
معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي يرصد حالة اهتزاز ثقة المجتمع بالجيش في إسرائيل
عرض – هبة شكري
نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا، تناول فيه التحديات التي تواجه العلاقات بين الجيش الإسرائيلي والمجتمع، حيث اعتبر التقرير أن الأحداث الأخيرة في إسرائيل تعكس فجوات متزايدة بين المواقف العامة حول كيفية إدارة الجيش وصورته أمام الإسرائيليين، وهو ما تسبب في تراجع ثقة الجمهور في الجيش الإسرائيلي. وتساءل التقرير عن إمكانية حفاظ الجيش على مكانته كجيش شعبي بمرور الوقت.
وأضاف التقرير، أن ثقة الجمهور في الجيش الإسرائيلي هي رصيد اجتماعي قومي مركزي يمكّن الجيش من حشد الدعم والموارد والقوى العاملة الجيدة، لا سيما عندما تصبح الاحتياجات المدنية بارزة وتهدد أقدميته كنظام عام. وبالنظر إلى العديد من الأحداث الأخيرة، يتضح أنها كشفت عن العديد من الفجوات المتزايدة بين مواقف الجمهور فيما يتعلق بكيفية إدارة الجيش الإسرائيلي وكيفية تقديم نفسه، واعتبر أن تلك الأحداث قد تشير إلى تراجع مستوى الثقة في الجيش من جانب الجمهور وبعض العاملين فيه، كما أنها تثير شكوكًا حول وعي قادة الجيش فيما يتعلق بالأهمية المتأصلة لعلاقة الجيش بالمجتمع الإسرائيلي. وأشار إلى أنه من خلال بناء الثقة، بالإضافة إلى التواضع والشفافية؛ يجب أن يأخذ الجيش الإسرائيلي زمام المبادرة نحو تقليص الفجوة، لكي يظهر للجمهور أنه لا يزال جيش الشعب من أجل الشعب.
ولفت التقرير إلى أن العديد من التطورات الهامة التي حدثت مؤخرًا فيما يخص مجموعة من القضايا قد تركت آثارًا سلبية على العلاقات بين الجيش والمجتمع؛ لعل أكثرها إثارة للقلق هو رد الفعل الشديد من جانب الجمهور الإسرائيلي على ملابسات مقتل جندي حرس الحدود المقاتل “برئيل حدريا شموئلي” على الحدود مع قطاع غزة. ومثلما حدث في العديد من الحوادث أخرى، ترافق هذا الحدث مع اتهامات خطيرة للجيش الإسرائيلي وتعبيرات عن انعدام الثقة في الجيش وقادته، كما تم استغلاله من قبل سياسيي المعارضة لانتقاد الجيش والحكومة المتهمين بتكبيل أيدي الجنود من أجل الحفاظ على التحالف مع “القائمة العربية الموحدة”، وقد واجهت القيادة العليا صعوبة في تقديم استجابة مقنعة في الوقت المناسب لتلك الادعاءات، وتأخرت عن سيل الأحداث الإعلامية ذات الصلة وضجة وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف، في السابق، واجه الجيش الإسرائيلي انتقادات خطيرة، خاصة من جانب المعلقين في وسائل الإعلام المالية والاجتماعية، بسبب سلسلة من المطالب الاستثنائية المتعلقة بميزانية الدولة التي تم عرضها في الكنيست، حيث ثار الغضب بشأن تطبيق استحقاقات المعاشات التقاعدية بأثر رجعي للضباط المتقاعدين، وهو ما يتم النظر في مدى شرعيته من قبل المحكمة العليا. واعتبرت هذه المطالب من قبل الجيش، التي أيدها وزير الدفاع بيني غانتس، إصرارًا على منح مزايا مفرطة لمتقاعدي الجيش الإسرائيلي، وبالتالي فهي تعكس حساسية تجاه مجموعات أخرى في المجتمع، لا سيما تلك المتضررة من أزمة تفشي وباء كورونا. حيث أثارت الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع خلال تلك الفترة الصعبة اقتصاديًا، وفي ظل تخفيض الميزانية الشاملة للوزارات الحكومية، الدهشة وقوبلت بالرفض.
وحسبما ورد بالتقرير، فإنه وفقًا لدراسة رأي أجراها معهد دراسات الأمن القومي في يونيو 2021، يشير مؤشر الأمن بوضوح إلى أن غالبية الجمهور (59%) يفضلون استثمار الموارد في المقام الأول في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، حتى على حساب ميزانية الأمن. بالإضافة إلى ذلك، فقد أثار إلغاء قرار تقصير مدة الخدمة العسكرية الإلزامية لشهرين الانتقادات، على الرغم من أن القضية لا تحظى باهتمام عام يذكر. لكن يدور الخلاف حول الهدر الذي تنطوي عليه فترة الخدمة الطويلة للجنود الأقل أهمية، وتجاهل الجيش الإسرائيلي للقانون الذي أقره الكنيست قبل خمس سنوات، فبدلًا من الالتزام بالقانون الذي يفرض الخدمة الأقصر، انتظر الجيش فرصة سياسية لإلغائه، واستمر في التواصل مع المجندين الجدد لخدمة الفترة بأكملها.
واستطرد التقرير، أن التطور الرابع، وربما الأهم، في هذا الإطار هو الفجوة العميقة بين تسويق الجيش الإسرائيلي لعملية “حارس الجدران” ضد حماس في قطاع غزة في مايو الماضي على أنها نجاح كبير في ظل ما أسفرت عنه من نتائج محدودة للغاية في المجالات العملياتية والاستراتيجية، وقد انعكست تلك الفجوة في استطلاعات الرأي المختلفة التي أجريت بعد انتهاء العملية بفترة وجيزة؛ فحوالي 22-28٪ فقط يعتقدون أن إسرائيل قد انتصرت، وهو ما حدث تمامًا في استطلاعات الرأي التي أجريت في أعقاب عملية الجرف الصامد 2014 وحرب لبنان الثانية 2006.
واعتبر التقرير أن هناك قاسمًا مشتركًا بين تلك الأحداث، إذا تم النظر إليها بصورة فردية أو جماعية، إذ تعكس الفجوات المتزايدة بين المواقف العامة فيما يتعلق بكيفية إدارة الجيش الإسرائيلي، والطرق التي ينظر بها الجيش إلى نفسه أو يقدمه. علاوة على ذلك، تُثار الشكوك حول وعي قادة الجيش بالأهمية المتأصلة في العلاقة بين الجيش والمجتمع. حيث أن الحفاظ على المكانة الرمزية للجيش كـ “جيش الشعب”، على الرغم من تقلص معدل التجنيد العام، هو الأساس لشرعيته الاجتماعية. فعندما يتعلق الأمر باستخدام القوة ونجاح العمليات الاستخباراتية، فإن ثقة الجمهور في الجيش الإسرائيلي هي عنصر أساسي في قوته.، حيث يمكّن الجيش، ليس فقط من كسب التأييد الشعبي لتخصيص الموارد الهائلة التي يحتاجها والطريقة التي يستخدم بها قوته، ولكن أيضًا لتجنيد الشباب الموهوبين في صفوفه وتدريبهم في ظل الظروف الصعبة، وحتى على المخاطرة بحياتهم.
ولفت التقرير أنه في ظل الظروف الاجتماعية والثقافية الموجودة في إسرائيل، يجب على الجيش أيضًا الاعتماد على استعداد المرشحين للخدمة الإلزامية للانضمام إلى صفوفه والتطوع في الوحدات القتالية، إذ لم يعد بإمكانه الاعتماد فقط على قانون التجنيد الإلزامي، أو على أساس الاستعداد القائم على أداء الخدمة انطلاقا من شعور المجندين بفائدة الخدمة لهم، وهو الحال نفسه بين جنود الاحتياط، الذين يتطوعون في الواقع للخدمة. وشدد التقرير على أهمية الحفاظ على الوعي العام بأن الجيش الإسرائيلي يعتمد على قاعدة واسعة ومتنوعة من المجموعات في المجتمع تمكنه من وضع نفسه كجيش الشعب
في هذا السياق، أشار التقرير أن هناك أهمية متزايدة للتقسيم الطبقي المهني بين مجموعات مختلفة من الأشخاص الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، والذي يؤدي إلى حد كبير إلى إعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية في إسرائيل، بل ويزيدها بمرور الوقت. حيث تساهم تلك الظاهرة في الشعور بالإحباط بين الجنود في الوحدات الميدانية، لا سيما فيما يتعلق بحوادث التوتر العنيف مع الفلسطينيين، مثل مقتل شموئلي. واعتبر أن هذا الإحباط قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية من شأنها أن تعرض الجيش الإسرائيلي لانتقادات مدنية يمكن أن تتخذ طابعًا سياسيًا مشحونًا.
وأضاف، تعكس غالبية الاستطلاعات التي أجريت داخل وخارج الجيش الإسرائيلي صورة إجمالية مشجعة، فلا يزال الجيش كمؤسسة مقاتلة يتلقى مستويات عالية من ثقة الجمهور ودعمه (مع بعض الاختلافات غير الهامة)، في ظل تأييد 82 % من الجمهور الإسرائيلي، حتى لو كان هناك انخفاض طفيف في ثقة الجمهور في الجيش كمؤسسة عامة في السنوات الأخيرة (من 93 في المائة في عام 2019)، فإنه لا يزال يتقدم بفارق كبير عن المؤسسات الأخرى التي شهدت انخفاضًا كبيرًا في ثقة الجمهور.
ومع ذلك، عند قياس ثقة الجمهور في الجيش فمن الضروري التمييز بين الثقة العامة، التي لا تزال عالية، والثقة فيه كمؤسسة، والذي شهد انخفاضًا لمستوى للثقة وفقًا لاستطلاعات أجراها محللون مدنيون وعسكريون. وأشار التقرير إلى افتراض يتمثل في أن مستوى الثقة العالي في الجيش الإسرائيلي بين السكان اليهود يكمن أساسًا في الصلة المعرفية بين اهتمام الجمهور الأساسي بوجوده، بسبب المخاطر الأمنية، ونظرته إلى الجيش باعتباره المدافع الرئيسي عن وجود دولة إسرائيل والشعب اليهودي ومواطني إسرائيل.
ومع ذلك، فإن المستوى العالي من ثقة الجمهور في الجيش ليس مضمونًا في المستقبل، حيث أشارت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا في سياق أزمة وباء كورونا إلى الأهمية الأكبر التي يعزيها الجمهور للمخاطر المدنية أكثر من المخاطر الأمنية. وفي هذا السياق، يُظهر مؤشر الأمن القومي لشهر يونيو 2021 أن غالبية الجمهور كانوا أكثر قلقًا بشأن التهديدات الداخلية من تهديدات الدفاع الخارجي، وصرحت أقلية صغيرة فقط (5 %) أنها أكثر قلقًا بشأن التهديدات الأمنية.
ووفقًا للتقرير، بينما يتم إجراء القياس بشكل أساسي من خلال استطلاعات الرأي العام، فلربما يكون الأهم من ذلك هو العلامات التي يمكن أن تشير إلى تآكل مصداقية قيادة الجيش الإسرائيلي بين أولئك الذين يخدمون فيه، وخاصة بين القادة الصغار والاحتياطيين، وبين أولئك الملزمون بالتجنيد، حيث يبحث جزء كبير من هؤلاء عن طرق مختلفة لتجنب التجنيد، على سبيل المثال من خلال الإعفاءات “لأسباب نفسية”، وتلقي الدعم من بيئتهم الاجتماعية لهذا الغرض.
وتساءل التقرير عما يمكن فعله لتعزيز ثقة الجمهور في الجيش الإسرائيلي، وفي إجابته على ذلك طرح التقرير النقاط الآتية:
- هناك ضرورة لإحداث ذلك انطلاقًا من أن ثقة الجمهور هي مصدر مركزي وحيوي بالنسبة للجيش، والذي يستوجب عليه أن يدرك مسؤوليته للحفاظ على تلك الثقة وقيادة الجهود بشأن تلك القضية تجاه المجتمع الإسرائيلي.
- ضرورة قيام الجيش الإسرائيلي بالتأكيد، ليس فقط على الإنجازات والمهارات العملياتية، ولكن أيضًا على حقيقة أنه انتباهه وشعوره بالمجتمع، والاعتراف بحقيقة أن الموارد التي يتلقاها من المجتمع – أولًا وقبل كل شيء الموارد البشرية – لا يمكن أخذها كأمر مسلم به.
- يعمل الجيش الإسرائيلي دائمًا في إطار بيئة وقيود سياسية صعبة، وخاصة خلال فترات عدم الاستقرار السياسي مثل الفترة الحالية. واعتبر التقرير أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الإسرائيليين بنجاح تتمثل في إظهار المسؤولية والتواضع والخطاب الكريم والموثوق والدقيق، لا سيما من خلال القدوة الشخصية للقادة.
- تبني الجيش الإسرائيلي نهجًا منفتحًا يعتمد على المهنية والشفافية إلى أقصى حد تجاه الجمهور فيما يتعلق بأنشطته، كما يجب أن يكون القيد الوحيد هو أمن المعلومات، فهناك ضرورة لأن يكون الجمهور أكثر إطلاعًا على المعلومات حول النشاط المستمر للجيش، وحول عقيدته العملياتية وحشده العسكري، بما في ذلك سياسة الجيش في مجال إدارة الموارد البشرية.
- ضرورة أن يقوم الجيش الإسرائيلي ببناء وتقديم خطة محدثة لتطوير موارده البشرية على المدى الطويل على أساس تفاضلي يعترف بالاحتياجات المتغيرة للجيش ويعطي الأولوية ويعوض المجموعات الحيوية لنشاطه العملياتي، إذ يمكن أن يسهم ذلك في تقليص الفجوات الاجتماعية الآخذة في الاتساع بين الجنود الذين يخدمون في الوحدات القتالية، الذين يحتك بعضهم باستمرار مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى الجنود الذين يخدمون في أنظمة الاستخبارات والتكنولوجيا المتقدمة
- إظهار الجيش الإسرائيلي للمرونة التي يعمل بها وإعادة فحص نماذج السلوك الصارمة في جميع قطاعات الخدمة. على سبيل المثال، يمكن للجيش الإسرائيلي أن يفحص ويقترح طرقًا لنقل الموارد المتاحة من أجل تعزيز قدرته على الاحتفاظ بالجنود والضباط في الأدوار الأساسية، بما في ذلك تخفيض ترتيبات المعاشات التقاعدية القائمة إلى حد ما، حيث أن تنفيذ تنفيذ مثل تلك المقترحات سيصبح أكثر إلحاحًا مع مرور الوقت، خاصة عندما تنخفض حدة التهديدات العسكرية الخارجية وتزداد حدة التهديدات المدنية الداخلية، حيث يمكن أن تعالج تلك المقترحات القلق المتزايد بشأن الانتقاد العلني لإدارة الجيش وسلوكه في المجالات الاجتماعية والأخلاقية والذي يمكن أن يمتد بصورة تخفض الثقة في المؤسسة بشكل كبير.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



