دول الخليج العربيإيران

تطور كاشف: أهداف زيارة وزير الخارجية السعودي إلى إيران

مرة أخرى تؤكد السعودية وإيران على أن اتفاق العاشر من مارس الماضي لم يكن حدثًا عابرًا، بل جسرًا لتحويل مسار العلاقات الثنائية بينهما بعد أكثر من 7 أعوام من توترها. فبعد اللقاء الأول بين الجانبين في العاصمة الصينية بكين أوائل أبريل الماضي، والثاني الذي جاء مطلع يونيو 2023 على هامش الاجتماع الوزاري لأصدقاء مجموعة “بريكس” بمدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا؛ أجرى وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، ظهر يوم السبت 17 يونيو الجاري، زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران التقى خلالها بنظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.

وجاءت الزيارة السعودية إلى إيران بعد أكثر من 10 أعوام على آخر زيارة قام بها وزير خارجية السعودية إلى طهران، وهو ما يمثل تطورًا مهمًا في سبيل استعادة العلاقات بين الدولتين بعد اتفاق 10 مارس في بكين.  وفي ضوء ذلك، نتطرق فيما يلي لأبرز أهداف هذه الزيارة.

أهداف زيارة وزير الخارجية السعودي إلى إيران

تتنوع أهداف زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنه مع ذلك، فإن هذه الأهداف تندرج بوجه عام تحت إطار مسار وأهداف اتفاق العاشر من مارس الذي تم التوصل إليه في الصين. وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي:

  1. استكمال إجراءات افتتاح السفارة: 

يبدو أن مشكلاتٍ فنية وتقنية تعيق حتى الآن إعادة افتتاح السفارة السعودية في طهران بعد 7 سنوات من إغلاقها منذ يناير 2016. فقد مارست السفارة الإيرانية في الرياض خلال الأيام الماضية عملها ونشاطها بشكل رسمي مرة أخرى، إلا أن نظيرتها السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد لم تستأنفا عملهما حتى الآن؛ وهو ما يعود إلى مشكلات فنية قد لحقت بهما منذ الهجوم عليهما في يناير 2016، ولم تنتهِ حتى الآن. فقد اقتحم المئات مبنى السفارة آنذاك وأحرقوه وهشّموا ما به، وهو ما لحق أيضًا بالقنصلية السعودية في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد، حينما حطّم المقتحمون أثاث القنصلية وزجاج النوافذ وأحرقوها.

وعليه، فإن إعادة تأهيل المبنيين للعمل مرة أخرى قد يستغرق وقتًا حسبما أوضح مسؤولون إيرانيون من بينهم “محمد بهشتي” ممثل وزارة الخارجية الإيرانية في محافظة “خراسان رضوي” التي تقع بها القنصلية السعودية بمدينة مشهد، حينما صرّح في منتصف أبريل الماضي قائلًا إن “الوفد السعودي الذي يزور مدينة مشهد (في ذلك الوقت) ينوي اختيار فندق لاستقرار القنصلية السعودية فيه بشكل مؤقت؛ نظرًا إلى أن تأهيل مبنى القنصلية يستغرق الكثير من الوقت”.

ولقد قاد هذا العطل الفني إلى تكرار زيارات مسؤولين فنيين من السعودية لمعاينة الموقعين والبحث في إعادة تأهيلهما مرة أخرى. وقد أشارت وكالة الأنباء السعودية (واس) أكثر من مرة إلى إرسال الرياض وفودًا فنية لبحث هذا الأمر، كان من بين ذلك وصول الفريق الفني السعودي إلى إيران ومشهد في 8 أبريل 2023، وعودته مرة أخرى برفقة وزير الخارجية في زيارة يوم 17 يونيو الجاري. 

وقالت الوكالة في اليوم نفسه “التقى الفريق الفني السعودي برئاسة ناصر بن عوض آل غنوم برئيس المراسم في وزارة الخارجية الإيرانية السفير هوناردوست، وذلك في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة طهران”، وأعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية هو الآخر، علي بهادري جهرمي، في اليوم الذي سبق الزيارة (16 يونيو 2023) عن أن الأمير فيصل سيزور إيران وسيتخذ إجراءات لإعادة فتح السفارة السعودية في طهران.

  1. إيصال دعوة رسمية من الملك سلمان للرئيس الإيراني لزيارة الرياض:

يمكن القول إن أبرز هدف من زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران يكمن في نقله دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لزيارة السعودية؛ لتتوج بذلك العلاقات بين الرياض وطهران من خلال مثل هذا اللقاء وبعد اجتماعات مسؤولي البلدين خلال الأشهر الثلاث الماضية.

فزيارة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الرياض يمكنها دفع العلاقات قدمًا إلى الأمام، وأن تسهم في حلحلة بعض القضايا العالقة، ويمكنها كذلك أن تضمن عودة العلاقات وفتح المجال واسعًا لتعزيز التعاون على مختلف الأصعدة في المستقبل القريب. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني في طهران إنه سينقل “دعوة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة”. 

وقد جرى الحديث خلال الأسابيع الماضية بشأن الترتيب لهذه الزيارة وقبول الرئيس الإيراني لها. حيث أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني والسفير الإيراني في الرياض، علي رضا عنايتي، في 17 أبريل الماضي عن “قبول الرئيس إبراهيم رئيسي دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة الرياض”، فيما تعني رسالة بن فرحان تأكيدًا لهذه الدعوة وقربها في الوقت نفسه.

  1. استكمال بحث البنود الاقتصادية والأمنية في اتفاق العاشر من مارس:

لا تقتصر أهداف زيارة وزير الخارجية السعودي إلى إيران على الأمور السياسية فقط، بل يسعى الطرفان عبر هذا اللقاء إلى تعزيز أوجه التعاون الأخرى المتمثلة في الجوانب الاقتصادية التجارية والأمنية وزيادة عدد الرحلات الجوية بين البلدين. فقد أكد وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان خلال لقائه مع نظيره السعودي على أن “طهران والرياض ناقشا مختلف أبعاد العلاقات الإيرانية السعودية” وأنه بحث مع الأمير فيصل أمور التعاون بين الطرفين و”تشكيل لجان مشتركة، اقتصادية وسياسية وحدودية، بالإضافة إلى التعاون المستدام في مجال التجارة”، مشيرًا إلى أن “المحادثات مع وزير الخارجية السعودي تناولت التعاون في مجالات عدة، خاصة العلاقات الاقتصادية”.

وفي الواقع، فإن تعزيز مختلف أوجه التعاون بين الجانبين لم يكن وليد الزيارة الحالية؛ إذ إن الطرفين، ومنذ اللقاء الأول في بكين في مارس الماضي، أكدا تطلعهما إلى تعزيز أوجه التعاون الشامل بينهما وألا يقتصر الأمر على عودة السفارات والعلاقات الدبلوماسية، وهو ما يسير في إطار شامل لتقوية العلاقات بين الدولتين بشكل كبير مقارنة بالأعوام الماضية. وفي السياق نفسه، لا يزال السعوديون والإيرانيون يواصلون المساعي لتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما في 17 أبريل 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة التي تم التوصل إليها في 27 مايو 1998.

  1. تعزيز الحوار بشأن الأمن الإقليمي:

إن مخرجات لقاء العاشر من مارس الماضي بين المسؤولين السعوديين والإيرانيين في بكين، وما تلاه، قد أكدت على أن الرياض وطهران ترميان من بين أهداف استعادة العلاقات إلى ضمان نزع فتيل التوترات الإقليمية سواء في المنطقة ككل أو في مياه الخليج العربي. 

لذا، فإن وزير الخارجية السعودي قد أكد خلال الزيارة على “أهمية التعاون الأمني بين البلدين لضمان خلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل”. وأوضح “ابن فرحان” أن “العلاقات بين الجانبين تقوم على ضرورة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، مضيفًا: “نأمل في أن تنعكس عودة العلاقات السعودية مع طهران على المنطقة والعالم”. وناقش الجانبان أيضًا “قضايا إقليمية ودولية” على حد تعبير “عبد اللهيان”. ويُعد هذا الحوار الأمني استكمالًا لاتفاق بكين المُشار إليه.

الاستنتاج

لا تدع زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى إيران أي مجال للشك بشأن رغبة الرياض وطهران في استعادة علاقاتهما الدبلوماسية، وتوسيع مختلف دوائر التعاون الثنائية لتشمل الجوانب الاقتصادية والأمنية والتجارية. وتمهد هذه الزيارة في الوقت نفسه من جانب آخر الطريق أمام إحداث تحول تاريخي حقيقي في العلاقات بين الدولتين من خلال الترتيب لزيارة مرتقبة قد يقوم بها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى المملكة العربية السعودية قريبًا.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى