إسرائيل

بعد فوز نتنياهو في انتخابات الكنيست.. ماذا يعني صعود اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم في إسرائيل؟

  بعد الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الأخيرة في إسرائيل، يبدو أن بنيامين نتنياهو في طريقه للعودة إلى رئاسة الحكومة المقبلة في إسرائيل، حيث فاز التكتل الذي يقوده بـ64 مقعدًا في الكنيست المؤلف من 120 مقعدًا. وتتواصل جهود نتنياهو حاليًا لتشكيل الائتلاف المثير للجدل، وحال نجاحه، سيعد الأكثر تطرفًا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، إذ يعود نتنياهو تلك المرة، ليس فقط كونه زعيم حزب “الليكود”، أكبر حزب سياسي في إسرائيل ، ولكن أيضًا كزعيم شعبي للكتلة اليمينية الأرثوذكسية المتطرفة، التي حصلت على أكثر من مليوني صوت من أصوات الناخبين في إسرائيل.

في هذا الإطار، تتزايد المخاوف في الأوساط الإسرائيلية من تشكيل الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو، وما يمكن أن تسفر عنه سياساتها من تداعيات سلبية على الأوضاع الداخلية و السياسة الخارجية لإسرائيل، حيث يعتزم نتنياهو تشكيل ائتلافه الحكومي مع الأحزاب الدينية المتشددة، التي تشكل عاملًا رئيسًا لفوز كتلة نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، وما يتبع ذلك من صعود غير مسبوق لليمين المتطرف، الذي يضم بعض الرموز الأكثر تطرفًا التي من المقرر أن تلعب دورًا مؤثرًا في الحكومة المقبلة، وأبرزها الزعيم اليميني المتطرف “إيتمار بن غفير” الذي يقود تحالف الصهيونية الدينية، والذي  يلعب دورًا محوريًا في عودة بنيامين نتانياهو إلى السلطة.

وانطلاقًا من ذلك، فمن الضروري إلقاء الضوء على شكل الحكومة المتوقع تشكيلها بقيادة بنيامين نتنياهو، و سياساتها، والتداعيات التي يمكن أن تنعكس على قضايا الشأن الداخلي في إسرائيل و على السياسة الخارجية لتلك الحكومة.

لماذا فاز “نتنياهو”؟

منذ انطلاق ماراثون انتخابات الكنيست، ركز نتنياهو على بذل كل الجهد لاستعادة شعبيته في معاقل اليمين وتحديدًا بين جمهور التيار الديني  لضمان عدم تشتيت أصوات اليمين التي كانت تتقاسمها عادة مجموعة من الأحزاب، كما سعى لجذب الأصوات عبر تكثيف الانتقادات لحكومة “يائير لابيد” المنتهية ولايتها، متهمًا إياها بأنها السبب الرئيس في دخول إسرائيل بأزمات عدة على المستوى الاقتصادي والسياسي و الأمني.  

من جانب آخر، ساهم انهيار تحالف “يمينا” في انتقال عدد كبير من الأصوات إلى تحالف “الصهيونية الدينية”، الذي يتبنى سياسات عدائية ضد العرب و يدعو إلى تعزيز الاستيطان، كما وحدّ معسكر اليمين إلى حد كبير. حيث ساهم حرمان الأحزاب المتدينة من الحقائب الوزارية التي اعتادت على الحصول عليها وسن ميزانيات خاصة ‏للمتدينين بحكومة لابيد إلى إثارة موضوع يهودية الدولة مجددًا، الأمر الذي دفع الجمهور اليهودي المتدين للخروج بأعداد ‏أكبر والتصويت لصالح أحزابه حتى تعود للحكم.‏ وقد سجلت تلك الانتخابات ارتفاع كبير في عدد المصوتين للأحزاب المتطرفة؛ ويعود ذلك الى مخاوف  المتدينين ‏من عودة حكومة التغيير التي اعتبرتها الأحزاب المتدينة الحريدية مناهضة للدين.‏

في الوقت ذاته، لعب نمو نسبة اليهود المتدينين في المجتمع الإسرائيلي دور كبير في حسم المعركة الانتخابية، إذ شهدت الانتخابات الحالية إقبالًا كثيفًا، حيث أظهرت الإحصاءات الرسمية للجنة الانتخابات الإسرائيلية بشأن نسب التصويت بين اليهود أنفسهم بانتخابات الكنيست السابقة أن إقبال العلمانيين على التصويت بلغ 65%، بينما بلغ في صفوف اليهود المتدينين (الحريديم) 92%، وفي صفوف تيار “الصهيونية الدينية الجديدة” والمستوطنين الأشد تطرفًا بلغ 88%. حيث لعبت وعود اليمين المتطرف دور ‏مهم، إذ تم استغلال التوتر المتصاعد في الضفة الغربية المحتلة لحث جمهور المستوطنين واليمين المتطرف على ‏المشاركة في التصويت، وتم الدعوة إلى إعادة العمل بسياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين.

في السياق نفسه، ساهم تراجع إقبال فلسطينيي الداخل على التصويت، لمنح الفرصة لتحالف نتنياهو لتحقيق الفوز، ففي ظل حالة الإحباط التي تسود المجتمع العربي في إسرائيل، وما تشهده الأحزاب العربية من تشرذم وتفكك القائمة المشتركة، فضلًا عن انعدام الثقة بالديمقراطية الإسرائيلية؛ شهد المجتمع العربي حالة من اللامبالاة وعزوفًا عن التصويت في الانتخابات، وقد تزامن ذلك مع ارتفاع حالة اليقين بعدم وجود اختلافات بين الحكومات الإسرائيلية المتتالية؛ وهو ما أفسح  المجال إلى تأثير إقبال الجمهور الأرثوذكسي المتشدد على نتائج الانتخابات التي أفضت إلى فوز معسكر نتنياهو.

شكل الحكومة المنتظرة ‏بقيادة نتنياهو

يعتزم نتنياهو تشكيل ائتلافًا مختلفًا عن جميع حكوماته السابقة، ومن المتوقع أن يكون الأكثر تشددًا في تاريخ الدولة العبرية، حيث يضم أربعة أحزاب هي حزب الليكود ( 32 مقعد)، والصهيونية الدينية (14 مقعد)، ‏وحزب ‏شاس (11 مقعد)  ويهدوت هتوراه (8 مقاعد). وقد مثّل صعود حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف واحتلاله موقع بارز في المشهد السياسي الإسرائيلي أحد أكبر المفاجآت الانتخابية، وهو عبارة عن تجمع من الأحزاب الدينية المتطرفة، قام نتنياهو بضمه لضمان عدم تشتت أصوات اليمين المتطرف؛ حيث حصد 14 مقعد في الانتخابات، وبذلك أصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست الإسرائيلي. ومن المقرر تولي “ايتمار بن غفير”، احد أركان الحزب منصبًا وزاريا في أي حكومة يشكلها نتنياهو. وفي حال تولى بن غفير، المتطرف الأكثر إثارة للجدل في الانتخابات الأخيرة، حقيبة الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو المقبلة، حسبما أعلن، فإن ذلك سيترتب عليه العديد من المتغيرات الدراماتيكية في المشهد السياسي الإسرائيلي.

وفي سبيل تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل، يقوم نتنياهو حاليًا بعقد المشاورات مع الأحزاب للاتفاق على تشكيل الحكومة، ومن المفترض أن ترفع نتائج الانتخابات إلى الرئيس الإسرائيلي “يتسحاق هرتسوغ” غدًا الأربعاء، ليقوم بمنح نتنياهو التفويض لتشكيل الحكومة في غضون أيام قليلة .وبعد تفويضه، سيكون أمام نتنياهو 28 يومًا لتقديم حكومة.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، يرجح أن يقوم نتنياهو بتوزيع الحقائب الوزارية على شركائه في التحالف، وسيمنح أعضاء تكتل “الصهيونية الدينية” حقائب مهمة. وفي هذا السياق، صرح بتسلئيل سموتريتش من “الصهيونية الدينية” علنًا أنه يريد أن يصبح وزيرًا للدفاع؛ لذلك، يعتبر كل من  بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، أكبر عقبة أمام نتنياهو ‏في ظل مطالبتهما بوزارتي الدفاع والأمن الداخلي، التي يرغب نتنياهو في أن تكونا من نصيب حزب الليكود‎.‎

وفي حال قام نتنياهو بمنح أعضاء اليمين المتطرف الوزارات السيادية في إسرائيل، فإنه سيضر بعلاقات إسرائيل الخارجية  ويفقده شرعيته من جانب، ويزيد من حالة الاحتقان مع الفلسطينيين من جانب آخر. الأمر الذي يرجح أن يدفعه إلى توسيع تحالفه، من خلال محاولات جذب يائير لابيد و بيني جانتس، وأيضًا لا يستبعد أن يضم منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة للانضمام إلى حكومته، لتفادي العزلة الدولية التي قد يواجهها.

التطرف و العنصرية .. السياسات الأبرز للحكومة المرتقبة‏

في حال نجح نتنياهو في تشكيل الحكومة، فمن المؤكد أن تشهد السياسات الإسرائيلية تغييرات كبيرة  فبالنظر إلى جزء بسيط من الوعود التي قطعها ‏السياسيون اليمينيون خلال الحملة الانتخابية، يتضح أنها تشمل العديد من القضايا الجوهرية، مثل إعادة تشكيل القضاء وسيادة القانون، بالإضافة ‏إلى ‏الدعوة إلى تبني موقف عسكري أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، ذلك فضلًا عن انعكاس سياسات تلك الحكومة على علاقة إسرائيل مع الولايات ‏المتحدة .

ويبدو أن الائتلاف الذي يقوده نتنياهو الآن يأتي مختلفًا وأكثر راديكالية مما سبق، فأعضاء الحكومة المرتقبة يتبنون أيديدولوجية موحدة ومواقفًا متشددة،كما يؤمنون بالتفوق اليهودي، ويدعمون السياسات العنصرية التي قد تغير في نهاية المطاف الطريقة ‏التي تحمي ‏بها دولة إسرائيل حقوق مواطنيها، سواء كانوا فلسطينيين يحملون الجنسية أويساريين ونشطاء ‏ومنتقدين ‏يطالبون بحقوق متساوية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة‎.‎

ويمكن القول أن الرابح  الأكبر من تشكيل تلك الحكومة سيكون “بن غفير”، الذي يعد من أبرز أنصار حركة كاخ المتطرفة بقيادة اليهودي الأمريكي “مائير كاهان” الذي نجح في انتزاع مقعد في الكنيست عام 1984 قبل أن يُمنع في سنة 1987 من الترشح لمنصب نيابي ويتم حظر الحركة التي كان على رأسها واعتبارها منظمة إرهابية. كما يعتبر معاديا للديمقراطية والليبيرالية و يؤمن بتفوق الشعب اليهودي. وعلى الرغم من احتياج نتنياهو لبن غفير حتى يتمكن من تشكيل الائتلاف الحكومي، إلا أن تشكيل حكومة بوجود بن غفير كوزير للأمن الداخلي بها، يضع نتنياهو في مأزق، خاصة بعد رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن التعامل مع بن غفير حال استلامه حقيبة في الحكومة المقبلة، كما يضع حكومة إسرائيل في موقف حرج مع الدول العربية الموقعة على اتفاقات التطبيع نظرًا لشمولها على أحد أبرز المعادين للعرب.

من زاوية أخرى، فإن تلك الحكومة الائتلافية الجديدة، من المرجح أن تدعم التحرك نحو المزيد من ضم أجزاء من ‏الضفة الغربية ‏رسميًا، كما ستسهم في إرتفاع وتيرة العنف في المدن المختلطة و الأراضي المحتلة، ومن المؤكد أنها تتجه إلى تبني أكثر السياسات تشددًا وعنصرية في تاريخ إسرائيل، فتعزز من سياسات الاضطهاد والقمع والتمييز الموجودة بالفعل، بصورة كبيرة. وفي هذا الصدد، أعلن بن غفير، على سبيل المثال، عن نيته في إنشاء وزارة جديدة لتشجيع هجرة ما أطلق عليهم “الأعداء والأشخاص غير ‏الموالين” ‏للدولة، كما يسعى لإصدار قوانين لتنفيذ حكم الإعدام بحق من يسميهم “إرهابيين”.‏

وبناء على ما سبق، فإنه من المؤكد أن الحكومة المرتقبة سوف تتبنى سياسات أكثر تطرفًا ضد العرب، وهو ما سيكون له دلالته الواضحة وقد ‏يسفر عن ‏صدام متوقع، كما ستؤثر تلك السياسات لا محالة على مسار السلام.‏

مخاوف وتهديدات مرتقبة 

بعد فوز كتلة بنيامين نتنياهو بالأغلبية في انتخابات الكنيست، تصاعدت المخاوف لدى قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي والفلسطينيين، وتتمثل أبرز المخاوف في التالي:

  1. التحايل على محاكمة نتنياهو

شارك حلفاء نتنياهو في تحالف الصهيونية الدينية خلال الحملة الانتخابية، بالإضافة إلى أعضاء بارزين في حزبه الليكود، صراحة في برنامج إصلاح النظام القضائي، إذ اقترحوا تسييس القضاء من خلال ضمان تعيين القضاة والمستشارين القانونيين من قبل القادة السياسيين، بالإضافة إلى سعيهم لإضعاف الضوابط والتوازنات داخل الحكومة من خلال وضع بند تجاوز من شأنه السماح للكنيست بنقض قرارات المحكمة العليا. 

أما بالنسبة لنتنياهو، فقد تكون تلك الإصلاحات بمثابة فتحة هروب من محاكماته الجنائية الجارية، حيث يواجه اتهامات بالفساد، ولكن الأهم من ذلك، أنها ستغير بشكل أساسي النظام الدستوري الحالي الذي يعمل كأساس للديمقراطية التي تدعي إسرائيل وجودها.

  1. المزيد من الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي

قد يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تقسيم إسرائيل بشكل أكبر، وعلى الرغم من أن بن غفير وزملائه السياسيين من الصهيونية الدينية قد حاولوا التخفيف من نبرتهم العدائية خلال تلك الانتخابات، إلا أن أيديولوجياتهم وآرائهم العنصرية موثقة، وهو ما سيلقي بظلاله على الداخل الإسرائيلي الذي يواجه بالفعل أزمات على عدة أصعدة.

وقد ثارت العديد من المخاوف حول ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في إسرائيل عقب تولي الحكومة المرتقبة، وفي هذا السياق، صرح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، في كلمة لمناسبة الذكرى السنوية الـ27 لمقتل الرئيس الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، إنّ “الوضع السياسي المعقد في إسرائيل يضع أمامنا تحديًا تاريخيًا إلى حدٍّ ما”. وأضاف هرتسوغ أنّ “نتائج الانتخابات عبّرت أننا منقسمون، والمسؤولية من الآن وصاعدًا  ملقاة على عاتق كل اللاعبين السياسيين وعلى رأسهم من يده هي العليا، ومن قوته السياسية أكبر”.

في السياق ذاته، فإن كافة المؤشرات تؤكد على ارتفاع حالة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وقد جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية لتفاقم من حالة الانقسام، حول مدى ملائمة نتنياهو لمنصب رئيس الحكومة و حول السياسات المتشددة التي يتوقع أن تتبناها حكومته، في ظل الأزمات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وفي إطار ما يشهده هذا المجتمع من تصاعد حالة الانقسام بشأن طابع العلاقة بين الدين والدولة. 

  1. التصعيد مع الفلسطييين

في الوقت ذاته، فإن تراجع مستوى التصويت في مدن وبلدات فلسطينيي الداخل وعزوف الشباب هناك عن المشاركة السياسية، يعني أن هناك حالة من الإحباط لدى فلسطيني الداخل تجاه السياسة الإسرائيلية، ومن المرجح أن تسفر السياسات التي ستتبنّاها الحكومة القادمة ضد فلسطينيي الداخل تحت تأثير بن غفير أن تزيد من فرص انفجار مواجهة شاملة مع السلطات الإسرائيلية.

فضلًا عما سبق، يتوقع أن تتزايد الهجمات الفلسطينية داخل إسرائيل اعتراضًا على سياسات حكومة نتنياهو، وهو ما يشكل تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي بصورة يصعب احتوائها.

أبرز ملامح سياسات حكومة نتنياهو

هناك العديد من القضايا التي يرجح أن تنعكس عليها سياسات حكومة نتنياهو المستقبلية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ويمكن إجمالها في التالي:

  1.  على الصعيد الداخلي
  2.  تبني سياسات تعسفية

بالإضافة إلى التدخل في إدخال تغييرات تشريعية لتسييس القضاء، سيؤدي تولي بن غفير وزارة الأمن الداخلي في الائتلاف الحاكم، إلى تغيير قواعد الاشتباك للشرطة والجنود، والحد من حقوق الفلسطينيين المعتقلين في السجون والسماح لأي إسرائيلي لديه تدريب قتالي أساسي بحمل سلاح. ذلك فضلًا عن إنشاء “وزارة لتشجيع الهجرة” لإقناع العرب الفلسطينيين بمغادرة إسرائيل ، ودعوة الإسرائيليين لإطلاق النار على الفلسطينيين الذين يرشقونهم بالحجارة. بالإضافة إلى ذلك، طالب بن غفير بترحيل المشرعين العرب، وفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين المدانين بالإرهاب ومنح قوات الأمن الإسرائيلية مزيدًا من الحماية القانونية عند قتال المسلحين الفلسطينيين.

من جانب آخر، ستركز حكومة نتنياهو كل اهتمامها على الوضع في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، حيث ستسعى لاجتثاث المقاومة في الضفة، والاعتراف بمزيد من المستوطنات وتوسعتها وضم مزيد من أراضيها إلى إسرائيل، ونقل إدارة المستوطنات إلى الوزرات المعنية بعد أن كانت تابعة للإدارة المدنية في الجيش.

  1. تهديد ديمقراطية الدولة

تصاعدت المخاوف في إسرائيل وخارجها من مساس بعض الإجراءات التي تحدث عنها اليمين المتطرف بالطابع الديمقراطي لإسرائيل، مثل طرد أي شخص يعتبر “غير مخلص” لإسرائيل أو فرض قيود أكبر على المحاكم. ويعد ذلك من أبرز التحديات التي تواجه نتنياهو، حيث يرجح أن يعمل على تجنب أن تتسبب تلك المخاوف في التأثير على علاقات إسرائيل، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

‏في السياق ذاته، يتخوف البعض في الأوساط الإسرائيلية من تقييد حرية الصحافة، خاصة في ظل ‏المناورات القانونية والسياسية التي تستنزف المحكمة العليا من سلطتها واستقلالها وفي ظل غياب ‏دستور يضمن الفصل بين السلطات. على الصعيد الآخر، يخشى البعض من فرض المزيد من القيود على حقوق ‏الأقليات. خاصة و أن بن غفير أكد أنه أولًا وقبل كل شيء سيولي أهمية لمكافحة “الإرهاب ضد اليهود”، وفق تعبيره، وهو ما يمكن استخدامه كذريعة لتبني سياسات قمعية ضد غير اليهود.

ويخطط بن غفير بالإضافة للعمل على موضوع آخر يتطرق إلى العلاقة بين الدين والدولة والمواقف المحافظة، حيث ينتقد الحركة اليهودية الإصلاحية ويعتبرها تشكل خطرًا على اليهودية بسبب ما تدعو إليه من ذوبان اليهود ببقية الشعوب. كما سيعمل على محاربة المتسللين والمواطنين الأجانب الذين يعيشون بشكل دائم في إسرائيل.

  1. زيادة الأعباء الاقتصادية:

تدل كافة المؤشرات على أن إسرائيل ستواجه تبعات اقتصادية جسيمة في أعقاب فوز اليمين المتشدد  بقيادة نتنياهو، حيث يتوقع أن يسفر ضم الحكومة القادمة للأحزاب الدينية الحريدية وتحالف الصهيونية الدينية والحركة الكاهانية، عن تكليف إسرائيل ثمنًا اقتصاديًا باهظًا ستتحمله خزانة الدولة التي تعاني من مستوى تضخم عالي، حيث أوضح قادة الأحزاب الدينية الحريدية خلال الحملة الانتخابية، وبعد إعلان النتائج أن مشاركتهم في الحكومة القادمة تتوقف على الاستجابة لعدد من المطالب على الصعيد الاقتصادي، على رأسها زيادة الدعم المالي لمؤسسات التيار الحريدي التعليمية والاجتماعية والدينية بشكل كبير.

  1. العلاقة مع الفلسطينيين

من المرجح أن تتبنى حكومة نتنياهو سياسات أكثر تشددًا تجاه الفلسطينيين، فمن خلال قراءة البرامج الانتخابية لجميع الأحزاب التي ستشكل حكومة نتنياهو، لا يمكن إنكار أن ‏برنامجها تنطوي على سياسات متطرفة في كثير من القضايا السياسية والميدانية تجاه الفلسطينيين، إذ أن أغلبية الأحزاب لا ‏تؤمن بأي سلام أو مفاوضات أو حلول مع الفلسطينيين، كما أن جزءًا منها يؤمن بضرورة ضم الضفة الغربية ‏وتنفيذ “صفقة القرن”، وفق الرؤية الصهيونية، وتغيير الواقع في المسجد الأقصى، وتطبيق التقسيم فيه، ‏زمانيًا ومكانيًا‎.‎ فضلًا عن ذلك، فهم يؤمنون بدولة يهودية لا تعترف بالآخر، ويتبنون سياسات عدائية تجاه الآخر رافضة الاعتراف بأي حقوق للفلسطينيين.

على الصعيد الآخر، يشجع أعضاء حكومة نتنياهو التوسع الاستيطاني، ويرفضون الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. وبالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فمن المتوقع أن يزداد الضغط عليها، وتزداد الجهود الإسرائيلية لتقويضها، تزامنًا مع تكثيف مطالبتها بالتنسيق الأمني ومحاربة المقاومة في الضفة، دون وجود أي أفق بشأن التسوية السياسية أو التفاوضية. ومن المؤكد أن تشهد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة تصعيدًا إثر تولي حكومة نتنياهو اليمينية الحكم وفرض سياساتها المتشددة تجاه الفلسطينيين.

  1. على الصعيد الخارجي:
  2. اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان

تعهد نتنياهو بإلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع مع لبنان بشأن حقوق الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، واعتبره بمثابة خيانة وتنازل عن السيادة الإسرائيلية أمام “حزب الله”. لكن على الرغم من ذلك، فإن قيام نتنياهو بإلغاء الاتفاق سيؤدي إلى تفجُّر الأوضاع، و تأزم علاقته بالإدارة الأمريكية، وهو ما لا يرغبه، بل بالعكس؛ سيبذل كل الجهد لاسترضاء الإدارة الأمريكية والعمل على عدم التصعيد معها. لكن يمكن أن يحاول الالتفاف على بعض البنود التي تم الاتفاق عليها، بتعهدات أمريكية، من أجل ضمان عدم الذهاب إلى مواجهة عسكرية.

  1.  العلاقات مع إيران

ستبقي حكومة نتنياهو على سياستها حيال إيران، إذ أكد نتنياهو على مواصلة إسرائيل لمنع طهران من التحول إلى قوة نووية.  وسيبقى  الملف النووي الإيراني واحد من أهم الملفات بالنسبة لحكومة نتنياهو إن لم يكن أهمها على الإطلاق، كما سيستمر في معارضته لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني.

  1. العلاقات مع روسيا

من المرجح أن يعمل نتنياهو على الحفاظ على علاقته الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما سيحرص على الحفاظ على الاتصالات العسكرية الوثيقة التي تسمح لإسرائيل بالعمل في المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا في الأجواء السورية لمواجهة التهديدات الإيرانية.

من جانب آخر، فإنه سيدرس إمكانية توريد أسلحة لأوكرانيا. ويتوقع أن يقوم بدور الوسيط بين روسيا و أوكرانيا محاولًا تبني موقفًا محايدًا في الأزمة. وفي كل الأحوال سيحاول نتنياهو أن يحافظ على العلاقات مع روسيا بشكل متوازن يضمن السماح له بمواجهة إيران و حزب الله من جانب، مع ضمان عدم الإضرار بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة من جانب آخر.

  1.  العلاقة مع الولايات المتحدة

من المتوقع أن يشوب التوتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، خاصة في ظل تشكيل حكومة يمينية متشددة تتعارض سياساتها مع سياسة إدارة بايدن الديمقراطية، إذ يرجح أن يستمر تركز الخلاف حول بعض القضايا الرئيسة التي يأتي على رأسها الاستيطان و تولي بن غفير حقيبة الأمن الداخلي، ليس ذلك فحسب، بل إن مجرد دخول بن غفير في التشكيل الحكومي يعد أمرًا مرفوضًا من قبل الإدارة الأمريكية. وحسبما ذكر موقع أكسيوس الأمريكي، وفقًا لمسؤولين أميركيون وإسرائيليون، فإنه من غير المرجح أن تتعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع بن غفير، كما قال الموقع إن الإدارة الأمريكية قلقة من الخطاب العنصري لبن غفير وحزبه ومواقفه تجاه الفلسطينيين. وهو ما يشير إلى تصاعد الخلاف المحتمل بين الجانبين.

ختامًا، إن الحكومة المستقبلية بقيادة نتنياهو يرجح أن تكون الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، ومن الواضح أن السياسات التي يرجح أن تتبناها تلك الحكومة ستلقي بتداعياتها على إسرائيل  في المقام الأول، فيتوقع أن تسفر عن مزيد من الانقسام في المجتمع الإسرائيلي وتُفاقم من التصعيد داخل الأراضي الفلسطينية والمناطق العربية، وهو ما قد يدفع في نهاية المطاف إلى اندلاع انتفاضة شعبية فلسطينية كرد فعل على انسداد أفق التسوية السلمية وتعزيز السياسات القمعية للحكومة المتطرفة ضد الفلسطينيين. من جانب آخر، من المرجح أن تنعكس سياسات اليمين المتشدد على علاقات إسرائيل الخارجية، وقد تمس علاقتها بالولايات المتحدة، حليفها الاستراتيجي الأهم؛ وهو ما يجعلها الخاسر الأكبر على كافة الأصعدة.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى