إيران

ماذا بعد العقوبات الأوروبية الأخيرة على إيران؟

أقدم الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يوم الخميس 20 أكتوبر الجاري على فرض عقوبات ضد إيران؛ بسبب تزويدها روسيا بطائرات مسيّرة من دون طيار استخدمتها موسكو في الحرب الدائرة داخل أوكرانيا. فأعلن الاتحاد عن تجميد أصول 3 أفراد وكيان واحد أوضح أنهم مسؤولون عن إرسال (الدرونز) من طهران إلى موسكو، لتستهدف في النهاية مناطق أوكرانية مثل خاركيف وكييف. 

وشددت بروكسل على أن الاتحاد “مستعد” في الوقت الراهن أيضًا لتوسيع نطاق العقوبات ليشمل 4 كيانات إيرانية أخرى مدرجة بالأساس على قوائم عقوبات سابقة. أما بريطانيا، فقد فرضت في اليوم ذاته حزمة عقوبات استهدفت 3 ضباط إيرانيين كبار برتبة جنرال، علاوة على شركة أخرى لتصنيع السلاح؛ لمسؤوليتهم حول “تزويد روسيا بطائرات مسيرة انتحارية”. وعلى الرغم من أن الماضي القريب حافلٌ بعقوبات شتى ومتنوعة ضد إيران، إلا أن هذه الحزم الأخيرة تحمل دلالات ونتائج خاصة.

نفي إيراني بشأن إرسال سلاح إلى روسيا

dddddg.PNG

سارعت إيران إلى نفي اتهامات إرسالها أسلحة إلى روسيا، مؤكدة أن سياستها تقوم على معارضة الحرب في أوكرانيا، وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة له في نفس يوم إعلان الدول الأوروبية عن فرض عقوبات جديدة، بأن “ادعاءات إرسال طهران أسلحة إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا غير صحيحة”، مؤكدًا على أن سياسة بلاده الواضحة هي معارضة الحرب في أوكرانيا.

ولفت الوزير الإيراني إلى أن “لدينا تعاونًا دفاعيًا مع روسيا، ولكن سياستنا لا تقوم على إرسال السلاح والطائرات المسيرة (لاستخدامها) ضد أوكرانيا”. وطالب عبد اللهيان في تصريحات أخرى له بـ “تقديم وثائق تتعلق بالأنباء حيال استخدام روسيا طائرات مسيرة إيرانية في الحرب الجارية حاليًا”، مشددًا على أن طهران “لن ترسل أي سلاح إلى أي طرف ليتم استخدامه في حرب أوكرانيا”.

ولم يكن عبد اللهيان وحده الذي نفى هذه التقارير، حيث وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قبل ذلك بيومين التقارير التي تتحدث عن إرسال إيران أسلحة إلى ميادين الحرب في أوكرانيا بأنها “تستند إلى معلومات مغرضة”، واصفًا إياها بأنها “جزء من التحريض ضد إيران”.

توقيت العقوبات

جاءت العقوبات الأوروبية الجديدة ضد إيران بعد حوالي 3 أشهر من تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، في 11 يوليو الماضي بأن طهران “تستعد” لإرسال مئات الطائرات المسيّرة من دون طيار إلى روسيا لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا. وشدد المستشار الأمريكي آنذاك على أن إيران سوف تقوم بتدريب جنود روس على استخدام هذه الطائرات، وهو ما كشفت عن وقوعه لاحقًا تقاريرُ أخرى في شهر أغسطس التالي.

أما في شهر سبتمبر 2022، فقد بدأت التقارير تتوالى حول بدء استعمال الدرونز الإيرانية من جانب روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، وإسقاط الأخيرة للعشرات منها. حيث احتلت تغطية ملف المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا مساحة واسعة من الاهتمام لدى وسائل الإعلام الدولية وهو ما أكسبه زخمًا دوليًا خاصًا أصبح معه فرضُ عقوبات جديدة ضد إيران أمرًا محتملًا للغاية.

وجاءت العقوبات الأوروبية أيضًا بعدما قالت تقارير غربية إن المسيرات الإيرانية نفّذت هجمات واسعة في مدن أوكرانية أهمها خاركيف وكييف العاصمة التي أحدثت فيها الدرونز الإيرانية تفجيراتٍ واسعة خلال الأيام القليلة الماضية أثّرت بشكل واضح على هياكل البنى التحتية في هذه المناطق، خاصة المرافق الكهربائية التي قال بشأنها وزيرُ الطاقة الأوكراني، جيرمان جالوشينكو، في 20 أكتوبر الجاري إن “كييف ومدنًا أخرى شهدت انقطاعات للكهرباء؛ بسبب خروج محطات من الخدمة”، مضيفًا أن “هدف الحكومة الأوكرانية في الوقت الحالي يتمثل في خفض استهلاك الطاقة بنسبة 20% على الأقل”.

وقد مثّلت هذه التطورات في الواقع إحدى أهم الدوافع لفرض عقوبات جديدة على إيران؛ أخذًا في الحسبان أهمية العاصمة كييف تحديدًا بالنسبة لتعقيدات ومعادلة الصراع العسكري في أوكرانيا.

هل ساهمت “فاعلية” الدرونز الإيرانية في ميدان الحرب الأوكرانية في فرض عقوبات على طهران؟

dfddf.PNG

تختلف الدرونز الإيرانية عن باقي نظائرها لدى الدول الأخرى المنتجة لها، مثل الولايات المتحدة والصين، عند الحديث عن سعرها وقدراتها وخصائها؛ فالطائرات الإيرانية رخيصة الثمن، ولا تتمتع بنفس قدرات وميزات الطائرات التي تمتلكها هذه الدول. ويشجع هذا الدول الأخرى على شراء المسيرات من إيران، وبكميات كبيرة؛ نظرًا إلى أن أغلبها “انتحاري” وبطيء، ما يشجع في النهاية على شراء عدد كبير منها لضمان وصول بعضها إلى الهدف.

ويفتقد أغلب أنواع الطائرات المسيرة الإيرانية، مقارنة بنظائرها الأخرى الأمريكية والإسرائيلية أو الصينية، إلى ميزات الدقة في إصابة الأهداف، وحجم ما تستطيع حمله من متفجرات، إلى جانب القدرة على البقاء مدة أطول في الجو. لذا، فإن طريقة استخدامها، مثالًا، في الحرب الأوكرانية يعتمد على دفع عدد كبير منها “سرب” في مجموعة واحدة موجهة.

إيران تواصل تطوير المسيّرات

ومع ذلك، توصل إيران تطوير هذه المسيرات من حيث مختلف الخصائص والقدرات المُشار إليها، ومثال على هذا امتلاك المسيرات الإيرانية مؤخرًا القدرة على التصوير الجوي المباشر خلال القيام بعمليات عسكرية مثل “مهاجر-6″، والوصول إلى مدى عملياتي يصل إلى ألفي كيلومتر أو أكثر، مثل “شاهد-136”. وقالت مصادر إيرانية، في هذا الصدد، إن البلاد تُجري محاولات لتطوير طائرات مسيرة جديدة تتخطى المسافة المُشار إليها مثل “عرش-2″، التي أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية أنها مخصصة لضرب تل أبيب وحيفا، و”غزة” التي تزعم مصادر إيرانية أن مداها قد يصل إلى 7 آلاف كيلومتر.

“أسراب انتحارية” إيرانية في الحرب الأوكرانية

وعلى أي حال، تستخدم روسيا في حربها ضد أوكرانيا نوعين رئيسين من الطائرات المسيرة الإيرانية، وهما “شاهد-136″ و”مهاجر-6”. الأولى يصل مداها إلى 2000 كيلومتر ويمكن أن يتخطّى ذلك إلى 2500 كيلومتر. ويبلغ عرض جناحي هذه الطائرة 2.5 متر، وتستطيع “شاهد-136” حمل 50 كيلوجرامًا من المواد المتفجرة أو رأسًا حربيًا (ما بين 30-50 كيلوجرام أيضًا)، وتبلغ سرعتها القصوى 185 كم/ساعة. وتزن 200 كيلوجرام ويتراوح سعرها ما بين 20 إلى 50 ألف دولار أمريكي.

وعلى الجانب الآخر، تتسم الطائرة الثانية“مهاجر-6” بأنها استطلاعية تصويرية هجومية ويمكنها التحليق لفترة طويلة وبنطاق علمياتي واسع، ويتم تزويدها بقنابل جوية ذكية أكثر دقة من حيث إصابة الأهداف، قد تبلغ حوالي 4 قنابل من هذا النوع. ويصل وزن هذه الطائرة إلى 600 كيلوجرام وتحلق في الجو على ارتفاع 5400 متر بسرعة 200 كم/ساعة ولحوالي 12 ساعة متصلة. 

ويتضح لنا من استعراض خصائص هذه الطائرات الإيرانية المستخدمة في الميدان الأوكراني أنها من أهم أنواع مثيلاتها لدى طهران، سواء من حيث المسافة أو الدقة في إصابة الأهداف، وهو ما تسبب في الواقع في حجم كبير من الخسائر لدى الجانب الأوكراني، حسب تصريحات رسمية لمسؤولين أوكرانيين. وتحلق هذه الطائرات حاليًا في معارك أوكرانيا على ارتفاعاتٍ منخفضةً لا تستطيع الرادارات الأوكرانية التقاطها، خاصة في ظل سيرها ببطء. 

أما ما فاقم من الخسائر الأوكرانية بسبب هذه الطائرات الإيرانية فهي طريقة توظيفها في الحرب، حيث تُستخدم أعدادٌ كبيرة منها على شكل “أسراب انتحارية” تتمكن القوات الأوكرانية من اصطياد بعضها، بسبب الارتفاعات المنخفضة، إلا أن البعض الآخر يصيب الهدف ويتسبب في إحداث انفجارات ضخمة يليها حدوث تفجيرات وخسائر واسعة. ولعل ما يدل على حجم هذه الخسائر مؤخرًا ما أشارت إليه تصريحات مسؤولين أوكرانيين من أن “المسيرات الانتحارية والصواريخ التي تم إطلاقها يومي 17 و19 أكتوبر الجاري قد ألحقت أضرارًا بنحو 40% من طاقة إنتاج الكهرباء في جميع أنحاء البلاد”.

لماذا لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران حتى الآن؟

قد يُثار التساؤل الآن حول أسباب عدم فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد إيران في ظل التطورات الأخيرة ذات الصلة بالطائرات المسيرة الإيرانية في أوكرانيا، خاصة أن واشنطن كانت أول من أعلن عن استعداد إيران لإرسال الدرونز إلى روسيا في شهر يوليو الفائت؟

ويمكن تفسير ذلك بأنه على الرغم من انخراط الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في المفاوضات النووية مع إيران، والتي لم تحقق النتائج المرجوة منها منذ انطلاقها في أبريل 2021، إلا أن فرض الدول الأوروبية لعقوبات على إيران من دون الولايات المتحدة سوف يُبقي الباب مفتوحًا أمام مواصلة عملية التفاوض في المستقبل القريب. 

هذا فضلًا عن أن قراءة إيران لعملية المباحثات النووية والتي ترى من خلالها أن الولايات المتحدة هي المفاوض الرئيس وأن الاتحاد الأوروبي وبرغم دوره البارز فهو وسيط بين الولايات المتحدة وإيران؛ سوف يعني بالنسبة لها أن المفاوضات لم تنته، وأنها لن تواجه على الأقل عثرات كبرى جديدة.

ماذا بعد العقوبات الأوروبية؟

بالنظر إلى التوقيت الذي فُرضت فيه هذه العقوبات الأوروبية على إيران، سنجد أن تداعياتها سوف تؤثر على ملفات بعينها على النحو التالي:

  1. تصاعد التوترات الحادة بين الاتحاد الأوروبي وإيران:

على الرغم من التقارب الوثيق في العلاقات الأمريكية الأوروبية، فإن نهج الولايات المتحدة يختلف نسبيًا عن الدول الأوروبية حين التعامل مع الملف الإيراني بوجه عام. ويعود ذلك إلى عوامل شتى، لعل أبرزها قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي في شكله القائم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتداخل أبعاد المصالح الأمريكية. أما الأوروبيون، فإن جل أهدافهم ينصب على المصالح الاقتصادية، ويشتركون مع واشنطن في أهمية منع وصول إيران إلى سلاح نووي. 

ومع ذلك، فإن انخراط إيران عبر مسيراتها في الحرب الأوكرانية، في ظل نفي طهران، سوف يُحدث تحولًا ملموسًا في طبيعة العلاقات الأوروبية الإيرانية، ويسير بها إلى التوتر الشديد على المستوى السياسي الذي قد يلحق به توتر آخر عسكري. ولعل الإشارات الأولى على هذا التصعيد المرتقب يمكن ملاحظتها في الانتقاد الشديد والواضح من جانب بريطانيا ومختلف الدول الأوروبية لإمداد طهران موسكو بالطائرات المسيرة، مع أن نهج مجموعة بروكسل اعتاد المواءمة حيال سياستها إزاء طهران.

ويعني هذا من ناحية أخرى أن تقاربًا أمريكيًا أوروبيًا إزاء كيفية التعامل مع إيران سوف يكون السيناريو المتوقع إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه. بل قد نشهد نوعًا من التنسيق السياسي أو العسكري الدولي بين شاطئي المحيط الأطلنطي ضد إيران؛ إذ إن ذلك الانخراط الإيراني المُشار إليه سوف يعزز من اتخاذ سياسات حاسمة للغاية في أوروبا تجاه إيران.

  1. تأثر وساطة الاتحاد الأوروبي في المفاوضات النووية:

على الرغم من الإشارة مسبقًا إلى أن العقوبات الأوروبية المفروضة مؤخرًا ضد طهران لن تغلق الباب بشكل تام أمام المفاوضات النووية لاحقًا لأن الولايات المتحدة وبصفتها الطرف الأكثر تأثيرًا على المفاوضات النووية لم تفرض هي الأخرى عقوبات مماثلة، إلا أن ذلك لا يعني أولًا أن المفاوضات لن تتأثر؛ نظرًا إلى غضب الأمريكيين والأوروبيين معًا من الإمداد الإيراني لروسيا بالعتاد الحربي، وثانيًا يمكننا القول إن دور الوساطة الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي بين واشنطن وطهران فيما يتعلق بالمفاوضات النووية قد يتأثر بهذه العقوبات في ظل توقعات تصاعد التوتر بين طهران والاتحاد الأوروبي.

ويقودنا هذا بالتالي إلى أن الحديث عن استئناف المفاوضات النووية قد لا يكون مطروحًا خلال الفترة القصيرة المقبلة على الأقل، بجانب أن استئناف هذه المباحثات قد يصبح حلمًا بعيد المنال إذا ما قررت الولايات المتحدة هي الأخرى فرض عقوبات على إيران بسبب طائراتها المسيرة في أوكرانيا.

وينبغي الأخذ في الحسبان هنا أيضًا مدى الاضطراب الأخير في العلاقات بين إيران وأوروبا وواشنطن والذي نشأ بعد انتقادهم لطريقة التعامل الإيرانية مع الاحتجاجات المحلية، حيث يُضاف هذا العامل إلى محفزات تصعيد التوتر بين هذين الطرفين.

ج- استبعاد إيران من الخيارات المحتملة لبدائل الطاقة الروسية:

يأتي من بين النتائج غير المباشرة لانخراط إيران في الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد التوتر بينها وبين الغرب نتيجة لهذا الأمر علاوة على العقوبات الأخيرة، استبعادُ سيناريو أن تحل مواردُ الطاقة الإيرانية محل نظائرها الروسية في الأسواق الغربية؛ فالغرب لن يدع في هذه الحالة الأموالَ في يد إيران، وهو يدرك أنها قد توظفها في الحرب الأوكرانية أو ضد مصالحها بوجه عام. 

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى