
مصر ومبادرة إيقاف الحرب في أوكرانيا
أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة وقف الحرب في أوكرانيا في أعقاب إلقاء الكلمة الرسمية الافتتاحية كرئيس مصر بصفتها الدولة المضيفة لمؤتمر المناخ (كوب) في دورته السابعة والعشرين بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء، حيث بدت المدينة متألقة ومنسجمة مع دعوات تحسين المناخ، ومتوائمة مع دعوة الرئيس للسلام بإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية. ولاقى النداء تفاعلًا كبيرًا وفوريًا من رؤساء وممثلي دول العالم المشاركة في المؤتمر، وكذلك ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية التي بلغت مئة وتسعين مقعدًا.
وركز الرئيس على أنه لا يبحث عن دور خاص حيث قال: إنني معكم وبكم في إطار تعاوني يشارك فيه الجميع، حيث مس الجميع ضُر تلك الحرب سياسيًا واقتصاديًا، خاصة قطاعي الغذاء والطاقة، غير كلفة الحرب وتدمير البنى التحتية. ناهيك عن الضرر الإنساني والبَشري من قتلى وجرحى وأسرى ولاجئين.
ولإنجاح تلك المبادرة لإيقاف نزيف تلك الحرب التي بدأت تأخذ منحى الحروب الممتدة طويلة الأجل، من المهم توافر عدة شروط:
أولًا: موافقة الطرفين المتحاربين (روسيا وأوكرانيا) على مبدأ إيجاد حلول سياسية توافقية، وقد يكونان مستعدين للموافقة فقد أنهكتهما الحرب.
ثانيًا: اختيار ممثلي المجتمع الدولي للوساطة: ويجب أن تكون دولهم ليست في خندق أحد طرفي النزاع ولها مقبولية دولية. ويمكن اقتراح مصر صاحبة المبادرة وممثلة لأفريقيا، والهند عن آسيا، والبرازيل عن الأمريكتين والنمسا أو سويسرا عن أوروبا، والمملكة العربية السعودية عن منظمة (اوبك)، وجنوب أفريقيا عن الاتحاد الأفريقي، والإمارات العربية المتحدة عن الجامعة العربية، وتركيا لسابق خبرة التعامل مع طرفي الأزمة سياسيًا وعسكريًا والتوسط في مشكلة استئناف سلسلة الإمدادات الغذائية.
ثالثًا: أسس التوافق لإنهاء الحرب: وتستند إلى المواثيق الدولية للأمم المتحدة والقانون الدولي، وكذلك الخصوصية الأوروبية من اتفاقية هلسنكي 1975التى تهدف إلى إرساء أسس للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية بوساطة الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وكان جوهرها: احترام سيادة كل دولة على وحدة أراضيها وحصانة حدودها، وحل الخلافات بالطرق السلمية دون استخدام القوة، واحترام حريات التفكير والمعتقدات دون تمييز، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي مع استمرار بناء الثقة بالإخطار المسبق عن التدريبات العسكرية ومكانها ومدتها لتجنب سوء الفهم. وقد حضر الاتفاقية ووقع عليها كل الدول الأوروبية تقريبًا، وكذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الذي ورثته روسيا لاحقًا بعد التفكك عام 1991.
رابعًا: الأخذ في الحسبان المطالب التي لن يتخلى عنها طرفا النزاع، وأهمها متطلبات الأمن القومي لكل منهما، حيث تتمسك روسيا بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف (الناتو)، مع عدم ممانعتها انضمام اُوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفى المقابل، سوف تتمسك أوكرانيا ـوطبقا لاتفاقية هلسنكي- بوحدة أراضيها وسيادة حدودها التي دخلت بها عضوية الاتحاد السوفيتي وخرجت بها منه بعد تفككه، وإذا كان ذلك ممكنا نسبيا لإقليم دونباس (حوض الدون) فسيكون في غاية الصعوبة لشبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014.
خامسًا: قضية إعادة الإعمار في اٌوكرانيا: وستكون إحدى القضايا الصعبة أيضًا، فهل يتحملها من بدأ الحرب وهي روسيا التي ستقول إنها حرب وقائية وأنها دُفعت إلى ذلك لدرء الخطر ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، وبالتالي نقل حدوده المباشرة مع روسيا مما يهدد أمن روسيا القومي بشكل كبير، وربما يكون الرد على ذلك أنه لا يختلف عما تم من دول البلطيق إستونيا ولاتفيا سابقا، أم قد يتم بشكل توافقي بمشروع مشترك على غرار مشروع مارشال وزير خارجية الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، 1945، لإعادة إعمار أوروبا بما فيها إعمار ألمانيا النازية التي بدأت الحرب رغم هزيمتها؟ كل تلك الاسئلة الصعبة ستكون حاضرة على مائدة التفاوض، ولكن إرادة الحل لإنهاء الحرب بين الطرفين ومهارة الوسطاء ستكون حجر الزاوية للوصول الى حلول توافقية لتلك الأزمة التي لم تؤثر بالسلب على الطرفين المتحاربين خاصة أوكرانيا فقط، بل امتدت إلى كل أوروبا وتجاوزتها إلى معظم دول العالم.
وإذا كانت كلمة الرئيس السيسي قد ركزت على أهمية أن يكون مؤتمر شرم الشيخ هو مؤتمر الانتقال من مراحل التخطيط والتنظيم إلى مرحلة التنفيذ، فنرجو أن يدخل نداء ومبادرة الرئيس لإيقاف الحرب الأوكرانية وإحلال السلام إلى مرحلة وحيز التنفيذ أيضًا.