اقتصاد وطاقة

مبادرة ابدأ: جهود حكومية في مسارات غير تقليدية

يُعد قطاع الصناعة أحد القطاعات ذات الأولوية في البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكليّة، والذي اُطلق عام 2021 بهدف العمل على تنويع البنيان الإنتاجي للدولة وزيادة مرونته وقدرته على ملاحقة التطورات الـمعرفية والتكنولوجية في العالم، تعزيزًا للتنافسية الدولية للاقتصاد الـمصري، في سياقٍ متصل، تمثل أهداف استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” توجهاً متفقاً مع المعايير الدولية لتعزيز التنمية الصناعية ويؤكد الهدف الثالث من هذه الاستراتيجية على بناء اقتصاد قوي يعتمد على المعرفة ويكون قادراً على المنافسة ومتنوعاً كما وضعت الدولة رؤية أساسية تقضي بأن تكون التنمية الصناعية المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية، بهدف تلبية الطلب المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، ودعم نمو الصادرات، لتضع مصر كلاعب أساسي على خريطة الاقتصاد العالمي.

حلقة الوصل بين المصدرين والمصنعين

تم إطلاق المبادرة الرئاسية  “ابدأ” فى أبريل 2022 لتوطين الصناعة وخفض فاتورة الاستيراد وحل مشكلات المصانع المتعثرة، والاعتماد على المنتج المحلي، وتُسهم المبادرة الوطنية للصناعة “ابدأ” في تشجيع وتنفيذ أكبر عدد من المشروعات الصناعية ذات القيمة المضافة المرتفعة، بالإضافة إلى تمكين القطاع الخاص بالتكامل مع جهود الدولة لخلق كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة عالميًا، وتقوم الاستراتيجية على عدة أهداف رئيسية لتشكل القاعدة التي سيبنى عليها مستقبل مصر الصناعي وذلك بهدف تقليل الفاتورة الاستيرادية وتوفير فرص عمل للمواطنين وتعتزم المبادرة استثمار نحو 200 مليار جنيه في هذه القطاعات، وتقديم حوافز أخرى مثل زيادة منح الأراضي للمصنعين بنظام حق الانتفاع، بالإضافة إلى مجموعة من المزايا الأخرى وفي بداية عام 2023، تم اتخاذ قرار بإلغاء الاعتمادات المستندية والعودة إلى مستندات التحصيل لتمويل الواردات، مما أدى إلى تفاؤل كبير بين اللاعبين في القطاع الصناعي، حيث كانت البضائع تتراكم في الموانئ بسبب صعوبة الوصول إلى خطابات الاعتماد المستندية، مما أثر بشكل كبير على نقص السلع الصناعية والاستهلاكية ومن ناحية أخرى، كان لمبادرة تمويل القطاع الصناعي بقيمة 150 مليون جنيه بفائدة 11% تأثير إيجابي على المصنعين المصريين، حيث ساعدت في التغلب جزئيًا على تحدي تكاليف الاقتراض العالية التي تواجههم، وفيما يتعلق بتسهيل عمليات الترخيص، تم الإعلان خلال المؤتمر والمعرض الدولي الأول للصناعة عن فتح الرخصة الذهبية لجميع المصنعين والمستثمرين الراغبين في الاستثمار في مصر.

وتهدف المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية في المحور الأول، وهو محور المشروعات الكبرى، إلى تعزيز الشراكات مع كبار المصنعين سواء كانت المشروعات قائمة وترغب في تطوير أنشطتها أو مشروعات جديدة.وتتضمن هذه المبادرة زيادة الاستثمارات الصناعية بالتعاون مع خبراء في مختلف القطاعات، وتعزيز الصناعات المغذية وتوسيع قدراتها، وتطوير شامل للعناصر الأساسية للعمل الصناعي بما في ذلك المواد الخام والصناعات المغذية والمنتجات النهائية ومرافق الفحص والاختبار، وذلك من خلال التكامل مع سلاسل القيمة وبالتعاون مع القطاع الخاص.

وفيما يتعلق بمحور دعم الصناعة، نجحت «ابدأ» فى حل وإنهاء مشكلات 4500 مصنعاً، سواء بالنسبة للمصانع الواردة على موقع المبادرة أو تلك المتواجدة فى المناطق الصناعية على مستوى الجمهورية وقد تنوعت مشكلات المصانع والتي تم حلها بالكامل.

ومن أحد النجاحات التي حققتها المبادرة هو تجميع المصنعين المتنافسين داخل القطاع الواحد لتحقيق توطين الصناعات المغذية التي تتطلب حجم إنتاج كبير واستهلاك المنتج من قبل تحالف من المستثمرين المحليين. على سبيل المثال، يتم تصنيع واستهلاك وتصدير مكونات الأجهزة الكهربائية المنزلية بواسطة تحالف مكون من المصنعين المحليين والمستثمرين الأجانب. وتلتزم جميع المشروعات الكبرى ضمن هذه المبادرة بتحقيق معايير توطين أحدث التكنولوجيات في الصناعة وزيادة نسب المكون المحلي بشكل تدريجي، وذلك للحد من الاعتماد على الاستيراد وتعزيز التكامل بين الصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة. وهناك بعض المشروعات التي تهدف إلى تصدير إنتاجها بالكامل إلى الخارج، وذلك استنادًا إلى دراسات المواصفات الفنية والقياسية لأسواق التصدير.

وفيما يتعلق بالمحور الثالث، البحث والتطوير والتدريب ويهدف إلى توفير التدريب الفني والمهني والتثقيفي للعمالة المصرية وفقاً للمقاييس الدولية، إضافة لتوفير فرص العمل اللائقة بمعدلات عائد مناسبة تؤمن حياة كريمة للعامل حيث مستهدف توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل، كما تسعى نحو تغيير الصورة الذهنية والنظرة المجتمعية تجاه العمالة الفنية، فضلاً عن تحقيق الاستدامة بتطوير مؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني التابعة للدولة، واعتمادها طبقاً للمعايير الدولية،

ومن أهم ما حققته «ابدأ» خلال الـ 3 أشهر الماضية، فى مجال البحث والتطوير والتدريب، هو بدء المرحلة الأولى من مبادرة «ابدأ حياة»، بمحافظة سوهاج فى أكتوبر 2022، بالتعاون مع «حياة كريمة» ووزارة الإنتاج الحربي، والتي تضمنت برنامجاً تدريبياً مهنياً متكاملاً للشباب فى إطار تحقيق التمكين الاقتصادي للفئات المستهدفة.

أبرز النتائج

تمكنت المبادرة من تأسيس 64 شراكة استثمارية لإنشاء كيانات صناعية، وشاركت فيها 23 شركة أجنبية رائدة في مجال الصناعة. ومن المتوقع أن تسهم هذه المشروعات في تقليل واردات الدولة وزيادة في قيمة الصادرات بقيمة 16 مليار دولار. وقد نجحت شركة “ابدأ” في توطين 23 صناعة جديدة لأول مرة في مصر، كما تم تحقيق استثمارات جديدة بقيمة 200 مليار جنيه في قطاع الصناعة. وقد تمكنت المبادرة من جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتنسيق التعاون بين المستثمرين وكبرى الشركات العالمية لتوقيع اتفاقيات تصنيع مشترك، مما يضمن قدرة المنتج المصري على المنافسة عالميًا وعلى الرغم من التحديات العالمية وصعوبة توفير الدولار، نجحت “ابدأ” في تنفيذ وافتتاح 4 مشروعات بإجمالي توفير يتجاوز 500 مليون دولار. كما قدمت المبادرة الدعم والتسهيلات لعدد من المشروعات وتجاوزت العديد من العقبات، بما في ذلك توفير أراض صناعية بحق الانتفاع لمدة تصل إلى 50 سنة بمساحة إجمالية تبلغ 170 ألف متر مربع وتأسيس 12 وحدة صناعية في مناطق مختلفة في البلاد. وفي الفترة الأخيرة، تم افتتاح عدد من المشروعات التابعة لشركة “ابدأ”. منهم 35 مشروعًا جديدًا بنهاية عام 2023.توفر على الأقل 100 ألف فرصة عمل جديدة.

بالإضافة إلى إطلاق العديد من المصانع خلال الفترة الماضية، مثل مصنع محركات وسائل النقل الخفيف، الذي يُعتبر أكبر مجمع لوسائل النقل الخفيف في مصر والشرق الأوسط، بالتعاون مع 5 شركاء تكنولوجيين من الصين وإيطاليا. حيث نجحت «ابدأ» فى تحويل المستورد إلى مُصنِّع من خلال تصنيع منتجات صناعات مغذية للأجهزة المنزلية لأول مرة فى مصر. فتلك الجهود تهدف إلى تعزيز القطاع الصناعي وتعزيز التنمية الاقتصادية في مصر.

وختامًا، تخطو مصر قدمًا نحو خريطة استثمارية لتوطين الصناعات المحلية تقودها المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية “ابدأ”، وتهدف المبادرة إلى تمكين القطاع الخاص بالتكامل مع جهود الدولة لخلق كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة عالميًا كما تسهم المبادرة الوطنية في دعم وتنفيذ أكبر عدد من المشروعات الصناعية ذات القيمة المضافة المرتفعة وتحقيق رؤية مصر المستقبلية في قطاع الصناعة بالإضافة إلى تعميق الصناعات الحديثة، وتعزيز شعار “صنع في مصر”. وتقليل الفجوة الاستيرادية، فمصر قادرة ولديها فرصة حقيقية لتصبح واحدة من الدول الصناعية الواعدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم بما تمتلكه من مقومات.

Website |  + posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى