إيران

الاتفاقية الإيرانية الصينية.. هل تؤثر على مستقبل الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع طهران؟

وقّع وزير الخارجية الصيني، وانج يي، مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في العاصمة الإيرانية طهران السبت 27 مارس 2021 اتفاقية اقتصادية تجارية وأمنية طويلة المدى تمتد إلى 25 عاماً. كانت هذه الاتفاقية ثمرة مباحثات استمرت لسنوات بين الجانبين، وتحديداً منذ زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينج، إلى إيران عام 2016 ولقائه مع نظيره الإيراني حسن روحاني.

 تشمل الاتفاقية، التي أُطلق عليها اسم “الشراكة الاستراتيجية”، العمل والتعاون المشترك في العديد من المجالات من بينها الطاقة كالنفط والغاز إلى جانب التعدين والنشاط الصناعي الاستثماري الصيني في إيران.

ولم تتجاهل الاتفاقية أيضاً جوانب أخرى من التعاون الاقتصادي المشترك مثل الزراعة والنقل والبنى التحتية، حيث تعد الأخيرة من بين أبرز القضايا المطروحة للتعاون بين الطرفين، كما أكدت على التعاون الأمني والعسكري المستقبلي.

وتأتي هذه الاتفاقية في وقتٍ تشهد فيه العلاقات الأمريكية مع الجانبين، إيران والصين، اضطرابات وتوترات كبيرة، خاصة مع طهران، التي تتسم علاقاتها مع واشنطن بالعداء الكبير منذ قدوم النظام الإيراني الحالي عام 1979.

وعلى الرغم من توقعات دخول واشنطن وطهران في مفاوضات من أجل إعادة ترسيم الاتفاق النووي المبرم عام 2015، إلا أن هيكل العلاقة بين الطرفين لا يُتوقع أن يتغير، ألا وهو العداء المتأصل المتواصل. أما العلاقات الصينية الأمريكية فقد بدا منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، منصبه أنها تسير باتجاه مزيد من التصعيد.

وعلى أي حال، ستقود الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في 27 مارس الجاري بين بكين وطهران إلى مزيد من التشابك والتقارب الأوثق بين البلدين في المستقبل القريب في مختلف المجالات، وفي الوقت نفسه إلى بروز مخاوف في البيت الأبيض، وفي العواصم الأوروبية، من تداعيات هذه الاتفاقية على مدى فعالية الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع إيران مستقبلاً.

فهل ستؤثر اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية” الإيرانية الصينية على مستقبل الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع إيران؟

أهم بنود اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية” الصينية الإيرانية(*)

تمثل الصين أحد أهم الشركاء التجاريين لإيران في الوقت الحالي، كما أن الطرفين تجمعهما بعض أوجه التعاون السياسي على المستوى الدولي؛ للعديد من الأسباب من بينها عداء الطرفين المشترك لبعض القوى الغربية ومن أبرزها الولايات المتحدة.

وحول حجم التبادل التجاري بين الطرفين، قال رئيس الغرفة التجارية الصينية الإيرانية في طهران، ماجد رضا الحريري، مؤخراً إن هذا الحجم وصل إلى 16 مليار دولار عام 2020، مشيراً إلى أنه برغم التبادل التجاري الكبير بين البلدين، إلا أنه تراجع عما كان عليه في العام 2014 حينما بلغ آنذاك 51.8 مليار دولار.

وربما يعود ذلك إلى أسباب متعددة من بينها العقوبات على إيران خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وانتشار أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) منذ أوائل العام الماضي 2020. ولكن من المرجح أن يزداد حجم هذا التعاون الاقتصادي بين الطرفين لمستوى غير مسبوق في المستقبل القريب بعد التوقيع على الاتفاقية الشهر الجاري.

وطبقاً لوثيقة الاتفاقية التي أعلنت عنها وسائلُ الإعلام الإيرانية الناطقة باللغة الفارسية، جاءت أهم بنود الاتفاقية مع الصين كالتالي:

(إحدى وثائق الاتفاقية تشمل الأهداف الأساسية للاتفاق)

  • أن تصبح الصين “مستورداً ثابتاً ” للنفط الخام الإيراني وأن تحاول طهران استعادة الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة الإيراني.
  • تعزيز أوجه التعاون بين البلدين في المجال المصرفي والمالي.
  • تنمية التعاون في مجال التبادل التكنولوجي.
  • تنمية حجم التجارة الثنائية والتبادل السياحي.
  • التعاون لإنشاء مدن جديدة في إيران.
  • تشجيع الاستثمار الصيني لإنشاء محطات للطاقة الكهربائية.
  • تطوير التعاون العسكري والدفاعي والأمني.
  • تعزيز المشاركة الاستراتيجية في مجال التعاون السياسي البيني والدولي.

  وتشير وثائق الاتفاقية إلى اعتزام الطرفين إقامة تدريبات عسكرية مشتركة، وتنمية سواحل منطقة “مكران” جنوب شرق إيران، وتعزيز التعاون السياسي على المستوى الدولي بين الجانبين، إضافة إلى تبادل الطلاب في مختلف العلوم.

وتقول تقارير إن الخطوط العامة للاتفاق لم تُنشر بعد، لكن مسودة منها تم تسريبها قبل أسابيع تحدثت عن استثمارات صينية بما يقارب 400 مليار دولار أمريكي وامتيازات لبكين في مجالات البنى التحتية في إيران والمجال العسكري والموانئ والمطارات. وأشارت تقارير أخرى إلى أن حوالي 5 آلاف جندي صيني من المحتمل أن ينتقلوا لإيران من أجل حماية استثمارات بلادهم في ذلك البلد.

 العقوبات كأداة فعالة في الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع إيران

(اقتحام موالين للخميني مبنى السفارة الأمريكي في طهران 4 نوفمبر 1979)

مثّلت العقوبات بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، أداة فعّالة في إستراتيجية تقييد مختلف الأنشطة الإيرانية التي لا تلقى قبولاً لدى الغرب والولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وبدأت العقوبات تُفرض على إيران منذ العام الأولي لنجاح الثورة عام 1979 حين أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك “جيمي كارتر” الأمر التنفيذي رقم 12170 في نوفمبر من العام نفسه بتجميد حوالي 12 مليار دولار لإيران، وهو مبلغ مختلف على حجمه.

وعلى الرغم من أن هذه العقوبات المُشار إليها كانت في البداية من أجل معاقبة إيران على احتجاز 52 شخص من السفارة الأمريكية في طهران التي استولى عليها موالون للخميني في ذلك الوقت، إلا أن فرض العقوبات على إيران تحول لاحقاً إلى أداة أمريكية إستراتيجية “فعالة إلى ما” في تقييد أنشطة إيران، وهذا هو ما دفع الرؤساء التاليين، وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى استخدامها في مواجهة إيران في ظل تأكيدهم على أن خططهم لا تشمل إسقاط نظام طهران ولكن كبح جماح أنشطتها السلبية.

هل ستفقد الولايات المتحدة هذه الأداة الفعالة؟

بعد قراءة بنود اتفاق الـ 25 عاماً التي أعلنت عنها وسائل الإعلام الإيرانية، يتضح أن التعاون بين بكين وطهران سيأخذ منحنى آخر، بمعنى أن الصين سوف تكون المستثمر الأول والأكبر داخل إيران فضلاً عن كونها الشريك التجاري الأول لها الذي تربطه بها علاقات سياسية قريبة آيضاً على المستوى الدولي.

إن الاستثمار الصيني سوف يشمل مختلف المجالات التجارية والاقتصادية داخل إيران وهو يجيء بالأساس ضمن المشروع الصيني الأكبر وهو طريق الحرير الجديد أو ما يُعرف بـ”مبادرة الحزام والطريق” التي تسعى الصين من خلالها إلى إقامة مشاريع بنى تحتية ضخمة في عدد من الدول، وهو ما يفسر اهتمام الاتفاقية الكبير بالاستثمار في مجال البنى التحتية داخل إيران. وإلى جانب هذه المجالات الاقتصادية، كما تم توضيحه، سيشمل الاتفاق التعاون في مجالات عسكرية مختلفة.

(مبادرة الحزام والطريق الصينية على أنقاض طريق الحرير القديم)

وتقول مجلة “بتروليوم” المتخصصة إن الصين من المتوقع أن تستثمر 280 مليار دولار، من بين حوالي 400 مليار، في قطاع النفط والغاز الإيرانيين، كما أن بكين سوف تستثمر 120 مليار دولار أخرى في صناعة النقل الإيرانية. وسوف تحصل الصين في المقابل على خصم يصل إلى 32% على مشتريات النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية.

وإذا سارت الأمور كما هي عليه، فمن المرجح أن تقود هذه الاستثمارات الصينية إلى تعزيز الاقتصاد الإيراني محلياً وتقليل آثار العقوبات الأمريكية على طهران مستقبلاً، بل ومن المتوقع أن تؤدي إلى تعزيز أكبر للاقتصاد الإيراني محلياً ودولياً إذا ما توصلت طهران بالتزامن مع ذلك إلى إعادة صياغة الاتفاق النووي مع إدارة الرئيس جو بايدن في المستقبل القريب.  

ولكن على الرغم من إمكان هذه الاتفاقية تقليل الأثر الاقتصادي والسياسي للعقوبات الأمريكية على إيران في الداخل، في الوقت الذي ستواجه فيه هذه الاستثمارات نفسُها عائق العقوبات، إلا أن العقوبات الأمريكية والدولية على إيران لن تفقد آثارها بشكل كامل؛ إذ أن إيران ستظل بحاجة إلى تنشيط اقتصادها دولياً مع أوروبا وغيرها من خلال التبادل التجاري الخارجي، فمن غير الممكن أن تقتصر الاستثمارات المحلية على دولة واحدة، بمعنى أن السوق الإيراني سيبقى بحاجة إلى الشركات الأوروبية.

وفي السياق ذاته، ستكون إيران بحاجة إلى تصدير نفطها إلى دول أخرى إلى جانب الصين واستيراد بضائع أخرى وسلع وأدوية من الخارج، كما أن جزءاً من نفطها سيظل بحاجة إلى التصدير لدولٍ مختلفة ، وستظل طهران بحاجة إلى استيراد العديد من السلعالأخرى والأدوية، إلى جانب تصديرها الغاز لدول أخرى مثل تركيا والذي يدر عليها مليارات الدولارات.

وإجمالاً، لن تستطيع طهران الانعزال عن السوق والنظام المصرفي الدولي والتبادل التجاري بمختلف أشكاله مع العديد دول العالم، ما يعني أن العقوبات الاقتصادية عليها ستظل فعالة وإن تضاءل تأثيرها قليلاً، وهذا كله في حالة تحقق ونجاح التعاون الكامل بين البلدين طبقاً للاتفاق وعدم مواجهته لمفاجآت أو عقبات محلية أو دولية مستقبلية.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى