إسرائيل

عام على الحكومة الإسرائيلية.. «الانهيار يقترب»

على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت استطاعت أن تنهي حقبة رئيس الوزراء التاريخي بنيامين نتنياهو، إلا أنه لم يكد يمر عام واحد حتى أصبحت على شفا الانهيار ومُهددة بالسقوط سريعًا، بين توقعات بإجراء انتخابات جديدة، أو استبدال الائتلاف الحكومي الحالي، وفي كلتا الحالتين سيحضر نتنياهو بقوة بعد أن استعد جيدًا الفترة الماضية التي عمل فيها على تعظيم حجم المشكلات التي تواجه الائتلاف الحالي الذي سقط في أكثر من اختبار، كان أبرزهم الفشل في تمديد قانون الطوارئ في الضفة الغربية لأول مرة في تاريخ إسرائيل، وهو ما يُنبئ الإسرائيليين بأن الخلافات بين مُختلف الأطراف السياسية نمت حتى أصبحت أكبر من المصلحة العليا لإسرائيل.

سلسلة من الهزائم في الكنيست

في الكنيست الإسرائيلي، يحظى ائتلاف بينيت بأغلبية ضئيلة للغاية ومنقسمة بقوة حول عدد من القضايا أبرزها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبعد أن فقد الائتلاف دعم عضوين في تحالف «يمينا» المنتمي إلى اليمين الإسرائيلي خلال العالم الماضي، وجد رئيس الحكومة أنه يسيطر على نصف النواب أي 60 نائبًا من أصل 120، أي أصبح سقوط الائتلاف يتوقف على عضو واحد فقط.

منذ اندلاع موجة العنف التي استهدفت الداخل الإسرائيلي في مارس الماضي والتي شملت سلسلة هجمات ضد المدنيين والعسكريين في إسرائيل، يواجه وزير الخارجية الإسرائيلي «يائير لابيد» توترًا داخل معسكره بسبب وجود عضوين يتبعان الأقلية العربية في الكنيست، وهما من عرقلا العديد من القوانين التي تتعلق بالمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المُحتلة، وكان أبرز تلك القوانين مد قانون الطوارئ في الضفة لأول مرة في تاريخ إسرائيل منذ عام 1967، وهو الأمر الذي يؤكد هشاشة الحكومة الإسرائيلية التي لم تستطع تمرير قانون هدفه المصلحة العليا في إسرائيل.

تلك الأمور دفعت المُحللين السياسيين في إسرائيل إلى التوقع بإجراء انتخابات مُبكرة بين ديسمبر ويناير المقبل، أو في أبريل، ومنهم المُحلل السياسي البارز في هيئة البث الإسرائيلية «مكان» يوآف كراكوفسكي الذي قال إن حكومة بينيت تحاول الآن كسب الوقت. 

خطاب بينيت

في خطاب بمناسبة مرور عام على الحكومة الإسرائيلية التي تشكلت في 13 يونيو 2021، بدت أزمة بينيت الكبيرة في كلماته التي قال فيها مستشعرًا الخطر إن هذه الحكومة الأفضل من بين الحكومات التي عرفتها إسرائيل وأنها يجب أن تستمر. ووفقًا لما نقله موقع «آي 24» الإسرائيلي، قال بينيت: «انقضى عام على تشكيل حكومة الإنقاذ الوطنية، وباعتقادي أن كل من يغتنم الصدق سيعترف أن هذه هي واحدة من أفضل الحكومات التي عرفتها إسرائيل، لا سيما أنها ترتكز إلى ائتلاف من الائتلافات الأصعب التي عرفها الكنيست»، مضيفًا أن هذه الحكومة انتشلت إسرائيل من «حالة الشلل إلى النمو، ومن الضعف إلى الردع، ومن الفوضى إلى الحياة الطبيعية».

وتابع بينيت: «هذه الحكومة يجب ألا تتوقف مسيرتها، يجب أن نستمر في النضال من أجل الجمهور الإسرائيلي، لقد حققت حكومتنا في عام واحد ما لم تحققه الحكومات منذ عشر سنوات»، مستعرضًا في خطابه ما أطلق عليه «النقلات الجوهرية» التي استطاعت هذه الحكومة تحقيقها، وعلى سبيل المثال مجال البطالة، حيث عادت أعداد هائلة من العاطلين عن العمل إلى العمل، وحققت إسرائيل نموًا اقتصاديا بلغ 8.1%، على حد تعبيره.

وانتقل للحديث عن الجبهة الجنوبية في إسرائيل وما تعرضت له من قصف بالصواريخ من قبل حركة «حماس»، فضلًا عن إطلاق مئات البالونات الحارقة، مستطردًا: «لقد أصبح ذلك من الماضي»، مضيفًا: «ورثنا إهمالًا مجرمًا بمواجهة العنف في المجتمع العربي، وقد أسهمنا في خفض حالات القتل وإطلاق النار بـ40%.. لقد أنقذنا أرواحًا.. ولم نخش من السماح لمسيرة الأعلام السنوية بالانطلاق في شوارع القدس لأن الأمر يخص سيادة إسرائيل فوق أراضيها.. ورفعنا بذلك من معنويات الشعب ومن قدرة الردع».

وقال بينيت: «لقد ورثنا قلة الحيلة واليأس أمام إيران، وأحدثنا تغييرًا تاريخيًا في النضال ضدها.. لقد ورثنا الشلل التام في الخدمات العامة، وأحدثنا كلنا حالة من الازدهار من أجل المواطن.. يمكننا أن نعلنها جهارًا أنه بانقضاء عام على حكومة الإنقاذ: معا نجحنا». 

وفي نهاية الخطاب وجه الشكر لوزير الخارجية الإسرائيلي «يائير لابيد» الذي وصفه بـ«الصديق والشريك الذي يمكن أن نتعلم منه دروسًا في الخصال الحميدة»، ووجه شكره لكل رؤساء الأحزاب، وزير القضاء جدعون ساعر، ووزير الأمن بيني جانتس، ووزير المالية أفيجدور ليبرمان ووزير الصحة نيتسان هوروفتس، ورئيس القائمة الموحدة عضو الكنيست منصور عباس، مستطردًا: «لقد انتقلنا من ثقافة الأنا إلى ثقافة نحن».

تحولات

كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أنَّ هناك اتصالات سرية بين مقربين من حزب الليكود الإسرائيلي بزعامة رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو وجدعون ساعر رئيس حزب «تكفا حداشا» سعيًا إلى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة دون التوجه إلى انتخابات.

وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أنَّ الاتصالات تجري بين ساعر ويعقوب أتراكتشي المقرب من رئيس الوزراء السابق نتنياهو للاتفاق على تشكيل حكومة برئاسته، لافتة إلى أنَّ ذلك سيكون في مقابل عرض حقائب وزارية سيادية على ساعر ومنها وزارة الخارجية، وفي المقابل سيحصل الليكود على حقيبة القضاء. وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أنَّ نتنياهو طلب من المسؤولين في حزب الليكود خفض وتيرة الهجوم على ساعر، والابتعاد عن توجيه الانتقادات له. 

وكان رئيس حزب تكفا حداشا قد انشق عن حزب الليكود مؤسسًا حزبه الجديد بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، مبررًا ذلك بأنَّه يعارض استمرار حكم بنيامين نتنياهو، وجاء ذلك بعد تنافس بينه وبين نتنياهو على رئاسة الليكود ولكنه خسر في النهاية.

وفي سياق آخر، قال منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة الممثلة عن الشق الجنوبي من الحركة الإسلاميّة داخل إسرائيل، خلال فعالية ثقافية في وسط إسرائيل، إنه لا يستبعد الجلوس مع نتنياهو وأحزاب اليمين في حال أرادوا تشكيل حكومة، وذلك وفقًا لما ذكره موقع «واللا» الإسرائيلي. 

وقال عباس إنه لا يستبعد الجلوس مع النائب بتسلئيل سموتريتش والنائب إيتمار بن غفير أيضًا، طالما لم يستبعدوه كما حدث في المرة السابقة. وجاء هذا التصريح على الرغم من أن بن غفير وسموتريتش عضوا كنيست من التيار اليميني المتطرف من حزب الصهيونية الدينية، الأمر الذي يتعارض مع مبادئ الحركة الإسلامية على مرّ التاريخ منذ أن دخلت الكنيست الاسرائيلي لأول مرة في سنوات التسعينيات.

وعلى حد قوله، فهو لن يدعو أي عضو كنيست عربي إلى الاستقالة بسبب مواقفه وقراراته في التصويت، مثلما لم تطالب الأحزاب اليهودية عضو الكنيست عاميحاي شكلي أو عضوة الكنيست سيلمان من حزب يمينا بالاستقالة بعد أن تخلفا عن التصويت لمصلحة الحكومة.

وفي حديث أجرته النائبة عن ميرتس غيداء ريناوي زعبي مع هبئة البث الإسرائيلية «مكان» باللغة العربية، قالت إنها لا تفكر في الاستقالة من الكنيست وأن «حزب ميرتس هو الذي تغير فيما هي لم تتغير»، في تلميح من جانبها إلى تغليب الحزب للبراجماتية والطاعة الائتلافية على المواقف المبدئية للحزب.

وكشفت الهيئة عن أن النائبة العربية في حزب ميرتس «اليسار الصهيوني» غيداء ريناوي زعبي أعلنت عن سلسلة مطالب قامت برفعها أمام مسؤولين حكوميين كشرط لاستقالتها من الكنيست والتي طالب بها متظاهرون في وقفة احتجاجية، وعلى رأس المطالب خطة حكومية لمدينة الناصرة على غرار تلك التي وضعت لقرية جسر الزرقاء الواقعة جنوبي حيفا. وتطالب ريناوي كذلك بتحويل الميزانية التي وعدت بها الحكومة إلى المستشفيات الحكومية مع التركيز على مدينة الناصرة، وزيادة مناطق نفوذ السلطات العربية، وزيادة نسبة تمثيل العرب في القطاع العام.

وأفادت مصادر مطلعة أنه تم في السابق إدراج معظم هذه المطالب في الخطط السابقة التي وافقت عليها الحكومة، لكنها تعثرت في أعقاب توتر العلاقات بين ريناوي الزعبي ونائب رئيس الوزراء يائير لابيد. ويأمل المشاركون في المحادثات في التوصل إلى اتفاقات نهائية في الأسبوع المقبل على أساس ما تم من توافق حول هذه القضايا.

وأشارت إلى أنها لا تريد أن ترى إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وزراء في الحكومة، لكن «الائتلاف الحكومي وصل إلى درجة أنه يهدد المجتمع العربي بأسره خاصة في القضايا الوطنية، مشيرة إلى أن هناك حدود لا يمكن تخطيها». وألمحت زعبي إلى أن مصوتي ميرتس العرب يؤيدون خطها تمامًا، وأنها تفضل العودة إلى مكانها الذي غادرته قبل الانضمام إلى الكنيست مرفوعة الرأس، وختمت حديثها بالقول «لا أفكر مطلقًا في الاستقالة».

من جانبهم، يمارس رؤساء السلطات في المجتمع العربي الضغوطات على النائبة غيداء ريناوي الزعبي للاستقالة من الكنيست، وبعضهم تحدث معها مطالبين إياها بإخلاء مقعدها، وقال أحد رؤساء السلطات إنهم يشعرون بالإهانة. وبحسبه، فقد تم الاتفاق في مكتب الوزير لابيد على عودتها إلى الائتلاف مقابل الدفع بالمشاريع وتخليص الميزانيات، والآن كل شيء عالق بسببها، وفقًا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية.

استطلاع رأي

بعد يوم واحد من فشل الائتلاف الحكومي في تمرير تمديد قانون الطوارئ بالضفة الغربية المُحتلة، أكد استطلاع للرأي نشرته هيئة البث الرسمية، الثلاثاء الماضي، أنه إذا أجريت انتخابات جديدة في إسرائيل فإن كتلة اليمين ستفوز بـ 60 مقعدًا.

ووفقًا للاستطلاع، سيكون حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو هو الأكبر في الكنيست بحصوله على 35 مقعدًا، يليه حزب الوسط «يش عتيد» بزعامة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بـ20 مقعدًا، ومن المتوقع أن يكون حزب «الصهيونية الدينية» اليميني ثالث أكبر حزب بـ10 مقاعد، فيما سيحصل كل من حزب «شاس» المتدين وحزب «أزرق أبيض» في الائتلاف على 8 مقاعد.

ويحصل –بمقتضى الاستطلاع- كل من حزب «العمل» و«يهدوت هتوراة» المتدين على 7 مقاعد لكل واحد منهما، في حين يحصل كل من «يمينا» و«القائمة المشتركة» على 6 مقاعد لكل منهما، في حين يحصل «يسرائيل بيتنو» على 5 مقاعد، وحزبا «ميرتس» و«القائمة الموحدة» يحصلون على 5 مقاعد.

وأكدت أغلبية محدودة من الإسرائيليين ونسبتهم 35% أنهم يفضلون بقاء الحكومة الحالية في السلطة، فيما قال ثلث الناخبين إنهم يفضلون العودة إلى صناديق الاقتراع، فيما قال حوالي 25% إنهم يؤيدون تشكيل حكومة بديلة برئاسة نتنياهو.

وتم إجراء الاستطلاع بعد يوم واحد من فشل الائتلاف في تمرير تمديد قانون الطوارئ في الضفة الغربية المحتلة، في الوقت الذي حذر فيه زعيم «تكفا حداشا» وزير القضاء جدعون ساعر من أن عدم تمرير القانون يعرض بقاء التحالف للخطر، حيث يمنح هذا القانون إسرائيل الولاية القانونية على مستوطني الضفة الغربية، وتتم المصادقة عليه كل خمس سنوات منذ عام 1967.

ختامًا، يشير خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية في الذكرى السنوية الأولى لتولي الحكومة إلى موقف صعب تعيشه الحكومة، وأنها تعيش أيامها الأخيرة، خصوصًا بعد التطورات التي عاشتها في الشهور الأخيرة وبعد عدة إشارات تشير إلى تحولات قد يشهدها الائتلاف الذي يتوقف استمراره على موقف عضو فقط في الكنيست الإسرائيلي.

ويبدو أن بنيامين نتنياهو استعد جيدًا حتى ظهر ذلك في نتيجة استطلاعات الرأي التي رأت أن حزبه الليكود سيحصل على 35 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي كأكثر حزب يحصل على أصوات، وحصول كتلة اليمين على 60 مقعدًا، ويشير ذلك إلى إمكانية كبيرة لعودة نتنياهو إلى منصبه مرة أخرى.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى