إيران

كيف نقرأ الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران وواشنطن؟

انتهت في العاصمة الإيطالية روما مساء يوم 23 مايو 2025 الجولة الخامسة من المباحثات بين إيران والولايات المتحدة، وذلك بعد مرور أكثر من شهر على عقد الجولة الأولى في 12 أبريل الماضي في سلطنة عُمان التي ترعى المفاوضات منذ البداية. وكانت هذه الجولة الخامسة غير حاسمة أيضًا مثل سابقاتها في هذا الصدد، وعبّر الطرف الإيراني على وجه الخصوص بعد الانتهاء منها عن تشاؤم، ولو محدود، بشأن مستقبل هذه المفاوضات. وهو توجه إيراني جاء بعد 3 أيام فقط من تصريحات أدلى بها المرشد الإيراني، علي خامنئي، في 20 مايو الجاري أكد فيها أن بلاده “لن تطلب الإذن من أحد” فيما يخص تخصيب اليورانيوم، وشكك صراحة في إمكانية نجاح هذه المفاوضات النووية برمتها. وفي ضوء ذلك، نتطرق فيما يلي لقراءة أهمية الجولة الخامسة في مسار المفاوضات النووية.

مثّلت الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن ثاني جولة من نوعها تُعقد في العاصمة روما بعد الجولة الثانية التي جرت بها أيضًا يوم 19 أبريل 2025. واستمرت اجتماعات الجولة الخامسة حوالي ساعتين ونصف عصر ذلك اليوم، وتضمنت محادثات غير مباشرة ومباشرة أيضًا بين الوفدين الإيراني، الذي قاده وزيرُ الخارجية عباس عراقجي، والأمريكي الذي ترأّسه هذه المرة مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، مايكل أنطون، إلى جانب مبعوث الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.

وناقشت هذه الجولة على وجه الخصوص الجوانب الفنية لاتفاق نووي محتمل، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية هذه المرة إلى إشراك مايكل أنطون في المحادثات، بما يؤكد أن هذه الجولة ناقشت مسألة تخصيب إيران لليورانيوم في المستقبل.

وقد غادر “ويتكوف” مبكرًا هذه الجولة الخامسة من المحادثات، حيث قالت الخارجية الإيرانية إن سبب ذلك هو “موعد رحلته”، وأثيرت شكوك من جانب المراقبين بشأن هذه المغادرة المبكرة وعدم استكمال ويتكوف المحادثات، خاصة وأن الجانب الأمريكي لم يصدر بيانًا يوضح هو الأخر أسباب مغادرة ويتكوف التي قد تكون لاعتراضه على مسار المحادثات.

وتعقيبًا على هذه الجولة، قال وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، إن الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية قد انتهت في روما في ظل “بعض التقدم، لكنه ليس حاسمًا”، مضيفًا: “نأمل في توضيح القضايا المتبقية في الأيام المقبلة بما يسمح لنا بالمضي قدمًا نحو الهدف المشترك المتمثل في التوصل إلى اتفاق مستدام”. أما وزير الخارجية الإيراني “عراقجي”، فقد صرّح للتلفزيون الرسمي الإيراني بعد ساعات من انتهاء الجولة أن “هناك إمكانية للتقدم في المحادثات النووية مع المقترحات التي تقدمها عُمان”، مضيفًا: “الجانب الأمريكي يتفهم مطالبنا بشكل أوضح الآن وأعمق من ذي قبل”، ووصف الجولة الخامسة بأنها “معقدة وهناك حاجة للمزيد منها”.

على الرغم من أنها لم تختلف في نتيجتها عن الجولات الأربع الماضية فإن حيثيات وسير انعقاد الجولة الخامسة قد تفاوت بعض الشيء مع المفاوضات السابقة، وذلك على النحو التالي:

مدة انعقاد زمنية أقل من جميع الجولات الماضية: اتسمت الجولة الخامسة من المحادثات النووية بين الإيرانيين والأمريكيين في روما بأنها استغرقت وقتًا أقل بشكل ملحوظ عن جميع سابقاتها من الجولات الدبلوماسية الأربع الماضية، سواء تلك التي جرت في مسقط أو روما أيضًا. فقد استمرت الجولة الخامسة حوالي ساعتين ونصف، بينما استغرقت الرابعة 3 ساعات، والثالثة 9 ساعات، والثانية 4 ساعات، والأولى 9 ساعات.وقد يشير ذلك على الأغلب إلى عدم اتفاق المفاوِضين فيما يتعلق بالقضايا المطروحة على أجنداتهم، خاصة عند التطرق إلى الملف الأبرز المُخْتَلَف عليه وهو مستقبل تخصيب اليورانيوم في إيران، وذلك في ظل التصريحات المتبادلة بين الإيرانيين والأمريكيين خلال الأيام التي سبقت الجولة الخامسة. فقد أكدت واشنطن أنها لن تسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم مطلقًا “حتى ولو بنسبة 1%”، على حد تعبير المبعوث الأمريكي “ويتكوف”، فيما تشدد طهران على أنها لن تقبل بذلك مطلقًا، وهو ما أكده المرشد الأعلى خامنئي في تصريحاته يوم 20 مايو 2025 وسار على نهجه المسؤولون الإيرانيون الآخرون وأبرزهم وزير الخارجية “عراقجي” والمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي.

التركيز على الملف الأهم وهو تخصيب إيران لليورانيوم: تميزت هذه الجولة الخامسة عن سابقاتها بتركيزها المنصب على القضية الجوهرية في مسألة التفاوض الإيراني الأمريكي والمتعلقة بتخصيب اليورانيوم في إيران، ولذا فقد شارك هذه المرة في المحادثات مدير تخطيط السياسات في الخارجية الأمريكية، مايكل أنطون. وبدا جليًا في هذا الصدد أن الجولة الخامسة لم تحسم هذا الملف، وهو ما قد قاد على الأغلب لأن تكون مدة انعقادها أقل من 3 ساعات، وربما يكون ذلك السبب أيضًا في الانسحاب المبكر “لويتكوف”.

عدم تحديد موعد الجولة القادمة: تشابهت نتائج الجولة الخامسة من المحادثات النووية مع الجولة الرابعة والثالثة أيضًا بعدم تحديد موعد وتاريخ لانعقاد الجولة القادمة من المحادثات (السادسة هذه المرة). وعلى الرغم من أن ذلك قد لا يشير إلى وجود خلافات بين المفاوضين؛ لأن الغرض من ذلك قد يكون دراسة الطرفين للقضايا المطروحة، فإنه لا يُحسب مؤشرًا قويًا على حسم الملفات المطروحة المشتركة.

انطلاقًا مما سبق، نجد أن الجولة الخامسة لم تقدم جديدًا ولم تحسم القضايا المختلف عليها بين إيران والولايات المتحدة فيما يخص المفاوضات النووية ومستقبل تسوية أزمة البرنامج النووي لطهران. وقد أكدت هذا تصريحاتُ الجانب الإيراني على الأقل. ومع ذلك، يمكن القول إن فرص التوصل إلى اتفاق نووي لا تزال قائمة، بل وقوية؛ وذلك لأن طهران وواشنطن لا تزالان تريدان سلك المسار الدبلوماسي لتسوية هذه الأزمة؛ لتجنب تداعيات اللجوء للخيار العسكري.

لا تريد طهران أن تلجأ واشنطن –بتحفيز ودعم من إسرائيل– لاستخدام القوة العسكرية لتسوية هذه الأزمة؛ لأن ذلك قد يُحدث تداعيات اقتصادية وعسكرية وسياسية واسعة للغاية في الداخل الإيراني سيحاول النظام تجنبها. إذ، لا يُتوقع أن تستهدف مثل هذه الهجمات قدرات طهران النووية فقط، بل إنها قد تحد من قدرات طهران العسكرية في الوقت نفسه أيضًا. وكذلك، تخشى طهران من استغلال جماعات المعارضة في الداخل والخارج لمثل هذه الهجمات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية لإسقاط النظام في الداخل، وهو سيناريو قد تدعمه في هذه الحالة احتجاجات شعبية داخلية.

وفي الوقت ذاته، لا يُعتقد أن طهران سيكون بمقدورها تحمل موجات أخرى قاسية للغاية من العقوبات الاقتصادية من المرجح بشدة أن تفرضها عليها إدارة ترامب بمشاركة الدول الأوروبية والأمم المتحدة، على الرغم من أن سيناريو العمل العسكري سيكون متوقعًا بشكل أكبر هذه المرة؛ إذ، أكدت إدارة ترامب أكثر من مرة على أن البديل لفشل المفاوضات النووية سيكون مهاجمة منشآت طهران النووية. وفي الوقت نفسه، تستعد إسرائيل، على ما يبدو، لهذا السيناريو بجدية، إذ تُجري تدريباتها العسكرية –حسب تقارير الاستخبارات الأمريكية– في الوقت الراهن للتأهب للحظة فشل هذه المباحثات.

ولطالما شجعت إسرائيل –ولا تزال– إدارة ترامب على قصف المنشآت النووية الإيرانية، ومن المرجح أنها في حال عدم توصل المفاوضات إلى نتيجة أو استغراقها فترة زمنية أطول من الممكن، فقد تهاجم إيران بمشاركة واشنطن؛ حيث لن تسمح الأخيرة وإسرائيل للجمهورية الإسلامية بامتلاك سلاح نووي بأي شكل؛ لعلاقة ذلك بتوازنات القوى الإقليمية والدولية التي تريد الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل الحفاظ عليها وعدم الإخلال بها.

وعليه، يرجح أن طهران سوف تسعى إلى تجنب هذه السيناريوهات وأن تستمر المفاوضات النووية على الرغم من صعوبتها، وأن يسعى الطرفان إلى تقديم تنازلات “ممكنة” خلال الجولات المقبلة من المحادثات بغية التوصل إلى اتفاق نووي يرضي الطرفين ويحقق المطلب الأمريكي وهو عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا ومطلب طهران الجوهري كذلك وهو رفع العقوبات.

  1.    

US-Iran latest nuclear talks end with limited progress, as Tehran sources express skepticism”, CNN, May 23th, 2025.

https://2u.pw/7ljqm

  • تکرار تجربه برجام/بررسی دور پنجم مذاکرات ایران و آمریکا و مصاحبه اخیر عراقچی“، صحيفة “هم ميهن” الإيرانية، 24 مايو 2025.  

https://2u.pw/j1Kol

  • “دور پنجم مذاکرات هسته‌ای ایران و آمریکا در رم ایتالیا بدون پیشرفت قطعی پایان یافت”، النسخة الفارسية لموقع “يورونيوز” الأوروبي، 23 مايو 2025.

https://2u.pw/mvbOU

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى