
اللقاء المرتقب في البيت الأبيض: انطلاقة جديدة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية
توجَّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى واشنطن لإجراء أول زيارة رسمية إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن. وبسبب المشاورات التي يعقدها بايدن بشأن الانفجارين اللذين وقعا في محيط مطار كابول، تم تأجيل الاجتماع، حسبما أعلن البيت الأبيض. وتأتي تلك الزيارة في توقيت شديد الأهمية لدى كلا الجانبين، إذ تتزامن مع ما تواجهه إدارة بايدن من وضعًا فوضويًا في أفغانستان؛ كما أنها تأتي بعد فترة من التذبذب التي شابت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وتهدُف بالأساس إلى إعادة ترميم العلاقات بين الدولتين الحليفتين وتسعى إسرائيل خلالها للحصول على كافة الضمانات لاستمرار الدعم الأمريكي غير المشروط في ظل تولي إدرة بايدن الديمقراطية.
وقبيل الزيارة، أعلن بينيت أن الحكومة الإسرائيلية قامت بصياغة خطة منظمة، تم العمل عليها على مدار شهرين بهدف كبح جماح الإيرانيين، سواء في المجال النووي أو فيما يتعلق بممارسات إيران العدوانية على المستوى الإقليمي. وأعلن بينيت خلال مغادرته إسرائيل، أنه متجهًا لواشنطن لعقد لقاء مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي يُعد صديقًا قديمًا و حقيقيًا لدولة إسرائيل، وأشار إلى أن اللقاء سيتناول العديد من الملفات، وعلى رأسها الملف الإيراني، ولا سيما الطفرة التي حققها البرنامج النووي الإيراني على مدار الثلاث سنوات الماضية، فضلاً عن الحديث عن الخطة الهادفة لعرقلة تطوير القدرة النووية لإيران. وأضاف، أنه سيتم بحث الإجراءات اللازمة للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، فضلاً عن بحث سبل التعاون في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والتغير المناخي ومكافحة وباء كورونا.
وبالنظر للفترة السابقة، يبدو من الواضح أن العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة قد مرت بفترة تأرجحت خلالها قوة العلاقة، ويرجع ذلك إلى الخلاف في وجهات النظر ما بين الإدارة الديمقراطية و إسرائيل فيما يتعلق برؤيتها تجاه بعض القضايا، والتي يأتي على رأسها بناء إسرائيل للمستوطنات و تعاملها مع الفلسطينيين.
وبالإضافة إلى بحث سبل مواجهة الخطر الإيراني، من المتوقع أن تتضمن المحادثات بعض الموضوعات الأساسية التي تهم الطرفين، وعلى رأسها استمرار الولايات المتحدة في دعم إسرائيل و استمرار تفوقها النوعي في المنطقة، ويرجح أن تشمل المباحثات عدد من الموضوعات محل اهتمام الدولتين.
الدلالات والتوقيت
يرتكز هدف زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” لواشنطن للاجتماع مع الرئيس الأمريكي “جو بادين” بشكل أساسي على سعي الجانبين لإعطاء انطلاقة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين. ومن المرجح أن يحتل النقاش العديد من الموضوعات ذات الصلة بمصالحهما واستغلال نتائج المحادثات في تقوية موقفهما على الصعيد الداخلي.
إذ يريد بينيت في أول زيارة له إلى البيت الأبيض إصلاح الخلافات السابقة بين الدولتين حول سبل التعامل مع بعض القضايا أثناء تولي بنيامين نتنياهو، ويرى أن الخلافات السياسية يمكن إدارتها من خلال مقاربة أقل تصادمية، ووفق ما صرح به بينيت قبيل مغادرته تل أبيب، فإنه يحمل معه روحًا جديدة من التعاون مع الولايات المتحدة.
أما إدارة بايدن فتسعى من جانبها إلى استقرار ائتلاف بينيت في إسرائيل، وعلى الصعيد الآخر، يعطي بينيت أولوية للملف الإيراني، ويبدي رغبته في التعاون مع واشنطن في هذا الصدد. كما يأتي اللقاء في خضم أول أزمة سياسية خارجية كبرى في فترة رئاسة بايدن، خاصة وأن الأزمة الأفغانية سلطت الضوء على مصداقية الولايات المتحدة، وقد يستغل عقد اللقاء في إظهار أن الولايات المتحدة هي شريك جدير بالثقة، كما يدرك جيدًا أن بينيت لن يحاول إضعافه في الداخل من خلال مواجهته مع الجمهوريين كما فعل نتنياهو، خاصة وأن حكومته التزمت بالتواصل مع الديمقراطيين واستعادة العلاقة بين الحزبين.
من المرجح أن تجري إسرائيل والولايات المتحدة مناقشة حول سيناريوهات مختلفة، سواء فيما يخص الملف الإيراني أو القضية الفلسطينية، ويمكن القول أن رغبة الطرفان ترتكز على احتياجهما للتوافق و تحديد الأولويات و سبل التعامل معها، وبناء علاقات على أساس الثقة بطريقة تضمن الحفاظ على المصالح الأمريكية و الإسرائيلية على حد سواء.
أجندة اللقاء المتوقعة
كبح جماح البرنامج النووي الإيراني وعرقلة العودة للاتفاق
حسبما أعلن نفتالي بينيت، فإنه يعتزم الضغط على الولايات المتحدة من أجل تبني استراتيجية جديدة بشأن إيران خلال الزيارة الأولى له للبيت الأبيض، كما أنه سيحث الرئيس الأمريكي جو بايدن على عدم إحياء اتفاق 2015 النووي مع طهران.
وقال بينيت إن التركيز الرئيسي في اجتماعاته سيكون على برنامج إيران النووي، لا سيما التقدم الإيراني الواضح في السنوات الماضية، وأبدى خشيته من سرعة تقدم الإيرانيين في تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي أدى إلى تقليص الوقت الذي سيستغرقه تكديس المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية واحدة. وأكد بينيت أنه سيدعو بايدن لوقف الإيرانيين وليس إعطاءهم شريان حياة في شكل معاودة الانضمام لاتفاق نووي منقض. وأوضح أنه سيقدم لبايدن مفهومًا جديدًا يتضمن ضغطًا إقليميًا مشتركًا على إيران من قبل إسرائيل والدول العربية التي تشعر بالقلق من سلوك إيران.
وكسابقه،بنيامين نتنياهو، تبنى نفتالي بينيت موقفًا معارضًا لخطة إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق الإيراني ، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب في عام 2018. والذي أجرت القوى الغربية مفاوضات بشأنه مع إيران في فيينا في وقت سابق من العام الحالي ، إلا أنها تعثرت قبل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد “إبراهيم رئيسي”. لذلك سيبذل قصارى جهده للحيلولة دون عودة الولايات المتحدة للاتفاق، أو على الأقل العودة بشكل يضمن الحفاظ على كافة المطالب الإسرائيلية و ضمان عدم المساس بأمن إسرائيل.
التعاون المشترك وضمان تفوق إسرائيل العسكري
يُتوقع أن يحتل الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل صدارة المباحثات بين بينيت وبايدن، إذ تعمل إسرائيل على ضمان استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط، خاصة في ظل تولي الإدارة الديمقراطية، التي يعارض أعضاؤها الدعم المستمر لإسرائيل في ظل تمسكها بسياساتها الاستيطانية. حيث عارض بعض نواب الكونجرس الديمقراطيين إعلان إدارة بايدن موافقتها على بيع أسلحة دقيقة التوجيه بقيمة 735 مليون دولار أميركي إلى إسرائيل في مايو الماضي، وتعد الصفقة جزءًا بسيطًا من مجمل المساعدات العسكرية الأمريكية، حيث تعهدت واشنطن بتزويد إسرائيل بمساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار بين عامي 2019 و2028 وذلك في اتفاقية بين البلدين العام 2016.
في السياق ذاته، طالبت مؤسسات أمريكية في رسالة مفتوحة للرئيس جو بايدن قبيل لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل نيفتالي بينيت في واشنطن ، بتبني المطالب الفلسطينية. و أشار البيان إلى أن الفلسطينيون قد عانوا وقاوموا التطهير العرقي الإسرائيلي والاحتلال العسكري، وجرائم الفصل العنصري منذ قيام إسرائيل، واعتبر أن الولايات المتحدة مكنت تلك السياسات من خلال إرسال مليارات الدولارات على شكل تمويل عسكري غير مشروط، وعن طريق حماية إسرائيل بانتظام من المساءلة في الساحة الدولية. وطالبت المؤسسات الأمريكية الرئيس بايدن أن يدين ويتخذ إجراءات لإنهاء الدعم الدبلوماسي والتمويل العسكري للحكومة الإسرائيلية وانتهاكاتها المستمرة والمنهجية لحقوق الإنسان الفلسطيني. ذلك بالإضافة إلى تظاهر أكثر من 300 ناشط من المتضامنين مع الفلسطينيين في ساحة لافييت الأمريكية، أمس الخميس، أمام البيت الأبيض في واشنطن العاصمة بالتزامن مع لقاء الرئيس جو بايدن مع رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، وذلك رفضًا لزيارته الأولى لواشنطن، وتنديدًا بالدعم الأمريكي المستمر وغير المشروط لحكومة الاحتلال.
كل تلك المؤشرات تقود إلى الرفض الواسع داخل أوساط الديمقراطيين للدعم المقدم لإسرائيل، وهو ما تدركه إسرائيل وتخشى أن يؤثر على علاقتها مع حليفها الأقوى، لذا تعمل الحكومة الإسرائيلية في ظل تولي بينيت، على ضمان استمرار الدعم الأمريكي للحفاظ على تفوقها النوعي في المنطقة. فضلاً عما سبق، سيناقش الجانبان العديد من المبادرات التي ستساعد إسرائيل في الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة، في مجالي التجارة والابتكار التكنولوجي.
الملف الفلسطيني
يرجح أن يتم تناول القضية الفلسطينية خلال اللقاء، إذ يتوقع أن يتم مناقشة ما أثير حول فتح قنصلية للولايات المتحدة في القدس الشرقية، لتقدم خدماتها لسكان المدينة الفلسطينيين قريبا. حيث سيعمل بينيت على عرقلة تلك الخطوة. وذلك على الرغم من تجنب إسرائيل الرد رسميًا على هذه الخطوة. ويمكن القول أنه حال نجح نفتالي بينيت خلال الزيارة في تأخير دفع الموضوع من جدول أعمال الرئيس الأمريكي جو بايدن، فسيستغل هذا الإنجاز لتقوية موقفه داخل إسرائيل، أما في حال فشله فإن الأمر من الممكن أن يؤدي إلى توتير العلاقات.
فضلاً عن ذلك، فموضوع بناء إسرائيل للمستوطنات هو موضوع رئيسي يتوقع أن تناقشة الإدارة الأمريكية و تخشاه إسرائيل؛ وفي هذا الصدد، قام نفتالي بينيت، قبل إجراء زيارته لواشنطن، بخفض عدد الوحدات الاستيطانية التي تنوي حكومته التصديق عليها، بأكثر من 1000 وحدة من العدد المقترح أولا، خشية من الموقف الأمريكي.
الوضع الجديد في أفغانستان
تأتي زيارة بينيت في الوقت الذي تتعامل فيه إدارة بايدن مع الانسحاب من أفغانستان، وقد دفعت الأوضاع المتفجرة في أفغانستان بتأجيل اللقاء المرتقب، بعد وقوع انفجارين بمحيط مطار كابول. وفي هذا السياق، تسعى إسرائيل إلى تلقي إشارات طمأنة من إدارة بايدن بعدم التخلي عنها، وتحديد حجم الاعتماد على الولايات المتحدة، بعد فشل الولايات المتحدة في أفغانستان.
جدير بالذكر، أن مسألة أفغانستان تنعكس على العديد من القضايا التي تقلق إسرائيل، وأولها إيران، فضلاً عن خشية إسرائيل من أن تتحول أفغانستان إلى مرتعًا للجماعات الإرهابية التي تستهدف إسرائيل.
علاقة الصين بإسرائيل
أكد نفتالي بنيت خلال اجتماعه مع رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، الذي زار إسرائيل الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة قلقة بشأن التدخل الصيني في الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما في مجال التكنولوجيا ومشاريع البنية التحتية الهائلة.
وبحسب موقع “واللا” الاسرائيلي نقلًا عن مسؤول إسرائيلي قال: “خلال الأشهر الأخيرة بدأنا بالحوار مع إدارة بايدن حول الصين. وكانت لدى الولايات المتحدة تساؤلات بشأن مشروعات معينة قامت بها اسرائيل بالاشتراك مع الصين، مثل المشاركة الصينية في بناء مترو تل أبيب”.
وخلال فترة رئاسة ترامب حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من التدخل الصيني في مشروعات البنى التحتية الكبرى، مثل بناء الميناء الجديد في حيفا أو قطار “غوش دان” الخفيف في منطقة تل ابيب. وفي هذا الإطار، أكد بينيت لبيرنز خلال اللقاء، أن اسرائيل تتفهم قلق واشنطن تجاه الصين، وتشاطرها هذا القلق إلى حد ما.
لهذا، يتوقع أن تتناول المباحثات علاقات إسرائيل مع الصين على المستوى الإقتصادي، ويرجح أن تطمئن إدارة بايدن في هذا الصدد و التوصل لتوافق يحول دون غضب الإدارة الأمريكية.
إجمالاً، إن زيارة نفتالي بينيت إلى واشنطن هي زيارة تحمل في طياتها أملاً لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولتين تضيق فيها هوة الخلاف في ظل تولي إدارة بايدن، كما تأتي الزيارة في وقت يحتاج فيه كل من “بينيت” و “بايدن” إلى تقوية موقفهما وتحقيق إنجاز يُنسب إليهما على المستوى الداخلي. في كل الأحوال، إن حماية المصالح الاستراتيجية ستظل هي العنوان الرئيسي للتحالف بين الدولتين، وسيبقى الدعم الأمريكي لإسرائيل ثابتًا، أياً كان توجه الإدارة الأمريكية؛ وتختلف فقط آليات مواجهة التحديات المشتركة والتي تأتي على رأسها “إيران” في الوقت الحالي.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية