القضية الفلسطينية

قراءة في التقرير الأممي للمراجعة المستقلة بشأن “حيادية” الأونروا

أصدرت اللجنة المستقلة المعنية بمراجعة وفحص الادعاءات الموجه من قبل الاحتلال الإسرائيلي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) حول تورط 12 من موظفيها في “عملية طوفان الأقصى”، تقريرها النهائي بتاريخ 22 أبريل 2024، الذي خلص إلى تبرئة المنظمة من كافة الاتهامات الإسرائيلية، خاصة وأنها ليست قائمة على أية دلائل قوية. وأكدت على أن المنظمة لديها آليات واضحة ولديها التزام عالي بمبدأ الحيادية، وقامت اللجنة في تقريرها بتقديم مجموعة من التوصيات تحت 8 محاور هامة من أجل تعزيز حيادية الوكالة، منعًا لأي ادعاءات مستقبلية توجه إليها من قبل إسرائيل أو أي دولة أخرى. 

وتشير اللجنة أنها قامت بإصدار هذا التقرير بعد القيام بتحليل واسع النطاق للآليات والإجراءات المعمول بها حاليًا داخل الأونروا لضمان الحياد ومعالجة الانتهاكات المحتملة، وتؤكد على أن أعضاء مجموعة المراجعة قاموا بزيارات ميدانية إلى مقرات الأونروا ومرافقها في عمان والقدس والضفة الغربية، وتفاعلوا مع مختلف أصحاب المصلحة بما في ذلك مسؤولي “الأونروا” والدول الأعضاء المانحة والبلدان المضيفة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وعقدت اجتماعات ومقابلات مع أكثر من 200 شخص، بما في ذلك مع موظفي الأونروا في غزة، وتم إجراء اتصالات مباشرة مع 47 دولة ومنظمة، بما لا يدع مجالًا للشك في أي معلومة تم التوصل إليها في هذا التقرير. 

لماذا أصدرت اللجنة هذا التقرير؟ 

قبل التطرق إلى الإجابة على التساؤل، من المهم الإشارة إلى أن وكالة الأونروا تعد أحد الوكالات التابعة للأمم المتحدة المعنية بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 في غزة والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية، وتنبع أهميتها من خلال دورها المحوري في تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الاجتماعية الأساسية، وخاصة في مجال الصحة والتعليم، وذلك في ظل غياب حل سياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالتالي يمكن القول بأنه لا يمكن الاستغناء عنها للتنمية البشرية والاقتصادية للفلسطينيين، وينظر إليها الكثيرين باعتبارها شريان حياة إنساني للفلسطينيين.

بيد أنه منذ بداية الحرب على قطاع غزة، تتعرض “الأونروا” لحملة ادعاءات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي أدعى أن 12 من موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألفًا شاركوا في عملية “طوفان الأقصى” بالتعاون مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ووصفتها إسرائيل بأنها “منظمة إرهابية”، واتهمتها أيضًا بالانحياز والتخلي عن أحد المبادئ الأساسية للأمم المتحدة. وقد تبع ذلك قيام 16 دولة مانحة من الدول الأعضاء بتعليق التمويل أو إيقافه مؤقتًا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وألمانيا والمفوضية الأوروبية، وهم أكبر ثلاثة مانحين للأونروا، وقدر حجم التمويل المعلق حوالي 450 مليون دولار أمريكي، مما يعني حرمان مئات الآلاف من الفلسطينيين من المساعدات، في وقت يعيش فيه المدنيون في غزة واقعًا إنسانيًا مريرًا وسط أزمة مجاعة وتفشي الأمراض مع استمرار القصف الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة. 

ونتيجة لذلك؛ عينت الأمم المتحدة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة “كاترين كولونا” لقيادة مراجعة الحياد والفحص والتدقيق الخاص بالأونروا في فبراير 2024، بالتعاون مع ثلاث منظمات بحثية: معهد راؤول والنبرغ في السويد، ومركز حقوق الإنسان في معهد ميشيلسن في النرويج، والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان. وكان من المنتظر أن تقدم تقريرها التقييمي وتوصياتها بحلول منتصف أبريل. وبالفعل بدأت اللجنة المستقلة المعنية بمراجعة وفحص الادعاءات الموجه للوكالة المراجعة في 14 فبراير 2024، وفي 22 أبريل 2024 قدمت تقريرها النهائي ونشرته على الملأ.

رسائل واضحة وتوصيات محددة لمنع أي ادعاءات مستقبلية

تمحورت الرسالة الأولى والأساسية التي سعى تقرير اللجنة لتأكيدها “حيادية الأونروا“، حيث أشارت التقرير إلى أن مبدأ الحياد تم إدخاله على المنظمة في عام 2017 ليكون بمثابة أساس للمعايير والممارسات والإجراءات التي تقوم بها، ويهدف إلى ضمان اتباع نهج متسق ومتماسك على كافة مستويات الوكالة بما في ذلك؛ حياد موظفي الأونروا والذي يمنع استخدامهم على سبيل المثال لوسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حياد منشآت ومرافق الأونروا، وحياد مركباتها، وحياد الجهات المانحة والشركاء، ويؤكد المبدأ أيضًا على أن التزامات موظفي الوكالة منصوص عليها بوضوح في لوائح الموظفين الدوليين ولوائح الموظفين المحليين بتاريخ 1 يناير 2018. 

فيما ارتكزت الرسالة الثانية “ضعف الادعاءات الإسرائيلية“؛ على أن الحكومة الإسرائيلية لم تبلغ الأونروا بأي مخاوف تتعلق بأي من موظفي الأونروا بناءً على قوائم الموظفين هذه منذ عام 2011، وبالتزامن مع الحرب الجارية فقط، أبلغت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تلقت حتى مارس 2024 قوائم موظفين بدون أرقام هوية، وبناء على ذلك قدمت إسرائيل ادعاءات علنية بأن عددًا كبيرًا من موظفي الأونروا هم أعضاء في منظمات إرهابية، مستندة فقط على دليل “موظفين بدون أرقام هوية” وقد أكد التقرير ردًا على ذلك بأنه دليل غير كافي ولم تقم إسرائيل بتقديم أية دلائل وأسانيد أخرى، مما يعكس ضعف هذه الادعاءات. 

ومنعًا لوجود أي ادعاءات مستقبلية مشابهة، قام تقرير المراجعة بوضع مجموعة من التدابير، لمساعدة الأونروا على مواجهة تحديات حيادها في ثمانية مجالات حاسمة، تتطلب تحسينًا فوريًا وهم؛ التعاون مع الجهات المانحة، الحوكمة، تطوير هياكل الإدارة والرقابة الداخلية، حياد الموظفين وسلوكهم، حياد المنشآت، حياد التعليم، حياد نقابات الموظفين، تعزيز الشراكة مع وكالات الأمم المتحدة. وأكدت على أن هذه التدابير لن يكون لها تأثير كبير إلا بدعم من البلدان المضيفة، إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفيما يلي سيتم تسليط الضوء على أبرز ما جاء في تلك التدابير: 

  1.  التعاون مع الجهات المانحة:

تقترح اللجنة المستقلة على الأونروا أن تقوم بإشراك المانحين في وقت مبكر فيما يتعلق بمخاوف الحياد وتوفير قدر أكبر من الشفافية المالية لاستعادة الثقة في المنظمة، وذلك عن طريق زيادة وتيرة وتعزيز شفافية اتصالات الأونروا مع الجهات المانحة بشأن وضعها المالي وبشأن مزاعم الحياد والانتهاكات، والتخطيط لتحديثات منتظمة تجريها الأونروا بشأن ميزانيتها وهيكل هذه الميزانية، بما في ذلك التفاعلات المباشرة للمفوض العام مع الحكومات، وإنشاء “جلسات إحاطة للنزاهة” للجهات المانحة المهتمة بدعم الأونروا بشأن النزاهة والقضايا ذات الصلة، مع عقد اجتماعات أو جلسات إحاطة في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك أو جنيف، وذلك بما يضمن أو يمنع أي تشكيك مستقبلي في استخدامها لأموال المانحين لدعم جهات معينة.

  1. الحوكمة:

تطالب اللجنة المستقلة، اللجنة الاستشارية التابعة للأونروا بالاستمرار في تقديم المشورة والمساعدة بشكل فعال لفروع الوكالة من خلال عقد اجتماع للجنة الاستشارية في الأمم المتحدة بنيويورك، وذلك على مستوى الممثل الدائم مرة واحدة في السنة. مع وضع “مبدأ الحياد” كبند دائم على جدول الأعمال في اجتماعه الذي يعقد مرتين سنويًا. وإنشاء مجموعة عمل تابعة للجنة الاستشارية معنية “بقضايا الحياد والنزاهة”، ودعوة الدول المضيفة خاصة “إسرائيل” للتعبير عن مخاوفهم. وللرد على أي ادعاءات من شأنها التشكيك في استغلال الوكالة لمبدأ الحيادية.

  1. تعزيز آليات الإدارة والرقابة:

بناءً على التقييم الذي قامت به اللجنة، فقد تم التوصل إلى أن الأونروا تبذل جهود ضخمة فيما يتعلق بإصلاح الإدارة والرقابة الداخلية لها، ولتطوير هذه الجهود، تقترح اللجنة إعادة هيكلة الإدارات التابعة للأونروا، وزيادة الجهود المبذولة في نظام إدارة المخاطر المؤسسية الناشئ، وتطوير أساليب إدارة الموظفين الدوليين والمحليين، وتحسين أطر مراقبة المشاريع لضمان إدارة الأونروا لالتزاماتها الحيادية بشكل أفضل.

  1. حياد الموظفين وسلوكياتهم:

أكد التقرير على أن الأونروا تشارك قائمة موظفيها بأسمائهم ووظائفهم، بصورة سنوية مع الحكومات المضيفة في لبنان والأردن وسوريا، ومع إسرائيل والولايات المتحدة في القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية، وأن الوكالة لديها أكثر من 32,000 موظف، 0.8% منهم دوليين و99.2% محليين. وذكر التقرير أن الحكومة الإسرائيلية لم تبلغ الأونروا بأي مخاوف تتعلق بأي من موظفيها بناء على تلك القوائم منذ عام 2011، مما يثير تساؤل حول توقيت الادعاءات التي قدمتها إسرائيل، خاصة وأن ذلك يتزامن مع الحرب على قطاع غزة، ومع عرقلة إسرائيل المستمرة لوصول المساعدات للقطاع. 

  1. حياد المرافق:

في إطار الاتهامات حول إساءة استخدام مرافق الأونروا في بعض الأحيان لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، يشير التقرير إلى ضرورة وضع تدابير تحسين الرصد والإبلاغ الشفاف لأي من هذه الادعاءات، وتوسيع نطاق زيارات تلك المرافق، وتعزيز التواصل والتعاون مع البلدان المضيفة خاصة إسرائيل بشأن إساءة استخدام مرافق الأونروا، بما في ذلك خيار قدرة الأونروا على طلب زيارات مشتركة مع إسرائيل، من أجل إنشاء تقارير شفافة للمانحين. وعلى الرغم من أن التقرير قد أشار إلى احتمالية أن يتم استخدام مرافق الوكالة لأغراض عسكرية، إلا أنها لم تذكر أي أحداث سابقة تؤكد ذلك، بما يعني أنها ذكرت ذلك فقط بهدف التأكيد على حيادية تلك المرافق وعلى استعداد الوكالة لعقد زيارات مشتركة مع إسرائيل من أجل تبديد أي ادعاءات مطروحة حول ذلك. 

  1. حياد التعليم: 

أكد تقرير مجموعة المراجعة أهمية النظام التعليمي للأونروا لمئات آلاف الأطفال الفلسطينيين، وقال إن الأونروا أحرزت تقدمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة للتعامل مع المخاطر المرتبطة بالترويج لخطاب الكراهية والعنف في الكتب المدرسية والفصول، وأشار إلى تقارير أفادت عبر أعوام كثيرة باحتمال استخدام المدارس لنشر وجهات نظر سياسية بما فيها محتوى معاد للسامية، وينتهك مبادئ الحياد، وعدم احترام مبادئ اليونسكو وقيم الأمم المتحدة، وقال إن الأونروا طبقت تدابير لمواجهة تلك القضية، بما في ذلك تأسيس نهج للتفكير النقدي ورقمنه منهجها. 

وقد أوصى التقرير بمجموعة من التوصيات المتعلقة بحياد التعليم؛ وهي مراجعة محتوى جميع الكتب المدرسية والملاحق مع الدول المضيفة، التأكد من حظر أي خطاب كراهية أو تحريض على العنف و/أو إشارات معادية للسامية من الكتب المدرسية في البلد المضيف والملحقات المنتجة محليًا في مدارس الأونروا. وإجراء عمليات تفتيش عشوائية للتدريس في الفصول الدراسية، ومواصلة رقمنه المحتوى التعليمي ومواصلة استخدام منصات التدريس الرقمية لزيادة الشفافية، وإنشاء تدريب لمديري ومدرسي الأونروا حول الحياد والمبادئ الإنسانية الأخرى، وحول حقوق الإنسان.

  1. حياد اتحادات الموظفين: 

منعًا لتأثير التوجهات السياسية المختلفة على اتحاد موظفي الأونروا، يوصي التقرير بعمل إصلاح للنظام الأساسي الخاص باتحاد موظفي المناطق في الأونروا لمواءمته مع النظام الأساسي والأنظمة الأساسية لاتحاد موظفي الأمم المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بانتخاب ممثلي اتحاد الموظفين، وضمان تمثيل نقابات الموظفين في القوى العاملة، وإجراء فحص حيادي مخصص لكل ممثل لاتحاد الموظفين، والاستعانة بمصادر خارجية في جميع المسائل المتعلقة بتحديد الأجور والاستحقاقات المرتبطة بها إلى كيان مستقل مماثل للجنة الخدمة المدنية الدولية.

  1. تعزيز الشراكة مع وكالات الأمم المتحدة:

مع الأخذ في الاعتبار الأزمة المستمرة في غزة ومع الاحترام الكامل لولاية الأونروا، حدد التقرير عددًا من التدابير المؤقتة التي يمكن أن تُتخذ لمساعدة الأونروا في ضمان توصيل المساعدات المنقذة للحياة للفلسطينيين منها تعزيز مشاركة الأونروا في نظام التنسيق الإنساني، وإحداث تغيير في طريقة التفكير داخل الوكالة بشأن العلاقة ببقية أعضاء مجتمع العمل الإنساني. 

وكما جاء في ملخص التقرير فإن التدابير التي تقع تحت كل مجال، مُصممة لمساعدة الأونروا على التعامل مع تحديات الحياد النابعة من البيئة التشغيلية والسياسية والأمنية التي تعمل فيها. وبالنظر إلى السياق السياسي المتفرد، قال التقرير إن تلك التدابير لن يكون لها تأثير كبير إلا إذا طُبقت بدعم من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأعربت “كاترين كولونا” رئيسة مجموعة المراجعة المستقلة عن ثقتها بأن تطبيق تلك التوصيات سيساعد الأونروا على الوفاء بولايتها.

ردود أفعال مرحبة.. هل يعود تمويل الأونروا؟

بعد إصدار تقرير اللجنة المستقلة، أبدت العديد من الدول والجهات ترحيبها الواسع بتوصيات اللجنة، كان على رأسها ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريـش” بنتائج التقرير، وأعلن رسميًا قبوله التوصيات التي رفعتها اللجنة إليه، وأكد على أنه وبدعم منه سيتم وضع خطة عمل لتنفيذ التوصيات الواردة بالتعاون مع المفوض العام للأونروا “فيليب لازاريني”. فيما رحب الأخير أيضًا بما توصل إليه التقرير من توصيات، وأكد التزام الوكالة الراسخ بتطبيق قيم الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية، وأوضح أن التوصيات الواردة في هذا التقرير ستزيد من تعزيز جهود واستجابة الوكالة خلال إحدى أصعب اللحظات في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأضاف أن صون “حياد” الوكالة أمر أساسي لمواصلة إنقاذ الأرواح والمساهمة في التنمية البشرية للاجئي فلسطين في قطاع غزة في الوقت الذي يواجه فيه أزمة إنسانية غير مسبوقة، وفي الضفة الغربية – بما فيها القدس الشرقية – وسوريا، لبنان والأردن.

وفيما يتعلق باستئناف التمويل بعد تبرئة الوكالة، فقد اعتزمت ألمانيا استئناف التعاون مع الوكالة، وحثت على تنفيذ سريع لتوصيات تقرير المراجعة بما يشمل تعزيز الرقابة الداخلية، وكذلك تعزيز الإشراف الخارجي على إدارة المشروعات، فيما أعلنت الحكومة الهولندية أنها ستدرس احتمالية عودة تمويلها للأونروا قريبًا، دون تحديد موعد محدد. وأكدت فرنسا، أنها ستصرف 33 مليون يورو للوكالة في حال نفّذت كل الإجراءات التي طلبها تقرير جراء تدقيق مستقل بشأنها، دون أن تحدد هي الأخرى موعدًا نهائيًا لاستئناف التمويل. وتبعتهم كندا وأستراليا والسويد والنرويج وإسبانيا واليابان.

لكن على صعيد الممولين الأساسين، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فبشكل مقتضب للغاية عبرت الإدارة الأمريكية عن دعمها الكامل لتوصيات التقرير، لكنها في الوقت نفسه أشارت إلى أن هناك قيود قانونية تواجه الحكومة الأمريكية، حيث وفقًا  لقانون يتصل بالميزانية، تم التصويت عليه في شهر مارس، ينص على وقف التمويل الأمريكي للأونروا بمفعول فوري ولمدة عام، وأن الإدارة في ذلك الصدد تحتاج إلى رؤية تقدم فعلي قبل أن تتخذ قرار استئناف تمويلها، مما يعني مزيد من المماطلات الأمريكية. ولم تقدم الحكومة البريطانية أي تصريحات حول التقرير الأخير أو حول النية في استئناف تمويلها الوكالة. 

ومن  ناحية أخرى، يجدر الإشارة إلى أن إسرائيل متخوفة بشدة من عودة تمويل الدولتان السابقتان للوكالة، أبرز الداعمين لتل أبيب على الساحة الدولية. وفي وقت سابق، عبرت إسرائيل عن إحباطها وخيبة أملها من تقرير اللجنة المستقلة، في أعقاب فشل الحملة الدولية التي شنتها لإنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. 

أخيرا، يجدر الإشارة إلى أن التقرير قد أكد بالأدلة الكافية والواضحة حياد موظفي الأونروا، وعدم تورطهم في أي من الاتهامات التي وجهاتها إليهم حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأتضح للعالم النية وراء هذه الاتهامات الواهية، وهي التضييق على الشعب الفلسطيني وازلقاه في أزمة إنسانية أكبر، وليس تصفية الوكالة من “الإرهابين” كما زعمت دولة الاحتلال. وفي إطار الأدلة والتوصيات السابقة التي ذكرها تقرير اللجنة المستقلة، يجب أن تعاود الدول التي أوقفت تمويلها للوكالة دعمها لها بشكل عاجل، خاصة في ظل تصاعد واستمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وصعوبة وصول المساعدات لكافة المحتاجين في القطاع، وإثبات أن هذه الدول قد تراجعت عن تصديق الحجج الضعيفة التي قدمتها إسرائيل. 

ومن الناحية القانونية، وفي ظل الاتهامات الباطلة التي قدمتها حكومة الاحتلال ضد أعضاء وعاملي وكالة الأونروا، فيحق حاليًا أن تقوم الوكالة والهيئات الأممية الأخرى التي تعرضت لاتهامات وقصف لمقراتها وقتل لأعضائها أن تقوم بتقديم كافة أدلتها للمحكمة الجنائية الدولية التي تثبت جرائم الاحتلال التي ارتكبها عمدًا، ومطالبة اللجنة المستقلة المشكلة أيضًا بإجراء تحقيقات مكثفة في هذا الشأن، خاصة وأنها قامت بتحقيق موسع وشامل حول أعضاء الوكالة وعملهم، وبالتالي من المتوقع أيضًا أن تكون لديها هي الأخرى أدلة كافة تؤكد استهداف الاحتلال لأعضائها، وحتى الآن ووفقًا للأرقام الرسمية، تم قتل أكثر من 180 موظف من الأونروا، وإصابة العشرات، فضلًا عن الاختفاء تحت الركام. 

مريم صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى