أفريقيامكافحة الإرهاب

هل تعرقل هجمات حركة الشباب الإرهابية حكم الرئيس الصومالي المُنتخب حسن شيخ محمود؟

يبدو أن الانتقال السلمي للسلطة في الصومال، واتمام العملية الانتخابية الرئاسية في مايو 2022 التي أفضت إلى انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود، الذي عمل على اختيار حمزة عبدي برى رئيس للوزراء في يونيو 2022، والاعلان عن تشكيل حكومة فيدرالية جديدة مطلع شهر أغسطس 2022، لم تنعكس على استقرار الأوضاع الأمنية في الصومال. ويُمكن الاستدلال على ذلك من خلال تسليط الضوء على الهجوم الإرهابي الأكثر دموية منذ تولي الرئيس الصومالي منصبه، فقد شهد قلب العاصمة الصومالية مقديشو في أواخر شهر أغسطس الماضي 2022 حادثًا إرهابيًا أسفر عن 21 قتيلاً و117 جريحًا بحسب وزارة الصحة الصومالية.  إذ استهدفت حركة الشباب الإرهابية فندق “حياة” الذي يعتبر بمثابة مُلتقى يرتاده مسؤولون وقيادات عليا في الدولة الصومالية.  وتطرح هذه الورقة البحثية تساؤلات بشأن المُحفزات التي دفعت حركة الشباب الإرهابية للقيام بهذا الحادث الدموي ودلالاته، وكيفية تعامل الحكومة الصومالية معه وضبط المشهد العام في الصومال، وهل سينجح الرئيس الصومالي في احراز تقدم في الملف الأمني ودحر أنشطة حركة الشباب الإرهابية.

مُحفزات حركة الشباب الإرهابية

تسعى حركة الشباب الإرهابية لإرسال رسائل للداخل والخارج بأنها قادرة على زعزعة المشهد الأمني في الصومال، والضغط على الرئيس الصومالي من حلال تقويض تحركاته وجهوده الرامية للقضاء على الحركة، بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، والدعم الغربي ولا سيما الولايات المتحدة، وأن تلك الجهود لن تحقق الهدف المنشود. ولا شك في أن هناك مجموعة من المُحفزات التي دفعت حركة الشباب الإرهابية للقيام بالتفجير الدموي وسط العاصمة مقديشو، ويمكن استعراضها على النحو التالي

  1. دوافع داخلية:   الخطاب شديد  اللهجة الذى تتبناه الرئاسة الصومالية حيال  مُحاربة حركة الشباب الإرهابية على كافة الأصعدة؛ إذ تأتي مكافحة أنشطة الحركة  على رأس أولويات الحكومة الصومالية، وهو ما أتضح جليًا في تعيين قيادي سابق في حركة “الشباب” وزيرًا للأوقاف في الحكومة الصومالية مختار روبو أبو منصور، القائد المُنشق عن حركة الشباب الإرهابية عام 2013، في منصب وزير الأوقاف والشؤون الدينية بالحكومة الصومالية، وهو ما استفز حركة الشباب بأن الحكومة قادرة على اختراق الحركة ومحاربتها  إيديولوجيًا، من خلال دحض الأفكار المتطرفة التي تعمل حركة الشباب على نشرها لتجنيد المزيد من المقاتلين لصفوفها، وهو ما سيقوض نشاط الحركة على المدى البعيد.   
  2. دوافع خارجية: تولي إدارة الرئيس الأمريكي جو  بايدن اهتمامًا كبيرًا بملف مكافحة الإرهاب، وهو ما تجلى في تعاون أمريكي صومالي لمحاربة حركة الشباب الإرهابية؛ إذ تنشط السفارة الأمريكية المتواجدة في الصومال في التعاون مع المسؤولين الأمنيين الصوماليين وعقد لقاءات لمناقشة الأهداف المشتركة المتمثلة بهزيمة حركة الشباب، ودعم الحكومة المحلية ذات التمثيلية والخاضعة للمساءلة، كما نجد أن الأمر لم يقتصر على اللقاءات الدبلوماسية، حيث يمتد التعاون بشكل ميداني لاستهداف أعضاء حركة الشباب، فقد أعلنت القيادة الأمريكية في إفريقيا، الأربعاء 17 أغسطس 2022، مسؤوليتها عن تنفيذ غارات جوية استهدفت حركة الشباب الصومالية، ونشرت القيادة الأمريكية بيانًا تضمن تفاصيل الغارة الجوية التي نفذها الطيران الأمريكي ضد حركة الشباب في الصومال. وقال البيان (إن الضربة نفذت الأحد بالقرب من تيدان، على مسافة 300 كيلومتر شمال العاصمة مقديشو، فيما كانت حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة تشن هجومًا على جنود صوماليين). وأفاد البيان بأنه وفق حصيلة أولية، قتلت الغارة 13 إرهابيًا من حركة الشباب فيما لم يقتل أو يصب فيها مدنيون. الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أمر في مايو 2022 بإعادة تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الصومال لمساعدة السلطات المحلية في التصدي لحركة الشباب، بعدما كان سلفه دونالد ترامب قد أمر بسحب غالبية القوات الأمريكية.

اتصالًا بما سبق، نجد أن هناك  عاملًا  آخر يتصل بالخارج دفع حركة الشباب الإرهابية لتبنى الحادث الإرهابي الأخير في الداخل الصومالي؛ إذ قامت الولايات المتحدة الأمريكية على استهداف زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في أفغانستان في أواخر شهر يوليو 2022، وهو ما يُعد ضربة معنوية لحركة الشباب الإرهابية في الصومال فرع القاعدة في شرق أفريقيا، ولكن نجد أن العملية الأخيرة التي تبنتها حركة شباب الإرهابية في الداخل الصومالي، كانت بمثابة رسالة للولايات المتحدة الأمريكية بأن مقتل زعيم القاعدة لم يؤثر على قدرة أفرع التنظيم. 

مُقاربة الحكومة الصومالية

يطرح هذا الجزء من الورقة تساؤلًا حول نجاح الرئيس الصومالي في إحراز تقدم في الملف الأمني ودحر أنشطة حركة الشباب الإرهابية؟ وما هي الاستراتيجية التي ترتكز عليها الحكومة الصومالية الحالية لمكافحة حركة الشباب الإرهابية؟

نجد أن الصومال في عهد حسن شيخ محمود لديها مُقاربة شاملة لمكافحة حركة شباب المجاهدين، حيث إن الهجمات الإرهابية التي تشنها الحركة تنعكس سلبًا على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، ولذلك تسعى الحكومة الصومالية الحالية تقويض نشاط هذه الحركة فكريًا وعسكريًا واقتصاديًا، وهو ما يعني أن الاقتصار على الاقتراب الأمني لمحاربة الحركة لن ينجح في درء الهجمات الإرهابية التي تتبناها حركة الشباب. 

ويمكن القول إن التوجه الذي تتبناه الحكومة يقوم على المزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، ويمكن استعراض ذلك على النحو التالي: 

  1. تتمثل القوة الصلبة في شل الحركة عسكريًا وماليًا، ويتضح ذلك في البُعد العسكري في العمليات العسكرية التي ينفذها قوات الجيش الصومالي المدعوم بقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال “أتميص”، بالإضافة إلى الدعم الغربي لا وخاصة الولايات المتحدة للصومال على الصعيد العسكري لمحاربة الحركة.  ونجد أنه عقب الحادث الإرهابي الأخير وتبني الحركة له، قام الجيش الصومالي بشن عملية عسكرية واسعة ضد حركة الشباب بمحافظة هيران وسط البلاد، وأسفرت العملية عن مقتل ٦٠ عنصرًا إرهابيًا من عناصر الحركة، ونفذت طائرات أمريكية غارات جوية في المنطقة نفسها لدعم عمليات الجيش الصومالي أسفرت عن مقتل ١٤ عنصرًا. كذلك العمل على تقويض نشاط الحركة ماليًا، وعرقلة نشاطها الاقتصادي لتجفيف منابع تمويل الحركة، ولا شك في أن قيام الحكومة الصومالية بتحسين الأوضاع الاقتصادية، سيساهم بشكل نسبي في تقليل انضمام مقاتلين جدد لها، وهو ما سيؤدى لتراجع العمليات الإرهابية.  
  2. أما القوة الناعمة، تتضح في تعيين قيادي سابق في حركة “الشباب” وزيرًا للأوقاف في الحكومة الصومالية، فقد اختار رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري القيادي السابق في حركة “الشباب” شيخ مختار ربو أبو منصور وزيرًا للأوقاف والشؤون الدينية في حكومته، وكان أبو منصور الناطق الرسمي باسم حركة الشباب. وتعكس هذه الخطوة الرغبة في محاربة الحركة أيديولوجيًا، فالقيادي السابق في حركة الشباب يعرف الخطاب والتكتيكات التي تتبنها الحركة لضم وتجنيد المقاتلين لصفوفها، وبالتالي لديه القدرة على تفنيد ودحض الأفكار المتطرفة. كما تعمل الحكومة الصومالية على ضمان الدعم العشائري والقبلي، ويمكن القول إنه إذا استطاعت الحكومة الصومالية توثيق علاقاتها بالعشائر الصومالية، فيمكنها أضعاف حركة الشباب وطردها من الأماكن التي تسيطر عليها. 

وفي الختام، يمكن القول إن هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية إحراز الصومال تقدمًا في الملف الأمني ومحاربة حركة الشباب الإرهابية، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال فترة الولاية الأولى (2012-2016) للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، حيث أسفر التنسيق العسكري بين الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الإفريقي ضد حركة الشباب عن استعادة أكثر من 75 في المائة من الأراضي التي احتلتها عام 2014، وتضيق الخناق على تحركاتها واستهداف عددًا القادة الرئيسيين وانشقاق كوادر منها.  

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى