أوروباروسيا

طرد الدبلوماسيين الروس.. هل يُقوض آمال الحوار بين موسكو والناتو؟

منذ سنوات والعلاقات الروسية الأوروبية، تشهد حالة من انعدام الثقة المتزايدة وخيبة الأمل العميقة لعدم توافر مساحة مشتركة بين الطرفان، ولم تحقق روسيا التوقعات بالتحول إلى دولة ديمقراطية حديثة، كما كان يأمل الغرب. كما تضررت العلاقات الاقتصادية الروسية مع أوروبا بشدة جراء العقوبات والتأثير على شحنات الطاقة، التي كانت لعقود من الزمان بمثابة العمود الفقري للعلاقة الاستراتيجية بين موسكو وأوروبا.

فضلاً عن قضايا متعددة أرقًّت العلاقات بين الجانبين بدءًا من الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، والحوادث الإلكترونية، والتدخل في الانتخابات الغربية، والخلافات الدائمة حول المسائل المُتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلاً عن اتهام الغرب لموسكو بتبنيًّها سلوكًا عدوانيًا في مناطق مُختلفة من العالم.

وفي مزيد من التدهور في العلاقات بين الدول الغربية وروسيا بشكل يُنبئ بأن العلاقات بينهما تنحدر أكثر فأكثر نحو الهاوية، وتقترب بشكل كبير نحو ما كانت عليه قبل الحرب الباردة التي انتهت أواخر ثمانينيات القرن الماضي؛ تلقى الكرملين صفعة قوية من دول الحلف، عندما أعلن الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” يوم 7 أكتوبر 2021، طرد ثمانية دبلوماسيين رووس من المعتمدين في البعثة الدبلوماسية الروسية لدى حلف شمال الأطلسي، وذلك ردًا على أنشطة استخباراتية مشبوهة لصالح موسكو تتضمن التجسس والاغتيالات وهو ما يُقلص عدد الدبلوماسين الرووس إلى عشرة فقط. وهذا القرار سيدخل حيز التنفيذ نهاية شهر أكتوبر الجاري بعد موافقة الدول الأعضاء عليه. رأت روسيا هذا القرار بمثابة تقويض لأي اّمال لعودة العلاقات الروسية الأوروبية واستئناف الحوار. 

في سياق أخر، رأى مراقبون أن الحرب الدبلوماسية الغربية على روسيا ستُشدد الخناق أكثر على روسيا، وتُزيد حِدة الخِلاف المُستمر بين الكرملين والدول الأوروبية والغربية.  

طرد الدبلوماسيين.. ليس الأول من نوعه

وفقًا لما أورده الأمين العام لحلف الناتو، فإن قرار الحلف بطرد الدبلوماسيين الروس الثمانية لا يأتي ردًا على حدث معين، وإنما تم اتخاذ القرار لشك الحلف بأن هؤلاء الدبلوماسيين كانوا يعملون ضباط مخابرات غير مُعلنين.  كما أن القرار أتُخذ بعد أن شاهد الحلف تزايد في النشاط الخبيث لروسيا، وبالتالي سعى الحلف لتوخي اليقظة حيث يرى الحلف أن أعضاء البعثة الدبلوماسية الروسية يقومون بأنشطة لا تتماشى مع الاعتماد وبالتالي تم سحب الاعتماد.

طرد دبلوماسيين روس من الناتو أو الدول الأوروبية لم يكن الأول من نوعه، فهناك تاريخ من الطرد الدبلوماسي المتبادل بين الجانبين. على سبيل المثال، في أبريل 2014 تم الكشف عن معلومات عن تفجير مستودع ذخيرة في جمهورية التشيك عام 2014، والذي أسفر عن مقتل شخصين. والتي اتهمت الحكومة التشيكية عملاء روس بالتورط في الحادث، وقامت بطرد 18 دبلوماسيًا روسيًا أشتبه في تورطهم بالحادث. الأمر الذي قامت روسيا بنفيه، وردًا على قرار التشيك بطرد الدبلوماسيين قامت روسيا بطرد 20 دبلوماسي من العاملين في السفارة التشيكية في موسكو. 

المرة الثانية كانت في 14 مارس 2018، عندما تم اتهام روسيا بمحاولة تسميم العميل الروسي المزدوج “سيرغي سكريبال” وابنته في مدينة ” ساليسبري” البريطانية. حينها أطلعت المملكة المتحدة الحلفاء على استخدام روسيا لغاز الأعصاب لتسميم “سكريبال” وابنته، الأمر الذي أثار قلق أعضاء الحلف واعتبروه بمثابة انتهاك للمعايير الدولية، وبعد مشاورات مكثفة تم طرد أكثر من 150 دبلوماسيًا روسيًا من قبل أكثر من 25 دولة، وذلك في 27 مارس 2018، كما أعلن الأمين العام لحلف الناتو حينها عن سحب اعتماد 7 من موظفي البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الناتو، كما رفض قبول أوراق اعتماد ثلاثة اّخرين كانت مقدمة من قبل، وتم تقليص حجم البعثة الدبلوماسية الروسية لـ 20 شخص. 

المرة الثالثة التي شهدت طرد دبلوماسيين، كانت في 4 و5 فبراير 2021، عندما أصدرت “موسكو” أمرًا بطرد ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين من روسيا، يحملون الجنسيات الألمانية والبولندية والسويدية، متهمةً إياهم بالمشاركة في الاحتجاجات الداعمة للمعارض الروسي “أليكسي نافالني”، وذلك عندما اتهمت الدول الغربية روسيا بمحاولة تسميمه.

قرار الناتو.. تقويض لآمال الحوار مع موسكو

بقرار الناتو طرد الدبلوماسيين الروس، تتبدد أي سُبل لاستئناف الحوار الروسي مع الحلف، حيث أثار قرار الناتو استياءًا روسيًا، وينزع أي ثقة للإيمان الروسي بصدق تصريحات دول الناتو بشأن الحوار مع روسيا، ورأت موسكو أن الاتهامات الموجهة للدبلوماسيين الروس لا أساس لها من الصحة، وحذرت من أن هذه الخطوة ستزيد من توتر العلاقات بين الجانبين.

كما وصفت روسيا هذا القرار بأنه يُقوض اّفاق الحوار بين موسكو ودول الحلف، وانه ينطوي على كثير من التناقضات في سياسة حلف شمال الأطلسي؛ الذي يتحدث عن تحسين العلاقات وتطبيع العلاقة مع موسكو وفتح باب الحوار. لكن هذا الأمر يتنافى على الجانب الاخر مع أفعال أخرى تصفها موسكو بالغير قانونية.

توعدت موسكو بالرد على هذه الخطوة التي تبناها الناتو. وفي لهجة حادة وصفت قرار الحلف بأنه يعكس حالة من “النفاق السياسي” التي ينتهجها الحلف. وأوضحت أنها ستنتقم لهذا القرار ولكن ليس بالضرورة أن يكون الرد بالمثل.

وتتهم روسيا الناتو بتوسيع بنيته التحتية العسكرية بشكل استفزازي بالقرب من حدودها. لكن الحلف يفسر تلك التحركات بأنها تأتي في سياق تعزيز أمن الدول الأعضاء القريبة من روسيا، وذلك في أعقاب ضم موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014 ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا.

الموقف الأمريكي من قرار حلف الناتو

منذ توليه منصبه في يناير 2021، تبنًّى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” نبرة أقوى بكثير مع روسيا من تلك التي تبنًّاها سلفه “دونالد ترامب” وضغط على نظرائه الأوروبيين في حلف الناتو لاتخاذ نهج مماثل.

فطرد الدبلوماسيين الروس لم يقف عند حلف شمال الأطلسي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية طالب أعضاء من مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بطرد ثلاثمائة دبلوماسي روسي من الولايات المتحدة مُشيرين إلى أن طلبهم يأتي في حال عدم منح موسكو تأشيرات لعدد أكبر من الأمريكيين لتمثيل بلادهم في روسيا، التي لا يُمثل الولايات المتحدة الأمريكية فيها فيها سوى 100 دبلوماسي أمريكي مُقابل نحو 400 دبلوماسي روسي في الولايات المتحدة الامريكية. 

في الأخير، يُمكن القول إن الخلافات بين روسيا والناتو ليست جديدة، حيث وصلت لذروتها عام 2014 حين قامت روسيا بضم “شبه جزيرة القرم” من أوكرانيا، كذلك يسود الخلاف بين الجانبين بشأن تطوير صواريخ نووية روسية، والاختراقات الجوية للمجال الجوي لدول الحلف، وتحليق المقاتلات الروسية من وقت لاخر فوق سُفن تابعة للناتو. كما يتهم الحلف روسيا باستغلال تركيا “الدولة العضو في الحلف” لإبرام صفقات تسليح معها، ومن بينها بيع نظام الدفاع الجوي “S-400” وهو ما يراه الناتو تهديدًا لأمنه.

وقد أجرى الجانبان محادثات رسمية محدودة في السنوات الأخيرة في إطار ما يُعرف بـ “مجلس روسيا – الناتو” وذلك منذ العام 2002، والتي تبلورت أهدافه في التعاون في مجالات مثل مكافحة الإرهاب وإدارة الأزمات والسيطرة على الأسلحة والدفاع الصاروخي في مسرح العمليات، فضلاً عن التعاون بين الناتو وروسيا في أفغانستان – بما في ذلك توفير روسيا لطرق عبور لقوة المساعدة الأمنية الدولية، والتدريب على مكافحة تجارة المخدرات. ومع التدخل العسكري الروسي في جورجيا عام 2008، ونتيجة لقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، لم يتم منذ أكثر من عامين، عقد أي اجتماعات لمجلس روسيا –الناتو. وتراجع التعاون في بعض المجالات.

يأتي هذا في الوقت الذي يؤكد فيه الأوربيون على أنهم منفتحون على الحوار مع روسيا، ويؤكدون أيضًا على تعزيز أدوات الرقابة والردع والدفاع للرد على أي خطوات قد تتخذها موسكو. الأمر الذي يُنبئ بتوتر في العلاقات بينهما في قادم الأيام. 

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى