مكافحة الإرهاب

“ليسوا منا ولسنا منهم”.. مستقبل جماعة الإخوان يزداد قتامة

في تطور جديد للأزمة الطاحنة التي تضرب أركان جماعة الإخوان الإرهابية، أصدر جناح الجماعة في بريطانيا بقيادة “إبراهيم منير” القائم بأعمال المرشد العام للجماعة بيانًا تحت عنوان “ليسوا منا ولسنا منهم” يعلن فيه خروج جناح الإخوان في تركيا من الجماعة، وذلك في غمار الصراع المتبادل بين الجناحين منذ سنوات والذي وصل أعلى مستوياته خلال الشهور الأخيرة، مما لا يدع مجالًا للشك أن الإخوان قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار والإنقسام بعدما جاهدت منذ عام 1928 للحفاظ على استقرارها ووحدتها. 

ليسوا منا ولسنا منهم

كعادة الجماعة في استخدام الدين في أمورها الداخلية والخارجية بدأ بيانها بآية قرآنية من سورة النحل، ثم استعانت بأحد الأقوال لمؤسس فكرها الإرهابي “حسن البنا” يؤكد أن الوفاء بالعهد يشمل البيعة وهو الضمان لبقاء عنصر الثقة في التعامل بين الناس، وأنه بدون هذه الثقة لا يقوم مجتمع، وأضاف البيان “وفاءً للبيعة مع الله سبحانه وتعالى، ودفاعًا عن فكر الجماعة وتاريخها، وحملاً لأمانة آلاف الشهداء على رقابنا، وبحق الذين صبروا وصابروا على البلاءات التي تجاوزت كل تعاليم رسالات السماء وروح الإنسانية التي وضعها الله سبحانه وتعالى في قلوب الخلق، والتزامًا بموجبات الشرعية التي يمثلها نائب المرشد العام والقائم بالأعمال الأستاذ إبراهيم منير، فقد أصبح من الواجب تبيين موقف الجماعة النهائي في قضية شق الصف التي شغلت وتشغل الداعين إلى دين الله على بصيرة”.

وأشارت إلى أنه نظرًا لما حدث مما أسمته “الخروج عن الجماعة و شق الصف” واستعادة “حيوية العمل وانضباطه” و”التعدي على الشرعية” و “ما تم من المخالفات، والافتراء بأن هناك خطة لحرف الجماعة عن مبادئها وتجاوز ثوابتها، وهو ما لم يحدث ولن يحدث بإذن الله، وهي اتهامات يتم ترويجها، ولا يقدم على القول بها غير من يبتغي السوء للجماعة، والإصرار على التمادي والاستمرار في الخطأ رغم النصح المتكرر”.

قررت الجماعة في بيانها “ليس منا ولسنا منه كل من خرج عن الصف وكل من ساهم في شق الجماعة وترديد الافتراءات الكاذبة، وبطلان ما يسمى (اللجنة القائمة بعمل فضيلة المرشد) التي قام البعض بالإعلان عنها، ويعتبر كل من شارك فيها قد اختار لنفسه الخروج عن الجماعة وذلك بمخالفته لوائحها وأدبياتها ورفض كل محاولات لم الشمل وتوحيد الصف. 

ودعت الجماعة المتعاملين معها للتعامل مع “القيادة الشرعية” في إشارة لجناح لندن والأخد بما ينشر عنها فقط، وإلى الألتزام بالبيعة لعلاج آثار الانقسام والتشتت مع الإشارة إلى أن باب الجماعة مفتوح لمن يراجع نفسه ويعترف بخطئه والتزم بالبيعة والجماعة والقيادة الشرعية، والجدير بالذكر أن هذه القرارات جاءت ردًا على الخطوات التي اتخذتها “جبهة محمود حسين” إذ أعلنت في 18 ديسمبر الماضي عن تكليف الدكتور مصطفى طلبة رسميًا بإدارة لجنة القائم بعمل مرشد الإخوان، في إشارة واضحة الى عزل إبراهيم منير رسميًا، وذلك استنادًا لقرار مجلس الشورى الصادر في أكتوبر الماضي، بتشكيل لجنة تقوم بأعمال المرشد العام، لمدة ستة أشهر، على أن يتم تشكيل اللجنة في الوقت الذي يحدده مجلس شورى الجماعة، مؤكدًا أن اللجنة تمارس مهامها منذ صدور هذا القرار، وبناء عليه تسمي مصطفى طلبة ممثلًا رسميًا، وهو ما قابلته جبهة “إبراهيم منير” حينها بإصدار بيان ينفي انعقاد مجلس الشوري العام أو صدور قرارات عنه.

نشاط مكثف لجبهة تركيا

بالنظر إلى نشاط جبهة “محمود حسين” خلال الفترة الأخيرة وخاصة بعد إعلان الجبهة المرشد الجديد، نجد أن هناك نشاطًا نوعيًا للجبهة كان أبرزه المشاركة في مؤتمر “شباب التغيير..عقد من النضال وخطوة للمستقبل” الذي استضافته العاصمة التركية إسطنبول لمدة ثلاثة أيام، وحضره عدد من القيادات والكوادر الإخوانية من داخل تركيا وخارجها وناقش عدة محاور كان أهمها “تقييم التجارب الثورية في بلدان الربيع العربي” و”حالة المزاج الشعبي تجاه التغيير والنخب”، و”سمات الجيل الشبابي الجديد وموقعه في معادلة التغيير”، و”فرص انبعاث مشروع الثورة والتغيير وأبرز التحديات”، و”المنطلقات الفكرية والسياسية والتنظيمية لعملية التجديد والانبعاث”، وهو ما يشير إلى توجه جبهة تركيا إلى سعيها لطرح نفسها كممثل وحيد لجماعة الإخوان التي قادت ما يطلق عليه الربيع العربي في المنطقة، للمراهنة عليها خلال الفترة القادمة لإعادة إحياء نشاط الجماعة المهترئة بالمنطقة من جهة ولسحب البساط من تحت أقدام جبهة “منير” من جهة أخرى.  

وما يعزز هذا التوجه مشاركة “محمد منتصر” القيادي بحركة “حسم” الإرهابية التي ارتكبت عدة جرائم داخل مصر ويحاكم عدد من عناصرها بتهم مختلفة أمام القضاء المصري، والمدرجة على قوائم الإرهاب بمصر والولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة، بالإضافة إلى قيام الأجهزة الأمنية بتوجيه ضربات نوعية لها وكان آخرها القبض على “حسام منوفي محمود سلام” بعد هبوط الطائرة المتجهة من السودان إلى تركيا اضطراريًا في مطار الأقصر الدولي، وتوعد “منتصر” خلال كلمته بـ”التدخل للحلحلة والخلخلة وتحريك الوضع القائم” في الدول العربية وعلى رأسها مصر، مضيفاً أن “كل الثورات لها فرص أخرى للانبعاث”، وتأكيده أنه “لقد اخترنا عقد المؤتمر في هذه الفترة لنوصل رسالة أن الثورات لم تنته وأن هناك موجات أخرى ستكون فيها الغلبة للثورات”، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة على النظام التركي الذي يسعى منذ شهور للتقارب مع مصر واتخاذه عدة خطوات تجاه جماعة الإخوان في تركيا وخاصة منصاتها الإعلامية. 

ولم يكن مؤتمر شباب التغيير هو التحرك اللافت للنظر للإخوان في تركيا، فقد أسفرت انتخابات رابطة الجالية المصرية في تركيا لانتخاب مجلس إدارة جديد لها عن فوز قيادات إخوانية محسوبة على جبهة “محمود حسين” وسقوط الجبهة المحسوبة على “إبراهيم منير”، إذ فاز “عادل راشد” برئاسة الرابطة وهو برلماني سابق عن الجماعة وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والإخواني سيف الدين عبد الفتاح مستشار المعزول محمد مرسي، ومحمد الغزلاني المدرج على قوائم الإرهاب الأمريكية لصلته بالقاعدة حيث استخدم التحويلات النقدية لدعم القاعدة ولتوفير الأموال وتحويلها لحسابات عائلات أعضاء القاعدة المسجونين، فضلاً عن كونه أحد المتهمين الرئيسيين في قضية أحداث كرداسة التي وقعت في العام 2013 وحكم عليه بالإعدام، وكان مسجونًا على خلفية انضمامه لتنظيم “طلائع الفتح” خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وتم الإفراج عنه بموجب عفو رئاسي إبان تولي “محمد مرسي” مقاليد الرئاسة. 

مستقبل الإخوان يزداد قتامة

في ظل التطورات المتلاحقة التي تزداد يومًا بعد يوم تعيش الجماعة حالة من الإنهيار الداخلي والتفتت المؤسسي، إذ انقسمت الجماعة رسميًا إلى قسمين يقوم كل منهما بتكذيب الآخر والتأكيد على أنه الممثل الوحيد والشرعي للجماعة الإرهابية، ويمتلك كل قسم منهما قائدًا وكوادر مساعدة ومجلس شورى وأدوات إعلامية وإلكترونية، وهو ما يعزز من حالة الانهيار القائم والتي تصل أولًا بأول لعناصر التنظيم من الصفين الثاني والثالث، لتصل لاحقًا إلى مرحلة الانهيار الكامل وإنفصال تلك العناصر عن قياداتها ومنهجية الإخوان بشكل كبير.

إجمالًا، تؤدي العوامل التي تعيشها جماعة الإخوان حاليًا إلى إزدياد قتامة مستقبلها خاصة مع عدم وصول جناحي تركيا وبريطانيا لسُبل الحل وتمسك كل منهما بموقفه وانقشاق القيادات حولهما، وهو ما إنهيار التنظيم بشكل كامل ويندثر بفعل الصراعات البينية التي لن تنتهي، أو قد يفتح الباب أمام انشقاق القيادات الصغرى بالجماعة وتشكيلها كيانًا جديدًا و ربما جناحًا ثالثًا يقوم على إزاحة جناحي النزاع  ويحظى بدعم عدد من القيادات الوسيطة التي فشلت في تحقيق مصالح لها بسبب الصراع الدائر وتقديم نفسه كوكيل جديد للجماعة الإرهابية، وقد يلجأ الكيان أو الجناح الجديد للعنف المسلح في عدة دول بالمنطقة لإثبات إمكانية المراهنة عليه والحصول على دعم المانحين الأساسيين للجماعة بشكلها القديم.  

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى