أفريقيا

أجندة الاتحاد الأفريقي 2063.. المنجز وتحديات المستقبل

بعد انتشار فيروس كوفيد-19 عالميًا، واجه العديد من الدول صعوبات كبيرة؛ وفي مصاف هذه الدول كانت الدول الأفريقية، حيث اتخذت حكوماتها تدابير حاسمة للسيطرة على انتشار الفيروس والتخفيف من آثاره الاجتماعية والاقتصادية. ومن ثم قامت الدول الأفريقية بتدخلات طموحة في مجال الصحة العامة، ووسعت شبكات الأمان الاجتماعي، وأجرت تدخلات نقدية ومالية على نطاق غير مسبوق.

وعلى الرغم من النجاح في احتواء انتشار الفيروس، إلا أن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية كانت باهظة. وقد أدى ذلك إلى تفاقم عدم المساواة والضعف في جميع أنحاء القارة. وقد تسبب الوباء في مضاعفة العجز المالي وزيادة المديونية بشكل حاد، مما قلل من قدرة البلدان الأفريقية على الاستثمار في تعافيها. ثم زاد عليها اشتعال الحرب في الشمال ما بين روسيا وأوكرانيا التي أنهكت الدول الأفريقية وهددت بتقويض مكاسب التنمية التي تحققت في سبيل تحقيق أهداف أجندة 2063.

في هذه الأوقات غير المسبوقة؛ لم يتزعزع الاتحاد الأفريقي في التزامه بتحقيق أجندة 2063 وتقريب القارة من “أفريقيا التي نريدها: أفريقيا متكاملة ومزدهرة ومسالمة، يقودها مواطنوها، وتمثل القوة الديناميكية في الساحة الدولية”. بعد ثماني سنوات من خطة التنفيذ العشرية الأولى لأجندة 2063 (2014 إلى 2023)، كان من الضروري تقييم ما حققه الاتحاد الأفريقي من خلال تلك الخطة العشرية.

أهمية التقييم

من الواضح أن أفريقيا قد أحرزت تقدمًا كبيرًا في العديد من المجالات. يمكن أن يُعزى ذلك جزئيًا إلى التخطيط الأفضل، والتعاون الوثيق حول أهداف أجندة 2063 المشتركة، وتحسين الحوكمة. على الرغم من ذلك، كان هناك تقدم بطيء في بعض المجالات؛ لعدة أسباب من بينها محدودية القدرة على التنفيذ.

وقد تفاقم هذا بسبب جائحة COVID-19 العالمية التي أثرت بشدة على جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للحياة في أفريقيا. من الواضح أنه يجب علينا إعادة معايرة محافظ الاستثمار على وجه السرعة في ضوء الحيز المالي المنخفض على جميع مستويات تنفيذ أجندة التنمية في أفريقيا. ولاحظنا كذلك الحاجة إلى تعزيز القدرات البشرية والمؤسسية في إدارة البيانات والمعرفة.

  1. مستوى المعيشة

سجل الأداء العام للقارة فيما يخص مستوى المعيشة نحو 31٪، مقارنة بنسبة 56٪ المسجلة عام 2019؛ هذا الانخفاض كان نتاج عدة أسباب:

  • عدم تحقيق الزيادة المتوقعة في 2013 في الناتج المحلي والتي كان من المقدر أن تصل إلى 3.2 تريليون دولار بدلًا من 2.7 تريليون دولار التي تحققت عام 2021.
  • زيادة البطالة من 11٪ في عام 2013 إلى 15٪ عام 2021. وانخفض معامل جيني بشكل هامشي من 40.0 إلى 38.2.[1]
  • بالرغم من ارتفع عدد السكان الذين يحصلون على مياه الشرب الآمنة من 55٪ إلى 64٪؛ لكن النسبة أقل بكثير من المستهدفة من خطة 2063 والتي كان من المتوقع أن تصل 97%عام 2021.
  • زادت الخدمات زيادة طفيفة من 34٪ عام 2013 إلى 44٪ عام 2021، وهو رقم أدنى بكثير من الهدف المتوقع لعام 2021 والبالغ 84٪.
  • التعليم الجيد

لا تزال حالة التعليم في أفريقيا ضعيفة للغاية كما يتضح من نتيجة الأداء الإجمالية البالغة 44٪. يُعزى ذلك إلى تفشي COVID-19 الذي أثر بشكل كبير على الالتحاق بالمدارس التي أُغلقت لاحتواء الفيروس. وظهر الأداء المنخفض في الأداء الضعيف لمجموعة المؤشرات الأساسية حول التعليم الواردة في خطة التنفيذ العشرية الأولى لأجندة 2063. فقد أخفقت القارة في تحقيق الهدف المتوقع بنسبة 75٪ لصافي الالتحاق بالمدرسة. حيث تأثر التعليم على كافة المراحل وفقا للجدول التالي[2]:

سجلت أفريقيا تحسينات كبيرة في نسبة المعلمين المؤهلين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي ارتفعت من 44٪ في 2013، إلى 51٪ في 2021، وهي ليست بعيدة جدًا عن هدف 2021 البالغ 54٪. وشملت السياسات الأخرى لتحفيز التقدم في قطاع التعليم زيادة مخصصات الميزانية لقطاع التعليم، وتطوير مجالس المعلمين، وتوظيف المعلمين المؤهلين، وتنفيذ الأنشطة الاستراتيجية وإنشاء برامج العمل الإيجابي.

  • الصحة

كان الأداء العام للقارة الخاص بالصحة الجيدة والتغذية الجيدة في أفريقيا مرضيًا بنسبة 77٪. يمكن تفسير ذلك إلى حد كبير من خلال زيادة الاستثمارات في قطاع الصحة للحد من انتشار COVID-19. لكن سجلت القارة أداءً ضعيفًا في مجالات محددة:[3]

  • لم تتحقق معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة المستهدف وهو 15.5 حالة وفاة لكل 1000 ولادة في عام 2021
  • سجلت أفريقيا زيادة طفيفة في الإصابة بأمراض كانت قد اختفت منها الملاريا والايبولا؛ نظرا إلى التركيز على مكافحة كوفيد- 19
  • ارتفعت النسبة المئوية للنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا اللائي حصلن على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في الأشهر الـ 12 الماضية
  • التوظيف والبطالة

كان أداء أفريقيا في المجال الأهم للدول الأفريقية المتعلق بالتحول الاقتصادي وخلق فرص العمل سيئًا إلى حد ما؛ فبلغت نتيجة الأداء الإجمالية 17٪. وذلك بسبب التأثير العام لـ COVID-19 على الاقتصادات العالمية والوطنية. فانخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير من 5.5٪ إلى 0.7٪؛ مقابل المستهدف 7٪ عام 2021. وكانت مساهمة التصنيع والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي عند 11٪ و2٪؛ مقابل المستهدف 15٪ و4٪ على التوالي لعام 2021. وبالمثل، لم تحقق القارة هدفها في الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فسجلت حوالي 0.45٪؛ مقابل المستهدف 2021 البالغ 1٪.[4]

  • البنية التحتية

سجلت القارة نتيجة أداء إجمالية بلغت 70٪ في بناء البنية التحتية على المستوى الإقليمي والقاري التي تربط البلدان الأفريقية والتي تهدف إلى تسهيل حركة الأفراد والسلع والخدمات. على الرغم من أن الأداء في تنفيذ الطرق السريعة عبر أفريقيا وشبكة السكك الحديدية عالية السرعة بلغ 15٪ و10٪ على التوالي؛ كان أداء أفريقيا جيدًا للغاية في نواحٍ أخرى:

  • التزام الدول الأعضاء بالانضمام وتنفيذ جميع مقاييس سوق النقل الجوي الأفريقي الموحد (80٪ من القيم المتوقعة 2021)
  • عدد الميجاوات المضافة إلى الشبكة الوطنية (193٪ من القيم المتوقعة 2021).
  • نسبة السكان الذين يستخدمون الهواتف المحمولة (91٪ من القيم المتوقعة لعام 2021).[5]
  • مؤسسات مالية أفريقية

شرعت أفريقيا في إنشاء مؤسسات مالية قارية لدعم التكامل والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة. تم تحديد ثلاث مؤسسات رئيسة لتلعب دورًا محوريًا في تعبئة الموارد وإدارة القطاع المالي الأفريقي، وهي البنك المركزي الأفريقي ACB))، وبنك الاستثمار الأفريقي AIB))، وصندوق النقد الأفريقي AMF)). وأكمل محافظو البنوك المركزية واعتمدوا مواءمة معايير تقارب الاقتصاد الكلي مع برنامج التعاون النقدي الأفريقي AMCP)).

  • البيئة

نتيجة الأداء الإجمالي لأفريقيا بلغت 64٪ في هذا الهدف، فسجلت القارة أداءً متنوعًا بين المؤشرات الأساسية الثلاثة حول الاقتصادات والمجتمعات المستدامة بيئيًا والمقاومة للمناخ. إلا أنه تم تسجيل أداء جدير بالثناء في نسبة المناطق البرية والمياه الداخلية المحفوظة والتي زادت من 13.8٪ إلى 20.2٪.

ومع ذلك، لم تحقق القارة أهداف عام 2021 في الحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية وفي نسبة الأراضي الزراعية الخاضعة لممارسات الإدارة المستدامة للأراضي بسبب بطء وتيرة تنفيذ الإدارة المستدامة للأراضي وسياسات وأطر التكيف مع المناخ.

وبُذلت جهود سياسية وتنفيذية عديدة لتعزيز الاقتصاد الأزرق، ليس فقط الدول الساحلية ولكن لجميع البلدان الأفريقية. في حين أن الأداء العام لتحقيق هذا الهدف كان متدنيًا إلى حد ما، إذ تم تسجيل نسبة 39٪، إلا أن الجهود أفريقيا في تعزيز قطاع مصايد الأسماك أسفرت عن نتائج جيدة.

وتم تسجيل متوسط ​​القيمة المضافة لقطاع مصايد الأسماك في القارة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي عند 1.09٪ مقابل مستهدف 1.16٪، مما يدل على أداء قوي بنسبة 78٪. ومع ذلك، ظل أداء القارة في مجال التكنولوجيا الحيوية البحرية ضعيفًا.

  • السلام والأمن

سجلت القارة انخفاضًا كبيرًا في الوفيات المرتبطة بالنزاع، والناجمة عن النزاعات المسلحة والخلافات والتعصب على أسس دينية أو عرقية. في عام 2020، سُجلت 144 حالة وفاة مرتبطة بالنزاع (لكل 100000 شخص) مقابل 202 حالة عام 2013.

وتُظهر هذه النتيجة أيضًا أنه تم تجاوز كل من هدف عام 2021 البالغ 121 وهدف 2023 وهو 101 حالة وفاة مرتبطة بالنزاع. يُعزى الأداء القوي إلى تدخلات مختلفة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي. من بين هذه التدابير، المبادرات الشاملة التي تركز على الحوار ومنع النزاعات وإدارتها، وتبنى جهود أصحاب المصلحة المتعددين من القادة الدينيين والنساء والشباب، والاستفادة من أنظمة الإنذار المبكر.

أثر كوفيد-19 على أهداف 2063

تسببت جائحة COVID-19 في تعطيل الاقتصاد العالمي، وهددت بعكس المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي حققتها القارة الأفريقية خلال السنوات الثماني لخطة التنفيذ العشرية الأولى لأجندة 2063. على الرغم من أن القارة سجلت معدلات أقل من الإصابات والوفيات مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم؛ إلا أن تأثير الوباء قد فرض ضغوطًا هائلة على النظم الصحية الأفريقية، وكان له تأثير سلبي شديد على الاقتصادات الأفريقية ورفاهية الناس في أفريقيا.

فتقلص الناتج الاقتصادي لأفريقيا بشكل كبير منذ بداية الوباء، مما خلق حالة ركود اقتصادي. يُعزى هذا بشكل أساسي إلى العديد من التدابير التقييدية والاحتوائية، مثل إغلاق الحدود؛ التي أدت إلى تعطيل الأعمال التجارية، وانخفاض كبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وانقطاع سلاسل التوريد العالمية من أفريقيا وإليها، إلى جانب التراجع العالمي في النمو الاقتصادي. وتأثرت الدول الجزرية النامية المعتمدة على السياحة والموجهة للتصدير بشكل خاص بالقيود الحدودية.

وكان سوق العمل والمشروعات المتناهية الصغر والمتوسطة والفئات الضعيفة الأكثر تضررًا نتيجة فقدان الدخل والارتفاع الملحوظ في معدلات البطالة. لذا عملت الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي بشكل تعاوني على مدار العامين الماضيين للتخفيف من الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية للوباء. وعلى المستوى القاري، تضافرت جهود الاتحاد مع مختلف أصحاب المصلحة الإقليميين والقاريين لضمان اتخاذ إجراءات متماسكة في معالجة كل من الرعاية الصحية والآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء على المستويات الوطنية والإقليمية والقارية.

منذ بداية جائحة COVID-19، كان الاتحاد الأفريقي من أوائل المؤسسات في القارة التي اعتمدت بسرعة استراتيجية قارية مشتركة بعد اجتماع طارئ لوزراء الصحة الأفارقة. ولعبت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها Africa CDC)) وهي ذراع للصحة العامة في الاتحاد الأفريقي دورًا رائدًا في تنسيق استجابة الصحة القارية لـ COVID-19، لا سيما فيما يتعلق بتعزيز قدرات الدول. فقدمت المساعدة الفنية في الإشراف على مراقبة COVID-19، بما في ذلك الفحص عند نقاط الدخول، والوقاية من العدوى والسيطرة عليها في مرافق الرعاية الصحية، والتشخيص المختبري والمشاركة المجتمعية.

من خلال الشراكة لتسريع اختبار COVID-19؛ تم تعزيز قدرات الاختبار الوطنية وتوزيع الملايين من مجموعات الاختبار في جميع أنحاء القارة. ومن خلال صندوق الاستجابة لـ COVID-19، جمع الاتحاد الأفريقي الموارد لتعزيز الاستجابة القارية لـ COVID-19، من خلال دعم الشراء الجماعي للسلع الطبية لتوزيعها على الدول الأعضاء في الاتحاد.

وبالمثل؛ أطلق الاتحاد الأفريقي منصة الإمدادات الطبية الأفريقية AMSP)) في أغسطس 2020 لتزويد الدول الأفريقية باتصال فوري وسريع بالشركات المصنعة والموردين المعتمدين للمعدات الطبية والحصول عليها بتكلفة منخفضة. وعملت المنصة كواجهة فريدة لاقتناء وتوريد ونقل وإدارة الإمدادات الطبية استجابة لوباء COVID-19.

وللإسراع في تنفيذ أهداف المرحلة الثانية من خطة 2063 وتلافي العجز في المرحلة الأولى، سيتعين على الاتحاد الأفريقي:

  • زيادة الوعي والمشاركة في أجندة 2063 بين المواطنين والمؤسسات الأفريقية كشرط مسبق للتنفيذ الفعال على المستويين الوطني والإقليمي.
  • تمكين المجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء من تسلسل الأهداف والغايات المنصوص عليها في أجندة 2063 في خطط التنمية الإقليمية والوطنية.
  • تسهيل دعم التنفيذ المنسق من الجهات الفاعلة في التنمية في تنفيذ خطط التنمية الإقليمية والوطنية التي تعزز أجندة 2063 كمكونات متكاملة.

[1]  يعني معامل جيني العدالة في توزيع الاجور بين طبقات المجتمع وهي نسبة ما بين 0-1؛ كلما اقتربنا من الصفر يعني الاق

تراب من العدالة والعكس وبالعكس.

[2] African Development Bank (AfDB). (2021). African economic outlook 2021. From debt resolution to growth: The road ahead for Africa

[3] Transforming Africa’s health system in wake of COVID-19 pandemic, WHO (22nd, Aug, 2022)

[4] 1 Source: Africa Innovation Outlook Report, 2019

[5] Second Continental Progress Report on the Implementation of Agenda 2063

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى