
فرص حل الأزمة الليبية
عقد مجلس الأمن الدولي، الاثنين الماضي، جلسة بشأن ليبيا؛ للنظر في مسألة تعيين مبعوث جديد للأمين العام للأمم المتحدة، خلفًا للأمريكية ستيفاني ويليامز، التي كان لها دور رئيس في إدارة الأمور والتفاهمات المحتملة بين الأطراف الليبية، دون أن تتوصل فعليًا إلى أي نتائج ملموسة، حيث ركزت في عملها على إقناع الأطراف الليبية بصياغة قوانين وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة. ويبدو، الى حدود كتابة هذا المقال، أن المرشح الجديد للمنصب هو الوزير السنغالي السابق عبد الله بيتالي.
يأتي اختيار المبعوث الأممي التاسع الى ليبيا في ظل جمود سياسي تمر به البلاد، بينما تتصاعد تدريجيا أزمة وجود حكومتين مع رفض كل منهما التعاطي مع الأخرى، في وقت ألمح رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، إلى فكرة تشكيل حكومة ثالثة مصغرة يقوم دورها على التجهيز للانتخابات المرتقبة، معتبرًا أن الحكومتين الحاليتين لا تريدان الذهاب إلى الانتخابات حتى بعد 5 سنوات، وحكومة الدبيبة لا تستطيع إجراءها؛ لأن نفوذها مقتصر على طرابلس وبعض المدن. ما يعني، وفقًا للمشري، التوافق على قاعدة دستورية وحكومة مصغرة هدفها إجراء الانتخابات فقط. هذا الاقتراح وإن كانت تدفع به مبعوثة الأمم المتحدة السابقة، إلا أنه يبقى محل خلاف كبير بين الأطراف الليبية.
في المقابل، تستمر المطالبات الدولية لكل من رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بالتوصل إلى اتفاق حول المسار الدستوري خلال فترة زمنية محددة. وتوجد كذلك اجتهادات أخرى تقترح إجراء اجتماع موسع يضم كل الأطراف الليبية الفاعلة (خليفة حفتر/عبد الحميد الدبيبة/ عقيلة صالح/ خالد المشري/ فتحى باشاغا) دون وجود تصور محدد حول كيفية تحقيق ذلك. بصفة عامة، هناك حالة من التخبط لدى الأطراف الليبية نتيجة تلقيها العديد من الرسائل المتضاربة من القوى الدولية والإقليمية حاليًا، والتي تتضمن مبادرات مختلفة ما بين دعم المسار الدستوري والبحث عن حل سياسي أو كليهما، مع غياب أي دور حقيقي للبعثة الأممية بعد مغادرة ستيفاني ويليامز منصبها.
قام عقيلة صالح بزيارة تركيا، أوائل أغسطس الحالي، التقى خلالها الرئيس التركي وعددا من المسؤولين الأتراك، وكان هدفها الرئيس ترتيب لقاء يجمعه برئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، برعاية تركية للاتفاق على البنود الخلافية العالقة في المسار الدستوري، وكذا المسار التنفيذي عبر اختيار حكومة جديدة بخلاف حكومتي الدبيبة وباشاغا الخلافيتين.
ولم يسفر اللقاء عن تقدم يذكر في ظل تمسك عقيلة بربط التوصل إلى اتفاق حول المواد الخلافية بالاعتراف بشرعية حكومة فتحي باشاغا. فيما يروج المشري منذ عودته من تركيا لأنهما اتفقا على إيجاد مسار ثالث من خلال تسمية رئيس حكومة جديد. وتشير الأنباء إلى أنه لم يحدث اختراق يذكر بقدر الاتفاق على ضرورة حلحلة الخلاف حول المسار الدستوري والإسراع بإجراء الانتخابات من خلال حكومة موحدة وتأكيد التهدئة واستبعاد الحل العسكري.
من ناحية أخرى، يظل المجلس الرئاسي الليبي عاجزًا عن اتخاذ خطوات فعالة نحو تحسين الأوضاع في البلاد، ولم ينجح في تفعيل مبادرته للمصالحة التي كانت تهدف إلى عقد لقاء ثلاثي يجمع بين الرئاسات الثلاث (المجلس الرئاسي/ رئاسة البرلمان/ رئاسة مجلس الدولة) للاتفاق على المواد الخلافية في المسار الدستوري والاتفاق على حكومة موحدة؛ وذلك بسبب إصرار عقيلة على الاعتراف بحكومة باشاغا. في المقابل، تظل سيطرة الدبيبة على الموارد المالية ورفض غالبية الجماعات المسلحة لحكومة باشاغا ضمانة لاستمرار الدبيبة في منصبه أطول وقت ممكن؛ إذ لا يملك المجلس الرئاسي أي سلطة لمواجهته، رغم التبعات الكارثية لتصرفات الأخير على الأوضاع لاسيما الاقتصادية.
في ظل هذا الانقسام والصراع على السلطة ومناطق النفوذ، يبدو أن الأزمة الليبية لم، وربما لن، تبارح مكانها قريبًا. ولا يبدو أن المبعوث الأممي الجديد يمكن أن يصل إلى أكثر مما وصل إليه سابقوه؛ فالبعثة الأممية فشلت في ليبيا منذ بداية عملها وأخفقت في إعادة القطار الى سكته في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن الليبي. وإذا كانت القوى الغربية لا تبحث في ليبيا سوى عن دعم اقتصادها وتحقيق مكاسب ذاتية في ظل ظرفية دولية موصومة بالأزمات الاقتصادية المتتالية، فإنه لا حل للازمة سوى من الليبيين أنفسهم الذين يجب أن يضغطوا على الساسة الليبيين من أجل الخروج من القعر، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فبعد كل هذه السنوات بات يقينًا أن الحل في ليبيا يجب أن يأتي من الداخل وليس الخارج.