
مقالات رأيإيرانإسرائيل
مآلات التصعيد في ضوء الهجوم الإسرائيلي المتوقع على إيران
مع حتمية الضربة الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية، والتي استعدت لها إسرائيل خلال الأيام الأربعة الماضية منذ الهجوم الصاروخي الإيراني في 1 أكتوبر.. .. هناك عدة ملاحظات وتحليل للمشهد والتصعيد الراهن ومآلاته:
أولا: توقيت الهجوم الإسرائيلي المتوقع:
- قد يفضل نتنياهو أن تبدأ الضربة مع الساعات الأولى من 7 أكتوبر، لتتزامن مع الذكرى الأولى لهجوم طوفان الأقصى، ولحصد مكاسب سياسية في هذا اليوم الذي سيكون مطالب فيه بتقديم كشف حساب بعد عام من بدء الحرب. بجانب أن الهجوم في هذا اليوم ستكون له دلالة رمزية من ربط طوفان الأقصى بإيران التي كانت الداعم الرئيسي لحماس وفقا لمعظم التقديرات الإسرائيلية والغربية. لكن هذا لا يستبعد أن نتنياهو قد يقوم بالضربة قبل ذكرى هجوم طوفان الأقصى، وقد يحقق منها نفس الأهدافـ أو قد يؤجلها لعدة أيام بعد مرور الذكرى الأولى لطوفان الأقصى في ضوء أن شكل وحجم هذه الضربات سوف تحدد مسار التصعيد الحالي في الشرق الأوسط.
- الضربات الإسرائيلية المرتقبة يسبقها أو يتزامن معها تصعيد إسرائيلي كبير في لبنان وغزة، حيث صعدت تل أبيب من قوة ووتيرة ضرباتها الجوية، في إشارة إلى أنها مستمرة في تحقيق أهدافها في الجبهتين، سواء في جبهة غزة والتي فشلت في تحقيقها حتى الآن سواء بتفكيك كل قدرات حماس واستعادة أسراها، أو في جبهة لبنان حيث تقويض قدرات حزب الله العسكرية خاصة الصاروخيّة بما يسمح بعودة أكثر من 60 ألف إسرائيلي إلى مستوطنات الشمال.
ثانيا: شرعنة الضربات الإسرائيلية ضد إيران:
- رغم أن الهجوم بالصواريخ البالستية الإيرانية على إسرائيل في 1 أكتوبر، جاء ردا على اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران في 31 يوليو الماضي، وهو ما اعتبرته طهران انتهاك للسيادة الإيرانية، إلا أن إسرائيل لدعم من الولايات المتحدة الأمريكية خلقوا شرعية أمام النظام الدولي بأكمله حول حق إسرائيل في الرد على الهجوم الإيراني منذ أيام.
- بعد الهجوم الباليستي الإيراني بساعات خرجت التصريحات الإسرائيلية والأمريكية لتصف الهجوم بأنه “قد فشل”، ثم بدأت بعدها إسرائيل تسرب معلومات عن تأثيرات الهجوم الإيراني، وبدأت الصحف الغربية خاصة الأمريكية تعظم من تأثير الهجوم، وهو ما سمح لإسرائيل بأن توسع من بنك أهدافها المحتملة داخل إيران ليشمل أصول استراتيجية سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو عسكرية.
- بدلا من أن تعمل إدارة بايدن على خفض التصعيد الجاري ومنع الوصول لحافة الهاوية حيث الحرب الإقليمية الشاملة، وبدلا من الإقرار أن الهجوم الإيراني في 1 أكتوبر جاء ردا على انتهاك تل أبيب لسيادة طهران، سحبت مسار التصعيد لنقطة أن إسرائيل من حقها الرد، ثم جعلت النقاش حول الأهداف المتوقع ضربها داخل إيران كما لو كان محل خلاف بين نتنياهو وإدارة بايدن، رغم أن كل التحركات العسكرية الإسرائيلية بلا استثناء في الإقليم تتم بتنسيق وتعاون كامل مع البنتاغون والقيادة المركزية في الشرق الأوسط.
- استبعد بايدن أن تضرب إسرائيل المنشأت النووية الإيرانية، ثم تتحدث الصحف الأمريكية بعدها أن واشنطن لم تحصل على ضمانات من إسرائيل لعدم استهداف البرنامج النووي. ثم بعدها يطالب بايدن بشكل معلن نتنياهو بعدم استهداف حقول النفط الإيرانية وينضم إليه في طلبه الأوروبيين لما سيكون له من تأثيرات كارثية على سوق النفط العالمي.
- يخشى بايدن من أن يؤدي الهجوم على قطاع الطاقة والنفط في إيران إلى أزمة في سوق الطاقة العالمي، ورفع أسعار النفط بما ينعكس على الداخل الأمريكي ويؤثر على فرص كامالا هاريس في مواجهة ترامب ونحن على بعد أربعة أسابيع فقط من سباق الانتخابات الرئاسية.
- حالة الضعف الذي تعيشها إدارة بايدن في كبح جماح نتنياهو، عكستها بعض التسريبات في الصحافة الأمريكية أن بايدن يعتقد أن نتنياهو يسعى للتأثير في السباق الانتخابي الأمريكي لصالح ترامب، لكن رغم ذلك، فإن إدارة بايدن متماهية تماما مع استراتيجية نتنياهو العسكرية التصعيدية ضد إيران ومحورها في المنطقة والذي بلا أدنى شك سيشعل الشرق الأوسط.
ثالثا: الموقف الإيراني من الهجوم الإسرائيلي الحتمي:
- عمدت إيران بالتأكيد على لسان معظم مسئوليها بعد الهجوم الباليستي على إسرائيل أن الضربات استهدفت فقط أهداف عسكرية (قواعد عسكرية – منشأت عسكرية وأمنية)، وهو ما فهم منه أن طهران لا تريد التصعيد، بل كانت تحتاج فقط لاستعادة توازن الردع مع إسرائيل الذي اختل بشكل كبير بعد اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وبعد الضربات القوية التي تلقاها حزب الله حيث نجحت تل أبيب في اغتيال حسن نصر الله وكل الهيكل القيادي والعسكري للتنظيم.
- إيران حذرت بشكل واضح أن أي هجوم إسرائيلي سيتبعه هجوم إيراني أقوى قد يطال البنية التحتية المدنية داخل إسرائيل، وأعتقد أنها قادرة على ذلك في ضوء امتلاكها مخزون استراتيجي من الصورايخ البالستية الفرط صوتية (فاتح 1) الذي جرّبته لأول مرة في هجوم 1 أكتوبر وعجزت الدفاعات الجوية الإسرائيلية على إسقاطه، وقد تستخدم في هجومها القادم صاروخ باليستي من نوع (فاتح 2)، وهو النسخة المطورة من فاتح 1، والذي ستعجز الدفاعات الإسرائيلية وحتى بالمساعدة الأمريكية على إسقاطه.
- المؤكد أن إيران في ضرباتها الصاروخيّة على إسرائيل في 1 أكتوبر، كان لديها يقين أن إسرائيل سترد على هذه الضربة، وبالتالي قد تكون طهران وضعت بالفعل أهدافها القادمة للرد على الهجوم الإسرائيلي المرتقب.
- قد يكون إيران أدركت أن هذه المواجهة الصريحة والمباشرة مع إسرائيل والتي تتزامن مع إضعاف وتقويض إسرائيل لأذرعها في لبنان واليمن وغيرها، هو البداية لاستهداف النظام والدولة الإيرانية، وعليه قد تكون إيران مضطرة لخوض غمار هذا التصعيد إلى نهايته للحفاظ على توازن الردع وإفشال المخطط الاستراتيجي لإسرائيل وخلفها الولايات المتحدة الأمريكية الذي ينحصر في إنهاء البرنامج النووي الإيراني وإضعاف وإسقاط النظام.
رابعا: حدود الهجوم الإسرائيلي المتوقع:
- المؤكد أن إسرائيل ستعمل على أن تحدث ضرباتها وهجومها خسائر فادحة لإيران، وستعتمد بلا شك على الدعم الأمريكي لامتصاص الغضب الإيراني وصد الهجوم المضاد.
- يدرك نتنياهو أن توجيه ضربات مؤثرة لإيران، سيجبر واشنطن على الوقوف معه ومساندة ودعم استراتيجية لتقويض النظام الإيراني، لكن ما لا يريد نتنياهو أن يدركه أن مواجهة كهذه ستهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وقد تصبح القوات والقواعد الأمريكية أهدافا لطهران وأذرعها، وقد تطال حتى التأثيرات والأضرار دول الإقليم.
- يدرك نتنياهو أن هذه الفرصة الحالية لن تعوض، وعليه قد يستغلها بشكل كامل لاستهداف المنشأت النووية الإيرانية، لكن تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي يحتاج دعم أمريكي كامل وقد يكون لواشنطن تقديرات أخرى.
- لو اقتصرت الضربات الإسرائيلية داخل طهران على استهداف قواعد وأصول عسكرية استراتيجية (دون البرنامج النووي)، وتجنب استهداف البنى التحتية المدنية، قد يسهل ذلك من إمكانية إقناع واشنطن والغرب وحتى القوى الإقليمية لطهران بامتصاص هذه الضربة لتجنب نشوب حرب شاملة، وقد تقبل طهران ذلك في ضوء أن برنامجها النووي لم يتعرض للهجوم.
خامسا: حدود الرد الإيراني عقب الهجوم الإسرائيلي المتوقع:
- الرد الإيراني بشكل عام سيعتمد على شكل وحجم الضربات الإسرائيلية وبنك الأهداف الذي تم استهدافه، ونسبة الخسائر.
- إذا ركز الهجوم الإسرائيلي على أهداف استراتيجية كالمنشأت النووية وحقول النفط والموانىء والبنى التحتية لشبكة الاتصالات والطاقة في إيران، فإن طهران ستكون مضطرة للرد بنفس الوتيرة وقد تشرع فعليا في تنفيذ تهديداها بإطلاق عشرات أو مئات الصواريخ البالستية “الفرط صوتية” على أهداف مدنية داخل إسرائيل، كشبكات الطاقة والكهرباء والموانىء وحقول الغاز، وقد تشرع في استهداف مقرات وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وقلب مدينة تل أبيب، بجانب إعادة استهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية في الداخل
- قد تقوم طهران بإغلاق مضيق هرمز، ووقف حركة شحن النفط، بل ووقف الملاحة تماما في باب المندب وبحر العرب.
- قد تدفع طهران الحوثيين في اليمن والمقاومة الإسلامية في العراق وحتى حزب الله، بتصعيد الهجمات ضد المصالح الأمريكية كالقواعد العسكرية وغيرها. بجانب تصعيد الهجمات الصاروخيّة وبالمسيرات على أهداف دقيقة داخل إسرائيل على أن يكون متزامن مع أي رد إيراني.
- قد تحرض إيران مجموعات خاملة لها في دول الخليج لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المصالح الأمريكية وحتى الإسرائيلية في هذه الدول خاصة البحرين والإمارات، كالسفارات والقواعد العسكرية، رغم أن دول الخليج أعلنوا مجتمعين عن التزام الحياد في هذا الصراع وعدم استخدام أي قواعد أمريكية في أي هجوم على إيران.
مدير المرصد المصري