الصحافة المصرية

طنطا نموذجا .. “عودة الروح” للمتاحف الاقليمية

     وضعت وزارة الآثار خططا مدروسة للنهوض بالمتاحف والتسويق لها في الداخل والخارج؛ لوضعها في مصادر الدخل القومي.

ودأبت الوزارة على تنشيط وترميم متاحف المدن التي عُرفت بـ “المتاحف الإقليمية” في جميع المحافظات، لما تحمله من تراث قومي مُتميز يعطى طابعًا فريدًا لكل محافظة.

وتعتبر المتاحف بمثابة القوة الناعمة الثقافية، وذاكرة للأمة المصرية التي تنفرد دون جميع الأمم بتراثها الحضاري والثقافي المتنوع عبر جميع الحقب التاريخية المُمتدة في جذور الزمن عبر آلاف السنين.

تجدر الإشارة إلى أن تكليفات رئيس الجمهورية بالنهوض بالمتاحف المصرية، وحل جميع المشكلات المتعلقة بها، كانت بمثابة العودة للحياة وتنمية مستدامة خلقت طريقًا لعودة العمل وأعمال الترميم والتجديد في متحف “طنطا”، حتى الانتهاء منه، ودخوله الخدمة من جديد، وذلك بتكلفة بلغت نحو 13 مليون جنيه.

في سياق خطة الوزارة لترميم وتطوير وإعادة فتح المتاحف المغلقة في جميع أنحاء الجمهورية. توجه وزير الآثار خالد العناني، إلى محافظة الغربية، في يناير لعام 2015، لتوقيع بروتوكول يتم بموجبه تطوير وتحديث متحف طنطا الأثري حتى يكون جاهزا لاستقبال الآثار القديمة، وليعود المتحف إلى مكانته المُتمثلة في نافذة ثقافية وتعليمية وأثرية وسط الدلتا، حيث أصبح المتحف بعد تطويره نقلة حضارية؛ لما له من أهمية باعتباره النبتة الأولى للمتاحف الإقليمية أي أنه أول متحف إقليمي مصري نشأ قبل 106 أعوام؛ حيث نشأ في عام 1913، وظل لمدة 19 عامًا جسدًا بلا روح، هوية تاريخية لا يقربها الزائرون، إلى أن جاءت خطة وزارة الآثار لترميم وتطويره التي أعادت الروح به، وتم افتتاحه في نهاية أغسطس بالعام الجاري. 

تاريخ فكرة إنشاء متحف “طنطا”

نبعت فكرة إنشاء متحف طنطا من خلال المجلس المحلي للمدينة خلال عام 1913، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، حيث يُعتبر بمثابة واحدا من أقدم مشاريع إنشاء المتاحف الإقليمية في مصر.

ووقع الاختيار في ذلك التوقيت على مبنى بلدية مدينة طنطا، ولكن تم إغلاقه في عام 1923، ونقل آثاره إلى مدخل سينما البلدية عام 1957، إلا أنه تم إعادة افتتاحه عام 1935، بتوصية من وزارة المعارف المصرية.

وبعدها في عام 1981، بدأت هيئة الآثار عملية إنشاء المتحف الحالي في حديقة الأندلس المشهورة باسم “المنتزه”، ثم عاد افتتاحه في عام 1990، ثم أغلق بعدها للتطوير في عام 2000، ولكنه ظل يقدم بعضًا من خدماته الثقافية والتعليمية لأبناء المحافظة.

 وأعيد افتتاحه بعد إغلاقه لمدة ١٩ عاما. ويذكر المهندس وعد أبو العلا رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، أن أعمال تطوير المتحف بدأت في ديسمبر 2017، وشملت ترميم مبنى المتحف ومعالجته إنشائيًا، وتغيير دهانات الحوائط وتنظيف الأرضيات وجليها، بالإضافة إلى وضع فتارين عرض جديدة.

ويتكون المتحف من خمسة طوابق؛ خصصت الطوابق من الأول حتى الرابع لعرض القطع الأثرية، وفنية، ومعمارية تمثل حضارة مصر في العصور الفرعونية، واليونانية، والرومانية، والمسيحية، والإسلامية، حيث خصص الطابق الأول من المبنى للخدمات، أما الطابق الخامس فيحوي المكاتب الإدارية، ومخزناً وقاعة للمؤتمرات. كما يحوي المتحف على تحف وقطع فنية من خارج محافظة الغربية؛ لذا لا يُعد المتحف إقليميًا بالمعنى الحرفي.

يضم المتخف قطع أثرية يصل عددها إلى 2005 قطعة أثرية، من بينها 1208 قطعة عملة من مختلف العصور والتي تتنوع بين العصور الفرعونية، والرومانية، واليونانية، وفقًا لما ذكرته الهام صلاح رئيس قطاع المتاحف بحسب تصريح لها في أغسطس 2019، ولقد وضع فتارين عرض جديدة -بعد ترميمه-؛ لإبراز تلك القطع الأثرية التي يحويها المتحف بأفضل شكل، لتعبر عن عصور تاريخية مختلفة.

فيما ينقسم سيناريو العرض المتحفي إلى قسمين؛ القسم الأول يضم الاكتشافات الأثرية للحفائر التي تمت بمحافظة الغربية، والقسم الثاني يضم القطع التي ترمز للحياة اليومية والبعث والخلود، وفقًا لسيناريو العرض المتحفي الجديد الذي أقامته لجنة سيناريو العرض المتحفي. جدير بالذكر، أن المتحف قد استحضر وقت إنشائه من الآثار، مجموعتين إحداهما من دار الآثار المصرية والثانية من دار الآثار العربية.

جميع الحقب التاريخية في متحف “طنطا”

تملك مصر عديد من الآثار التي تشمل جميع الحقب التاريخية من مصري قديم إلى يوناني وروماني، وإسلامي إلى جانب الثقافة الإقليمية للمجتمع المصري المتجلية في احتفالات المتعلقة بالمحافظة، والموالد، حيث يعرض “متحف طنطا” تلك القطع الأثرية، لما لها من قيمة تبين هوية الإنسان المصري، والمراحل الثقافية التي مرت عليه.

أولًا: الاكتشافات الأثرية الفرعونية بالدلتا.. يعرضها المتحف لتمتعها بتاريخ حافل على مر العصور، بما فيها من جبانة للحيوانات المقدسة، و”صان الحجر” ( تانيس) عاصمة مصر القديمة في عصر الانتقال الثالث، و”تل بسطة”، و”صا”، والحجر”(سايس) عاصمة مصر القديمة في عصر الأسرة السادسة والعشرين، وأخيرًا “بهبيت الحجارة” التي تضم أكبر معبد للمعبودة “إيزيس”في الدلتا.

كما يعرض الدور الثالث قطع تعكس المفاهيم والمعتقدات المتعلقة بالعالم الآخر عند المصري القديم ومنها اهتمامه بالمقبرة؛ لكونها أول وأهم مرحلة في رحلة البعث والخلود، والتحنيط عند المصريين القدماء؛ لتبين فلسفته عندهم باعتباره بوابة الروح لحياة ما بعد الموت. كما يحتوي على أحجار بها نقوش تصف مشاهد من قصص تقديس الحب والسلام في حياة الفراعنة.

 وتشمل المعروضات الأثرية أبوابًا وهمية، وموائد قرابين، وتماثيل، ولوحات تُظهر علاقة المتوفى بالمعبودات، ومساند الرأس، وتوابيت، بالإضافة لمجموعة من الأواني التي استخدمت لحفظ الطعام والشراب والعطور إلى الأواني “الكانوبية” المستخدمة لحفظ أحشاء المتوفى بعد تحنيطها. كما يعرض بهذا القسم مجموعة من المراكب التي اكتسبت أهمية كبيرة لوجود نهر النيل والبحرين المتوسط والأحمر، وفي رؤية أخرى لمفهوم العالم الآخر.

ثانيًا: أثار العصر اليوناني، والروماني.. عُرضت مجموعة من القطع الأثرية التابعة لتلك الحقبة في الدور الثالث مُتمثلة في أواني “الحضرة” سميت بذلك نسبة إلى مكان التي عُثر عليها في الإسكندرية المستخدمة لحفظ رماد المتوفى، بالإضافة إلى رؤوس التماثيل، ومجموعة من المسارج والمعادن.

ثالثًا: أثار العصر القبطي، والإسلامي.. تعرض بالدور الثالث أيضًا مجموعة من القطع الأثرية التي تٌعبر عن الفن القبطي من أيقونات ونسيج ومخطوطات، حيث يحتوي على “فاترينة” عرض خاصة لزائرين المتحف بها أيقونة للسيدة العذراء. أما عن الفن الإسلامي، يعرض قطع من أوانٍ خزفية، وشبابيك قلل، ونسيج، بجانب مجموعة مميزة من القطع الأثرية التي ترجع إلى العصر الحديث تحديدًا عهد الأسرة العلوية.

رابعًا: أثار التراث الشعبي.. تناولت موضوعات الدور الثالث أيضًا التجارة وتأثيرها على المجتمع المصري من خلال عرض مجموعة من العملات، فضلًا عن التراث الشعبي المادي وغير المادي للمحافظة، وتطور تقليد إقامة الموالد الذي بدأ منذ آلاف السنين واستمر حتى وقتنا الحالي، وخير مثال له مولد “السيد أحمد البدوي” بمدينة “طنطا” الذي يُحتفل به مرتين كل عام.

دور متحف “طنطا” في التنمية والتواصل المجتمعي المستدام

يُعتبر متحف آثار طنطا قبلة للسياحة الداخلية، لأنه بمثابة منارة ثقافية وتعليمية لأبناء المحافظة؛ حيث كان قبل إغلاقه يتم تنظيم رحلات مدرسية من مدارس مراكز ومدن المحافظة إليه، لتعريف الطلاب بالمعالم الأثرية والمقتنيات الموجودة به، بالإضافة إلى إقبال أبناء المحافظة والزائرين من وإلى محافظات الأخرى على المتحف.

 كما له دور إيجابي على المحافظة لأنه سيعمل على خلق مناطق جذب سياحية جديدة بها، بالإضافة إلى نشر الوعي الأثري لدى أبناء المحافظة من خلال تقديم دورات تدريبية وورش عمل خاصة بتقنيات عملهم. علاوة على ذلك، مساهمته في تنمية الشعور عند الشباب بالانتماء الوطني، وتنمية قيم الوفاء للآخر بتخليد ذكرى لكل من قدم خدمات للإنسانية في مختلف ميادين الحياة. وإتاحة الفرصة للأجيال عبر العصور للاضطلاع على ما حققه الآخر من منجزات.

في سياق تنمية وخدمة المجتمع وتطويره، يشير المجلس العالمي للمتاحف، أن المتاحف بشكل عام ترعى ملكية العالم الثقافية وتشرحها للناس، وهي ملكية غير عادية تتمتع بوضع خاص في التشريعات الدولية، كما تتمتع بحماية القوانين الوطنية، وتشكل المتاحف مركزًا للحفظ والدراسات والتأمل في التراث والثقافة، حيث يعتبر وسائل للتواصل والتبادل الثقافي بين الشعوب، بجانب تدعيم الفهم المشترك والتعاون ونشر السلام بين المجتمعات؛ فتقاس حضارة وتقدم الدول بما تملكه من هذه الصروح الثقافية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى