إيران

“فيتنام إيران”: طهران وصعود “داعش- خراسان” الأفغانية.. فرصة أم تهديد؟

مثلما لم يتأخر رجال الدين والساسة الإيرانيون في التحذير من استهداف الشيعة في أفغانستان بالتزامن مع وصول حركة “طالبان” للحكم مرة أخرى في كابول خلال شهر أغسطس 2021، سارعوا الجمعة 15 أكتوبر الجاري إلى التأكيد مجددًا على ضرورة حماية المواطنين الشيعة على الأراضي الأفغانية، وذلك في أعقاب وقوع انفجار ثانٍ في غضون أقل من 10 أيام استهدف مسجدًا للشيعة في ولاية قندهار جنوبي البلاد.

فخلال خطبة يوم الجمعة المُشار إليه في محافظة “مركزي” الإيرانية، طالب ممثل المرشد الإيراني الأعلى هناك، آية الله قربان على دري نجف آبادي، “طالبان” بالقبض على منفذي الهجوم الإرهابي ومحاكمتهم، علاوة على تقديم الرعاية اللازمة لمصابي الحادث. وأضاف نجف آبادي أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تملك مع دولة أفغانستان حدودًا مشتركة تبلغ حوالي ألف كيلومتر، ويجب ضمان حدود دولتنا في مستقبل حكم طالبان بنسبة 100%”. 

وفيما يبدو أنه تحذير جِدّي، أشار الممثل إلى أن حرس الحدود الإيراني يتمتعون بالاستعداد الكامل للدفاع عن الحدود. 

ولتقديم صورة أكثر وضوحًا عما تحمله هذه التصريحات الإيرانية من مضمون، يجب المرور على ما أصدره أحد وكلاء إيران الإقليميين عقب حادث مسجد “فاطمة” الأخير في قندهار الأفغانية من تعليقات. وهذا الوكيل هو “حزب الله” اللبناني. فقد قال الحزب في بيان له إن هذه الجرائم المنظمة تقتضي اتخاذ إجراءات واسعة وعاجلة. وطالب “حزب الله” بما قدمه ممثلُ المرشد الأعلى أيضًا وهو محاكمة المتهمين و”ضمان أمن المصلين … ومنع وقوع جرائم جديدة”. (1)

يبدو من الوهلة الأولى لهذه التصريحات، وغيرها، أن هذه الهجمات التي يقوم بها تنظيم “داعش-خراسان” الإرهابي واستهدفت الشيعة في أفغانستان سوف تشجع إيران وتُلقي في يدها فرصة لتوسيع قاعدة وجودها الجيواستراتيجي عسكريًا وسياسيًا داخل أفغانستان، إلا أن الأمر على أرض الواقع لا يبدو بهذه السهولة أوالمرونة؛ إذ أن هذه الفرصة تشوبها مخاطر عدة بالنسبة لطهران، إضافة إلى أن رؤى وبيانات صريحة صادرة عن رجال دين وسياسيين إيرانيين مؤخرًا أشارت إلى أن أبعاد قضية تهديد “داعش-خراسان” للجمهورية الإسلامية لا تنحصر فقط في تهديد الشيعة داخل “أرض الأفغان”.

رؤية الساسة الإيرانيين في الوقت الراهن حول أبعاد تصاعد نفوذ “داعش-خراسان” في أفغانستان

بالعودة إلى تصريحات رجل الدين الإيراني “نجف آبادي”، سنجد أنه قال نصًا ضمن خطبته المذكورة آنفًا “لا ينبغي لدولة أفغانستان أن تتحول إلى محطة لإسرائيل”، مضيفًا “إذا ما أرادت طالبان أن تقول إنها ابتعدت عن فكرها وسلوكها السابق وأنها بعيدة عن داعش، يجب عليها أن تُثبت ذلك عملًا”. وهنا، يُلاحَظ أن بعض الأفكار المتداولة داخل إيران قد انعكست على لسان “نجف آبادي” فيما يخص علاقة محتملة بين إسرائيل و”داعش-خراسان” الأفغانية.

آیة ‌الله دری نجف‌ آبادی: عظمة مسیرات الاربعین الملیونیة لم یشهد تاریخ  العالم له نظیرا- الأخبار ثقافة و علوم - وکالة تسنیم الدولیة للأنباء

ولم يكن نجف آبادي وحده الذي ردد مثل هذا الرأي داخل الجمهورية الإسلامية، بل إن آخرين كالكاتب الإيراني المثير للجدل والمعروف بقربه من النظام في طهران “علي أكبر رائفي بور” قد قال بعد أيام قليلة من سقوط كابول منتصف أغسطس 2021 “إن الولايات المتحدة وإسرائيل تخططان لنقل التكفيريين إلى شرق إيران”، حسبما أشار بور. ولم يقتصر الأمر عند “رائفي بور” على الولايات المتحدة وإسرائيل، بل امتد ليشمل تركيا حين قال إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أرسل عناصر من “داعش” الشام إلى أفغانستان، مضيفًا أنه بعث في الآونة الأخيرة ألفي إرهابي إلى أفغانستان للدفاع عن حكومة الرئيس السابق أشرف غني. 

وقبل كل هؤلاء، كان المرشد الأعلى، خامنئي، قد تطرق إلى المسألة نفسها مبكرًا في خطاب له يوم 25 نوفمبر 2014 حين قال، حسبما جاء في خطابه، إن هناك تنسيقًا بين إسرائيل والأفراد الذين يدعمون الإرهابيين التكفيريين. 

ويعني هذا أن الرؤية الإيرانية الداخلية فيما يتعلق بطبيعة صعود تنظيم “داعش-خراسان” الإرهابي داخل أفغانستان مؤخرًا أشمل وأكثر اتساعًا من حصرها في تنظيم إرهابي يقتل مواطنين، ما يشير إلى أن الأمر لم يعد يقتصر على توجه إيران للتدخل بأي شكل من الأشكال في الأحداث الجارية بأفغانستان من أجل الشيعة فقط، والهزارة على وجه الخصوص. ويعني هذا أن الرؤية الإيرانية باتت هذه الأيام تربط ما بين صعود هذا التنظيم في أفغانستان و”حصار” إيران استراتيجيًا من جانب منافسيها في أماكن أخرى كالقوقاز وشمال العراق. 

وعليه، يتضح أن الرؤية الإيرانية، الخاصة بطهران حسبما تم توضيحه مسبقًا، والتي تتعلق بطبيعة صعود تنظيم “داعش-خراسان” في أفغانستان خلال فترة ما بعد السقوط الثاني لكابول في يد “طالبان” العام الجاري لا ترجح أن هذا الصعود يمثل خطرًا فقط على الشيعة الأفغان الذين تعتبرهم إيران، علاوة على القوميات الأخرى مثل الطاجيك والأوزبك، الأقرب إليها على أرض الأفغان، بل إنها تعتبر القضية أكبر وأشمل من هذا؛ إذ أنه وكما سبق القول تعتبر طهران أن الأمر تحيط به علامات استفهام من جانب دور كلٍ من إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، حسب الرؤى الإيرانية.

كيف ستتحرك إيران طبقًا لهذه الرؤية؟ 

إن مثل هذه الرؤية، التي تجد صدى داخل دائرة صناع القرار أو على الأقل المفكرين المؤثرين داخل طهران، ترجح بشدة أن إيران سوف تتخذ خطواتٍ استباقية ضد تنظيم “داعش-خراسان” في أفغانستان خلال الأيام المقبلة، ستكون في الغالب عن طريق التنسيق مع حركة “طالبان”؛ وذلك من أجل تحقيق عددٍ من الأهداف الحيوية، وهي: 

– ضمان عدم استهداف الشيعة الأفغان أو تهجيرهم خارج البلاد؛ لتداعياتها الاستراتيجة

وتُعد هذه النقطة ذات أهمية كبرى؛ ذلك لأن طهران ترى أن إخلاء أفغانستان من الشيعة “الموالين لها” يعني فقدانها دورها الإستراتيجي بشكل عام، سواء كان هذا الدور نشطًا بشكل ما وبقدر ما في الوقت الحالي، أو يُتوقَّع توسّعُه في المستقبل. فلطالما اعتمدت الجمهورية الإسلامية على الشيعة في مختلف بلدان الإقليم من أجل تثبيت قدمها داخل هذه الميادين، كالعراق ولبنان وسوريا.

وفي هذا الصدد، تقول إحدى أبرز وكالات الأنباء المقربة من رجال الدين في إيران والعراق أيضًا “شفقنا” في تقريرٍ لها على نسختها الفارسية نُشر يوم 7 أكتوبر 2021(2) إن “مئات الأسر من الشيعة الهزارة (الأفغان) قد أُجْبِروا على النزوح من أرضهم الأصلية بالتزامن مع سيطرة طالبان على أفغانستان”. ونقلت الوكالة عن أحد سكان قرية “خركك” الواقعة في ولاية دايكندي وسط أفغانستان قوله: “تقول لنا طالبان لديكم مهلة 3 أو 4 أيام كي تحملوا متاعكم وأموالكم وترحلوا من هنا”. وحسب “شفقنا”، فقد أضاف من قالت الوكالة إنه أحد سكان القرية “إنهم يريدون الآن أن يمحوا الشيعة من هنا”. 

إن طهران من غير المتوقع أن تسمح بحدوث مثل هذا النزوح للشيعة الأفغان سواء في مناطق تمركزهم الحالي داخل البلاد أو لنقلهم على وجه الخصوص خارج بلدهم؛ وذلك لأن هذا سوف يعني على المدى الطويل المخاطرة بدور إيران الإستراتيجي داخل الأراضي الأفغانية أيًا كان النظام الحاكم في كابول، كما أنه سيؤثر حتمًا على جغرافيا النفوذ الإيراني في منطقة آسيا الوسطى برمتها. 

– استباق توجه التنظيم لشن هجمات داخل العمق الإيراني 

 وهو توجه له سابقة تاريخية عند الحديث عن مواجهة إيران لتنظيم “داعش” الإرهابي داخل الأراضي العراقية والسورية أيضًا بدءً من عام 2014 ولسنوات لاحقة. حيث إن القوات العسكرية الإيرانية أو التابعة لها حاربت هذا التنظيم؛ استباقًا لتوجهه لضرب الأراضي الإيرانية ذاتها. 

– مواجهة “الحصار” الجغرافي

gf.PNG

إن الرؤية الإيرانية المُشار إليها آنفًا التي تتبلور من خلال تصريحات ساسة ورجال دين إيرانيين حول ما يقولون إنه دعم دول أخرى في الإقليم وخارجه لظهور “داعش-خراسان” في إيران، سوف يدفعها بشكل عام إلى مواجهة نمو التنظيم داخل الأراضي الأفغانية؛ محاولة من إيران، حسبما ترى طهران نفسها، للفكاك من هذا الحصار، الذي لا يقتصر فقط على الأراضي الأفغانية، بل بدأ أيضًا في القوقاز شمالًا وشمال العراق غربًا. 

فرصة أم تهديد؟.. هل سيقود صعود “داعش- خراسان” إلى انغماس إيران في الميدان الأفغاني؟  

على الرغم من المخاطر التي يشكلها تنظيم “داعش-خراسان” على إيران، والتي سبقت الإشارة إليها هنا، إلا أن هذا لا يعني استعدادًا إيرانيًا للانغماس عسكريًا بشكل واسع في الميدان الأفغاني. فإيران تخشى خطورة التوغل العسكري في التضاريس الأفغانية، علاوة على حجم تداعيات انخراط مُطرد في بلدٍ تتعدد فيه القوميات والأعراق والطوائف. 

إن هذا التعدد الأخير لم يكن ليصبح ذا خطورة على إيران إن لم تكن بعض الأعراق به متداخلة مع القومية الفارسية، إضافة للعامل المذهبي. وهنا نخص بالذكر، الطاجيك والأوزبك، ثم الهزارة الشيعة. ويُقصَد بهذا أنه في حال حدوث توغل إيراني عسكري “واسع” في أفغانستان، سواء عن طريق الحرس الثوري أو الجيش وهو أمر مستبعد أو عن طريق الوكلاء وهو المرجح، فإن النتائج ستكون وخيمة عليها وعلى أمنها القومي. إذ أن النزعات القومية والمذهبية سوف تشعل حربًا لا هوادة فيها ضد إيران يكون ميدانها أفغانستان وإيران أيضًا، وهي مرحلة متطورة من الصراع لا ترغب طهران مطلقًا في الوصول إليها.

وفي السياق نفسه، فإذا نظرنا إلى الانغماس الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، سنجد أن الأمر مختلف هنا في أفغانستان التي يُعرف عنها وعورة تضاريسها التي جعلت من الصعوبة بمكان كسب المعركة بشكل نهائي وكامل فيها. كما أن توغلًا إيرانيًا واسعًا في أفغانستان سيكون له على الجانب الآخر مردود غير عادي من جانب باكستان المجاورة والمعروف عنها عمق نفوذها داخل أفغانستان، وهو ما يعطي القضية صيغة الحرب الإقليمية. 

وسيقود كل هذا إلى تحويل أفغانستان إلى فيتنام لإيران لن تستطيع الخروج منها بسهولة أو حتى كسب المعركة فيها.

واستنتاجًا مما سبق، يمكننا القول إن صعود “داعش-خراسان” داخل أفغانستان يجعل من المرجح بشدة أن تُقْدِم طهران فيما هو قادم على التنسيق مع حركة “طالبان” لمواجهة هذا التنظيم؛ إذ أنه يشكل خطرًا لكلا الطرفين في كابول وطهران. ومن المتوقع أن يأخذ شكل هذا التنسيق الإيراني “الطالباني” الدعم عن طريق الوكلاء الذين يُحتمل أن يحاربوا مع “طالبان” ضد “داعش-خراسان”.

وعلى الجانب الآخر، سيكون من غير المستبعد أيضًا خلق حالة من التعاون القوي بين الحرس الثوري و”طالبان” ضد “داعش-خراسان”، إلا أنه وعلى أي حال فإن من غير المتوقع، على الأقل في ظل هذه الظروف وتوقعات تطوراتها، أن نرى الجيش الإيراني أو الحرس الثوري يجتاح جزءً كبيرًا من الأراضي الأفغانية للتخلص من “داعش-خراسان” أو الدفاع عن الهزارة أو الطاجيك أو غيرهما.

وعليه، فإن صعود “داعش-خراسان” وإن كان يمثل فرصة نسبية لإيران لتوسيع قاعدة  نفوذها في أفغانستان، وهو ما لا شك فيه، إلا أنه لا يمكن القول إنه سيقدم فرصة ذهبية لإيران فيما يخص تعزيز نفوذها في أفغانستان؛ لأن التهديد الذي سيطال إيران هذه المرة جراء صعود “داعش-خراسان” قومي عرقي مذهبي طائفي يمكنه وضع إيران أمام أزمات غير مسبوقة من هذا النوع. 

المصادر والمراجع:

  1. آمریکا با به جا گذاشتن قاتلان در افغانستان به دنبال انتقام است“، وكالة أنباء مهر الإيرانية، 15 أكتوبر 2021.    

https://cutt.us/YSO3h

  1. شهروندان شیعه ولایت دایکندی: زمین و دارایی ما را طالبان به زور می‌گیرد“، وكالة أنباء “شفقنا”، 7 أكتوبر 2021.

https://cutt.us/6TBfB

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى