ساحلي يتفادى في طريقه المنطقة الاقتصادية البحرية اللبنانية السورية ويمر بالمياه القبرصية وينتهي عند تركيا فى ميناء جيهان وهو الخط الأزرق بالخريطة أدناه، ومن ثم خط غاز أرضى إلى أوربا من تركيا،
ولكن مع وجود مشكله كبيره بين قبرص وتركيا كنتيجه لاحتلال الجزء الشمالى من قبرص عام 1974 وإنشاء الجمهورية التركية لشمال قبرص المعترف بها فقط من قبل تركيا، واحتمالية رفض قبرص لمرور الخط من منطقتها الاقتصاديه، وضعت تركيا خطه بديله كان قوامها إعادة ترسيم الحدود البحريه بشكل يسمح لها أولا: بمرور خط الغاز من مياه اقتصاديه تركيه خالصه بنائا على تصورها المنافى للقانون الدولي، ثانيا :لكى تمكنها من أن تصبح أراضيها الممر الأساسي المصدر لأوروبا.
ثالثا: تمكنها من الوصول إلى مناطق غنيه بحقول الغاز بعد تأكدها أن مياهها الاقتصاديه وفقا لقواعد القانون الدولي، لا يمكن أن تصل بها إلى أى من أحواض الغاز الجيولوجيه الرسوبيه بمنطقة شرق المتوسط، وهما حوضى” لفانت”، وهو يضم كل بلاد قوص شرق المتوسط، وحوض” دلتا النيل” الممتد من فرعي النيل أعلى وصولا لليونان.
وفقًا لقواعد القانون الدولي، فإن المنطقة الاقتصادية لتركيا هي المنطقة المشار إليها باللون البني بالخريطة أعلاه. وعليه، تصبح تلك المنطقة بعيدة عن منطقة الأحواض الرسوبيه الغنية بالغاز . ولذلك، أدعت تركيا طريقة ترسيم على خلاف قواعد القانون الدولى، بحيث تمكنّها من الوصول إلى مربعات رقم 10، و11 من المنطقة الاقتصادية القبرصية، كما قسمت أيضًا المنطقة الاقتصادية القبرصية إلى نصفين وهو المشار إليه بالخط الأحمر بالخريطة عاليه، بحيث يصبح النصف الأيمن من المنطقة تابع للمنطقة الاقتصادية القبرصية ولكن من حين لآخر تثير تركيا مضايقات بهذا النصف بحجة دفاعها عن حقوق قبرص التركية، بينما يصبح النصف الأيسر من المنطقة تابع للمنطقة الاقتصادية التركية، كما اقتطعت جزء كبير من المياه الاقتصاديه اليونانيه متجاهلة هذا العدد الكبير من “الجزر اليونانيه” المتاخمه لسواحلها، والتى وفقا للقانون الدولي، تمنع تركيا من الوصول إلى عمق البحر أو إلى حدود المنطقه الاقتصاديه المصريه .
في سبتمبر 2011وقع “القبارصة الأتراك اتفاق ترسيم الجرف القاري” مع تركيا، “أى أن تركيا اتفقت مع تركيا”، والذي بمقتضاه أعلن” القبارصة الأتراك “منطقة اقتصادية خالصة” ترتكز على إدعاء أن نصف المنطقة الاقتصادية الخالصة لـ”قبرص الرومية” هي ملك لهم، بما يعني إدعاءهم أحقيتهم بمربعات أرقام 1 و 2 و 3 و 8 و 9 و 12 و 13، وهو الأمر المنافي أيضًا لقواعد القانون الدولي خاصة، وأن جمهورية شمال قبرص “قبرص التركية” لم يعترف بها أي من الدول سوى تركيا فقط.
وفي أعقاب اكتشاف مصر لحقل ظهر في أغسطس 2015، وتأكد تركيا من مدى ما يمكن استخراجه من حوض دلتا النيل من الغاز، بناءا على المعلومات الفنيه التى تكشف طريقة تكوين حقل ظهر والمنطقه، ونجاح قبرص في جذب استثمارات شركات التنقيب بمربعات رقم 6،8، 10، تقدمت تركيا بشكوى للأمم المتحدة عام 2016، بخصوص تصورها لمنطقتها الاقتصاديه، مع أنها لم تنضم لـ”إتفاقية البحار” أساسا عام 82 لعلمها من أن وضع جزيرة قبرص الرومية وتلك الجزر اليونانيه “جزر شرق إيجه “ تمنع حدودها الاقتصاديه من التمدد، وكان هذا إجراء للتغطيه على ماستقوم به لاحقا باعتبار أن هناك منطقة بين قبرص وتركيا” وهى المنطقه المشار إليها باللون الوردي بالخريطة أدناه”، كما أصبحت المربعات التي تمتلكها قبرص الرومية، تثير تركيا بشأنها مضايقات منعت في إطارها قبرص عن التنقيب ببعض مناطقها الخالص، لدرجة اعتراض تركيا سفينة التنقيب الخاصه بشركة إينى الإيطاليه .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. ففي نهاية أكتوبر 2018، أعلنت تركيا عن بدءها أعمال التنقيب بالمنطقة، ترافق هذا مع الإعلان عن تخطيط شركة البترول الوطنية التركية TPAO القيام بأنشطة الاستكشاف في المنطقة المتنازع عليها مع قبرص بمرافقة سفن البحرية التركية. وتظهر الخريطة التالية المناطق التي رخصتها البحرية التركية لشركة TPAO بحروف زرقاء من A إلى G ، والمناطق التي رخصتها الجمهورية التركية لشمال قبرص وهي المناطق الموضحة بأرقام برتقالية من من 1 إلى 13. وعلى حسب ما هو مبين بالخريطة أدناه، فإن تلك التراخيص ليس لها أي سند قانوني أو غير ذي شرعية نظرًا لعملها بمناطق قبرصية خالصة.
بحث ومادة علمية: مهندس/ نبيل عامر
تحرير: نوران عوضين



