آسيا

“حوار شانغريلا “.. قراءة في قمة الأمن الآسيوي التاسعة عشر

في خِضم توترات عالمية متزايدة ومتصاعدة يئن من تبعاتها العالم؛ انعقدت الدورة الـ (19) من “قمة الأمن الآسيوي” أو ما تٌعرف بـ “حوار شانغريلا” الدفاعي في سنغافورة. وذلك بعد توقف دام لعامين بسب تداعيات جائحة “كوفيد-19”. ركزت قمة هذا العام التي نظمها “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” (IISS) في الفترة من 10 وحتى 12 يونيو الجاري؛ على عدد من الموضوعات المهمة؛ من أبرزها الوضع الأمني الإقليمي، وسبل التعاون والتبادل في مجال الدفاع، وتعزيز الشراكات الأمنية في منطقة آسيا ودول المحيط الهادئ، فضلًا عن التطرق إلى القضايا الخِلافية بين الصين والولايات المتحدة حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك المسار المستقبلي لتايوان، والإجراءات الصينية في بحر الصين الجنوبي، ومحاولات بكين توسيع نفوذها في جنوب المحيط الهادئ، فضلًا عن محاولة الولايات المتحدة حِصار الصين اقتصاديًا بتوقيع عدد من الاتفاقيات مع حُلفائها في تلك المنطقة. 

قضايا على أجندة الحوار

انطلق ما يُعرف بـ “حوار شانغريلا” منذ عام 2002، ويٌعقد بصفة دورية كُل عام بين الدول الآسيوية لمناقشة القضايا الدفاعية، ومع تطورات الأوضاع العالمية بات هذا الحوار -الذي يضم مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى- منصة مهمة للحوار والمُباحثات الدبلوماسية؛ بحثًا عن حلول للمشكلات والقضايا العالمية. 

ضم الحوار هذا العام جلسات ونقاشات واجتماعات ثنائية بين كبار المسؤولين ووزراء الدفاع من أكثر من 30 دولة حول مجموعة من الموضوعات الإقليمية والدولية الملحة من أبرزها (جلسة تناولت استراتيجية الولايات المتحدة لمنطقة المحيط الهادئ، تحدث خلالها وزير الدفاع الأمريكي “لويد جيه أوستن”، وجلسة تطرقت إلى كيفية إدارة المنافسات الجيوسياسية في مناطق النزاعات، تحدث خلالها وزراء دفاع فرنسا واليابان وإندونيسيا. 

وتطرقت إحدى الجلسات إلى تطوير أشكال جديدة للتعاون الأمني، تحدث فيها وزراء دفاع ماليزيا وأستراليا وقطر. وتناولت أخرى مسألة التحديث العسكري وقدرات الدفاع الجديدة، تحدث فيها وزراء دفاع الفلبين وكمبوديا وفيتنام، فضلًا عن جلسات أخرى تناولت قضايا المناخ والبيئة وأمن الممرات البحرية، ورؤية الصين للنظام الإقليمي، والتحديات الأمنية المشتركة لدول آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا. وكانت الحرب الروسية الأوكرانية حاضرة بقوة على أجندة قمة الأمن الآسيوي التي شهدت كلمة افتراضية للرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”.

ورغم كل تلك القضايا والملفات العديدة التي شهدتها قمة “الأمن الآسيوي” في دورتها الـ 19، سنركز في السطور القادمة على الاجتماع الذي ضم كلًا من وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إضافة إلى موقف المجتمعين من الحرب الروسية الأوكرانية التي تدور رُحاها منذ أكثر من ثلاثة شهور. 

اللقاء الأول بين “أوستن” و “فنجي”

على هامش القمة، ندد وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” بالنشاط العسكري الصيني قرب تايوان، ووصف تحركات الصين بالاستفزازية التي تُهدد بتقويض الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في المقابل، لوح نظيره الصيني “وي فنجي” بالحرب إن أعلنت جزيرة تايوان استقلالها.

وعلى هامش اجتماع بين “وي فنجي” و “لويد أوستن”، أكد الأخير أن بلاده لا تزال مُلتزمة “بسياسة الصين الواحدة” القائمة منذ فترة طويلة، ومُشددًا على التزامها بقانون العلاقات مع تايوان، وأوضح أنه وبموجب سياسة “الصين الواحدة” تعترف الولايات المتحدة بموقف الصين بأن تايوان جزء من الصين، لكنها لم تعترف رسميًا ولن تعترف بمطالبة “بكين” بالجزيرة. في السياق ذاته، شدد “أوستن” على أهمية انخراط جيش التحرير الشعبي في حوار موضوعي مع قوات الجيش الأمريكي لمنع سوء الفهم بين الطرفين وتقليل المخاطر الاستراتيجية.

في المقابل، أوضحت الصين أن “مبدأ الصين الواحدة” هو حجر الزاوية للعلاقات بين “بكين” و”واشنطن”. واتهمت الولايات المتحدة بتهديد الوضع الراهن في الجزيرة؛ بسبب مبيعات الأسلحة، وهو أمر تقول “بكين” إنه يقوض سياستها ومصالحها الأمنية.

وصًّرحت “بكين” بأنها تأمل في بناء علاقة مُستقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي حثت الصين على التصرف بعقلانية إزاء تحركاتها في آسيا وتنامي نفوذها، ودعت الصين الولايات المتحدة إلى عدم التدخل في السياسة الداخلية للصين وتقويض مصالح “بكين”، موضحة أن أي جهد من جانب “واشنطن” لاستخدام “تاييه” كوسيلة لمواجهة “بكين” محكوم عليه بالفشل.

وعلى الرغم من أن كلا الجانبين أكدا على رغبتهما في إدارة علاقتهما بشكل أفضل، إلا أن بكين وواشنطن ظلتا مستقطبتين بشأن العديد من المواقف الأمنية المتقلبة، من سيادة تايوان إلى النشاط العسكري الصيني في المحيط الهادئ وغزو روسيا لأوكرانيا. لكن المفيد في الأمر، أن “حوار شانغريلا” شهد اجتماعًا يُعد هو الأول وجهًا لوجه بين وزيري دفاع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهو أمر قد يُشعر الدول الآسيوية بالاطمئنان، خاصة في ظل التوسعات الصينية في المنطقة.

الأزمة الأوكرانية.. ناقوس خطر

بينما يُركز “حوار شانغريلا “عادة على آسيا، إلا أن الحرب في أوكرانيا هيمنت على أجندة الأيام الثلاثة، وسيطرت تداعياتها على مناقشة مائدة مستديرة بين 27 وزيرًا وممثليهم في مؤتمر حوار شانغريلا الأمني يوم السبت (11 يونيو). حيث ألقى الرئيس الأوكراني ” فولوديمير زيلينسكي ” كلمة افتراضية على المجتمعين في سنغافورة، وسعى الوفد الأمريكي إلى إقناع الدول الآسيوية بتكثيف دعمها للحكومة الأوكرانية المحاصرة، مع طمأنة الحلفاء والشركاء الآسيويين في نفس الوقت.

وفي كلمته في اليوم الثاني من القمة الموافق 11 يونيو، قال الرئيس الأوكراني إن بلاده ستنتصر بالتأكيد في هذه الحرب التي بدأتها روسيا، وحذر العالم من مواجه نقص حاد في الغذاء ومجاعة في آسيا وأفريقيا إذا لم تتمكن أوكرانيا من تصدير الغذاء بسبب الحصار الروسي. وأضاف أن هذا سيؤدي بدوره إلى سقوط العديد من الحكومات. وحث زعماء العالم على بذل كل ما في وسعهم لمنع روسيا من تدمير حرية الملاحة واستعادة القوة الكاملة للقانون الدولي.

انتاب المجتمعين القلق إدراكًا لما تعنيه الحرب المستمرة في أوكرانيا بالنسبة لبقية العالم، بما في ذلك الثمن الذي يتعين على أوكرانيا وروسيا وأوروبا دفعه. ودار نقاش حول رفض العدوان بوصفه انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة. وكذلك ناقش الوزراء تداعيات الحرب من حيث الخسائر في الأرواح، والسلام الدولي، وكذلك على سلاسل التوريد واستقرار الأسواق. وتبادل العديد منهم وجهات النظر حول كيفية تأثير الوضع على منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والعالم.

وكان من بين المشاركين في تلك الجلسة وزير دفاع الولايات المتحدة “لويد أوستن” ووزير الدفاع الصيني “وي فنغي” الذي غادر القاعة أثناء كلمة الرئيس الأوكراني، فضلًا عن وزراء دفاع ماليزيا وكندا وبروناي وسريلانكا وقطر. وأكدوا على أهمية الحفاظ على نظام دولي قائم على القواعد، واتفقوا على الأهمية الأساسية للالتزام بالتزامات الدول بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. من جانبها لم تدن الصين الهجوم الروسي ولم تصفه بأنه غزو، لكنها حثت على إيجاد حل تفاوضي.

على الرغم من أن نتائج المداولات التي استمرت على مدى ثلاثة أيام في سنغافورة لم تنبئ بأي انفراجة في تسوية الخلافات الأمنية طويلة الأمد، دقت كلمات وزير الدفاع السنغافوري “نج إنج هين” ناقوس خطر، مُوضحًا أن العالم أصبح مكانًا أكثر خطورة منذ عام 2019، وذلك في خِضم تعميق الانقسام، وتراجع التعاون العالمي بين دول العالم، فضلًا عن التداعيات الكارثية لوباء “كوفيد-19”. وأضاف إن آسيا بحاجة إلى تعلم “الدروس الصحيحة” للوقاية من الحرب في أوكرانيا، من أجل تجنب أي كارثة مًحتملة في الفناء الخلفي الخاص بها.

في الأخير، وإن كان هناك توافق حول أنه لا يمكن حل النزاعات بين عشية وضحاها من خلال حوار واحد، فإن مثل هذه الحوارات وما تشمله من اجتماعات ثنائية بين مسؤولي الدول المُختلفة كاللقاء الذي جمع وزيري الدفاع الأمريكي والصيني تُسهم في تعزيز الطرق الدبلوماسية لحل المشكلات سواء الثنائية أو المشكلات الإقليمية والدولية، ذلك أن عدم بلورة حلول واستجابات للتحديات العالمية المُلحة سيترتب عليه انتكاسات كبيرة على قضايا جوهرية كتغير المناخ والاتجار بالبشر والإرهاب.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى