
العلاقات الصينية الإسرائيلية.. اقتصاد وتوازنات وتحوط
كشفت تقارير إعلامية أن الحكومة الإسرائيلية رفضت طلبًا أمريكيًا العام الماضي للتفتيش حول وجود أنظمة مراقبة صينية في ميناء حيفا، في أحدث سلسلة من خلاف إسرائيلي أمريكي نتيجة إسناد مهمة إدارة الميناء لمجموعة شنغهاي الدولية للموانئ Shanghai International Port Group المعروفة اختصارًا بـ(SIPG).
ففي عام 2015 وقعت سلطات الموانئ الإسرائيلية مع الشركة التي تملك الدولة الصينية معظم أسهمها عقدًا يعطي لـ (SIPG) الحق في إدارة الميناء لمدة 25 عامًا بدأت مع مطلع عام 2021، وبموجب الاتفاق ستستثمر الشركة حوالي 2 مليار دولار في بناء مرافق الموانئ وشراء المعدات للميناء. سيتم بناء ميناء يبلغ طوله 2296 قدمًا خلال المرحلة الأولى، وسيتم تمديده في النهاية إلى ما يقرب من ميل.
هذا العقد يثير مخاوف المسؤولين الأمريكيين من تمكن السلطات في بكين من التجسس على البحرية الأمريكية وأنشطتها مع القوات الإسرائيلية.. ليفتح باب التساؤل عن العلاقات الإسرائيلية الصينية وكيف توازن إسرائيل في علاقتها بين حليفها الاستراتيجي “الولايات المتحدة” ومنافسها الصاعد دوليًا “الصين”.
نبذة تاريخية
تعد العلاقات الإسرائيلية الصينية حديثة نسبيًا؛ فلم تطبع الصين الشعبية وإسرائيل علاقاتهما الدبلوماسية سوى عام 1992، ومن أجل الوصول لهذا التطبيع فقد مرت العلاقة بعدة تطورات.
فوفقًا للمكتبة الافتراضية اليهودية التابعة المؤسسة التعاونية الإسرائيلية الأمريكية المعروفة اختصارًا بـ (AICE) فإن الصين –جمهورية الصين آنذاك قبل حكم الحزب الشيوعي- امتنعت عن التصويت لقرار تقسيم فلسطين عام 1947، ووقفت فيما بعد إلى جانب الفلسطينيين.
ومع قيام الصين الشعبية وخلال حقبة ماوزي دونغ وحتى ثمانينيات القرن العشرين كانت بكين تمنع دخول الإسرائيليين إلى أراضيها إلا لحاملي الجنسيات المزدوجة، على أن يتم استخدام الجنسية الأخرى. لكن ذلك تغير مع الانقسام الصيني السوفيتي وتطبيع العلاقات الأمريكية الصينية مع وصول رائد الانفتاح الصيني دينغ شياو بينغ للحكم وبدأ شكل من أشكال العلاقات العسكرية السرية بين الطرفين.
وبحسب المصدر ذاته فإن بكين مع هذه المرحلة خففت قيود السفر المفروضة على الإسرائيليين، فيما عيّن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز عام 1987 عاموس يودان لتأسيس أول شركة رسمية مملوكة للحكومة الإسرائيلية لتعزيز الأنشطة التجارية بين الشركات في الصين وإسرائيل والتي ظلت نشطة حتى تطبيع العلاقات بينهما.
القرن الحادي والعشرين وقفزة العلاقات التجارية والتكنولوجية
يشير الباحث الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الصينية Mordechai Chaziza إلى أن علاقات إسرائيل مع الصين شهدت تطورًا متسارعًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما باستثناء فترة ركود خلال الفترة بين عامي 2000 و 2010.
ويشير تقرير وكالة ترويج التجارة والاستثمار الكورية الجنوبية التابعة لحكومة سول (KOTRA) عام 2010 إلى تعمق العلاقات بين الصين وإسرائيل، وأن بكين تعتزم زيادة المشاركة في أعمال الشركات الإسرائيلية المبتدئة في الخارج، حيث يأتي ذلك نتيجة رغبة الشركات الإسرائيلية التوسع في أسواق خارج السوق المحلي الصغير، وأن هناك اهتمامًا كبيرًا جدًا بالسوق الصينية لتأمين عمليات الإنتاج.
وبحسب التقرير نفسه فإن التخوف الرئيس لدى الشركات الإسرائيلية العاملة في السوق الصينية كان حقوق الملكية الفكرية، وهو ما يتم حله بإيجاد شريك تجاري صيني صاحب قوة وجدير بالثقة داخل السوق.
هذا الدخول الإسرائيلي في الأسواق الصينية أعقبه زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى بكين عام 2013 قال خلالها إن إسرائيل “تعلق أهمية استراتيجية وبعيدة المدى على الصين”، إضافة إلى تطلعها إلى إقامة “شراكة مثالية” بين الجانبين.
في 2017 أعلن نتنياهو اتجاه إسرائيل بنظرها إلى آسيا في محاولة لتنويع العلاقات التجارية وفتح مجال جديد، وهو ما ترجمه في العام ذاته بإعلانه ورئيس الصين شي جين بينغ من بكين شراكة شاملة خلاقة؛ إذ تنظر بكين إلى إسرائيل كسوق إبداعية، خاصة مع وصولها إلى المرتبة السابعة بين دول العالم في الاقتصاد الابتكاري بحسب تصنيف بلومبرج.
كل هذه الإشارات تدلل على حدوث تقارب إسرائيلي صيني تفرضه المصلحة المشتركة، لكن إسرائيل في الوقت نفسه تعمل على حفظ توازن العلاقة مع الشريك الاستراتيجي الأول “الولايات المتحدة”.
إسرائيل بين قوتين
في بدايات الألفية وجدت إسرائيل نفسها مضطرة لقطع العلاقات العسكرية مع بكين تحت ضغط أمريكي أجبرها على إلغاء عدد من الصفقات مع الصين، فكان التعاون قاصرًا على الجوانب المدنية فقط.
ومع توقيع إسناد إدارة ميناء حيفا لشركة صينية –كما ذكرنا سابقًا– ازدادت المخاوف الأمريكية من قيام الشركات الصينية بالتجسس، لتجد إسرائيل نفسها بين خصمين استراتيجيين لكل منهما أهميته لها.
ووفقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2018 ، تستورد إسرائيل معظم البضائع من الصين (10.4 مليار دولار) ، وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية (10.2 مليار دولار). علاوة على ذلك، تعد الصين ثاني أكبر وجهة للصادرات الإسرائيلية (4.8 مليار دولار)، وتتصدر الولايات المتحدة بهامش كبير (16.8 مليار دولار)، هذا يعني أن انسحاب الاستثمارات الصينية أو خسارة الحليف الأول سيعني خسارة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي.
وتعد قضية شبكات الجيل الخامس أحد أهم مؤشرات وقوع إسرائيل بين القوتين، فرغم أنها اتخذت قرارًا الاعتماد على البدائل المحلية بدلًا من التكنولوجيا الصينية، إلا أنها لا تزال تناقش كيفية تقديم هذا القرار، في الوقت الذي كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تطالب الحلفاء بإعلان الوقوف إلى جانب واشنطن بشكل واضح.
وبالتالي فأمامها إما أن تمتنع عن اتخاذ موقف صارم من هذه القضية مثل سنغافورة، أو الاعتماد على لوائح صارمة مثل فرنسا، وفي هذه النقطة سيكون عليها أن تجد مبررات ترضي بكين إذا ما استبعدت الشركات الصينية من المشروعات الحساسة.
وعلى هذا يرى الخبراء أن إسرائيل سيكون عليها وضع سياسات وإجراءات واضحة للاستثمار الأجنبي المباشر للتعامل مع المخاوف الأمريكية والضغوط التي أسفرت بالفعل عن تشكيل إسرائيل لجنة استشارية للاستثمار الأجنبي في عام 2019.
لكن هذه اللجنة ربما لا تلعب دورًا في تشكيل السياسة الاستثمارية لإسرائيل؛ ذلك لأنها تقوم بمراجعة الاستثمارات وتقديم التوصيات “بشكل غير ملزم”، وهي لا ترى في الشركات الاستثمارية المملوكة للدولة –مثل الشركات الصينية- عامل خطر كبير، ولا تطلب تدقيقًا أوثق فيما يتعلق بالقطاعات الحساسة، فضلًا عن أن عمليات المراجعة لا تتضمن الاستثمار الأجنبي في الشركات التكنولوجية الإسرائيلية الناشئة، فيما يظل القرار النهائي لمجلس الأمن القومي لإسرائيل بحسب الباحث الإسرائيلي Gedaliah Afterman.
وبحسب فورين بوليسي فإن قرار تشكيل هذه اللجنة بهذه الكيفية يعكس رغبة إسرائيل في توسيع الشراكة التجارية مع الصين كلما كان ذلك ممكنًا وتنفيذ المطالب الأمريكية أيضًا عند الضرورة.
يظهر هذا جليًا في مقال لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS في نوفمبر 2020 والذي يرى أن إسرائيل تريد الحفاظ على علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة مع قدرتها على تعظيم ثمار التعاون الاقتصادي الوثيق مع الصين دون أن تظهر أنها تخضع لإملاءات واشنطن.
الاستراتيجية الإسرائيلية الصينية في التعامل
يرجع الباحث الإسرائيلي المتخصص في الصين Mordechai Chaziza استخدام بكين وإسرائيل في العلاقة مع الولايات المتحدة لاستراتيجية التحوط والتي تستخدمها الدول المتوسطة القوة لموازنة العلاقة مع الدولة الأقوى في الأنظمة الدولية أحادية القطب، وفي الحالة التي أمامنا تحاول إسرائيل والصين تحسين قوتهما ومجال نفوذهما، مع تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في الوقت نفسه.
فمن ناحية تسعى الصين كقوة صاعدة إلى تحسين موقعها الاقتصادي والاستراتيجي والدبلوماسي وقوتها في الشرق الأوسط، فيما تريد إسرائيل الاستفادة من قوتها النسبية في المنطقة لكسب المزيد.
ونظرًا لهذه الاستراتيجية فإن العلاقات الإسرائيلية الصينية على إقامة شراكات اقتصادية وتكنولوجية وبنية تحتية. ووفقًا لمرجع سابق فقد ضخت الصين ما يقرب من 13.5 مليار دولار في الاقتصاد الإسرائيلي بين عامي 2005 و2016، معظمها في قطاع الزراعة وتلاها التكنولوجيا الفائقة والمواصلات.
ولإسرائيل ما يدفعها إلى اتخاذ هذا السلوك لتنويع علاقاتها التجارية في اتجاه شرق آسيا الصاعد بقوة، لكن أهمها البحث عن حلفاء جدد في عصر ما بعد الولايات المتحدة التي تعتمد عليها بشكل شبه كلي دبلوماسيًا وتجاريًا وعسكريًا، وهو ما تدلَل عليه مقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2012 أن هناك قوة صاعدة في العقد القادم في إشارة إلى الصين والهند.
أما على المستوى الشعبي فقد أشارت الدراسة التي أجرتها الشبكة العالمية الصينية الإسرائيلية والقيادة الأكاديمية المعروفة اختصارًا بـ SIGNAL على عينة من الإسرائيليين شملت 451 مبحوثًا حول الصين ومبادرة الحزام والطريق إلى أن معظم المبحوثين فرقوا بين شعب الصين والحكومة الصينية، فلا يعتقدون أن هناك حرية تعبير أو صحافة في الصين، لكن النظرة إلى الثقافة والشعب الصيني إيجابية، فقد رفضوا الصور النمطية السلبية التي تُنسب غالبًا إلى الصين.
وعدّ الأغلبية أن إسرائيل مهمة بالنسبة للصين والعكس صحيح، وأن 60% من المبحوثين الإسرائيليين رأوا أن بكين تلعب دورًا إيجابيًا في العلاقات الدولية رغم معرفتهم القليلة أو المعدومة عن دور الصين في السياسة العالمية حيث إن 7% منهم فقط سمعوا عن اسم الرئيس الصيني شي جين بينغ.
إسرائيل في الحزام والطريق
يرى مدير فرع شركةAPCO العالمية للشؤون العامة والاتصالات الاستراتيجية في إسرائيل روي فيدير أن إسرائيل سوق جاذبة لمبادرة الحزام والطريق خاصة مع التطورات الهائلة في مجال الطاقة وفتح طرق التجارة مع العرب وبدء تحالف جيو-اقتصادي متنامي بين إسرائيل وقبرص واليونان.
على الجانب الآخر هناك مساعٍ إسرائيلية للدخول في هذه المبادرة التي أعلنت عنها الصين عام 2013، حينها لم تعلن حكومة إسرائيل اتجاهاتها، لكن ظهرت الاتجاهات الإيجابية للأخيرة للمبادرة مع مساهمتها بصفتها عضو مؤسس في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) الذي أطلقته بكين في أكتوبر، فكانت إسرائيل واحدة من آخر سبع دول انضموا في اليوم الأخير لقبول طلبات الأعضاء المؤسسين في مارس 2015.
وهذا يفسر وجود مشروعين بحريين تشارك فيهما الصين، الأول هو مشروع ميناء أشدود الجديد والمسند لشركة تابعة لشركة الصين لهندسة الموانئ عام 2014 ويتوقع الانتهاء من المشروع عام 2022 وفقا لشركة إسرائيل للموانئ والأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة يوننان في الصين Xian XIAO. والثاني هو إدارة ميناء حيفا لمجموعة شنغهاي الدولية للموانئ والذي تحدثنا عنه سابقًا والذي يتوقع أن يكون أكبر ميناء في إسرائيل.
أما بريًا، وفقًا لمرجع سابق، لدى إسرائيل خطة لإسناد مشروع خط سكة حديد سريع يمتد من تل أبيب إلى إيلات أي من البحر المتوسط إلى الأحمر إلى إحدى الشركات الصينية والتي تعمل بالفعل في مشروعات أخرى للسكك الحديدية داخل إسرائيل مثل مجموعة الصين للسكك الحديدية والأنفاق (CRTG) والمسؤولة عن بناء الجانب الغربي من مشروع خطوط الأنفاق في تل أبيب، فيما تعد شركات صينية أخرى من تلك العاملة في مجال البنية التحتية عن رغبتها في المشاركة في هذا المشروع.
من وجهة النظر الإسرائيلية، وبحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإنه حال موافقة الحكومة الإسرائيلية على إنشاء خط سكة حديد من إيلات إلى ميناء أشدود فإن إسرائيل يمكن أن تكون محطة مهمة في طريق الحرير إضافة إلى أنها تظهر في المرتبة رقم 22 بين 63 دولة تقع على طريق الحرير في مؤشر الاستثمار.
الصين وإسرائيل وقضايا الشرق الأوسط
يرتبط اسم الصين بقضيتين رئيسيتين تتعلقان بالشرق الأوسط ويرتبطان بإسرائيل، الأولى هي القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والثانية هي إيران.
تاريخيًا اعترفت إسرائيل بالصين الشعبية عام 1950 لكن الحرب الكورية التي دعمت فيها بكين حكومة الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية أمام الجنوب المدعوم من الولايات المتحدة دفع الجماعات المؤيدة لواشنطن داخل إسرائيل للحيلولة دون إقامة علاقات دبلوماسية.
وكان مؤتمر باندونج في إندونيسيا عام 1955 فرصة للقاء الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر برئيس وزراء الصين حينها شو إن لاي وتقديم شرح مستفيض للموقف في الشرق الأوسط دفع بكين لدعم مواقف الدول العربية أمام إسرائيل لتبدأ العلاقات الصينية العربية دبلوماسيًا بالتقارب مع القاهرة.
رغم ذلك دعمت بكين جهود الرئيس المصري الراحل أنور السادات لحل القضية سلميًا، وتوقيع اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979. بعدها في ثمانينيات القرن العشرين بدأت العلاقات غير الحكومية بين إسرائيل والصين، وتوجت بإقامة العلاقات الدبلوماسية في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام 1991 بحسب مرجع سابق.
مع تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مطلع 1992 أصبحت بكين تظهر في عباءة الصديق لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن مع التأكيد الدائم على حقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين بوصفه المسار الصحيح بحسب تصريح سابق للرئيس الصيني شي جين بينغ، ويُدلل على ذلك أيضًا برفض الصين لخطة السلام الأمريكية التي كُشف عنها في فبراير عام 2020 وكانت مثار جدل ورفض للعديد من الدول.
أما بالنسبة للتغييرات الأخيرة التي شهدتها المنطقة متمثلة في اتفاقات السلام الموقعة بين إسرائيل وعدة دول عربية “الإمارات، السودان، البحرين، المغرب” فينظر إلى أنها تصب في مصلحة الصين لا سيما ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية الإماراتية فكلاهما يتمتع بعلاقات متنامية مع بكين، ويتزايد الاستثمار الصيني في كلا البلدين، لا سيما في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والرقمية.
وبالتالي قد تؤدي الاتفاقات الإبراهيمية إلى تعزيز الفرص فيما بينهم، مع الأخذ في الحسبان أن أبو ظبي قد تتخذ أيضًا سلوك التحوط في التعامل مع الصين إذا ما واجهت مطالب أمريكية، وهو ما يشير إليه البروفيسور Guy Burton أستاذ مساعد العلاقات الدولية في كلية فيزاليوس للعلاقات الدولية ببروكسل وصاحب مؤلفات عن علاقات الصين بالشرق الأوسط.
بالنسبة لإيران التي ترتبط –مثل معظم دول المنطقة– بعلاقات اقتصادية قوية مع الصين المشاركة في التوقيع على الاتفاق النووي مع طهران عام 2015 والذي تعارضه إسرائيل فإن الأخيرة لا ترى بكين عاملًا مهددًا للمصالح الأمنية الإسرائيلية في المنطقة وفقًا لشيرا إيفرون زميلة معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب.
يدعم ذلك أن الصين لا تنحاز إلى أي من أطراف النزاع الإقليمي الدائر بين إيران ودول المنطقة رغم أهمية طهران لبكين التي ربما تنظر إليها أنها مفيدة فيما يتعلق بتحدي الولايات المتحدة، فقد تدعمها اقتصاديًا وسياسيًا ولكن لا تنحاز لها أو لمنافسيها في الخلاف الإقليمي.
الخلاصة :
يمكن إجمالًا القول إن العلاقة بين إسرائيل والصين تقوم في الأساس على العلاقات الاقتصادية والتجارية، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التكنولوجية ومشاركة إسرائيل في مبادرة الحزام والطريق، وأن هذه العلاقة الثنائية لا تتأثر إلا في حال وجود طرف ثالث مثل الولايات المتحدة التي جعلت العلاقات بين بكين وإسرائيل بعيدة عن الجوانب العسكرية، وعلى هذا تتخذ إسرائيل سلوكًا يتضمن الكثير من التحوط لموازنة العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.
رغم ذلك فلا ترى إسرائيل في الصين خطرًا مباشرًا على مصالحها الأمنية في المنطقة والعكس صحيح، فالصين ليست قوة إقليمية ولا تنحاز إلى أيٍ من أطراف النزاعات الإقليمية وتعمل على إيجاد شراكات إقليمية مع الدول الفاعلة في المنطقة على السواء، وفي الوقت ذاته فإسرائيل ليست قوة قريبة من الصين جغرافيًا في شرق آسيا مثلًا للتخوف منها.
ربما تقوم التحركات الإسرائيلية على الاستفادة من مبادرة الصين المتمثلة في مبادرة الحزام والطريق واستغلال الأسعار المخفضة التي تقدمها الشركات الصينية لتنفيذ مشروعات البنية التحتية لكن دون الحصول على قروض من بكين قد تدخلها في أزمات اقتصادية، مع العمل على تنويع الشركاء التجاريين مع نظرتها للاتجاه شرقًا والاستعداد لمرحلة ما بعد هيمنة الولايات المتحدة دوليًا وفق تصريح سابق لنتنياهو، فيما تعمل بكين على الاستفادة من إسرائيل عبر الموقع الجغرافي المفيد لها في مبادرة الحزام والطريق والاستثمار في الشركات الإسرائيلية الناشئة لا سيما في المجالات التكنولوجية.