
الأزمة بين غانا وبوركينا فاسو.. الأسباب والنتائج
تطور خطير يحدث في منطقة غرب أفريقيا التي تعاني بالفعل من عدم الاستقرار، بسبب التهديد الإرهابي المنتشر من غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وحوض نهر الكاميرون على يد تنظيمي القاعدة وداعش- تنظيم غرب أفريقيا. حيث قامت وزارة الخارجية البوركينية باستدعاء السفير الغاني للحصول على “توضيحات” بعد تصريحات الرئيس الغاني “نانا أكوفو أدو” خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكي أثناء مشاركته في القمة الأمريكية الأفريقية، حيث قال “المرتزقة الروس على حدودنا الشمالية. دخلت بوركينا فاسو الآن في ترتيب لتتماشى مع مالي في توظيف قوات فاجنر هناك”، مضيفًا أن ذلك كان تطورًا محزنًا بالنسبة لغانا. وهذا الاتهام الذي أخذ شكلًا علنيًا صريحًا، لم يحمل أي قدر من التأويل وأصاب العلاقات بين الجارتين وتسبب أيضا في حالة توتر بينهما، مما اعتبرته واجادوجو اتهامًا خطيرًا ليس له ما يبرره.
تحول العلاقات من الدفء إلى الصراع
مع وصول توماس سانكارا إلى السلطة في بوركينا فاسو عام 1983، أصبحت العلاقات بين غانا وبوركينا دافئة ووثيقة؛ إلى درجة أن كلا من جيري رولينغز رئيس غانا وسانكارا أطلقوا مناقشات حول توحيد غانا وبوركينا في طريقة اتحاد غانا-غينيا-مالي المنحل، والذي سعى نكروما دون جدوى للترويج له كأساس لحلمه بحكومة قارية موحدة. ثم تعززت العلاقات السياسية والاقتصادية بين غانا وبوركينا وهي الأفقر؛ من خلال لجان التعاون المشتركة ومن خلال اجتماعات لجنة ترسيم الحدود. وكانت المشاورات المتكررة رفيعة المستوى والتدريبات العسكرية المشتركة تهدف إلى تثبيط المنشقين المحتملين في كل دولة.
لكن العلاقات الدافئة بين غانا وبوركينا تلقت نكسة خطيرة ولكن مؤقتة مع اغتيال سانكارا في أكتوبر 1987. ويُعتقد على نطاق واسع أن خليفته بليز كامباوري، كان مسؤولًا عن الاغتيال. ثم التقى رولينغز وكامباوري لفترة وجيزة لأول مرة في أوائل عام 1988 في تامالي، عاصمة المنطقة الشمالية لغانا، لمناقشة العلاقات بين غانا وبوركينا. ثم أدى اندلاع الحرب الأهلية في ليبيريا عام 1989 إلى إشعال الصراع لكون الدولتين على طرفي نقيض من الصراع.
واستطاعت غانا إعادة 10.000 مواطن يعيشون في ليبيريا بتكلفة مالية وبشرية كبيرة، وبداية من منتصف عام 1990، ساهمت بوحدة في قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات في المرتبة الثانية من حيث الحجم بعد واحدة أرسلتها نيجيريا. ومن عام 1990 إلى عام 1993، كان دور كامباوري في الصراع الليبيري معارضًا لمبادرة السلام التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي قادتها غانا ونيجيريا، حيث قامت بوركينا بمد قوات تشارلز تيلور بالأسلحة، التي طالما اعتُبرت العقبة الرئيسة أمام السلام. ثم عادت العلاقات على مضض إلى أن حدث الانقلاب الأخير في بوركينا فاسو الذي لم ينس قادته موقف دول غرب أفريقيا منه.
الصراع في الإقليم
بحدود مصطنعة تبلغ 602 كم؛ قسمت العديد من القبائل فيما بينها كما قسمهم الاحتلال الفرنسي، لأعلى نهر النيجر أو ما يعرف ببوركينا فاسو، والساحل الذهبي ما سمي بغانا؛ لكن حتى اليوم لم تتمكن القوات على الجانبين من الحد من الحركة. وبالتالي في حال انتشر الإرهاب في بوركينا فاسو سيكون من السهل انتقاله لغانا. إذ شهدت بوركينا فاسو ارتفاعًا في مستويات العمليات الإرهابية خلال نفس الفترة. حيث تم الإبلاغ عن 321 هجومًا في بوركينا فاسو بين يناير ويوليو 2019، مقارنة بـ 194 هجومًا في عام 2018 بأكمله، لترتفع بعد انسحاب فرنسا لتصل إلى 732 عام 2021. وما يزيد من توجه الجماعات الإرهابية جنوبًا هو كون غانا منفذًا بحريا على المحيط.
ما آثار الاستغراب هو قيام مبادرة أكرا بعد خمس سنوات من تشكيلها؛ بالموافقة على تشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات للمساعدة في وقف انتشار التطرف العنيف من منطقة الساحل باتجاه الدول الساحلية في غرب أفريقيا، وذلك قبل يومين من إعلان الرئيس الغاني اتهامه لبوركينا فاسو. وجدير بالذكر أن مبادرة أكرا تأسست بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغانا وتوغو عام 2017؛ للرد على التهديد الإقليمي المتطرف المتزايد، وبعد ذلك بعامين انضمت مالي والنيجر كمراقبين. وتركز تلك المبادرة على ثلاثة مجالات: التدريب، والعمليات العسكرية عبر الحدود، وتبادل المعلومات والاستخبارات.
فاجنر واشتعال الأزمة
في القمة الأمريكية الأفريقية الأخيرة، أتهم رئيس غانا “أكوفو أدو” بوركينا فاسو بتوظيف قوات فاجنر لمساعدتها على القضاء على الإرهاب؛ ومن ثم عرضت أحد المناجم كدفعة مالية لسداد تكاليف وجودها. ولم يكن هذا هو الاتهام الأول لوجود قوات فاجنر في الإقليم؛ حيث تعمل مجموعة فاجنر بالفعل في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، وفقا لاتهامات نشطاء بارتكاب فاجنر لانتهاكات حقوق الإنسان. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، سيطرت الشركات الروسية المرتبطة بقوات فاجنر على منجم ذهب بالإضافة إلى الوصول إلى الماس، وفقًا لتقارير استخباراتية.
وكرد فعل، صرحت وزارة خارجية بوركينا فاسو في بيان صدر عقب الاجتماع مع السفير، إنها “أعربت عن رفضها” للتصريحات التي أدلى بها الرئيس الغاني. وأضافت أن “غانا كان من الممكن أن تجري تبادلات مع سلطات بوركينا فاسو بشأن القضية الأمنية من أجل الحصول على المعلومات الصحيحة حول قوات فاجنر. لكن خارجية بوركينا لم تؤكد أو تنفٍ هذه المزاعم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في رسالة منفصلة لرويترز دون الخوض في التفاصيل: “على أي حال، لم تستدع بوركينا فاجنر”.
في توقيت سابق من هذا الشهر؛ ُمنِح امتياز تعدين جديد لشركة نورد جولد Nordgold، وهي شركة تعدين روسية تعمل في بوركينا فاسو منذ أكثر من عقد. مما تم اعتباره بمثابة ثمن لتغطية تكلفة عمل قوات فاجنر، وسيمكن روسيا من تأسيس موطئ قدم قوي في أفريقيا. هذا بالإضافة إلى الرحلة الأخيرة التي قام بها رئيس وزراء بوركينا فاسو يواكيم كيليم دي تامبيلا إلى موسكو؛ وأثارت ريبة أكوفو أدو فيما يخص ترتيب الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لتوظيف قوات فاجنر.
وقال الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو إن الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو، استأجرت مرتزقة روس للمساعدة في محاربة تمرد في بلادهم وتستخدم منجمًا لدفع رواتبهم. وعلى الرغم من أن بوركينا فاسو استدعت سفيرها من غانا؛ لم تعلق علنًا على ما إذا قوات فاجنر تعمل في أراضيها أم لا، وتم توظيفها مثلما حدث في دولة مالي المجاورة للمساعدة في محاربة المتشددين الإسلاميين؛ أم لا.
نتائج الأزمة
كل ما سبق يجعل المخاوف المتنامية لدى زعماء منطقة غرب أفريقيا لها ما يبررها فيما يخص تنامي نفوذ روسيا. فلم تكن غانا وحدها التي أعربت عن قلقها بل تبعتها النيجر التي أعربت عن قلقها بشأن وجود مرتزقة فاجنر في مالي المجاورة لها، وقلقها من الإشاعات التي انتشرت على قنوات التواصل الاجتماعي الموالية لروسيا، بأن موسكو تضع أنظارها على اليورانيوم في البلاد.
هذه الأزمة التي اشتعلت بين الجارتين؛ مما لا شك فيه سيترتب عليها العديد من النتائج التي ستؤثر ليس على الإقليم وحدة بل قد تنتقل لدول أخرى. أهم هذه النتائج هي:
- تأثر حركة التجارة بين كل من غانا وبوركينا فاسو التي وصلت إلى 170 مليون دولار أمريكي؛ مما سيزيد الحصار والضغوط على حكومة بوركينا وعلى الشعب أيضًا، مما قد يخلق بؤرة جديدة من الصراعات الحدودية بين الجماعات العابرة للحدود.
- قد تصيب هذه الأزمة مبادرة أكرا الراغبة في مقاومة الارهاب في غرب أفريقيا، سواء على الجانب الاقتصادي أو العسكري. مما سيضعف من قدرة دول الإقليم على مواجهة الجماعات الإرهابية.
- في المقابل سينشط انتشار وانتقال حركات الجريمة المنظمة والعصابات المسلحة؛ حيث يجيد كل منهما التعامل مع الآخر والاستفادة من وجوده.